• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إفريقيا والسرطان المحيط بالعرب

إفريقيا والسرطان المحيط بالعرب

أدرك الكيان الصهيوني منذ أن أنشئ له كيان على أنقاض سكانها الفلسطينيون الأصليون وأرضهم عام 1948 بأنه يعاني من عزلة ومقاطعة عربية إسلامية، شكلت له عقدة وهواجس أمنية عديدة، وبأنه غرس دولته في بيئة عربية معادية، ترفض هذا الكيان الغاصب. لذا وضع الخطط والاستراتيجيات من أجل الخروج من هذا المأزق، فاتجهت أنظار هذا الكيان ليمد نفوذه نحو بيئات أخرى خارج الإطار العربي، والمتمثلة في إفريقيا، محققاً من وراء ذلك عدة أهداف؛ منها كسب مزيداً من الشرعية بناء على نظرية الأمر الواقع، و توسيع دائرة علاقاته والخروج من أزمة العزلة، وأيضا كسب أصوات جديدة في معارك الأمم المتحدة التصويتية، إضافة إلى خلق عداء بين هذه الدول الإفريقية وبين الدول العربية، وخاصة دول الحوض من أجل تطويق العالم العربي، والسيطرة على مصر والتحكم في موارد مياهها التي تعتبر شريان الحياة للشعب المصري، واستخدم الكيان الصهيوني عدة حجج وذرائع منها؛ أنه يمثل خط الدفاع الأول للغرب في محاربة الإرهاب والتصدي لجرائم الإبادة الجماعية وأنه يحمل رسالة إنسانية تقدمية تنموية يهدف لتنمية وتقدم الدول الإفريقية الفقيرة. وقد كان له عدة بوابات عبر من خلالها للنسيج الاجتماعي الإفريقي حيث مهد أرضية علاقاته بأن هناك قواسم مشتركة بين تاريخ الكيان وبين تاريخ الشعوب الإفريقية، حيث كرس الخطاب الإعلامي والسياسي الصهيوني منذ نشأته على الربط بين تجارة العبيد والاضطهاد ومحرقة اليهود لكسب معركة القلوب والعقول الإفريقية.

وقد ظهرت العلاقات الصهيونية الإفريقية فور إنشاء دولة الكيان الصهيوني قبل وبعيد استقلال الدول الإفريقية، إلا أن هذه العلاقات شهدت تراجعاً وصل حد القطع بسبب حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973، فقد قطعت الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان تعاطفاً ودعماً للعرب، بينما عادت هذه العلاقات وتوطدت فور دخول مصر في اتفاقية السلام  مع الكيان الصهيوني عام 1979، وسقطت موانع الخجل والتردد لدى الأفارقة عندما دخلت منظمة التحرير الفلسطينية في سلام مع الكيان عام 1993 باتفاقية أوسلو، وتلاها الأردن باتفاقية وادي عربية عام 1994.

أدوات وأهداف الاختراق:

1-إقامة علاقات للخروج من مأزق العزلة والمقاطعة العربية والإسلامية التي يواجهها منذ تأسيس كيانه، وخلق مواقف افريقية داعمة لسياسات الكيان، وكسب المعارك التصويتية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.

2-ضمان الوصول إلى منابع أو مناطق المصب لكي يضمن اكبر حصة مياه، حيث حدد ديفيد بن جوريون أهمية المياه للكيان العبري قائلاً: "إن اليهود يخوضون معركة شرسة مع العرب، وهي معركة المياه، وعلى مصير تلك المعركة يتوقف مصير الكيان ، فان خسرناها فلن نكون في فلسطين أبداً".

3- فتح أسواق جديدة، وإقامة مشاريع ومصانع في إفريقيا بأيدي عاملة رخيصة، ويشترط الكيان من الدول الإفريقية قيام هذه الدول بتخصيص مشاريع تنموية يكون الكيان مسيطر عليها، ويقوم أصحاب المشاريع من الأفارقة بشراء المعدات والمنتجات من الكيان ومستوطناته.

4-التنقيب والبحث عن المعادن وصناعة وتصدير الذهب والألماس والثروات التي تخبئها جبال إفريقيا.

