• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
القوميون الأكراد وهوس الانفصال

القوميون الأكراد وهوس الانفصال


منذ أن تقسمت ولايات دولة الخلافة العثمانية وتحول القوميات المسلمة من الهوية الاسلامية الواحدة إلى هوياتهم المتعددة بدفع من الإحتلال الإنجليزي بعد أن وعد تلك القوميات بالاستقلال، يعاني الأكراد منذ تلك الفترة الطويلة من انسلاخ في الهوية الاسلامية السنية، هاربين منها إلى الهوية القومية، غير أن الإنجليز لم يلتزموا بوعودهم مع الأكراد ولم يمنحوهم استقلالهم، وبات حلم "الدولة الكردية" مقتطعا، وعبارة عن أراضي من دول تركيا والعراق وإيران وسوريا، وناضل أجيالهم من أجل هذا الحلم ودفعوا الدماء وعانوا الأمرين مما عزز انسلاخ هويتهم الاسلامية، واستعانوا بكل مستعمر يدخل تلك البلدان سعياً لمنحهم هذا الحق، أو كما يعتقدون هم بذلك.

حتى جاء احتلال العراق الذي منحهم ميلاد دولتهم "كردستان" بإقليم شبه دولة تعميقا لمخطط تقسيم المقسّم, وقبل ذلك نظام صدام حسين السابق قد يكون أفضل من أعطى الأكراد حقهم دون سلخهم من دولة العراق، فأعطاهم حكما ذاتيا داخل دولة العراق، لكنهم لم يكتفوا وطمعوا بالمزيد، فتعاونوا مع إيران في حربها على العراق في الثمانينات وكذا الحال مع الاحتلال الأمريكي في حربيه الأولى والثانية ضد العراق، فكانوا كرفقائهم في المكون الشيعي عونا لهم في احتلال بلدهم.

ومن ذلك التاريخ – احتلال العراق – بدؤوا سريعا العمل على تنفيذ مشروعهم، وبدأت تظهر تصرفات سياسييهم الأنانية ودعواتهم الانفصالية التي تتعاظم كل يوم، حتى أصبح حلمهم ثابتا من الثوابت يجب أن يقره كل عراقي، ويجب أن يبقى أبد الدعر يعتذر لهم لسلبهم هذا الحق. وبهذه الأجواء تحرك الأكراد بمكر ومن وراء أضواء الإعلام بعمليات تطهير عرقي من العرب في مناطقهم، تحديدا عام 2003 اول سنة للاحتلال الأمريكي، إذ بدأ الأكراد بإرغام المواطنين العرب بالهجرة من مناطقهم عن طريق التهديد والمال باتصالهم بأصحاب البيوت العرب والتركمان وشراء بيوتهم بأضعاف أسعارها العادية، ثم جرت عمليات إخراج العوائل العربية عنوة في المدن الكردية من قبل مليشيات البيشمركة بحجج كاذبة، منها أن النظام السابق كان قد قام بتوطينهم، وفعلا بدأت هجرة العرب مرغمين هاربين بجلدهم، وانتقلت هذه العدوى إلى كركوك أكثر مدينة مختلطة بأطياف المكونات العراقية والتي يتساوى تقريبا فيها الأكراد والعرب والتركمان من حيث التواجد، إضافة لأقليات أخرى تتواجد فيها أيضا، وصارت المدينة الإستراتيجية الغنية بآبار النفط مسرحا لعلميات التهجير واستهداف العرب السنة، إذ قامت المليشيات البيشمركة الكردية بحملة تطهير عرقية ضد العرب عن طريق الهجوم على المناطق السكنية العربية لتفرض على السكان مغادرة بيوتهم والتخلي عن أراضيهم، وكذلك انتقلت العدوى إلى نواحي في المحافظات المجاورة للإقليم والتي يختلط الأكراد فيها مع العرب والتركمان يطالب الأكراد بأحقيتها وضمها لإقليمهم، ثم اتخذت حملة التطهير العرقي الكردية طابعاً شرعياً بعد إصدار البرلمان الكردي قانوناً يقضي بمصادرة ممتلكات العرب القاطنين في المنطقة بعد عام 1957 وإحلال الأكراد محلهم، ودعي القانون آنذاك إلى توسيع مساحة المحافظات الكردية الثلاث (أربيل ودهوك والسليمانية) لتستقطع العديد من الأقضية والنواحي من محافظات الموصل وكركوك وديالى, وكان هذا القانون ممهدا لمرحلة جديدة برسم الدستور العراقي الجديد الذي وعد فيه المبعوث البريطاني للعراق آنذاك بإقرار حق توسيع مناطق الكيان الكردي في بنوده.

