الفدائي..دراما فلسطينية تفضح الاحتلال
شكل مسلسل “الفدائي” الذي أنتجته فضائية
الأقصى العام الجاري نقلة نوعية في خضم العمل الدرامي والفني الهادف الذي بتنا
نفتقده منذ سنوات طويلة.
ويتناول المسلسل المنتج في غزة قضيتي الأسرى
في السجون الصهيونية، والتهويد الذي تتعرض له الضفة الغربية والقدس. وتدور أحداث
المسلسل حول معاناة سكان حارة فلسطينية في مدينة الخليل التي ما زال الاحتلال يسيطر
بشكل كامل على البلدة القديمة منها ويقطنها المئات من مستوطنيه.
ووفقاً لمخرجه محمد خليفة، فإن المسلسل يستعرض
ما تتعرض له المقدسات من تهويد إضافة إلى عمليات الاستيلاء القسرية الصهيونية على
الأراضي الفلسطينية، كما أن المسلسل يعرض الحياة الاجتماعية الفلسطينية.
وأكد خليفة أن الهدف من المسلسل هو "إيصال
رسالة للعالم عن الواقع الفلسطيني، وتعزيز فكرة المقاومة في عقول أبناء الشعب
الفلسطيني، وتوضيح مشروعيتها للعالم العربي والإسلامي".
ويشد المسلسل بحلقاته الثلاثين المشاهد العربي
التواق للعمل الهادف بعدما انحدرت الدراما العربية إلى العُري وغياب المضمون بل
وسخف المتداول.
تفاصيل الفدائي
وفي التفاصيل يتحدث الفدائي عن المقاومة بكافة
جوانبها وصعدها اعلامياً وشعبياً وكفاح مسلح.
ويتمحور المسلسل حول محاولة ضابط صهيوني يعمل
في جهاز المخابرات العامة الصهيونية(الشاباك)، إلقاء القبض على مجموعة فلسطينية
تقاوم الاحتلال في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية وسط فشل ذريع الأمر الذي يؤدي
به إلى حالة من الجنون والهستيريا.
ويستعرض المسلسل ما يعانيه الأسرى من قمع
وتعذيب، وعدم توفر أدنى مستويات المعيشة الإنسانية للأسرى داخل المعتقلات
الصهيونية.
كما يستعرض عمليات المقاومة الفلسطينية بجنوب
الضفة والمعاناة التي يواجهها السكان بسبب عربدة المستوطنين ومضايقاتهم اليومية
للفلسطينيين.
ويشارك في العمل الدرامي نحو 200 شخص إلى جانب
نخبة من الممثلين الفلسطينيين أبرزهم سعد العطار ووليد أبو جياب وكاظم الغف الذين
يصنفون ضمن أفضل ممثلين الدراما في قطاع غزة.
قلق صهيوني
وبسبب ما حققه من كثافة في المشاهدة خاصة في
الأراضي الفلسطينية بات المسلسل يقض مضاجع الاحتلال الصهيوني حيث أغرقت الصحافة
العبرية بالتحليلات لنتائج محتملة قد تودي بالأمن الصهيوني بعد رفعه للهامات.
واتهم وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون صراحة
المسلسل بالتحريض والتسبب في العمليات التي وقعت مؤخراً في الضفة والقدس.
وقال يعلون خلال لقاءه مع صحفيين صهاينة، ، إن
"الناس تجلس في العيد وشهر رمضان في البيوت، وتشاهد برامج التلفزيون ويخرجون للقيام
بأعمال معادية للصهاينة.
توعية العرب والمسلمين
وبدوره أوضح مدير الإنتاج بفضائية الأقصى زهير
الإفرنجي أن الهدف من نشر مسلسل الفدائي الدرامي هو توعية الجيل بقضايا وهموم الشعب
الفلسطيني المعاني من الاحتلال، وتبيان ما يفعله الاحتلال بالأسرى في سجونه، إضافة
على غرس ثقافة المقاومة والعزة في نفوسهم.
واعتبر الإفرنجي أن حجم التفاعل مع المسلسل
كبير وغير مسبوق سواء كان في غزة أو الضفة أو في الدول العربية الأمر الذي يعني أنه
أوصل الرسالة.
وأشار إلى أن حب الصغار والكبار للمسلسل
وإعادة تمثيل ما تضمنه بكهة طفولية يوضح أن المسلسل نجح بشكل كبير وأنه أوصل رسالته
الوطنية.
كاميرا واحدة
ومن ناحيته أوضح مدير إنتاج المسلسل أحمد
الوحيدي، أنّه جرى اختيار أكثر الأماكن تراثًا في غزة خلال عملية التصوير التي تمت
بكاميرا واحدة فقط، مثل بيت الباشا، وقصر الباشا، وسباط العلمي، ومجموعة من البيوت
الأثرية"، لتحاكي تراث البلدة القديمة في الخليل.
ويواجه طاقم العمل وفقاً للوحيدي صعوباتٍ في
اختيار مكان يتناسب مع طبيعة الضفة المحتلة حيث تتمتع بالصخريات والخنادق الامر
الذي يحتاج إلى هندسة ديكور لتقريب المشهد أكبر قدر ممكن.
