• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اللغة العربية تخدم الجيش الصهيوني

اللغة العربية تخدم الجيش الصهيوني


اور كاشتي"هآرتس"

إن برنامج تعليم اللغة العربية الذي يتم تمريره إلى طلاب المدارس الإعدادية في الوسط اليهودي على أيدي جنود من الجيش الصهيوني، يبدأ بعبارة: "كطلاب تدرسون العربية، نحن بحاجة إلى مساعدتكم لإحباط عمليات تم تلقي إنذارات ساخنة بشأنها"! ويأتي ذلك في إطار برنامج شامل يقوم بتمريره سلاح الاستخبارات بالتعاون مع وزارة التعليم، كي يجعلوا الطلاب "يعرفون أهمية اللغة العربية".

والطريقة التي تم إتباعها لإقناع الطلاب بدراسة العربية، تنطوي على قناع من التهديد والوعيد. فالعملية الموهومة يفترض أن تحدث في مدرسة الطلاب، كما يبدو بهدف تضخيم الشعور بها. ويقول البروفيسور رؤوبين شنير، رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة حيفا، وأحد رؤساء قسم اللغة والأدب العربي، إن "الجهاز التعليمي يركز منذ سنوات على تأهيل "لحم استخباري للجيش".

البرنامج التدريسي المشار إليه، والذي يعود تاريخ إعداده إلى آب 2014، كتبه مرشدو قسم "تنمية دراسات الشرق الأوسط" الذي ينشط في المدارس كجزء من وحدة الاستخبارات 8200. وكتب في البرنامج انه يستهدف طلاب الثامن والتاسع إعدادي، لكنه كتب في مكان آخر انه يمكن تطبيقه في صفوف السابع أيضا. ويتألف البرنامج من أربعة مهام: الأولى، اكتشاف مكان العملية بواسطة مربع الكلمات المتقاطعة، والثانية، التوصل إلى معلومات حول "الإرهابي" ("له شارب، ونظرته جدية وشعره اسود")، والثالثة، تحليل محادثة باللغة العربية، تركز على نقل وسائل قتالية، والرابعة، اكتشاف توقيت العملية. وحسب البرنامج التدريسي فانه إذا نجح الطلاب بترجمة عبارة باللغة العربية، "يمكن القول انه بسبب معرفتهم للغة العربية انقذوا الكثير من طلاب مدرستهم". وينتهي الدرس بتأكيد كون "اللغة العربية حتمية للوجود وللتعايش في دولة إسرائيل!".

هذا الدرس هو نتيجة واضحة لإخضاع تدريس اللغة العربية للاحتياجات العسكرية وللعلاقة الوثيقة بين نظام التعليم والجيش الصهيوني. ويتواصل في الصفوف الأعلى التركيز على تسلسل الأخطار، من خلال التعبير عن الاعتزاز بعمليات الاغتيال المعروفة، بالإضافة إلى معلومات قليلة حول "المحرقة". وتشمل نشاطات قسم تنمية دراسات الشرق الأوسط للصف التاسع، درسا حول تهديد الأنفاق و"ميراث الحملة المثيرة" لاغتيال أبو جهاد. ويمكن لطلاب الصف العاشر اختيار درس حول تصفية يحيى يعاش، فيما يتعلمون في الصف الحادي عشر حول "تأثير مصادر الإسلام القديمة على طابع عمل داعش وحماس". ويمكن لطلاب الصف الثاني عشر اختيار أحد مسارين: تصفية زعيم حزب الله عباس موسوي، أو درس حول "الجهاد العنيف المتزايد في أوروبا"، كجزء من "أحلام المسلمين بفرض هيمنة الإسلام على العالم كله". وهناك درس آخر لطلاب التاسع – الثاني عشر، يمكن طلبه في فترة ذكرى "المحرقة" فقط، وعنوانه "دور الاستخبارات في القبض على ادولف آيخمان".