5- الدخول عبر بوابة المساعدة في تطوير الزراعة وإقامة مشاريع الري وشق الطرق وإقامة الكباري، وحتى الدول التي تعترض شعوبها على الدور الصهيوني، فانه وتحت عنوان الشركات متعددة الجنسيات" يعمل الكيان بكل ثقة وأريحية.

6- مساعدة الشعب الإفريقي من الناحية الطبية الصحية وتوفير الرعاية الصحية لمصابي الايدز وكثير من الأمراض التي تعاني منها الشعوب الإفريقية.

7- تقديم المساعدات والاستشارات الأمنية والعسكرية للجيوش وكسب جانب القيادات، فطبقاً لإحصاءات وكالة التعاون الدولي الصهيونية (مشاف)، فإن إجمالي الأفارقة الذين حضروا دورات تدريبية داخل الكيان خلال المدة 2002 ـ 2009 قد بلغ 3284 متدرباً، وعدد الذين حضروا تدريبات صهيونية داخل بلدانهم 4670 متدرباً، كما بلغ عدد الخبراء الصهاينة الذي دخلوا إفريقيا لمهام استشارية بلغ 191 خبيراً صهيونياً. وفي عام 1997 وصل عدد المستشارين الصهاينة في إريتريا إلى 650 شخصاً، عملوا بأجهزة الأمن والاستخبارات ومحطات للتجسس على اليمن والسودان.

8- إن تصدير السلاح يعتبر تجارة هامة ومصدر قوة للدولة المصدرة، وقد سجلت حركة صادرات الأسلحة الصهيونية لإفريقيا ارتفاعاً كبيراً في السنوات القليلة السابقة. حيث تشير الأرقام إلى أن عام 2014 بلغت نسبة الصادرات 318 مليون دولار. علماً بأن منحنى قيمة الصادرات في صعود كبير منذ سنوات. حيث يعتبر الكيان من بين أحد أكبر عشرة دول مصدرة للسلاح.

الأهمية الإستراتيجية لإفريقيا

تهدف السيطرة الصهيونية على دول إفريقيا لتسديد ضربة للأمن القومي العربي وجعل دول إفريقيا على عداء مع الدول العربية، وعن أهمية إفريقيا بالنسبة للكيان الصهيوني يقول "تسفي مزال" نائب المدير العام لشئون إفريقيا في وزارة الخارجية: "إن العالم صغير، وان ما يحدث في أي مكان يؤثر على المكان الآخر، وخاصة لما يحدث في إفريقيا التي نعتبرها جارة لـلكيان، من الناحية الجغرافية، وإذا ما تفشى الإسلام هناك فان الكيان  سيتضرر كثيراً.

ويقيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع 46 دولة من أصل 53 دولة هي مجموع الدول الإفريقية، ويعتبر التغلغل الصهيوني في إفريقيا جزء من معادلة الصراع الصهيوني العربي، وساحة مواجهة من اجل مد النفوذ والتحكم في مجريات العالم العربي، وهو ضمن مخطط صهيوني لتفتيت العالم العربي تم وضعه منذ أكثر من نصف قرن، ويأتي هذا التمدد الصهيوني في ظل انحسار النفوذ العربي، حتى أن إيران تدخل إلى عمق إفريقيا عبر البوابة السودانية  مستغلة حالة الفقر في إفريقيا وتحت عنوان "مساعدة الأفارقة على التقدم الزراعي والصناعي والتكنولوجي" وذلك بسبب حالات الرفض العربي لتوجهات إيران التوسعية.

ويتبنى الكيان الصهيوني دوما سياسة تهدف إلى إشعال الفتن والصراعات بين الأقليات وأنظمتها، وتقديم الدعم والتدريبات والسلاح للجماعات المتمردة التي تثير القلاقل في دول الحوض ودعمها لإقامة تحالفات معها ومناوئة للدول العربية وعلى رأسها مصر،  أيضا حيث تقدم الدعم للدول الموالية  ودعم الجهات الموالية لها ومحاصرة الجهات الموالية للدول العربية. فقد دعمت "جون قارنج" في جنوب السودان، و "ميليس زيناوي" في إثيوبيا، و "أسياسي أفورقي" في اريتريا، و "يوري موسفيني" في أوغندا.

