الانتخابات المبكرة.. السجال الأخير بين الأحزاب التركية
تتجه الأنظار إلى تركيا مع بداية نوفمبر، الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، الذي سيختار فيها الشعب التركي برلماناً جديداً، وسيتم من خلالها تحديد معالم الحكومة الجديدة التي ستقود تركيا على مدى السنوات الأربع المقبلة، إضافة إلى أن الحزب الذي سيحصد أغلبية الأصوات سيقوم بوضع دستور تركيا الجديدة.
وستخوض الانتخابات عدة أحزاب تركية، أبرزها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومة، وحزب الشعوب الديمقراطي، وقرابة 17 حزباً، بالإضافة إلى المرشحين المستقلين.
ويزداد الجدل وسط تركيا حول نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة، وتزيد المخاوف من بقاء النسب على ما كانت في الانتخابات السابقة دون أن تحقق أي من الأحزاب الكبرى أي تقدم ملموس في الحصول على نسبة أصوات أكبر وبالتالي قدرتها على تحقيق المزيد من فرص تشكيل الحكومة، خصوصاً حزب العدالة والتنمية.
ومن المعروف أن الانتخابات التركية تتبع نظام القائمة النسبية حسب الدستور التركي الموجود منذ عام 1982، ويعتمد هذا النظام على تحديد عدد مقاعد الأحزاب عن طريق تقسيم المعدل النسبي لكل منطقة للأحزاب التي حصلت عليه بعد أن استطاعت الحصول على نسبة 10%، من مجموع الناخبين في عموم تركيا، ويطلق عليه هذه النسبة اسم "العتبة الانتخابية" أو "السقف الانتخابي".
ولا يستطيع الحزب الحاصل على أقل من 10٪ من الأصوات دخول البرلمان، ويتم اعتماد أسماء النواب حسب قوائم الأحزاب المُعدة سابقاً ضمن تسلسل رقمي.
ومن خلال التعريج على نتائج انتخابات يونيو الماضي، فقد حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 40.19%، أي حصوله على 258 مقعد في البرلمان، أما حزب الشعب الجمهوري فقد حصل على 123 مقعداً بنسبة 25% من إجمالي المقاعد، في حين حصل حزب الحركة القومية على 81 مقعداً بنسبة 16.3%، وفي النهاية حزب الشعوب الديمقراطي حصل على 79 مقعداً بنسبة إجمالية من البرلمان 13%.
هذه النسبة المتفاوتة جعلت من الصعوبة بمكان على حزب العدالة والتنمية أن ينفرد بتشكيل الحكومة، في حين شكلت عائقاً أخر أمام تشكيل حكومة تحالف بين أحزاب المعارضة نظراً لاختلاف توجهاتها الفكرية والأيدلوجية والقومية، فضلاً عن عدم قبول الحزب الحاكم التحالف مع حزب الشعب الجمهوري والدخول في حكومة شراكة.
ومن المؤكد أن الأحزاب الأربعة الكبيرة في تركيا، قد بدأت بوضع خطط جديدة وبرامج انتخابية مختلفة عن السابق، في سبيل السباق على أصوات الناخبين، ومما لا شك فيه أن حزب العدالة والتنمية هو الأكثر حرصاً على أن يقوي حصيلة ناخبيه من أجل خوض تشكيل الحكومة بشكل منفرد مما يسهل عليه اتخاذ القرارات وفقاً لما يراه مناسباً للظروف التي تمر بها البلاد.
وحسب الكثير من استطلاعات الرأي في تركيا فقد أظهرت تقدماً ملموساً لحزب العدالة والتنمية، في حين تراجعت شعبية حزبي الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي.
الكثير من الاستطلاعات قالت، أن حزب العدالة التنمية قد يحصل على 44,7% من الأصوات، في حين سيكون من نصيب حزب الشعب الجمهوري 25,5%، بينما حزب الحركة القومية سيحصل على 15,7 من الأصوات، و14,7 لحزب الشعوب الديمقراطي.
