• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجزائر والجوار الملتهب

الجزائر والجوار الملتهب


يعيش العالم العربي اليوم  حالة من التوتر واللا استقرار نتيجة للأزمات التي عصفت به منذ بداية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرون، والجزائر ليست بمنأى عن العالم الخارجي فهي تؤثر وتتأثر به، وهي تعتبر حلقة من هذه السلسلة حيث يعتبر امتدادها الإفريقي والمغاربي محورا إستراتيجيا نظراً لثقل انعكاساته في حالة الخلو من الاستقرار.

فالجزائر حسب مكانتها تقع في مناخ جيو- سياسي وجيو- بوليتيكي متغير وشديد التأثير بفعل تعدد العوامل، فمنطقة المغرب تعرف سجالا منذ الاستقلال بين الدول الإقليمية ولا ينفك عنها حتى دور القوى الخارجية، وعليه فإن الصراع والتنافس بين الجزائر وليبيا والمغرب سابقا كان حول الزعامة الإقليمية والريادة بالمنطقة مما جعل منها محل اهتمام للعديد من الدارسين والباحثين مؤخراً باعتبارها كانت مسرحا لتغيرات هزت العالم بسقوط ثلاثة أنظمة بشمال إفريقيا هي: ليبيا وتونس ومصر، بما يسمى الربيع العربي وموجة الإصلاحات السياسية بالمغرب كلها جعلت الجزائر تقف وحيدة بين فكي الاستمرار أو التغيير.

وقد شهدت الدائرة الجزائرية منذ مطلع التسعينيات تحديات على غرار أزمة الطوارق،  ظاهرة الإرهاب، والتهديدات الأمنية الساحلية، إضافة إلى ثورات الربيع العربي....إلخ.

مالي وليبيا وتونس....انتقال النزاع من الداخل إلى الخارج

إنّ تدهور الأوضاع الأمنية عبر الحدود التونسية الجزائرية، وقيام الجماعات الجهادية باغتيال عدة عناصر من الجيش التونسي بجبل الشعانبي، والتفجيرات الأخيرة بإحدى الفنادق التونسية - التي تنسب إلى الجماعات المنتمية إلى تنظيم داعش- تنذر بوجود تهديدات أمنية خطيرة داخل القطر التونسي وخارجه، ذلك أن الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود، كما أن التهديد الذي تشكله ليبيا على الجزائر يختلف عن غيره، فليبيا تعيش إنفلاتاً أمنيا كبيراً بسبب غياب السلطة المركزية وانهيار منظومة الأمن والدفاع، أو بالأحرى انهيار الدولة بأكملها، ونتيجة لذلك أصبح أمن الحدود الجزائرية مع ليبيا وتونس يواجه عدة مخاطر.

ومما يزيد الأمور سوءاً، تجد الجزائر نفسها مضطرة لمواجهة هذه المخاطر بمفردها وتخوض القوات المسلحة معارك على جبهات متعددة، في حين أخفقت البلدان المجاورة في وقف تقدم الجهاديين بسبب عدم امتلاكها قوات عسكرية وقوات أمن قوية للقيام بهذه المهمة، فعلى سبيل المثال تملك مالي جيشاً لا يتعدى قوامه 20 ألف جندي، بينما لا تتمكن المؤسسات الأمنية في موريتانيا حتى من حماية مؤسسات الدولة الرسمية ضد هجمات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في حين أن الجهد التونسي في مكافحة " الإرهاب" ضئيل جداً، ولا يستبعد أن يكون جزء من الصراع السياسي على السلطة في البلاد.

فالبحث عن التهديدات التي تواجهها الجزائر عبر قطرها الخارجي تكمن في منطقة لساحل كإحدى أهم المراكز التي تمثل تهديدا كبيرا على أمنها، هذه المنطقة كانت طوال عقود منطقة صراع مسلح خاصة في مالي، والتي خاضت فيها الحركات الطوارقية المالية صراعا ضدّ الحكومة المركزية في البلاد، على خلفية مطالب سياسية إثنية بلغت حدود المشروع الإنفصالي، لكن الصراع تحول جذريا في عام 2012 بإنخراط جماعات مسلحة متطرفة فيه ودخول فرنسا ومن ورائها القوى الغربية  والمجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس) إلى جانب الحكومة المالية مع بداية عام 2013 ضد هذه الجماعات التي سيطرت على شمال البلاد.

فهذا التمرد هو محصلة تحالف بين حركات طوارقية وطنية ومجموعات متطرفة من جنسيات مختلفة (مالية، نيجيرية، موريتانية، جزائرية) نشطت في مناطق الطوارق واستطاعت استمالة بعض المجموعات الطوارقية إلى برنامجها، واستفادت من مخزون السلاح الذي وصل من كتائب طوارقية كانت من ضمن كتائب نظام القذافي قبل سقوطه. ولم يكن هذا التحالف وليد لحظة التمرّد في 2012، فلقد نسجت المجموعات المسلّحة المحسوبة على الجهاديين والحركات الطوارقية الانفصالية علاقات اعتماد متبادل اقتصادية وأمنيّة ومنفعيّة خلال السنوات القليلة الماضية. وقد ساهم تحوّل طرأ على بعض قيادات التمرّد الطوارقي وعناصره في تسهيل التحالف، إذ أصبحت جماعة “أنصار الدين” الطوارقية الجهاديّة إحدى أبرز الحركات المؤثّرة في مناطق الطوارق.

