• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحل العسكري خيار المقاومة في اليمن

الحل العسكري خيار المقاومة في اليمن


تسارعت وتيرة الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية في اليمن، نهاية يوليو الفائت بشكل دراماتيكي غير مسبوق، نجم عنها حدوث تغيّر جذري في ميزان ومعادلة الصراع وتمكن دول التحالف والشرعية والمقاومة الشعبية من إحراز انتصار سياسي وعسكري، من المحتمل أن يفضي إلى دفع تكتل الانقلابيين " صالح والحوثيين" باتجاه الحلّ السياسي، إن لم تعزز التطورات المتسارعة في المشهد حتمية وخيار الحلّ العسكري.

فقد حسمت قوات الرئيس هادي والمقاومة الشعبية ومن خلفها دول التحالف العربي العشري في اليمن معركتين مفصليتين في وقت قياسي، تكللّت بسيطرة القوات التابعة لها على قاعدة العند الجوية الاستراتيجية، التي لا تقلّ في تأثيرها عن معركة عدن التي كسبتها الشرعية ابتدءاً وخسرها الانقلابيون" صالح والحوثيين" ورسخت في ثراها أقدام المناوئين لهما على الأرض.

 وفيما ألقت مجمل التطورات الجارية في جنوب اليمن بظلالها وتأثيراتها على تكتل الانقلابيين " صالح والحوثيين " وخسارتهم للمعركة بعد مضي 100 يوم من إعلان الحرب والتعبئة العامة، فقد أسهمت وأثرّت الأحداث الأخيرة في الجنوب إلى حد كبير على الجزء الشمالي الواقع تحت سيطرتهم أيضاً.

إذ أن انتصار دول التحالف والشرعية والمقاومة الشعبية، الذي يعد الأبرز والرئيس مذ بدء الحرب في اليمن قد أحدث تحولاً كبيراً وفارقاً في المناخ السياسي والنفسي وفي ميدان النزال والقتال بين طرفي الصراع، أفضى إلى انكماش قوات صالح والحوثيين وتراخيهم عن مواقفهم المتصلبة إزاء، كما منح الطرف المناهض والمضارع لهم جرعة كبيرة من الأمل في تعزيز دور المقاومة وعملها في الميدان وتوحيد صفوفها لاستعادة الدولة وتحريرها من سطو المليشيات.

 إلا أن المكاسب السياسية والعسكرية التي تحققت للتحالف والشرعية والمقاومة حتى الآن في الجنوب، وعلى وجه الخصوص في مدينة عدن وماحولها تبقى هشة وغير مكتملة، كونها ليست في منأى عن عودة قوات صالح والحوثيين للقتال والحرب في أرجائها.

 عدا أن حالة من الغموض مازالت تكتنف طبيعة وحيثيات استيلاء قوات الشرعية والمقاومة على ميناء عدن والمطار والمدينة وقاعدة العند الجوية والاستراتيجية وغيرها من المدن والمناطق والمقار الأمنية والمواقع العسكرية، هل جرت وفق تفاهمات سياسية غير مرئية أو تمت طبقاً لقواعد الحروب والمعارك العسكرية الصفرية.

ذلك أن العديد من العواصم العربية احتضنت في غضون الشهر الماضي وقبله سلسلة مفتوحة من اللقاءات والحوارات والمفاوضات والتفاهمات بين أطراف عدة حول الوضع القائم في اليمن، وكانت في مجملها تشير إلى استئناف عملية التفاوض والحل السياسي دون أي نتائج أو توضيحات تذكر، سوى تلميحات وإشارات وردت في تصريحات صحفية للمبعوث الأممي حول تطبيق القرار (2216) وتصريحات مماثلة في المقابل للحوثيين وصالح أفصحت عن جنوحهم للحلّ السياسي وتلويحهم به.

وقد بدا جلياً أن رضوخ الانقلابيين "صالح والحوثيين" للحل السياسي ناتج عن كونهم عجزوا فعلياً عن الصمود في المحافظات الجنوبية وبعض المدن في الشمال والوسط التي شهدت مواجهات عسكرية، فضلا عن أن يكون لديهم أمل بالتقدم وتحقيق أي نصر وفشلهم الذريع في فرض شرعية الأمر الواقع.