وأعلن المحتل الأمريكي مشروع الدستور العراقي الذي كان دور سياسيي الأكراد فيه دور العراب، وانصبت مساعي الأكراد في إقناع السنة الذين كانوا يرفضون إمضاء الدستور والعملية السياسية، وقدم الأكراد وعودا لسياسيي السنة نكثوها لاحقا، ووافق السياسيين السنة على العروض الكردية, و الأكراد كانوا اشد الحرص على إمضاءه كما فعل الشيعة، لأن الطرفان رسموا بنود الدستور بما يخدم قضية مكونيهم بعيدا عن المصلحة الوطنية، وبالطبع بعيدا عن أهل السنة، جرى تزوير الاستفتاء في مسرحية هزلية، ومضى مشروع الأكراد في الانفصال وعززوا اقليمهم " إقليم كردستان العراق" متخذيه شبه دولة بعد أن جيروا ذلك الدستور، وصاروا حالة فيدرالية خاصة لم تحدث في تاريخ الدول كلها، لهم دولة منفصلة، ولهم في دولة العراق، تجدهم ساعة يصرحون بدولتهم " كردستان" وحق تقرير المصير والانفصال، وساعة أخرى يطالبون بحقوقهم في العراق. لهم علمهم الخاص، ولهم برلمانهم الخاص، و لهم دستورهم الخاص، ولهم جيشهم الخاص، وعند دفع المستحقات المالية من ثروات العراق يتباكون ويستصرخون بحقوقهم "الوطنية" رغم سرقتهم  للنفط العراقي في أراضيهم.

 وبمكر وخديعة وقف الأكراد مدافعين حينما شاهدوا المكون الشيعي يستهدف شريكهم المكون السني بأجندة إيرانية، وأعلنوا في تصريحات رنانة وقوفهم مع السنة، لكنهم لم يكونوا أبدا كما أعلنوا، إذ كان مكون الأكراد – ويفعل هذا لليوم - يستخدم السنة كأوراق يستغلها ليلعب بها مع المكون الشيعي، فهم حينما يجد الجد وتنتهي العاب الجذب والشد تجدهم إخوة متحابين مقصين بذلك شريكيهم السني في صنع القرار بعد أن يتفقان. تبرز تلك العلاقة خاصة في الأحداث المحورية للمشهد العراقي، أي عند إقرار الدستور والاستفتاء عليه وتشكيل الحكومات المتعاقبة واختيار الرؤساء الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء) وامضاء القوانين وغيرها من تلك الأحداث.

ولأن السياسي السني ضعيف بلا حاضنة من دولة إقليمية عكس غرمائه، كان يقبل بذلك ويرضى أن يساند الكردي الأجندة الإيرانية على حساب جراح أهل السنة ومآسيهم, وبرز كذب تلك التصريحات والإعلانات أكثر في معركة الفلوجة الثانية، ذاك الحدث الأهم في تاريخ السنة, إذ اشترك الأكراد بمليشياتهم البيشمركة مع الحرس الوطني الشيعي في الصفوف الأولية حينما حشّدهم الاحتلال الامريكي على أبواب الفلوجة لقتال فصائل المقاومة العراقية السنية، والتي انتهك فيها المحتل الأمريكي الجرائم والفضائع بحق المدنيين، وحقق الأكراد من تلك المعركة مصلحتهم على حساب السنة، تلك المصلحة التي هي فوق كل شيء، فهم كانوا ينعمون بأمن رغيد مقارنة بالمحافظات السنية التي كانت تعاني ويلات حرب الاحتلال الأمريكي، ولم يقاوم الأكراد الاحتلال أبدا – إلا ما ندر من فصائل كردية تحمل هوية إسلامية بعيدة عن تلك الأحزاب القومية كأنصار الاسلام- وكفوا أنفسهم عن ذلك الواجب الوطني كما فعل الشيعة، تاركين السنة وحدهم في مواجهة الأمريكي, واستغل الأكراد ذلك الوضع بدعم أمريكي متواصل حتى اليوم، دعما لمصلحة " دولة كردستان" . نفسها تلك المصلحة التي رسمت سياسة دولة الإقليم التصالحية مع محيطها بالاستعانة مع أمريكا، فتصالح الاكراد مع ايران و الكيان الصهيوني و تركيا.