هذا التكافل العسكري – التعليمي، لم  يبدأ في الآونة الأخيرة. إذ تكشف دراسة جديدة للدكتور يوناثان ماندل من معهد فان لير والجامعة العبرية في القدس، والمدعمة بسلسلة من الوثائق، جذور التعاون بين الجهازين الأمني والتعليمي في تدريس اللغة العربية للطلاب اليهود. في عام 1956 كتب مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية شموئيل ديفون، إلى رئيس شعبة الاستخبارات، يهوشفاط هركابي، تحت عنوان "تجنيد خريجي قسم الشرق الأوسط في المدارس الثانوية" انه يجب "الاهتمام بتطوير كوادر يمكنها القيام بمهام تتعلق بالشؤون العربية"، وهي مهام تتطلب "ملائمة الجهاز التعليمي لهذه الاحتياجات الخاصة". وبعد ثماني سنوات اطلع سلاح الاستخبارات "اللجنة القطرية لمدرسي اللغة العربية" على انه "وفقا لازدياد احتياجات الجيش، بادر رئيس شعبة الاستخبارات إلى لقاء مع وزارة التعليم، بهدف تشجيع تعلم اللغة العبرية".

وتشير رسالة كتبت في عام 1967، إلى "لقاء تنسيق" بين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية شلومو غازيت ووزير المعارف اهرون يادلين. ويستدل من البحث انه تم تأسيس قسم "تنمية دراسات الشرق الأوسط" بعد حرب يوم اكتوبر، كجزء من سلسلة قرارات تم اتخاذها في الجيش حول تدريس اللغة العربية. ليس من المؤكد أن الأمور تغيرت كثيرا منذ ذلك الوقت. حتى إذا انتقل التدخل العسكري في السنوات الأخيرة، إلى ما وراء الكواليس.

وتقول مدرسة مخضرمة للغة العربية "إن الذين ينفذون دروس قسم "تنمية دراسات الشرق الأوسط" هم جنود يتمتعون باللطافة ودقة التعبير، لكن أجندتهم هي عسكرية بشكل مطلق.  إنهم يصلون إلى المدرسة بالزي العسكري، ويسحرون الأولاد. وزارة التعليم لا تحارب ذلك، لا بل إنها هي التي تدعوهم. هناك معلمون يعتقدون أن هذا الترابط مسألة طبيعية، وهناك من تزعجهم العسكرة، لكنهم يحذرون من توجيه الانتقاد. ربما يتخوفون في وزارة التعليم من انه بدون الجيش لن يرغب أحد بدراسة اللغة العربية".

وقال شخص آخر يلم بتدريس اللغة العربية، انه "لشدة الوطنية تبدو إيران والعراق وداعش نفس الشيء. كان يجب على وزارة التعليم موازنة النظرة الأمنية، لكن هذا لا يحدث تقريبا". باستثناء الدروس في المدرسة، يقوم قسم "تنمية دراسات الشرق الأوسط" بتفعيل برنامج "غدناع المستشرقين" – "إطار شبه عسكري لمدة أربعة أيام، يهدف إلى تشجيع الطلاب على توسيع دراسة اللغة العربية"، كما ورد في الكراسة التي تم إرسالها قبل عدة أيام إلى مدرسي اللغة العربية.

خلال السنة الدراسية الأخيرة، شارك في هذا الإطار 3388 طالبا من صفوف التاسع والعاشر، من 128 مدرسة. كما يقوم القسم بتفعيل "استخبارات في الأفق" لطلاب الحادي عشر، وينظم مؤتمرات لطلاب الثاني عشر، ويقود "مسابقة اللغة العربية القطرية" الخاصة بطلاب الثانوية، ويشارك في دورات الاستكمال ومؤتمرات مراقبة تدريس اللغة العربية في وزارة التعليم. يبدو أن المسؤولين في وزارة التعليم يفضلون إخفاء التعاون الوثيق مع الجيش.

