اليمن: الانحدار نحو الكارثة الإنسانية
اتجهت اليمن على نحو متسارع إلى مربعٍ كارثي خطير في ما يتعلق بالوضع الإنساني نتاج سلسلة من الصراعات السياسية ابتداء من سيطرت ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء نهاية سبتمبر 2014م وحتى نهاية 2015م.
وعقب سيطرت الميليشيات على العاصمة صنعاء فرضت سلطةَ أمرٍ واقع مصحوبةً بأعمال عنف وصراع مسلح مع بقية القوى السياسية، وهو ما أدى إلى تعقيد الوضع وعسكرة المشهد اليمني دون الاكتفاء بصنعاء حتى توسعت بقوة السلاح إلى سواحل عدن.
وحين فرضت الميليشيات واقعاً عسكرياً في الداخل دخلت في توتير المنطقة وأجبرت دول الخليج على فرض خيار الحرب بزعامة المملكة العربية السعودية، الذي نتج عنه توجيه ضربة عسكرية في 26 مارس الماضي تفاقَم معها ارتفاع منسوب الفقر ونزوح الملايين من مناطق الصراع، حتى وصف رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن "أنطوان غراند" الوضع في اليمن بـ "الكارثي".
ارتفاع منسوب القتل:
تفاوتت الإحصائيات في منسوب الضحايا جراء الحرب خلال السنة الماضية، لكن إحصائيةً رسميةً تُشير إلى سقوط نحو 6 آلاف و 151 قتيلاً منذ بداية الحرب التي شنتها ميليشيا الحوثي وصالح حتى أكتوبر 2015م.
وبحسب الإحصائية الرسمية التي قدمها وزير حقوق الإنسان اليمني عز الدين الأصبحي فقد تم توثيق وتسجيل عدد القتلى في عدة مدن تركزت في تعز وعدن ولحج.
وإضافة إلى الضحايا جراء حرب الحوثيين في البلد فقد رصد التقرير الرسمي 14 ألفاً و 183 إصابة، و 7047 عمليةَ اختطاف أكثرها في أمانة العاصمة وفي مدينة عدن، ووقوع 1200 اعتداء عام، وأكثر من 2780 اعتداءً على المؤسسات الخاصة.
واتهمت الحكومة اليمنية - وَفْقاً للتقرير ذاته - ميليشيات الحوثي بأنها عمدت إلى قتل المدنيين بشكل مُمنهج عبر مجندين قناصة قتلوا كثيراً من المدنيين في منازلهم وفي الأسواق، كما تجلى ذلك في مدينة تعز المحاصرة من قبلهم منذ 8 أشهر.
وسَعت الميليشيات خلال فترة الحرب إلى زرع الألغام الأرضية التي تستهدف الأفراد، وتسببت الألغام خلال شهر إلى سقوط 145 ضحية، وخلال شهر أيضاً سقط 25 رجلاً و 26 امرأة و 12 طفلاً، و8 أشخاص من العاملين بنزع الألغام(1).
وعلى نطاق أشمل أعلن مكتب الأمم المتحدة في اليمن عن سقوط 32.307 أشخاص منذ مارس وحتى 16 أكتوبر الماضي، بينهم 5.604 حالات وفاة بمتوسط 153 أو حالةَ وفاة كل يوم(2).
ارتفاع عدد النازحين:
شكلت مناطق الصراع المسلح بين القوات الشرعية وميليشيات الحوثي وصالح، أكثر المناطق نزوحاً في البلد، إذ يتركز نزوح المواطنين في كلاً من: عدن، ولحج والضالع وتعز حجة، وصعدة وعمران، إضافة إلى نزوح كثير من مدينة تعز جراء الحصار المفروض عليها من قبل الميليشيات إلى مدينة إب المجاورة لها.
ورغم أنه لا يوحد إحصائية رسمية لعدد النازحين في الداخل واللاجئين إلى الخارج إلاّ أن الأمم المتحدة رصدت أكثر من 2.3 مليون شخص نازح داخل اليمن حتى شهر أكتوبر 2015م، كما فر خارج البلاد 121.000 ألفاً معظمهم من رعايا دول إفريقيا.
وأسباب ظاهرة النزوح جراء الحرب لا سيما في المناطق الوسطى تعود إلى تدني المستوى الغذائي وارتفاع منسوب الفقر في أوساط المدنيين، إضافة إلى ما كانت تعانيه اليمن من قبل وتصنيفها ضمن الدول الأكثر فقراً وتدنياً في مستوى دخل الفرد.