تتضح صور ذلك التصالح مع إيران مثلا التي تعاني من عقوبات دولية، فتح الإقليم أبوابه شرقا أمام التجارة الإيرانية في كردستان, وتتضح الصورة أكثر في إنشاء إيران لمدارس ايرانية في كركوك واربيل إضافة لبناء الحسينيات إلى غيرها من التصريحات والزيارات الودية المعلنة بين الطرفين، ومع أن إيران تستخدم التركمان الشيعة كورقة مع الأكراد، إلا أن تلك الأوراق لا تظهر كثيرا إلا عند الشد والجذب, كذلك يفعل الأكراد مع الكيان الصهيوني بعد أن أعلن تصدير النفط الذي يستولي عليه من العراق للكيان الصهيوني مخالفا دستورهم الذي كتبوه، إضافة لتصريحات ودية وصور اللقاءات في أكثر من مناسبة مع الشخصيات الصهيونية وعلى العلن.

ونظرا للمصلحة الكبرى فقد شملت صور هذه السياسة التصالحية حتى تركيا التي تمثل اكبر تهديدا لحلم "دولة كردستان" ، فمقابل سكوت تركيا عن الدولة الناشئة، فتح الأكراد أبواب اقليمهم الشمالي للأتراك كي يكون الإقليم معبرا نحو الجنوب الشرقي الاسيوي، إضافة لما يمثله ذلك الكيان الكردي من منطقة هادئة حاجزة يحمي تركيا من لهيب الحروب المشتعلة في العراق.

حتى جاءت أحداث سقوط الموصل بيد تنظيم داعش والتي تلتها سقوط متهاوي لمدن أخرى سنية من يد الحكومة المركزية وهروب جيشها، غيرت تلك الأحداث كل موازين المنطقة وتأثرت فيها كل القوى، لكن الأكراد كانوا المستفيد الأول من هذه الأحداث، فقد استغل البيشمركة انسحاب الجيش العراقي ليسرق سلاحه والياته ويستولي على معسكراته، إضافة لتقدمه في كركوك والتي كان يطالب سابقا بضمها لاقليمه، غير أن تصريحات برزاني رئيس كردستان جاءت مؤكدة أن لامجال للحديث عن كركوك كما هو حالها قبل أحداث الموصل في تقاسم سلطة الحكومة المركزية وسلطة الاقليم إدارة المدينة، وكذلك طالت أيدي البيشمركة على النواحي التي كانت يطمع الإقليم بضمها له في المحافظات المجاورة ديالى والموصل وصلاح الدين.

كما أشعل الأكراد من هذه الأحداث قضية ايزيدي سنجار الذين تعرضوا للطرد من قبل تنظيم داعش كما فعلوا مع المسيحيين وممن يخالف فكر داعش ، استطاع الأكراد تدويل القضية بمساعدة أمريكية ليتم تشكيل خلايا مسلحة من الايزيدين ودعمها لتتولى عمليات التطهير العرقي الكردي بحق العرب بدل البيشمركة بحجة مظلوميتهم, حيث قامت الميليشيات الإيزيدية بعمليات انتقامية ضد 12 قرية عربية في منطقة سنجار أسفرت عن مقتل العشرات وتهجير عدد كبير من أبناء العشائر العربية بالإضافة إلى نهب وسلب أرزاق الناس كردّ فعلٍ على المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش ضدهم. وذكر احد أعيان العشائر العربية آنذاك رد قائد الميليشيات الايزيدية (قاسم ششو) حينما قالوا له أنهم جيران ولا يجوز ما يفعلونه، قال : "كنا جيران في السابق أم اليوم فلا" طالباً منهم الخروج من قراهم مع عائلاتهم وعدم العودة لها مطلقا, وتحدث الأهالي عن عمليات قصف بالهاونات سبق الهجوم على القرى من قبل تلك المليشيات وقع ضحيتها عشرات المواطنين بين قتيل وجريح، تلاها عمليات حرق ونهب للبيوت والأموال وممتلكات المواطنين من سيارات وغيرها، إضافة لاعتقال شبابهم بحجة مساندتهم لداعش, وأن البيشمركة على تواطئ مع تلك المليشيات بتلك الانتهاكات، إذ يجرى الأمر أمام أعينهم وتحت سلطتهم، وحتى وعودهم للمجتمع الدولي بإجراء تحقيقات لم تجد على ارض الواقع مكانا، وذكر مراقبون أن البيشمركة مهّدت لأحداث اعتداءات الايزيديين على ألعرب، إذ قامت مسبقاً بتفتيش تلك القرى وتجريد الأهالي من الأسلحة، والتأكد بعدم وجود حماية كافية تحميهم من أي اعتداء, وحتى مع مليشيات المكون الشيعي الحشد الشعبي، وقفت البيشمركة متفرجة على اعتداءات الحشد في خانقين وجلولاء ومناطق أخرى، مدافعة فقط عن ممتلكات الأكراد، مفسحة المجال لاستنزاف العرب السنة وإضعافهم في تلك المناطق .

