حرب على الإلحاد في بنغلاديش
أعادت حوادث قتل استهدفت ناشرين و نشطاء يدعمون الإلحاد في بنغلاديش إلى الأذهان واقع الصراع الحقيقي بين الإسلاميين والعلمانيين في البلد الذي تقوده حكومة علمانية ويبلغ عدد سكانه 156 مليون نسمة، 87% منهم من المسلمين.
هذه الحوادث التي كان آخرها مقتل مالك دار نشر مطلع الاسبوع الحالي بعد قيامه بنشر كتاب لأحد الملاحدة، تدل على ردة الفعل التي بدأت تنتشر في الوسط الإسلامي بعد أن أوغلت حكومة بنغلاديش بدعم تلك الأفكار وتبني محاربة كل ما له علاقة بالإسلام والإسلاميين.
ومع استمرار ممارسة العنصرية والطائفية والظلم والاضطهاد ضد كل ما هو إسلامي في بنغلاديش، وزيادة حد الاعتقالات التعسفية وممارسة الإعدامات غير القانونية بحق قيادة العمل الإسلامي في البلد، يخشى الكثيرين من المحللين و النشطاء من تحول ردة فعل شباب ومناصري الحركات الإسلامية في بنغلاديش إلى ثورة عنيفة قد تؤدي إلى صدام مباشر مع الحكومة التي ما لبثت تمارس العنف بكل أشكاله ضد الإسلاميين في كل مرحلة منذ سيطرة عصبة أوامي العلمانية بقيادة حسينة واجد على السلطة.
وتمارس حكومة حسينة واجد ذات التوجه العلماني في بنغلاديش، حرباً سياسية ورسمية ضد كل ما يمثل الإسلام في البلد، وتقوم بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين، وأصدرت عدد من القرارات التي تسعى من خلالها إلى تعميد العلمانية في بنغلاديش وصرف الأذهان عن كل ما هو إسلامي في بلد الأغلبية المسلمة.
وقبل ذلك كله، قامت حكومة واجد بإصدار عدد من القرارات الجائرة بحق الإسلاميين المعتقلين ظلما وجوراً، وأصدرت بحقهم تهم باطلة تحت ذريعة شماعة "مكافحة الجرائم والإرهاب" ولم تكتفي بتلك الاتهامات الجائرة، بل قامت بتطبيق العقوبات المباشرة على عدد من قادة العمل الإسلامي والسياسي في البلد، وعلى رأسهم الزعيم الإسلامي عبدالقادر ملا، والذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في فبراير 2013م من قبل محكمة خاصة تم إنشاؤها من قبل الحكومة البنجلادشية في عام 2010م، لمحاكمة من رفض الانفصال عن باكستان عام 1971م، لكن الحكومة البنغلاديشية لم تلبث إلا قليلاً حتى قامت بإعدام الملا في ديسمبر 2013م، بتهمة قديمة تعكس حقيقة العداء العلماني الذي تتبناه الحكومة للإسلام والمسلمين.
وتعود جذور أزمة الإسلاميين في بنغلاديش إلى عام 1971م، حيث خاضت بنغلاديش حرباً ضروساً ضد باكستان للانفصال عنها بمساعدة الهند، لكن الشيخ عبدالقادر ملا، مع باقي قادة الجماعة الإسلامية، عارضوا هذا المخطط التقسيمي والانفصال عن باكستان للحفاظ على كيانها الإسلامي في المنطقة في مواجهة العداء الهندوسي ولدعم استقلال كشمير، لكن الهند دعمت عملائها في بنغلاديش حتى استقلوا، ثم سعت للقضاء على الوجود الإسلامي المنظم الذي يعبر عن طموحات الشعب البنغلاديشي.
وتستخدم الآن حكومة البنغال ما تسمى ب"المحكمة الدولية للجرائم" في دكا، لكي تستطيع إصدار أحكام الإعدام بسهولة، بحيث تضع قادة الجماعة الإسلامية في رأس القائمة، من دون النظر إلى قواعد النزاهة والحيادية، فهذه المحكمة وضعت لكي تستهدف في المقام الأول قادة الجماعة الإسلامية لتصفية وجودهم على الأرض، والسماح بتنفيذ مخطط نشر العلمانية في البلاد.
