• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 التوكل على الله

التوكل على الله


الحمد لله رب العالمين، وعَدَ عبادَه المتوكلين بالكفايةِ والنَّصرِ والتمكينِ، وهوَّنَ عليهم المشقةَ وأوْهنَ كيدَ الكافرين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه إمامُ المتقين وسيدُ المتوكلين، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه الغرِّ الميامين، وعلى التابعين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين. أما بعد:

فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وكونوا بحبلِ الله معتصمين، وبكتابِه مستمسكين، وبنصرِه واثقين، ولوعْدِه راجين، وعلى رحمتِه معوِّلين، ومِن حوْلِكم وقوتِكم متنصِّلين، ومِن ذنوبِكم مشفقين، ولأنفسِكم مُحاسبِين، وعند حدودِ اللهِ واقفين، ولا تكونوا ممن استهوته الشياطين فشغلته بالدنيا عن الدِّين، }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [النور: ٣١].

معاشر المسلمين: اعبدوا اللهَ الذي خلقكم ورزقكم، وكفَاكم وآواكم، واتقوا اللهَ وتوكَّلوا عليه بصدْقِ الاعتمادِ عليه – جلَّ وعلا- في جَلْبِ المنافِعِ ودَفْعِ المضار؛ فإنَّه لا يُعطي ولا يمنع، ولا يضرُّ ولا ينفعُ، ولا يأتي بالحسنات إلا هو سبحانه.

توكَّلوا على مَن يقولُ للشيءِ: } كُنْ فَيَكُونُ{ [البقرة: ١١٧]، ويعلمُ مِن مصالِحِكم ما لا تعلمون.

عباد الله: مَن أنزلَ حوائِجَه بربِّه فليبْشِرْ بالإعانةِ التَّامةِ وتيسيرِ الأمور، ويا قُرةَ عينِه في كلِّ ما يجري مِن المقدور. قال الإمامُ ابنُ القيم :: «فالتَّوكلُ مِن أعظمِ الأسبابِ التي يَحصلُ بِها المطلوبُ، ويندفِعُ بها المكروه»[1].

فمَنْ أرادَ النَّصرَ والظَّفَرَ فليتوكلْ على الله، { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ  } [آل عمران160].

* ومَنْ أعرضَ عن أعدائِه فليُرافِقه التَّوكلُ على ربِّه، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء81]. ومَنْ أعرضَ عنه الخَلْقُ فليُقبِلْ على التوكل، { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة129]. ومَن سعى في الصُّلحِ بين المتخاصمين فليتوكل على الله، { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}  [الأنفال61].

* وإذا وقعَ المقدورُ فاستقبلْ ما أصابكَ بالتوكل، وقُلْ: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة 51].

* وإذا أحاطَ بك الأعداءُ وضاقت عليك الأرضُ، فانزل بساحةِ التوكلِ، قال الإمامُ ابنُ القيم :: «والتوكلُ مِن أقوى الأسباب التي يدفعُ بها العبدُ ما لا يُطيق مِن أذى الخلقِ وظلمِهم وعُدوانِهم، وهو مِن أقوى الأسبابِ في ذلك؛ فإنَّ اللهَ حسبُه، أي: كافيه، ومَن كان الله كافِيَه وواقِيَه فلا مطمعَ فيه لعدوِّه، ولا يضرُّه إلا أذىً لا بدَّ منه؛ كالحرَّ والبرْدِ والجوعِ والعطشِ، وأما أن يَضرَّه بما يبلغُ منه مرادَه، فلا يكون أبدًا»[2].

وقُل – يا عبد الله - كما قال هودٌ ؛ لقومِه حين قالوا له: { يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ53 إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 54 مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ  55 إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود: ٥٣ – ٥٦].

* كُنْ شاكِرًا لله على الهدايةِ واستقبلْ ذلك بالتوكلِ على اللهِ وحدَه، وقُلْ كما قال الصالحون مِن قبلِك: {  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا  وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم 11-12].