ويعاني النازحون البالغ عددهم أكثر من 2 مليون نازح من فقر في المواد الغذائية وأماكن للمأوى، وهو ما يتطلب جهوداً دولية للحد من تنامي الوضع الكارثي والحد من الفقر الذي يهدد دول المنطقة ككل.
وبحسب التقديرات الدولية فإن 14.4 مليون شخص في اليمن يعاني من انعدام الأمن الغذائي بما في ذلك 7.6 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي(3) .
وخلفت الحرب في اليمن خلال العام المنصرم كوارث إنسانية في عدة مجالات تتمثل في الآتي:
أولاً: مشقة المياه وانعدام التغذية:
تعاني اليمن قبل نشوب الحرب من فقر في مجال المياه وتحتل المرتبة السابعة من ببين البلدان في العالم التي تعاني من ندرة المياه، والحرب المستعرة داخلياً بالتزامن مع الضربات الجوية فاقمت من عجز الناس عن إيجاد مياه صالحة للشرب.
ويعتمد حالياً أغلب المواطنين داخل اليمن على شراء المياه عبر ناقلات، أو ما يسمى داخلياً (وايتات الماء)، وجراء ارتفاع المشتقات النفطية ارتفعت أجور المياه حتى وصل سعر أربع وحدات من المياه إلى 50 دولار، وهو ما لا يغطي احتياجات الأسرة الواحدة خلال نصف شهر على الأكثر.
وبحسب تقارير دولية فإن 19.3 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى مساعدة إنسانية لضمان الحصول على مياه الشرب الصالحة.
وتعتبر مدينة تعز أكبر محافظة منكوبة في اليمن في ما يتعلق بصعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب بفعل الحصار المفروض عليها من قبل ميليشيات الحوثي وصالح منذ أكثر من 8 أشهر، حيث يفتقر ما يقدر بنحو 360.000 شخص لإمكانية الحصول على المياه في المدينة(4) .
ثانياً: توقف المدارس التعليمية:
بفعل الحرب التي تهدد تحركات المدنيين داخل المدن توقفت المدارس الحكومية تجنباً للضرر الذي يلحق بالتلاميذ لا سيما في العاصمة صنعاء التي شهدت قصفاً عنيفاً على التجمعات العسكرية للحوثيين منذ مارس وحتى نهاية العام المنصرم.
وأعلنت سلطات الحوثيين في صنعاء الذين يتحكمون في وزارة التربية والتعليم وقف الدراسة وتعليقها أكثر من مرة، بينما أصحبت اليمن ضمن ثلاث دول عربية تعيش في منحدر تعليمي وصفته منظمة اليونيسيف بـ "التعليم تحت النار" والذي أصحبت أكثر من 8850 مدرسة، في تلك البلدان ومن بينها اليمن، غير صالحة للدراسة بفعل الدمار الذي لحق بها أو تحوُّلِها إلى مأوى للنازحين(5) .
وفي اليمن بشكل خاص أصبحت أكثر من 1.100 مدرسة غير صالحة لاستقبال العام الدراسي، ولم يلتحق نحو 1.8مليون طفل بالمدارس منذ بدء النزاع أي ثلث الأطفال ممن هم في سن المدرسة.
ورغم كل هذا الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية إلا أن دولاً من التحالف العربي سعت خلال تحرير المناطق جنوب اليمن إلى إعادة تأهيل المدارس وترميمها، إذ عملت دولة الإمارات على إعادة تأهيل 153 مدرسة في مدينة عدن.
ثالثاً: انهيار القطاع الصحي:
وفي القطاع الصحي تشهد اليمن انهياراً خطيراً؛ إذ خرج عن العمل ما يقارب من 600 مرفق صحي، كثير منها بسبب الحرب وبعضها أغلق بسبب نقص المواد الطبية اللازمة للعمل.
ومنذ مارس في العام المنصرم وحتى أكتوبر تعرضت 69 مرفقاً صحياً إلى أضرار جزئية أو كبيرة، واختطفت 27 سيارة إسعاف وقتل ثمانية عمال في مجال الصحة وأصيب 20 آخرون(6).
وفي 26 من شهر ديسمبر الماضي أعلنت مستشفى الثورة في تعز إغلاق جميع مرافقها وتعليق استقبالها للحالات المرضية، بسبب فقرها من المواد الطبية بعد أن تعرضت للقصف عدة مرات من قِبل الميليشيات. ويأتي إغلاق مستشفى الثورة أكبر مرفق صحي في مدينة تعز بعد إعلان منظمات محلية إغلاق 16 مستشفى من أصل 20، نتيجة القصف والحصار الذي تفرضه الميليشيات على المدينة(7).
