الطاقة.. ومركزية الصراع التركي الروسي
هل ينعكس التوتر السياسي بين روسيا وتركيا حول الأزمة السورية، على واقع العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة؟! سؤال يطرحه الكثير من المتابعين للعلاقات بين روسيا وتركيا التي وصفها البعض بالدولة "المتعطشة للطاقة" نتيجة التطور السريع الذي نجحت في تحقيقه خلال سنوات.
وتعتبر روسيا من أكبر المصدرين للغاز إلى تركيا، حيث تصدر أكثر من نصف ما تستهلكه من الغاز الطبيعي سنوياً، فضلا عن العلاقات التاريخية في مواضيع شراكة البحر الأسود، والسياحة، والاقتصاد، لكن العلاقة الأكبر بالنسبة للطرف الروسي محكومة بشكل أساس بموضوع "الطاقة".
ومؤخراً بدأت علامات التوتر السياسي بين البلدين تنعكس على ملف الطاقة، ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لرفض بيع حصص غاز إضافية لتركيا بعد تصريحات نظيره التركي رجب طيب أردوغان، والذي عبر في تصريحاته عن إمكانية شراء بلاده الغاز الطبيعي من دول أخرى، في إشارة إلى امتعاضه من التجاوزات التي ارتكبها الطيران الحربي الروسي للأجواء التركية، والتدخل في سويا.
وقال أردوغان "من الممكن أن نوقف استيراد الغاز الطبيعي الروسي، وأن نقوم بتلبية احتياجاتنا من أية دولة أخرى، وعلى روسيا التفكير جيداً في الأمر".
ومن المعروف أن روسيا تعد الدولة الأكثر تصديراً لتركيا (25 مليار- حسب إحصائية عام 2014)، وفي المقابل فإن روسيا تستورد من تركيا ما قيمته 5,9مليار دولار. لكن حاجة تركيا للطاقة تزداد يوماً وراء آخر كونها في مرحلة التطور، والطلب على الطاقة يزداد يوماً وراء آخر، الأمر الذي جعل هناك علاقة طردية بين الطاقة ومستوى التقدم في البلد.
وقد وقعت شركتا الطاقة الروسية "غازبروم" والتركية "BOTASH" في نهاية ديمسمبر 2014 على مذكرة تفاهم لزيادة القدرة التمريرة لخط أنابيب الغاز "السيل الأزرق" الذي يمر عبر قاع البحر الأسود، متجنباً المرور في أراضي دولة ثالثة "ترانزيت"، في حين تقوم شركة "روس آتوم" الحكومية الروسية على إعداد الكوادر لقطاع الطاقة النووية والقطاعات المتصلة بتركيا، بعد التوقيع على إنشاء محطة "كهروذرية" في "أكويو" بتركياً، وتخطط لإنجازها في 2022، ويبلغ حجم الاستثمارات فيها 20 مليار دولار، ويتضمن المشروع بناء 4 وحدات توليد قدرة كل منها 1200 ميغا واط.
وفي ظل الأزمة السورية الحالية، والتدخل المباشر الروسي في سوريا والرفض العلني التركي للتدخل الروسي، فضلا عن عدم اتسام العلاقات الروسية التركية بعدم الاستقرار، تسعى القنوات الداخلية الدبلوماسية، لتحييد الخلافات السياسية، والتركيز على استقرار العلاقات الاقتصادية، وعلى رأسها قطاع الطاقة.
ومما يدلل على ذلك تصريحات وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي "علي رضا ألبويون" في 12 من أكتوبر الجاري، الذي أكد عدم وجود مشاكل بين روسيا وتركيا بشأن محطة أك كويو النووية الأولى في البلاد.
وتعطي الدولتان، التركية والروسية، أولوية للعلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما، نظراً لحاجة كلتيهما الكبيرة للأخرى، حيث تحتاج تركيا إمدادات نفط وغاز من روسيا، بينما تنظر روسيا إلى ضرورة تنوع شركائها الاقتصاديين وعدم الاقتصار على الدول الأوروبية الرئيسة، فضلاً عن حاجة روسيا إلى إبقاء تركيا نافذتها الضرورية على المتوسط.
ويرى خبراء أتراك أن على تركيا الاعتماد على تقديم طاقة رخيصة وصديقة للبيئة وكافية في الوقت نفسه، فضلاً عن عدم إظهار تركيا بمظهر المحتاج للغاز الروسي عن طريق إيجاد بدائل فعالة وحقيقية، بالإضافة إلى العمل على إيجاد مساومات تجلب التوازن للعلاقات التجارية الروسية التركية، والبدء باستثمارات جديدة تحرر إنتاج الطاقة من اعتماد على الغاز الطبيعي والفحم، وبالتالي تحرير تركيا من التبعية للخارج في ملف الحصول على الطاقة.