 لكن من الملاحظ أن الانقلابيين يستميتون في العادة لتحقيق هدف معين، ولوقت محدود ومحدد جدا، غير أنهم في هذه المرة لسوء حظهم ليسوا هم من يحدد هذا الوقت ولافي متناولهم أيضاً فرصة تحقيق الهدف، بل تحدده ظروف الجبهة السياسية التي يستميتون فيها بحثا عن "حل سياسي" ينطبق عليه الوصف بـ "السهل الممتنع" في حال مجيئه وفق حساباتهم كما أشار إلى ذلك الكاتب والمحللّ السياسي عبد الملك شمسان في مقالة له عن " الحل السياسي باليمن. السهل الممتنع".

ويعلّل شمسان حول ذلك بقوله في تعليق له عن الحل السياسي في اليمن " سهلٌ لأن جميع الأطراف توافق عليه، بل وكل طرف يشيد به ويعتبره خياره الأول والمسار الأفضل ويقول إنه لم يتجاوزه إلا مجبرا بسبب الطرف الآخر، ويفترض -بناء على هذا-أنه قريب متاح وفي متناول اليد، وممتنع – في ذات الوقت-لأن كل طرف لديه في هذا الحل السياسي مطالب مختلفة عن مطالب الطرف الآخر ".

ويضيف:" كل من الرئاسة اليمنية والحكومة والمقاومة الشعبية وقيادة التحالف، ينظرون إلى أن الحل السياسي هو تنفيذ صالح والحوثي للقرار الأممي رقم (2216) ولا شيء غير ذلك إلا أن تكون تفاصيل في هذا الاتجاه، وصالح والحوثي ينظرون للحل السياسي من جانبهم باعتباره ذلك الحل الذي يبذلون دونه الجهود ليأتي متزامناَ مع خروجهم من المحافظات التي تشهد مواجهات، فيوقف عليهم الحرب ويعترف لهم بالسلطة على صنعاء وبقية المحافظات التي يسيطرون عليها بالقوة" .

ويتوقع شمسان أن ذلك قد يفضي إلى "حوار يدمج سلطة هذا الثنائي الجغرافي، وبما يمنحهم ذات النتيجة التي حصل عليها صالح من المبادرة الخليجية في 2100م، ابتداء بالحصانة، وانتهاء بالاعتراف لهم بنصف السلطة أو أكثر من ذلك أو أقل حسب مجريات الحوار، إضافة إلى القدر الذي يسيطران عليه –بشكل مباشر أو غير مباشر-في حصة الطرف الآخر على نحو ما حصل في 2011م".

ولذا فإنهم يستميتون في ميادين القتال بالتوازي مع الاستماتة في ميادين السياسة بحثاً عن هذا الحل السياسي الذي يأملون من خلال التوصل له أن يأتي في أسوأ الأحوال متزامناً مع خروجهم من تلك المناطق وتنتهي به الحرب عليهم، ويضمنون به الحصانة وقدرا من الاستمرار والبقاء.

في ذات السياق، لابد من استحضار موقف الأمم المتحدة التي تمد عمليات التحالف العسكرية بالشرعية الدولية رديفا ومؤيدا للشرعية اليمنية. ويكفي للإحاطة بالمهم من هذا الموقف الأممي أن نقف على هذه الفقرة من الحوار الذي أجرته قبل أيام صحيفة "البيان" مع المبعوث إسماعيل ولد الشيخ:

يسأله الصحفي: "خلال إفادتكم بمجلس الأمن 12 أغسطس، هل ستطلبون استصدار قرار جديد"؟ سؤال ذكي وفي غاية الأهمية أراد به الصحفي أن يحسم للرأي العام ذلك الجدل بشأن اعتزام الأمم المتحدة إصدار قرار جديد يخلط الأوراق التي رتبها القرار رقم (2216) أو ربما ينسخ هذا القرار الذي تستند عمليات التحالف إلى شرعيته الدولية، فتترجح بذلك كفة صالح في هذا الحل السياسي.