 اختراق السودان وتقسيمه:

ويعتبر تقسيم السودان من بين ابرز علامات النجاح للمخطط الصهيوني في تفتيت الأمة الإسلامية والعربية، حيث شخصت الأنظار إلى موقعه  الجيواستراتيجي وأهمية كبر حجم مساحاته منذ أواخر الخمسينيات، وكونه سلة غذائية للعالم العربي ولإستراتيجية الاكتفاء الذاتي، وتحت ذريعة الحرص على الإنسانية وحقوق الإنسان دأبت الولايات المتحدة الأمريكية التي يسيطر اللوبي الصهيوني على مركز اتخاذ قراراها المتمثل في (الكونجرس)، ودول غربية أخرى في كيل التهم للسودان بأنه يرتكب مجازر وإبادة جماعية لبعض القبائل، مستخدمين  أداة الحصار والعقوبات والضغوطات عبر محكمة الجنايات الدولية، تزامن ذلك مع حراكات نشطة للكيان الصهيوني لاستمالة بعض القبائل ودعم المعارضين والمتمردين في الجنوب بالسلاح والمال والاستشارات والتدريب، وصل هذا الدعم لحد الاشتراك في القتال إلى جانب الانفصاليين ضد الجيش السوداني في حالات كثيرة. وقد كانت أول زيارة لرئيس جنوب السودان "سلفا كير" للخارج إلى الكيان الصهيوني لتكشف عن طبيعة عمق العلاقات وحجم التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي بينهم، وفي الزيارة قدم "سلفا كير" أسمى آيات الشكر والعرفان  لــ "شمعون بيريز" قائلاً: "بدونكم ما كنا لنكون موجودين، قاتلتم معنا للسماح بإنشاء جمهورية جنوب السودان".!!

وقد ورد في صحيفة "الأهرام" بتاريخ 14-3-2012م تحت عنوان " سلفا كير سافر إلى (الكيان الصهيوني).. محمولاً فوق أكتاف العرب" قول أفي ديختر "إن جميع رؤساء حكومات الكيان... تبنوا الخط الاستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على تفجير بؤرة أزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفي أعقاب ذلك دارفور".

وعلى مستوى التنسيق الأمني والمعلوماتي والاستخباراتي، فهذا الجنوب أصبح غرفة عمليات لجميع مخابرات العالم، كما أن هذه الدولة المسيحية ستعمل ضد انتشار الإسلام في إفريقيا سوف تقف حجر عثرة أمام تواصل المسلمين مع جنوب إفريقيا ووسطها.

وسيظل الجنوب يمثل صداعاً مزمناً لمصر والسودان، وربما يتحول إلى سرطان كبير كونه أصبح بؤرة توتر في المحيط العربي وقاعدة للتحركات الصهيونية، وتهديد كبير للعمق المصري الاستراتيجي، وقد ألقى كثير من المسئولين السودانيين اللوم على مصر لأنها لم تستخدم ثقلها لترجيح كفة الوحدة، وقد سارعت بأمر التسليم بالانفصال.

ومن بين أهم تأثيراته السلبية أنه سيكون غرفة عمليات لجميع مخابرات العالم، كما أن هذه الدولة المسيحية ستعمل ضد انتشار الإسلام في إفريقيا وسوف تقف حجر عثرة أمام تواصل المسلمين مع جنوب إفريقيا ووسطها.

