• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مباحثات

مباحثات "مسقط " طوق نجاة للحوثيين




في بضعة أشهر 5 على الأكثر تقريباً والعاصمة العمانية تحتضن مشاورات ومباحثات مفتوحة، متعددة إقليماً ودولياً وأممياً حول اليمن، لم تُسفر في مجملها عنّ ما يشيّ بالتّوصل إلى حلّ سياسي وملامسة حيثياته، سوى ما تنثره وسائل الإعلام من تسريبات مضلّلة تتدفق على الدوام، ليغدو الحل العسكري الأكثر حضوراً ومثولاً على أرض الواقع، ووجهة وخياراً لدى قوات التحالف والشرعية السياسية والحكومة والمقاومة في اليمن.

في السياق ذاته، تأتي مساعي المبعوث الأممي إلى اليمن، كحلقة وصل بالمباحثات ذاتها في "مسقط" التي لم تغادر بعد وفي معظم جولات التفاوض والمشاورات مربع مصالح الدول الكبرى وأجنداتها المختلفة في المنطقة، بعيداً عن واقع ما يعتمل ويدور في اليمن، وإذا لم ينفذ لها ما تريد فلتستمر الحرب والصراع والاقتتال، الذي لا يخرج عن كونه ضمن دائرة الأهداف والمصالح.

غير أن الملفت في السياق، مجيء مساعي المبعوث الأممي للتوفيق بين الأطراف اليمنية، بالتزامن مع تقدم كبير تشهده اليمن للمقاومة ميدانياً في الوسط والشمال، ودخول العاصمة صنعاء التي تعد الحاضن الجمعي والكلي للانقلابيين (صالح والحوثيين) في مرمى قوات التحالف على اعتبار كونها الهدف الأخير، ورسو خطاب الشرعية السياسية والحكومة اليمنية عند تحرير صنعاء ومداره حولها قبل الدخول في أي عملية تفاوضية وطرح حلول سياسية.

وعلى الرغم من فشل الأمم المتحدة ومبعوثها القديم والجديد في حلحلة الأزمة اليمنية سياسيًا، وفشلها تالياً في إقامة الحوار الأممي في "جنيف"، وعجزها عن تثبيت الهدنة الإنسانية التي خرقها الانقلابيين ( صالح والحوثيين) غير مرّة، علاوة على فرض تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 الصادر منذ أربعة أشهر في منتصف إبريل 2015، هاهي تطل الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأخرق بمبادرة سياسية جديدة لتعلن أولوية الحلّ السياسي عقب سلسلة من الهزائم العسكرية التي تلقاها الانقلابيين، الأمر الذي يلقي بظلال من الشّك والريبّة بشأن توقيت المبادرة الأممية، التي ليست في حقيقتها جهدًا خالصًا لمبعوثها بل هجينًا من مبادرات عمانية إيرانية سابقة.

فهل تأتي مساعي المبعوث الأممي الأخيرة ومبادرات الحلول السياسية الكثيفة والمتعددة من قبل عدة أطراف دولية وإقليمية حول اليمن، وبشكل خاص الحلول التي تطبخها وتقوم بتنضيجها كل من واشنطن وروسيا وعمان وإيران، هل تأتي لإنقاذ اليمن أم لإنقاذ الانقلابيين (صالح والحوثيين) من هزيمة وشيكة وساحقة، عقب تقدم قوات التحالف والشرعية والمقاومة على الأرض ميدانياً التي غدت تطرق أبواب صنعاء، أم أنها مراوغة وفخ جديد لالتقاط الأنفاس مع انسحاب تكتيكي من كافة المدن استعدادًا لمعركة العاصمة صنعاء الحاسمة؟

وللإجابة على ذلك، يمكن القول أن الانقلابيين وحلفاؤهم يعيشون حالة ارتباك وتراجع كبير، على المستوى الميداني العسكري والسياسي الداخلي والخارجي، إذ لم يتمكنوا من كسب المعركة سياسياً وعسكرياً ضد التحالف العربي والشرعية والمقاومة داخلياً وخارجياً ودولياً، عوضاً عن حالة التصدع التي يعيشها تكتل الانقلابيين ( صالح والحوثيين ) ومؤشرات عديدة تنم عن افتراقهم كلياً وجذرياً في كثير من المواقف والرؤى والقضايا والخيارات، ما يجعل أمر المبادرات في هذا الظرف بمثابة طوق نجاة لالتقاط الأنفاس ووقف تقدم قوات التحالف والمقاومة والالتفاف على مكتسباتها، والحيلولة دون استعادة الدولة والعاصمة صنعاء من أيدي الانقلابيين.

عدا أن مساعي المبعوث الأممي لليمن، الذي تقدم بما أشيع أنها مبادرة جديدة وهي ليست كذلك مكونة من 10 نقاط، وافق عليها الانقلابيين (صالح والحوثيين)، هي في حقيقتها جملة مطالب اعتبرتها الرئاسة اليمنية، النقاط التي حملها ولد الشيخ من مسقط إلى الرياض حيث مقر إقامة الحكومة اليمنية والشرعية السياسية، أن "فيها التفافًا على قرار مجلس الأمن الدولي 2216"، معللّة بكون العاصمة العُمانية "مسقط" معقل التحرك السياسي للانقلابيين، وشهدت مباحثات ومشاورات حوثية إيرانية أمريكية، وتميل أغلب مبادراتها للجانب الحوثي.