رابعاً: عرقلة دخول المواد الإنسانية:
حاولت دول التحالف العربي بزعامة المملكة العربية السعودية التخفيف من حالة الانهيار الإنساني في اليمن من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وإدخالها إلى المناطق التي تفرض عليها ميليشيات الحوثي وصالح حصاراً ومن بينها مدينة تعز.
ورغم أن أحد الاتفاقات التي خرجت بها الحكومة الشرعية في مشاورات جنيف في 20 ديسمبر 2015م إدخال المساعدات إلى مدينة تعز المحاصرة، إلا أن الميليشيات سمحت بدخول مساعدات قدمتها الأمم المتحدة إلى المناطق بمحيط المدينة غير المحاصرة والتي تقع تحت قبضتهم.
وأعلنت الأمم المتحدة أن ميليشيات الحوثي وصالح تفرض حصاراً خانقاً على المدينة، وهو ما أعجزها عن تقديم مساعدات لأبناء المدين البالغ عددهم 250.000 شخص معزولين عن أي مساعدات إنسانية.
وفي حالة استمرار الحصار على مدينة تعز من قبل الميليشيات دون حصولهم على المساعدات الإنسانية فإن ذلك ينذر بأكبر كارثة إنسانية في البلد.
خامساً: معاناه إنسانية بعد تحرير المُدن:
رغم تحرر عدد من المحافظات جنوب ووسط اليمن من قبضة مسلحي الحوثي وصالح إلا أن الحرب تركت دماراً ومأساة إنسانية أنتجها المسلحون لا سيما في تعاملهم مع الخصوم السياسيين والمدن التي دخلت في مواجهة مباشرة مع الحوثيين.
وعاد المواطنون إلى بلدانهم وقراهم بعد تحررها في كلٍّ من مأرب والجوف والضالع وعدن ولحج والبيضاء؛ لكن بعد تدمير الحوثيين مرافق الحكومة وتفجير ونهب منازل بعض المدنيين.
وبحسب إحصائية لمركز الثورة اليمنية؛ فقد اقتحم الحوثيون ونهبوا 585 مبنى من بينها 282 منزلاً و 130 مؤسسةً حكومية وحزبية ومساجد ومقرات لمنظمات مجتمع مدني وثكنات طلابية، ثم أحالوها عسكرية وتمركزوا فيها، بينما دمر مسلحو الحوثي 68 مشروعاً خدمياً من آبار مياه وأبراج كهرباء في محافظتي صنعاء والضالع.
أصبحت آلاف الأسر التي عادت إلى بلداتها تعيش ظروفاً قاسيةً بعد فقدها للممتلكات، وما يزيد من معناة تلك الأسر شح الدخل اليومي؛ إذ تعتمد أغلب الأسر في دخلها اليومي على العمل الحرفي اليدوي، وهو ما قضت عليه الحرب وتوقفت الأعمال وشُلَّت الحركة التجارية في البلد، ولذلك لا يجد عموم المواطنين فرقاً بين ما قبل الحرب وأثنائها وما بعد تحرير مناطقهم.
استمرار الحرب يبقي على الكارثة:
على أهمية المساعدات الإنسانية التي قدمتها دول التحالف والتي منها ما يصل مباشرة ومنها عن طريق برامج الأمم المتحدة، إلا أن استمرار الحرب يُجذر من الكارثة الإنسانية؛ فالمساعدات لا تصل إلى جميع المحتاجين والمتضررين في الداخل.
وفي بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 25 مليوناً تدور داخله حربٌ مفتوحة يكون من الصعب أن تصل المساعدات إلى المتضررين بفعل استمرار الحرب وعدم قدرة المنظمات الدولية على الوصول إلى المحتاجين والنازحين، على الرغم من دعوة الأمم المتحدة أكثر من مرة إلى هدنة إنسانية لإيصال المساعدات إلا أنها تنتهي بالفشل.
وبقي انفراج الوضع الإنساني في اليمن مرهون بالحل السياسي الذي سيضع حداً للحرب الطاحنة على مدار السنة الماضية والأيام القادمة، وتتحمل دول المنطقة والمجتمع الدولي مسؤولية الدفع بالحل السياسي في بلد أصبحت فيه الكارثة الإنسانية تنبعث في كل منطقة.
....................................................
(1) وكالة الأنباء الرسمية سبأ،
http://www.sabanew.net/viewstory.php?id=2845
(2) تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السباق.
(5) تقرير صادر عن اليونيسيف:
http://www.un.org/arabic/news/story.asp?newsID=24406#.VoFfvfkrLIU
(6) تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
(7) للمزيد من التفاصيل:
http://alkhaleejonline.net/articles/1449209242101478100/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B9%D8%B2/