إثيوبيا: الخطر الداهم على مصر ودول الحوض

حظيت إثيوبيا باهتمام صهيوني كبير منذ خمسينيات القرن الماضي لاعتبارات سياسية وإستراتيجية واقتصادية وأمنية، فأهمية إثيوبيا أيضا تكمن في جغرافيتها التي تقع على عدة دول تهم الطرف الصهيوني، كما تهمه استدامة العلاقة التوترية بين هذه الدولة وبين اريتريا، ولتصبح إثيوبيا خنجراً في خاصرة الدول الإسلامية والعمق العربي، ومبعث الاهتمام الصهيوني المزعوم بإثيوبيا قائم على وجود أقلية يهودية "يهود الفلاشا"، وعلاقات تاريخية تربط اليهود بهذه الدولة. وتطورت العلاقات لدرجة أعقد حيث أصبح الكيان يمارس الضغوطات والتأثير الكبير على دول المحيط من خلال العمق الإثيوبي، فبناء سدود جديدة – يمولها ويدعمها الكيان الصهيوني- بات يهدد الأمن المصري المائي وسيقلل من حصة مصر في نهر النيل. وقد عبر خبراء سودانيون عن تخوفهم من مغبة انهيار سد النهضة، مما قد يتسبب في أزمات للسودان باعتباره قريب من منطقة الزلازل في الأخدود الإفريقي.

كما ضربت إثيوبيا اتفاقية عام 1993 الوقعة بين الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك وبين نظيره الإثيوبي ميلس زيناوي بعرض الحائط، حيث تضمنت الاتفاقية عدم انفراد طرف باتخاذ قرار أو نشاط يحدث ضرراً بمصالح الطرف الآخر فيما يخص بمياه النيل.

فإثيوبيا تمثل الآن إحدى أذرع الإخطبوط الصهيوني، فهي تسابق الريح من أجل إتمام سد النهضة، وضاعفت من سرعة بناء السدود في تجاهل سافر لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 و لجميع اتفاقيات الشراكة والتعاون المتعدد الجوانب في إفريقيا بشأن استخدام الأنهار والتي نصت على مبدأين:

-الإخطار المسبق للدول الأخرى المستفيدة من الأنهار

-عدم إلحاق الضرر بها من مختلف الجوانب

وقد استغلت إثيوبيا حالة الانشغال الداخلي في مصر والأزمات المتفاقمة، كما كانت الفترات المصرية السابقة ( السادات ومبارك) فترات  تفريط في العلاقات الإفريقية بشكل عام والعلاقات الإثيوبية بشكل خاص.

خاتمة:

لقد أدى انحسار الدور العربي بشكل عام و المصري بشكل خاص خلال العقدين الماضيين، إلى تمدد صهيوني متعدد الأبعاد، منها التنموية والاقتصادية والفنية التقنية والعسكرية والأمنية. وسمح هذا التراجع العربي بالاهتمام بإفريقيا بتغلغل الكيان الصهيوني بكل ما يملك من قوة مالية وتقنية وتكنولوجية بان يعبر إلى قلب إفريقيا ويكسب مواقفهم، حتى إن دول افريقية كانت تصوت لصالح القضية الفلسطينية امتنعت عن التصويت خلال السنوات القليلة السابقة، بل صوتت ضد القضية الفلسطينية وقضايا العرب. إن هذا المؤشر خطير يكشف عن خلل في أجندة وأولويات النظام العربي. ولا يخفى على احد أن الغرب أطلق عدة مقولات يتناولها الخطاب السياسي والإعلامي بكثافة وبمصداقية منها "صدام الحضارات" فقد اعتبر صاموئيل هانتنجتون ان الأمة (الحضارة) الإفريقية تختلف عن الأمة (الحضارة)العربية، وسوف يكون مصير هذه الأمم التصادم ابتداء من القرن الإفريقي وحتى الساحل الموريتاني على المحيط الأطلسي.

وللأسف، ازدادت العلاقات الإفريقية الصهيونية قوة وتشابك بعد اتفاقيات السلام الموقعة بين الجانب الصهيوني والعربي ( مصر-السلطة الفلسطينية- الأردن). فقد سقطت ذريعة المقاطعة بعد أن أقام أصحاب القضية وفواعلها علاقات مع  رسمية علنية مع الكيان.

ففي معركة تصويتية في 31-12-2014 فقد صوت مجلس الأمن ضد مشروع قرار فلسطيني يطالب بــ "انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي التي احتلها عام 1967، بسبب عدم الحصول على التسعة أصوات اللازمة لإقراره، وكانت كل من نيجيريا ورواندا قد امتنعتا عن التصويت.

انفوجرافيك

أعلى