وقالت سيغاليت شوشان، المسؤولة عن تعليم اللغة العربية في وزارة التعليم، خلال نقاش جرى في لجنة التعليم البرلمانية، العام الماضي، "إن الهدف من تعليم اللغة العربية في إسرائيل هو التعرف على الثقافة واللغة والتراث وتاريخ الأمة العربية". وعندما قال رئيس اللجنة، في حينه عمرام متسناع، إن تدريس اللغة العربية يجب أن لا يستخدم فقط "كبرنامج تحضيري للجيش"، قاطعه رئيس اللجنة الاستشارية لموضوع اللغة العربية في وزارة التعليم، البروفيسور ابراهام شلوسبرغ، من جامعة بار ايلان، قائلا: "لقد اجتزنا منذ زمن المرحلة التي كان فيها جهاز التعليم يستخدم للتحضير للجيش". وقبل عدة أشهر من ذلك، اعتبر البروفيسور شلوسبرغ قرار وزير التعليم السابق شاي فيرون، إلغاء تدريس اللغة العربية في الصف العاشر "يمس بأمن الدولة".

في العام الماضي صدر باللغة الانجليزية البحث الذي أعده د. مندل، في إطار رسالة الدكتوراه التي قدمها إلى جامعة كامبريدج، حول خلق "العربية الأمنية" – لغة خاصة لا تتم كتابتها أو التحدث بها، وإنما ترجمتها والإصغاء لها، وتستخدم للفصل وليس للاتصال. ومن المنتظر صدور البحث باللغة العبرية في العام المقبل. وحسب د. مندل فإن "موضوع الاستشراق" (أول برنامج مكثف لتدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية) تأسس في مطلع الخمسينيات بمبادرة مشتركة من قسم الإرشاد في الجيش الصهيوني وسلاح الاستخبارات والحكم العسكري، سوية مع ديوان رئيس الحكومة، وخاصة مكتب مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية، ووزارة الخارجية. ويقول مندل إن "وزارة التعليم كانت العامل الأقل أهمية في إنشاء هذا البرنامج، وعملت فقط في كتابة بيانات مكتب مستشار الشؤون العربية. وهكذا بدأ يتولد جهاز يعتبر العربي أجنبياً، وجنود الاستخبارات شركاء طبيعيين. وهذه هي أحد أسباب عدم إشراك العرب في تدريس اللغة العربية في المدارس العبرية، وعدم ضم أي عربي طوال سنوات إلى لجنة موضوع اللغة العربية. هذه منظومة تقوم على خريجي الاستخبارات، وتعد رجالا للاستخبارات".

د. باسيلا بواردي، المدرس في جامعة بار ايلان وفي كلية اورانيم، هو العربي الوحيد في "لجنة الموضوع" التي تضم 15 أكاديمياً وموظفا في وزارة التعليم ومعلمين مخضرمين. ويقول بواردي: "لست صهيونيا، ولكن لا يهمني توجه طلاب العربية إلى الاستخبارات، لأن هذا سيخدم أهدافا أخرى في نهاية المطاف". وبهذه اللهجة الدبلوماسية المطلوبة يرد بواردي على قول شلوسبرغ  بأن "المس باللغة العربية يمس بالنسيج الاجتماعي بين الأقلية العربية والغالبية اليهودية، ولذلك فانه يشكل مسا حقيقيا بأمن الدولة".

وزارة التعليم تقوم بتشغيل 1317 معلما للغة العربية، من بينهم 167 عربيا فقط (حوالي 12%). وهذا الرقم لا يشمل المعلمين الذين يتم تشغيلهم بالتعاون مع جمعية "مبادرات صندوق ابراهيم" التي  تدير برنامج التدريس العربي "يا سلام" في حوالي 190 مدرسة ابتدائية. ويقول المدير المشارك في الجمعية امنون باري – سولتسيانو، إن "وزارة التعليم تفضل منذ عشرات السنوات قيام اليهود بتدريس العربية. ظاهرا يصعب تفسير ذلك في دولة لا ينقصها المعلمون العرب. السبب هو الدوافع العسكرية لتعليم العربية. ولذلك لا يمكن للمعلمين العرب أن يكونوا جزء من اللعبة".