وتضمنت المقترحات الجديدة "استعداد الحوثيين وحلفائهم، للتعامل الإيجابي مع جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتي كان آخرها القرار رقم (2216)" كما أكدت على "وقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف، وانسحاب جميع الميليشيات والجماعات المسلحة من المدن، وفقًا لآلية يتفق عليها لسد الفراغ الأمني والإداري، ورفع الحصار البري والبحري والجوي من قبل التحالف".

ما يعني أن المساعي الحثيثة من لدن المبعوث الأممي وجنوح الانقلابيين (صالح والحوثيين) للحلّ السياسي ليس صادقاً ولا واقعياً في الجملة، بل له أهدافه وظروفه، إذ تكشف مجمل بنود ونقاط المبادرة الأممية العشر، بحسب مراقبين، عن مجرد تعامل إيجابي مع القرار 2216، رغم أنه قرار ملزم واجب النفاذ، ويحقق لهم رغبتهم في إفشال جهود التحالف وتفكيك جبهته، ورفع الحصار المفروض عليهم، بما قد يسمح بإعادة تسليحهم بطائرات وسفن إيرانية بأسلحة ثقيلة أو نقل مسلحين مرتزقة.

كما أن القرار الأممي 2216 في مجمله كان كفيلًا بحل الأزمة اليمنية ومعالجتها مبكرًا، حيث ينص على إلزام الانقلابيين بالقيام بعدد من الخطوات بصورة عاجلة دون قيد أو شرط، أهمها وأبرزها الكف عن اللجوء للعنف، وسحب قواتهم من جميع المدن والمناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية، والامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض-أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود، أو داخل أراضي دولة مجاورة.

أما المبادرة الجديدة والنقاط العشر التي حملها مبعوث الأمم المتحدة إلى الرياض، فتؤكد على ضرورة "استئناف وتسريع المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وفقًا للمادة (5) من القرار 2216، وذلك لمواصلة عملية الانتقال السياسي، بهدف التوصل إلى حل توافقي".

 ويفصح هذا البند، بحسب مراقبين ومحللّين سياسيين، عن مشاركة مرتقبة للحوثيين في السلطة وليس محاكمتهم على انقلابهم أو ملاحقتهم جنائيًا كمجرمي حرب، ذلك أن الحل التوافقي يعني منطقة وسط وتقديم تنازلات من كل الأطراف الانقلابيين والشرعية والتحالف العربي، واعتبار الحوثيين مكونًا سياسيًا له نصيب في تقاسم السلطة، وليس معتديًا أو انقلابيًا.

وشدّدت المبادرة على "الاتفاق على آلية تحفظ أمن الحدود بين السعودية واليمن وسيادتهما الكاملة، وإزالة المخاوف المشروعة لدى المملكة والجمهورية اليمنية، وعدم تدخل أي منهما في شؤون الآخر"، وهو ما يراه المراقبون بأنه قد يشكل مستقبلًا قيدًا على السعودية في محاولة وقف تمدد الحوثيين مجدداً، أو مواجهة انقلابات جديدة.

وبرغم مجيء المبادرة كمحصلة ونتيجة للمباحثات التي جرت في "مسقط " تقدم بها الانقلابيون (صالح والحوثيين) وعرضها المبعوث الأممي فقد قوبلت من قبل الشرعية السياسية والحكومة اليمنية بالرفض التام كون فيها "التفاف على قرار مجلس الأمن الدولي 2216" وتكشف مضامينها عن المحاولة المستميتة من لدن الانقلابيين وحلفاؤهم للتخلص من القرار الأممي وتجاوزه، وفرض معطيات سياسية جديدة على التحالف والشرعية في اليمن.

كما أن الحكومة اليمنية أعربت عن عدم رضاها على محادثات مسقط، وأكدت أن "نتائج المفاوضات الأمريكية مع الحوثيين وإيران لن تحقق الأمن والاستقرار في اليمن" مصرحةً بامتعاضها الشديد من التدخل الأمريكي المفاجئ، الذي استدعى الحوثيين ومنحهم غطاء جديداً، ومنحهم دفعة معنوية، وهم يخوضون صراعاً لا أخلاقياً".

كما أن مجمل النقاط العشر، التي تقدم بها الانقلابيين ونقلها المبعوث الأممي ولد شيخ أحمد للحكومة اليمنية والشرعية السياسية في الرياض كشفت حقيقة العامل والتنسيق المشترك بين المبادرات المطروحة، وخروجها من مشكاة الانقلابيين وحلفائهم، وكون معظمها صادر من لدن العاصمة العمانية مسقط القريبة من طهران.

 

أعلى