وللاقليم الدور الأبرز في دعم أكراد سوريا لمواجهة العرب وتمديد حلم " الدولة الكردية " وإتماما لسياسة تغيير ديمغرافية المنطقة, فبالإضافة للتسليح والدعم اللوجستي، دفعت كردستان بفصائل كردية عراقية مسلحة نحو سوريا في سياسة مشابهة لما قام به المكون الشيعي من إرسال فصائله دعما لنظام بشار الأسد، وكما هي سياسة الأكراد في العراق دفع الاقليم اكراد سوريا لمصالحة بشار الاسد كي يواجهوا سنة سوريا وثوارها كلا لأهدافه ومصالحه الخاصة, ودأبت سياسة الأكراد بتوحيد جبهة القتال مع داعش في سوريا والعراق مستغلين الدعم الدولي لهم بالمال والسلاح والغطاء, ذلك الغطاء الذي غطى عن انتهاكات الفصائل الكردية بحق سنة سوريا العرب, إضافة لعب إقليم كردستان العراق دورا بارزا في دعم كرد تركيا بهدف تقسيم البلد وانضمام أراضي الأكراد للدولة الحلم، فكان له دورا بارزا بالمفاوضات مع تركيا من أجل حلحلة الوضع الكردي السياسي المتأزم، راسما بذلك مراحل خفية تنتهي بانفصال أكراد تركيا، لذلك الأكراد يعملون بتلك القوة برضى صهيوني وايراني وبدعم أمريكي، ذلك الدعم الذي تهدف منه أمريكا استخدام الأكراد كأوراق لإمضاء مشاريعها في المنطقة مع اللاعبين الإقليميين الأتراك والإيرانيين والخليجيين و الصهاينة والروسيين.

لكن السؤال هنا، هل ستفي أمريكا بوعودها مع الأكراد؟ أم ستغدر بهم كما فعل معهم البريطانيين؟ خاصة بوجود اللاعب التركي الرافض لأي دولة كردية على حدوده والتي ستهدد بلده بالتقسيم، والإيراني الذي يخشى أن تصل أيادي الأكراد يوما أرضه التي يتسع فيها أراضي أكراد إيران السنة إضعاف أراضي كردستان العراق, هذا الدعم الأمريكي لأكراد العراق والذي يقابله الدعم الإيراني لشيعة العراق يطرح سؤالا آخر، أين العمق الاسلامي السني العربي بمواجهة هذين العمقين الطائفيين القومي الكردي والمذهبي الشيعي الإيراني ؟ لماذا يترك اللاعبيين الإقليمين السنة سنة العراق يواجهون مصيرهم وحدهم بدون دعم أو حاضنة يدفعون بها الأذى عن بلادهم وعن الأمة ؟.

وللإنصاف، فان هوس الانفصال عند الأكراد هذا لا يعم عموم الشعب الكردي، فالاكراد كأقرانهم في القوميات المسلمة شعب سني مسلم فيهم الصالح والطالح، فيهم الكثير يرفض لغة العنصرية القومية ويضع دينه وعقيدته فوق تلك المسميات، ويرفضون سياسات ممثليهم السياسيين، وهم كثر، ولكنهم ليسوا في قيادة المكون الكردي, واتضحت هذه الصورة حينما فتحوا ذراعهم وبيوتهم عندما نزح العرب السنة لكردستان العراق هاربين من لضى المعارك، بالرغم من تضييقات حكومة كردستان وعقباتها وبالرغم من الهمز واللمز وأحيانا الاعتداءات من بعض الاكراد المنتمين للأحزاب القومية المتعصبة.

أعلى