ويجيب المبعوث الأممي بقوله: "حتى الآن لا يوجد أي حديث عن قرار جديد من مجلس الأمن ونحن حتى الآن متمسكون بالقرار 2216 ونرى أن هناك تقدما وسنصل إليه وعندما نصل إلى اتفاق سياسي وإلى تلك المرحلة من الممكن أن يقرر، وهذا شيء يرجع لمجلس الأمن، لكن ليس هناك في القريب أي حديث عن قرار جديد".

وعلى هذا يقول شمسان: " ليس واضحا ًما هو الأساس الذي يبني عليه الطرف صالح والحوثي تلك النتيجة في أذهانهم، أي انتهاء الحرب وتوقفها عند حدود تلك المحافظات وأنها لن تتجاوزها إلى المنطقة التي قاموا بتسويرها في مخيلاتهم!؟ " .

بالإضافة لما سبق، ماذا يملكون من الأوراق التي يعولون عليها ويمكن من خلالها أن يفرضوا هذه النتيجة، سوى أن ثمة تسريبات عن موقف أمريكي يقال فيه إن الولايات المتحدة حريصة على استمرار الحوثيين كقوة سياسية وعسكرية وحاضرة في السلطة، وأنها تمارس من أجل ذلك أشكالا من الضغوطات على المملكة العربية السعودية التي تهدف من جانبها إلى تحرير صنعاء العاصمة وبقية محافظات الشمال.

 غير أن المملكة وقيادتها السياسية الحالية ترى أن التفريط أو التنازل عن أي قدر من هذه النتيجة سيجلب لها المتاعب مستقبلاً وسيكون له عواقبه الوخيمة في ظل انعدام خياراتها للتعامل مع ذاك الواقع المستقبلي، إذ يستحيل أن تتأتى لها مجددا فرصة كهذه الفرصة التي تملكها اليوم.

بل ربما أن موقف الأمم المتحدة الذي أتى صريحاً في حوار المبعوث الأممي ما قد يشير إلى حقيقة الموقف الأمريكي، وأن موقف الطرفين متطابقان، وحتى إذا كان للولايات المتحدة مسار آخر يميل نحو صالح والحوثيين فإنه يظل مسارا جانبيا لا يرقى لأن يكون مصدرا لثقة صالح والحوثيين به أو الركون إليه.

غير أن تطورات الأحداث الراهنة في اليمن توحي باحتمالات عدة على كافة الاصعدة يمكن أن تأخذها الأوضاع بصنعاء وما حولها بينها حدوث انشقاق أو انقلاب داخل الحوثيين

وتوجد احتمالات عدة يمكن أن تأخذها الأوضاع بصنعاء وما حولها. وأحد هذه الاحتمالات هو أن تبدأ التغيرات عبر انشقاق أو انقلاب عسكري من الداخل على الجماعة، وقد يُحسم بتسوية تفصل الوحدات العسكرية والأمنية عن المليشيات، وتلزم الحوثيين بسحب مسلحيهم.

وهو الأمر الذي لا يجد صعوبات كثيرة في ظل الفشل السياسي والإداري للجماعة، والذي من المتوقع أن يؤثر على تماسكها وعلى إمكانية صمود الولاءات والتحالفات القبلية والعسكرية معها.

وفي ظل ما سبق، يبقى السيناريو الأبعد الذي قد يصبح اضطرارياً، إذا استمر تمرد الانقلابيين، هو أن تتواصل العمليات العسكرية باتجاه صنعاء ومحيطها كبقية المحافظات الأخرى.

 وفي هذه الحالة، قد تحدث انهيارات مفاجئة للقوات الموالية لصالح والحوثيين وفقاً للمؤشرات الراهنة. إلا أنّ الحكومة ستواجه صعوبة في تأمين المدينة بعد السيطرة عليها، لكون هذه المناطق هي مناطق النفوذ الأساسي والعمق الاجتماعي للانقلابيين. وبسبب وجود خارطة قبلية وسياسية وعسكرية معقدة قد لا يستقر الوضع معها بالإخضاع بالقوة، بل بالتفاوض ولو مع جزء منها.

أعلى