 بعد التدخل الفرنسي في مالي و سيطرة الحكومة على معظم المدن الرئيسية في الشمال دفع بهذه المجموعات اللجوء إلى مناطق جبلية وعرة في الشمال الشرقي قرب الحدود الجزائرية، مما يشكل فعلا تهديدا كبيرا للجزائر.

ففي حال انفجار الوضع في مالي مستقبلا قد يفتح جبهات جديدة في دول الجوار، علماً أن المسألة الطوارقية ليست محصورة في مالي فقط، فمناطق انتشار الطوارق تتوزع بين مالي، النيجر، ليبيا والجزائر.

هذه المجموعات الجهادية الناشطة والتي تدعم الطوارق بإمدادات السلاح في منطقة الساحل هي من إفرازات الصراع السياسي في الجزائر والحرب الأهلية فيها وتداعيات التدخل الخارجي أثناء الثورة الليبية، وانتشار السلاح في المنطقة الذي سمح بحسم المعارك لصالح المتمردين والجماعات الجهادية في شمال مالي في بداية عام 2012، على دول المغرب العربي عموما والجزائر خصوصا أن تمارس دورها في الدفع نحو عملية سياسية محكمة في دول الجوار مثل مالي وليبيا وإطلاق مشاريع التنمية فيها، على أن تكون هذه المسألة في إطار سياسة أمن قومي عربي شامل لا يتوقف عند حدودها الجغرافية.

كما أن كل هذه التهديدات المحيطة بالدولة الجزائرية لا تمثل بشكل أو بآخر الهاجس الوحيد، فالبيئة الداخلية تأثرت أيضا بالتوتر الحاصل في دول الجوار لينتقل إلى الداخل عبر بروز عدة بؤر توتر كالأزمة التي تعيشها غرداية من سنة 2013 إلى يومنا هذا، إضافة إلى الهجمات التي تشنها الحركات الجهادية في عدة مناطق مختلفة كالتي حصلت في الشهر الماضي راح ضحيتها 9 جنود، أو الهجوم المباغت على ثكنة عسكرية بمدينة باتنة، كل ذلك هو نتيجة اللا استقرار في الدول المجاورة للجزائر.

الخطر القادم ...

تتعدد الظواهر المؤثرة التي تعتبر جديدة على الجزائر منها ما هو مألوف كالإرهاب الذي عانى منه الشعب الجزائري وذاق ويلات اللا أمن في التسعينيات، ومنها ما هو جديد كالحركات السلفية[2] بأنواعها العلمية والجهادية التي طفت على السطح.

فالحديث عن السلفية في الجزائر وبدايات ظهورها تعود إلى بدايات القرن العشرين، و تحديدا على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس، حيث عرَفَت الدعوةُ السلفية نشاطها الكبير في الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي على يد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كان يرأسها الشيخ عبد الحميد ابن باديس ـ رحمه الله ـ وكان من علمائها المبرِّزين الشيخ الطيب العقبي، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ مبارك الميلي، والشيخ العربي التبسي، وغيرهم

يحصي المتتبعون حالياً ثلاثة أنواع من  السلفية في الجزائر، التيار الأول يمثل السلفية السياسية أوالسلفية الحركية؛ والثاني السلفية الجهادية التي تتبنى الجهاد؛ والسلفية العلمية أي السلفية القائمة على المعرفة الدينية.. وهي سلفية مكرّسة لعلماء الإسلام أو الحركة الوهابية، وذلك في إشارة إلى تأثرها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

بينما تشكل السلفية الجهادية الخطر الكبير في الجزائر نظراً لإمتلاكها إحتياطي خطير للأفكار المتطرفة ولها جذور تمتد إلى مالي وليبيا وأفغانستان، وإعلان ولائها لتنظيم داعش مؤخرا، مما جعل الحكومة الجزائرية تواجه صعوبات كبيرة في كبح تمددها خاصة.

وبالتالي يمكن القول أنّ العامل الجغرافي عاملا محدداً لهذا الأمن، فالجزائر تحتل موقع يعتبر نقطة تقاطع إستراتيجية متعددة الأبعاد، البعد المغاربي – البعد المتوسطي – البعد الإفريقي، هذه الأبعاد خلقت عقيدة أمنية متنوعة حيث لعبت فيها الجزائر على إعتبار موقعها دوراً محوريا في دعم حركات التحرر أو مكافحة الإرهاب في ظل التحولات التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة وأحداث 11 سبتمبر 2001، ومحاولاتها لحل الأزمة المالية عن طريق الحوار الدبلوماسي ودعم السلم في ليبيا، مما يجعل من الجزائر في حالة من شد للأطراف يعرضها للخطر، خاصة وأن التهديد قد إنتقل من الخارج ليصل إلى عمقها في مدينة غرداية الواقعة ضمن الولايات الوسطى للوطن.

خاصة وأن الوضع الأمني السائد في الدول المجاورة للجزائر، يزيد من تهديد التنظيمات المسلحة بشن هجوم انتقامي بعد التدخل العسكري الدولي في مالي، وانتشار الأسلحة المهربة في ليبيا على طول الحدود الجزائرية التونسية، كلها عوامل ساهمت في زيادة عوامل التهديد للجزائر.

أعلى