قندوز.. الصفعة القوية للحكومة الأفغانية
بقلم: إما جراهام
الغارديان
يمكننا القول أنه وحتى بالرغم من أن قوات الأمن الأفغانية قد نجحت في اجتياز الاختبار الأول باستعادة السيطرة على المدينة إلا أن الخسارة قد حدثت بالفعل, فقد نجح المسلحون في إثارة القلق الدولي تجاه أفغانستان.
إن سيطرة حركة طالبان على مدينة قندوز الأفغانية كانت بمثابة انقلاب عسكري وسياسي ودعائي لهذه الجماعة, وحتى لو استطاعت القوات الحكومية استعادتها وبسرعة فإن تأثير ما لحق بهذه القوات من هزيمة سيجعل من الصعب على كابول أن تقاتل أو تفرض سيطرتها على الحكم أو تواصل محادثات السلام. وعلى اعتبار أن مدينة قندوز تعتبر المركز الأساسي في الشمال فقد كانت آخر مدينة خسرتها طالبان في عام 2001 وأول مركز رئيسي استولت عليه الحركة منذ ذلك الحين. هذا الهجوم يعكس تحولاً في إستراتيجية الحركة ومدى ثقتها بنفسها وذلك بعد سنوات من سيطرتها المستمرة على المناطق الريفية بالاضافة الى المناوشات التي كانت تدور بينها وبين القوات الحكومية وقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو".
يمكننا القول أن ذلك سيعزز من سلطة زعيم طالبان الذي عينته الحركة مؤخراً وهو الملا أختر منصور وهو الأمر الذي سيجعل من احتمالية عقد مفاوضات سلام شيء يصعب الوصول إليه وبالتالي سوف يترك أثراً سلبيا على معنويات القوات الحكومية والمواطنين الأفغان.
ويقول كيت كلارك من شبكة محللي أفغانستان:" إن وجود حركة مثل حركة طالبان والتي تثق بنفسها وبقدراتها في ساحة المعركة والتي تشعر بأن باستطاعتها أن تنتصر عسكرياً ليس بالأمر الجيد فيما يتعلق بمحادثات السلام", مضيفاً بأنه حتى لو تمكنت الحكومة الأفغانية من استعادة مدينة قندوز إلا أن الأضرار الكبيرة التي لحقت بها مازالت شاهدة على ما حدث. وحتماً سوف تفقد ثقتك بالحكومة في حال عشت هناك."
لقد أحدثت صور مقاتلي طالبان صدمة في نفوس المواطنين الأفغان في كابول ومناطق ريفية أخرى يظن معظم الناس فيها أنفسهم يعيشون في جو آمن نسبياً حتى مع انتشار القتال وتمدده في المناطق الريفية, وفي الصور ظهر هؤلاء المقاتلون وهم يركبون سيارات الصليب الأحمر ويأخذون لأنفسهم صوراً ذاتية في وسط مدينة قندوز.
لقد تم اختيار توقيت الهجوم من أجل تحقيق أقصى قدر من التأثير السياسي حيث قامت طالبان بضرب مدينة قندوز في ذكرى تنصيب أشرف غاني كرئيس لحكومة وحدة وطنية تبدو متداعية وغير جديرة بالثقة. وهنا لا يمكن للحكومة أن تدعي بأنها لم تتلقى أي إنذار مسبق. فلعدة أشهر قام الناس في مدينة قندوز بالتلويح حيال الخطر المتعلق بالمكاسب التي يحققها عناصر طالبان في المناطق القريبة من المدينة وفي وقت معين خلال فصل الصيف أفادت التقارير بأن مقاتلي طالبان قد تدفقوا نحو ضواحي المدينة. وقد لوحت قيادة طالبان برغبتها في الحصول على دعم شعبي عن طريق إعطاء أوامر عامة للقوات بعدم إيذاء المدنيين. وذكر بعض المحللون بأن من المرجح أن تستمر سيطرة هؤلاء المتمردين على المدينة لأشهر قبل أن يتمكنوا من إعلانها قاعدة دائمة لهم, تماماً كما حدث في الموصل تلك المدينة العراقية التي أصبحت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. إن القوات الحكومية تقاتل بالفعل في ضواحي المدينة و أعداء طالبان العاديين قد تجمعوا في الجانب الآخر من الشمال متوعدين بنزع سلاح مقاتلي الحركة وإخراجهم من المدينة.
ولكن يبدو أنه من المفترض أن يتم سحب قوات إضافية من مناطق أخرى توجد فيها مشاكل أمنية تخصها وحدها, حيث سيقوم مقاتلي طالبان بتحصين أنفسهم في المدينة وبشكل سريع, حيث تفيد التقارير بأن الحركة قامت بزرع القنابل في الطرقات ونشر مقاتليها في المناطق مزدحمة.
لكن وبالرغم من الاعتقاد السائد بأن مقاتلي الحركة يفوق عدد مقاتلي أعدائها وبشكل كبير إلا أن الماضي أثبت بأن الحركة مستعدة لتكبد خسائر فادحة من أجل أن تبقى متمسكة وبقوة بمكاسب أقل في الجنوب. وكان قد ذكر المحلل بورهان عثمان بأنه وربما قد لقي أكثر من مائتي مقاتل حتفهم وهم متمسكين وبقوة بمقاطعة قلعة موسى الريفية في ولاية هلمند في الأشهر الأخيرة وذلك بعد محاولة الحكومة الفاشلة لاستعادة المنطقة. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين الكبار والسابقين في كابول:" إنه لأمر مهم كونه يعتبر الاختبار الكبير والأول بالنسبة لقوات الأمن الوطنية الأفغانية. ففي حال نجحت طالبان من إحكام سيطرتها على المدينة لفترة طويلة من الزمن فإن ذلك سيعتبر صفعة قوية للقوات الأفغانية." ويضيف:" وفي حال ظلت الحركة مسيطرة عليها في العام القادم أو لأشهر قليلة قادمة, حينها سيكون الأمر مشابهاً لما حدث في الموصل."
إن العزاء الوحيد الذي سيكون باستطاعة الحكومة أن تتغنى به منذ لحظة سقوط مدينة قندوز يتمثل في كون هذا الأمر سيضع أفغانستان وبقوة مرة أخرى على جدول أعمال المجتمع الدولي, مما سيجعل العالم يدير ظهره وببطء للأزمة السورية وغيرها من الأزمات في المنطقة.
لقد أثبتت مدينة قندوز أن باستطاعتها تولي زمام القيادة وذلك عندما قام الاتحاد السوفييتي بقطع التمويل والدعم عن الجيش الأفغاني في ثمانينات القرن الماضي, حيث كانت هذه المدينة هي المدينة الأولى والرئيسية التي سيطر عليها عناصر طالبان بعد أن انسحبت القوات الروسية من أفغانستان. وبعد فترة وجيزة من كل ذلك انجرفت البلاد إلى وحل حرب طائفية شاملة. ونرى كيف أن الغرب مازال يصر على رغبته بمنع تكرار ذلك مرة أخرى, وأن هناك بعض الخلافات حول حاجة الجيش الأفغاني للتمويل المادي بالاضافة الى المعدات والمساعدات التقنية. ويقول الدبلوماسي السابق:" وبطريقة أو بأخرى سيعود الجيش الأمريكي الى هناك, ونحن ملتزمون بتقديم الدعم لهم", وذلك في إشارة الى قيام أمريكا بتجديد دعمها للجيش الأفغاني وذلك بعد تنحي الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي عن الحكم والذي وجه انتقاداً لاذعاً لحلف شمال الأطلسي.