تقدم واضح
ومن جهته أكد مدير قسم الإنتاج في (اذاعة صوت
الأقصى)، مصعب شحادة، أن مسلسل الفدائي شكل تقدم واضح في العمل الدرامي الفلسطينية.
وقال شحادة:" طالما تم تصوير وإنتاج عمل نال
اعجاب الجمهور فهدا يدل على تقدم واضح في العمل الفني رغم قلة الامكانيات وحداثة سن
طاقم العمل والممثلين".
وأضاف:" مسلسل الفدائي يساهم في إبراز عناوين
مهمة لقضيتنا لفلسطينية ودور المقاومة المدافعة عن حقوقنا ... أهمها فضح جرائم
الاحتلال عبر عرض مشاهد لجرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني".
ودعا شحادة لتشجيع هذه الأعمال الدرامية حتى
تخرج للنور بالشكل الذي يساهم في وصول ما يحتاج له الجمهور العربي وغير العربي
المتعاطف مع القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.
واستعرض شحادة آليات عدة تؤدي للاهتمام في
الأعمال الفنية أبزها إقامة أكاديمية لتعليم هذا الفن، مشيراً إلى قيام الغرب
بإنفاق عشرات مليارات الدولارات على أفلام كثيرة تحمل فكرة موجهة نحو هدف معين.
وتابع:"الأولى أن نهتم بالأعمال الفنية نصرة
لقضيتنا العادلة....فالإعلام كان له دور كدور المجاهد...واستدرك"الصور كان لها اثر
الصاروخ في تمريغ انف الغاصب الصهيوني وهدم معنوياته".
ترحيب مجتمعي
ومن أكثر الأشياء التي جعلت المواطن الفلسطيني
والعربي يتمسك بمسلسل الفدائي كما يروي لنا الطالب الجامعي (محمد قنيطة)، التزامه
بالضوابط الشرعية خاصة وأنه تم عرضه في شهر رمضان الفضيل فيما تعاود فضائية الأقصى
عرضه بعد العيد.
واعتبر قنيطة أن المسلسل شكل نقلة نوعية في
الدراما العربية خاصة انه مسلسل يهتم بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية ويعالج القضية
من أشخاص عاشوا المعاناة واقعيا الأمر حيث نبع العمل الدرامي من داخلهم وشرح مشاعر
الألم التي باتت تجول كل من هو فلسطيني.
وانتقد قنيطة المسلسلات الرمضانية التي كانت
تعرض في وسائل الاعلام العربية، مبيناً أنه لا طريق لتحرير فلسطين إلا المقاومة
بينما المقاومة بالإعلام والدراما.
ووصف جهاد العيلة (موظف في الشرطة
الفلسطينية)، المسلسل بالمشوق والرائع كونه أعاد روح المقاومة وهيبتها في الضفة
وغزة والقدس بل أحياها من جديد.
ورأى العيلة أن المسلسل بين من جديد من هو
الضحية ومن هو الجلاد لكل من نسى وتناسى ما يحدث بفلسطين، وفضح ظلم وقهر السجان
الصهيوني للأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية بل كشف سرقة البيوت والأراضي وهو
ما يحدث في الأراضي الفلسطينية بالفعل.
ضوابط شرعية
ورغم قلة الإمكانيات وعرضه عبر وسيلة إعلامية
واحدة إضافة إلى الشبكة ألعنكبوتيه استطاع الفدائي تحويل الأنظار عن أعمال درامية
عديدة لم تأتي بفائدة للمشاهد العربي والمسلم.
عشرات المسلسلات عرضت على الفضائيات العربية
بصفة متزامنة ومتواترة وصل أجر بعضها لعشرات ملايين الدولارات بل أن العديد منها
جلب التساؤلات عن فحواه التي أشعلت المجادلات.
وفي هذا الإطار أوضح الشيخ محمود عاشور، عضو
مجمع البحوث الإسلامية، أن مشاهدة المسلسلات الغير هادفة حرام شرعاً.
وقال "عاشور" إن مشاهدة المسلسلات تشكل جرم
كبير إذا تسببت في الهاء المسلمين عن العبادات وإذا ما احتوت على خروج أخلاقي
وألفاظ غير مهذبة الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى ترسيخ قيمة غير سوية في المجتمع
مثل شرب المخدرات.
وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المجتمع
في حاجة ماسة إلى مسلسلات تحمل قيمة أخلاقية ودينية وفكرية، لمحاربة الجهل والتطرف.
ويستخلص مما قال الشيخ عاشور أن الإسلام لا
يرفض أي عمل نافع يعالج قضايا المجتمع على أساس السلوك السليم والضوابط الشرعية
دون لمز أو انتقاص لرأي أو لخلق من أخلاق الإسلام.
ورغم أن مسلسل الفدائي الذي واجه الكثير من
المعيقات التي حالت بينه وبين ملايين المشاهدين في ظل تخبط درامي عربي إلا أنه حقق
نجاح قد يؤدي يوماً إلى تغيير ملموس في العالم العربي الفني وصولاً إلى تغيير جوهري
في الثقافة المجتمعية.