في السنة الماضية، قدم 2487 طالبا يهوديا امتحان البجروت الموسع في اللغة العربية (5 وحدات). ويزيد هذا الرقم قليلا عن السنة التي سبقتها (2200 طالب)، ولكنه زيادة طفيفة لا تتعدى 3.5%. ويستدل من المعطيات المقارنة مع سنوات سابقة أن موضوع اللغة العربية هو أقل المواضيع المطلوبة في المدارس الثانوية العبرية. السؤال هو ليس كم عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية، وإنما ما هي أسس المعرفة التي تمررها إليهم وزارة التعليم. حسب ما يقوله شخص مطلع على الموضوع عن قرب، فانه لا يتم تقريبا تدريس التحدث باللغة العربية. وهذا يجب أن لا يفاجئنا: غالبية معلمي العربية، حسب ما تؤكده عدة مصادر، لا يجيدون التحدث باللغة العربية.

ويقول أحدهم: "ليس من المؤكد أن 10% من معلمي اللغة العربية يستطيعون التحدث بها بطلاقة وإدارة درس باللغة العربية". وحسب مندل، فإن "السبب الأساسي لهذا الفشل المتواصل في تعليم العربية هو ترسخ المفهوم الأمني، الذي بلور طريقة تدريس العربية وتأهيل القوى البشرية لتعليمها. إذا كان المعلم يعتقد انه لا توجد مشكلة في التدريس بواسطة ملصقات لسلاح الاستخبارات معلقة على الحائط، فان الطالب سيتقبل ذلك أيضا. وإذا كان المعلم يعتقد انه لا حاجة إلى إجادة التحدث باللغة، فهكذا سيعتقد طلابه أيضا".

ويقترح مندل بدء الانقلاب المطلوب بالاعتراف من قبل الجهاز كله "بما يقوله الطلاب منذ عشرات السنوات، وهو أنهم درسوا العربية لكنهم لا يعرفون شيئا منها". وبالتالي يجب إجراء تغيير لمجمل تدريس العربية وطرق تعليمها. إخراج الاستخبارات من المدارس وتحويل العربية إلى لغة مدنية: "لن يحدث التغيير إذا لم يتم تمدين الجهاز وتحرير أنفسنا من القواعد التي تحدد التوجه". في وزارة التعليم يقولون إن الجيش لا يتدخل في صياغة برنامج تدريس العربية. وحسب مصادر مختلفة فإن أعضاء لجنة الموضوع لا يلتقون بممثلي الجهاز الأمني. ربما لا تكون اللقاءات رسمية كتلك التي كانت حتمية في السابق. لكن مسؤولا في جهاز التعليم يقول: "من الواضح أن هناك اتصالات كهذه في الخفاء، مثلا بواسطة قسم "تنمية دراسات الشرق الأوسط"، "جدناع الاستشراق"، أو التعارف المسبق. الجيش هو عامل لا يمكن تجاهله".

حسب ما يقوله البروفيسور مئير بار اشير، من الجامعة العبرية، والذي كان في السابق رئيسا للجنة الموضوع، فإن "العربية الوظيفية" التي تركز على "النشاط التخريبي المعادي" تحظى بمكانة مبالغ فيها. "هذا جانب هام، ولكن لا يمكن التركيز عليه فقط. لقد حاولت التغيير، رغبت بتعليم العربية من خلال التركيز على الجانب الثقافي الواسع، لكن هذا لم يلائم الوزارة". وحسب أقوال البروفيسور محمود أمارة، رئيس قسم الدراسات العصرية في كلية بيت بيرل، فان "الجيش يسيطر على تدريس اللغة العربية، كما يفعل في كثير من مجالات الحياة. وبدل أن يتم التفكير بشكل مستقل، اختارت الوزارة الارتباط بالجيش".

ويقول البروفيسور شنير: "أمضيت سنوات في برنامج "تعرف على العدو" وتلك التي حاولت "التعرف على الجار"، ما يتم استثماره من ميزانيات واهتمام في النوع الأول يفوق كل خيال، لكن الحكومة ليست معنية بتطوير النوع الثاني. العلاقة المستعصية بين الاستخبارات وتدريس العربية ألحقت الضرر بالجهاز التعليمي فقط. ربما فوتنا الموعد وبات من الصعب جدا تغيير تجاه السفينة".

أعلى