* كُن ملازِمًا للتوكلِ في أمورِكَ كلِّها، { فاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣]. وتذكَّرَ أنَّ الشيطانَ الرجيمَ ليس له سلطانٌ على المتوكلين، الواثقين بربِّ العالمين، { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ 99إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل 99-100].

* ومَنْ توكَّلَ على اللهِ وحده كفَاه وأحبَّه واصطفاه،{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: ١٥٩]، { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: ٣] ، وقال الرجلُ المؤمنُ مِن آل فرعون: { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ  وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ44  فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } [غافر: ٤٤ – ٤٥].

معاشر المؤمنين: الخيرُ الوفير والرزقُ الكثير يأتي بالتوكلِ على العليمِ الخبيرِ، قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» [3].

أمة الإسلام والقرآن: لقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ملازِما للتوكلِ على ربِّه وحده في مدْخَلِه ومخرجِه، في سِلْمِه وحرْبِه، وفي شأنِه كلِّه. كيف لا وقد سمَّاه ربُّه بالمتوكل، ففي الحديث: «أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ» [4].

وكان صلى الله عليه وسلم المثَلُ الأعلى في التوكلِ على الله وتفويضِ الأمر إليه، وحين قيلَ له صلى الله عليه وسلم وهو مُهاجرٌ: هذا الطَّلَبُ قد لَـحِقَنا يا رسولَ الله، قال: { لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] ، رواه البخاري ومسلم [5].

- وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: قلتُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: وأنا في الغارِ: لو أنَّ أحدهمْ نظرَ تحتَ قدمَيهِ لأبصرَنا، فقالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا»؟، رواه الشيخان[6].

- وكان إذا غزا صلى الله عليه وسلم قال: «اللهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَأَنْتَ نَصِيرِي، وَبِكَ أُقَاتِلُ»[7].

وفي «الصحيحين» عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه أنه غزا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبلَ نجدٍ، فلمَّا قَفَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ معه، فأدركتهُم القائِلةُ في وادٍ كثيرِ العِضَاهِ، فنزلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وتفرَّقَ الناسُ في العِضَاهِ يستظلُّونَ بالشَّجرِ، ونزلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحت سَمُرَةٍ فعلَّقَ بها سيفَه. قال جابرٌ: فنِمنَا نَوْمَةً، ثم إذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يدعُونا فجِئنَاهُ، فإذا عنده أعرابيٌّ جالسٌ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ»([8]).

* وكان الصَّادقون يُعَوِّلونَ على التوكلِ على اللهِ في سائرِ أمورِهم، قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، قالها إبراهيمُ ؛حين أُلقِيَ في النَّارِ، وقالَها محمدٌ حين قالُوا :{إن النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران 173][9].

وخلاصةُ التوكل ولبُّه وسوادُ عينِه: الثقةُ المطلقةُ بالله تعالى. ومِن هذا إخبارُه تعالى عن كليمِه ورسولِه موسى  {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إنا لَمُدْرَكُونَ 61  قَالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء 61-62].

ومِن هذا إخباره عن أم موسى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْك  وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [القصص 7]، فلولا ثقتُها بربها لَما ألقت بولدِها وفلذةِ كبدِها في تيار الماء تتقاذفُه الأمواج.

- ومِن أخصِّ صفاتِ المؤمنين الموعودين بدخولِ الجنةِ بغيرِ حسابِ ولا عذابٍ: توكلُّهم على الله وحده، ففي صفةِ السبعين ألفا الذين يدخلون الجنةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذاب أنَّهم «لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»[10].

وقال صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ الـْجَنَّةَ أَقْوَامٌ، أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ»[11] ، يعني: في التوكل.