والعجيب أن تلك المحكمة التي أنشأت في مارس 2010، أطلق عليها صفة الدولية، مع أنها لا تخضع لإشراف أي مؤسسة دولية كونها محكمة محلية، وكل قضاتها موالون للحكومة، ولم يسمح لأي قاض أو محام من آية دولة في العالم أن يحضر ولو حتى بصفة مراقب.
ومن فضائع تلك المحكمة، ما نشرته مجلة "إكونومست" البريطانية، حيث نشرت نص مكالمات بلغت 17 ساعة علاوة على 230 رسالة بالبريد الإلكتروني، وكانت بين رئيس المحكمة نظام الحق وصديق له مقيم في بلجيكا، حيث اعترف رئيس المحكمة بأن المحاكمة هي محاكمة سياسية بحتة، وأن الحكومة تمارس عليه ضغوطًا كبيرة لإصدار حكم الإعدام ضد قيادات المعارضة. وأن المحاكمة مسرحية أعدت أحكامها مسبقًا.
وبدأ تعاظم عداء الحكومة للإسلاميين في بنغلاديش، بسبب تضاعف نفوذ الجماعات الإسلامية وزيادة ثقلها الشعبي الذي بات يشكل خطراً كبيراً على الحكومة وعلى طابعها العلماني، فلم تجد الحكومة سوى إعادة إثارة قضايا قديمة، وإصدار تهم كيدية جاهزة ضد قادة العمل الإسلامي، وأصدرت بموجبها قرارات قمعية، منها حظر أية ممارسة إسلامية سياسية، ومنع التعليم الإسلامي، واتخاذ كل الوسائل الموجهة لإضعاف المعارضة الإسلامية. وفرض العلمانية في التعليم والفكر والثقافة بالقوة، فحزب عوامي الطائفي المتطرف الذي تنتمي إليه حكومة حسينة واجد عاد إلى الحكم بطريقة مريبة بعد انقلاب عسكري عطل الدستور، ثم تم وضع دستور يراه الكثيرون مناقضًا الإسلام، ويهدف إلى تأصيل العلمانية في بنجلاديش، وتمكنت بعده الحكومة من اتخاذ إجراءات تعسفية ضد الحزب الإسلامي بالأساس، ومنعت بموجب مادة تحظر الأحزاب الإسلامية (12 حزبًا إسلاميًّا من العمل)، واعتقلت المئات من قادة وكوادر وأنصار الجماعة الإسلامية ثالث كتلة سياسية في البلاد، وشرعت في التخلص منهم عبر محاكمات هزلية كتلك التي أعدم بسببها الشيخ عبد القادر ملا.
وفي الوقت الذي تمارس فيه حكومة واجد العلمانية، أبرز صنوف الأذى والاستفزاز والممارسة العنيفة على كل ما هو إسلامي، فهي أيضا تفسح المجال لكل ما له علاقة بالمنظمات التنصيرية والجهود العلمانية وكل الأعمال الأخرى التي تناقض الإسلام، حيث يوجد ما يزيد عن 30 ألف منظمة، تركزت كل جهودها في بناء الكنائس حتى في المناطق التي لا يوجد بها أي فرد مسيحي.
ووفقًا لمدير جامعة دار المعارف الإسلامية ببنجلاديش الشيخ “محمد سلطان ذوق الندوي” في حوار أجراه مع ليلى بيومي فإن 30 ألف منظمة غير حكومية تمتلك من مساحة البلاد 54 ألف ميل مربع، تنفق تلك المنظمات ثمانية مليارات “تاكا” (200 مليون دولار) من مجموع المساعدات الخارجية التي تبلغ 10 مليارات “تاكا” سنويًّا (250 مليون دولار) (40 تاكا = دولارًا)، وتنظم بعض هذه المنظمات حملات إساءة للقرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- بصورة علنية، كما تدعم بعض المرشحين في الانتخابات الذين وصل كثير منهم إلى البرلمان ومقاعد الحكومة، ويمثلون غطاءً أو خط دفاع لأنشطتها.