وبعيداَ عن استطلاعات الرأي العام، يبقى أن الانتخابات التي ستجرى في 1 فبراير القادم، ستجعل تركيا على المحك، حيث ينتظر الأتراك بفارغ الصبر أن تسير الأمور بشكل طبيعي، ينتج عنها فوز كاسح لأحد الأحزاب ما يتح له تشكيل حكومة بشكل منفرد بعيدا عن حكومات التوافق التي قد تثير الكثير من الخلافات والشقاق بين الأحزاب.
مشاكل وصعوبات جمة يواجهها حزب العدالة والتنمية الذي يقوده داوود أوغلو خلفا لأردوغان بعد صعود الأخير إلى منصة الرئاسة، فهناك أزمة سورية تحيط بتركيا ومخططات داخلية وخارجية يراد منها إسقاط أردوغان وطلابه إلى الأبد، والدخول بتركيا إلى بوابة شر لا نهاية لها حسب أراء المؤيدين لحزب العدالة والتنمية.
كما لا يمكن إغفال القضية الكردية، والتي كان أردوغان قد نجح بشكل كبير في سحب الأكراد إلى البساط السياسي وترك السلاح والعمل المسلح، وحصل حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة 13% من نسبة أصوات الناخبين كنتيجة لتلك المعالجات، لكن يبدو أن الأمر تغير خصوصاً بعد أن أعلن الأكراد مسألة إيقاف إطلاق النار، وهو ما سيؤثر على سير العمليات الانتخابية ونتائجها.
ويرى مراقبون أتراك أن الانتخابات التركية القادمة ذاهبة إلى أحد ثلاثة خيارات. أول تلك الخيارات: أن يفوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية المطلقة ويعود إلى تشكيل الحكومة منفرداً، وهو احتمال قد لا يتحقق مع زيادة الضغوط على العدالة والظروف المحلية والاقليمية التي يواجهها باعتباره المسؤول الأول عن سياسة تركيا في المرحلة الحالية.
الاحتمال الثاني، يذهب إلى أن تسفر نتائج الانتخابات عن نسب متقاربة لنتائج الانتخابات الماضية وهو ما يعتبره المراقبون الأكثر ترجيحاً، مما يجبر حزب العدالة على القبول بشروط الأحزاب الأخرى بتشكيل الائتلاف الحكومي. أما الاحتمال الثالث، وهو الأكثر ضعفاً، أن تأتي النتائج صادمة أكثر لحزب العدالة والتنمية، بحيث تكون خسارته هذه المرة تتجاوز بكثير خسارته السابقة، مما يجعله في وضع أضعف مما كان عليه أمام الأحزاب الأخرى، وهذا يعني أن تركيا قد دخلت في مرحلة جديدة من اللااستقرار السياسي نتيجة عدم قدرة أي حزب من الأحزاب على نيل الأغلبية المطلقة التي تسمح له بتشكيل حكومة مستقرة.
وذهب باحثون أتراك إلى أن حزب العدالة والتنمية أحس بالصدمة من نتائج الانتخابات السابقة في يونيو الماضي، مما دفعه للتحرك بطريقة مختلفة عن المرة السابقة من أجل كسب المزيد من الأصوات وتحقيق الفوز الكاسح في انتخابات فبراير القادم، وهو الأمر الذي فسروه بانضمام عدد من أعضاء حزب الحركة القومية، وحزب الوحدة الكبيرة، المعارضين إلى صفوف حزب العدالة والتنمية معلنين تركهم لأحزابهم القديمة، فضلا عن ذلك تصريحات قيادة حزب العدالة والتنمية التي توحي بأن هناك الكثير من المفاجآت التي تقد تنتظرها الجماهير التركية بحسم معركة الانتخابات وخوض تشكيل الحكومة بشكل منفرد بدون الحاجة إلى خلق تحالفات مع أي من أحزاب المعارضة.