- وقال عياضٌ الأشعري :: شَهِدتُ اليرموكَ، وعلينا خمسةُ أُمراءَ: أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ، ويزيدُ بنُ أبي سفيانَ، وابنُ حسَنةَ، وخالدُ بنُ الوليدِ، وعياضٌ. وقالَ عمرُ: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عبيدةَ. قال: فكتبنا إليه إِنه قد جاشَ إلينا الموتُ، واسْتَمْدَدنَاه، فكتبَ إلينا: إنه قد جاءني كتابُكم تسْتمِدُّوني، وإني أدلُّكم على مَن هو أعزُّ نصرًا وأحضرُ جُندًا: اللهُ ﻷ، فَاسْتنصِرُوهُ، فإنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصِرَ يومَ بدرٍ في أقلَّ مِن عِدَّتِكم، فإذا أَتاكُم كتابي هذا فقاتِلُوهم، ولا تُراجِعُوني. قال: فقاتلناهُم فهزمْناهُم. رواه أحمد[12].

اللهم اجعلنا ممَّن استهداك فهديته، وتوكل عليك فكفيته.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥  وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ } [يونس 84 - 86].

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وإخوانِه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين وسلَّم تسليمًا. أما بعد:

معاشر المؤمنين: إنَّ للتوكل على الله آثارًا حميدةً وعوائدَ جميلةً، فإنَّه يقضي على الأمراضِ النفسية، ويُذهِبُ الهمَّ والحَزن، وينشرِحُ معه الصدر، قال صلى الله عليه وسلم: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ»، قال ابنُ مسعود رضي الله عنه - راوي الحديث-: وما مِنَّا إِلَّا، ولكنَّ اللهَ يُذْهِبُه بالتَّوكُّلِ[13].

ولهذا كان نبيُّكم صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَه إذا أتى أحدُهم منامَه أن يقول: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ»، رواه البخاري[14].

- ومما حُفِظَ مِن دُعائه صلى الله عليه وسلم في قيامِ الليل: «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ»[15].

ولِـمَا للتوكل على اللهِ وحده مِن المنزلةِ الرفيعةِ في الدِّين، قرنَه اللهُ تعالى بالعبادةِ في غيرِ ما آيةٍ في كتابِه المبين، فقال سبحانه: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] ، { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [هود: ١٢٣].

هذا، واعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفْسِه، فقال جلَّ مِن قائلٍ عليمًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب56].

 اللهم صلِّ وسلِّم على هذا النبيِّ الكريمِ، واجمعنا به في جنَّاتك جناتِ النعيم، اللهم أحينا على سُنَّته، وتوفنا على مِلَّته، واسقنا مِن حوضِه، وأدخلنا في شفاعتِه، واحشرنا في زمرتِه.


 


[1] «مدارج السالكين»، (3/1756).

[2] «بدائع الفوائد»، (2/766-767).

[3] حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رواه أحمد، رقم (205)، ورواه الترمذي في الزهد، باب في التوكل على الله، رقم(2344)، وصحَّحه الألباني.

[4] حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: رواه البخاري في تفسير القرآن، باب { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب 45]، رقم(4838).

[5] حديث أبي بكر رضي الله عنه: رواه البخاري، واللفظ له، في المناقب، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، رقم(3652)، ورواه مسلم في الزهد، باب في حديث الهجرة، رقم (2009).

[6] رواه البخاري في المناقب، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، رقم(3653)، ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رقم (2381).

[7] حديث أنس رضي الله عنه: رواه أحمد، (12909)، ورواه الترمذي في الدعوات، (3584). ورواه أبو داود  في الجهاد، (2632) بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال:«اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ». وصحَّحه الألباني.

[8] رواه البخاري في المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، رقم(4135)، ورواه مسلم في الفضائل، باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس، رقم (843).

[9] أثر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: رواه البخاري في التفسير، باب { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ  } [آل عمران: ١٧٣] ، رقم(4563).

[10] حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: رواه البخاري في الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، رقم(6541)، ورواه مسلم في الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (220).

[11] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب  يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، رقم (2840).

[12] حديث عياض الأشعري: رواه أحمد، رقم (344).

[13] رواه أحمد، رقم (3687).

[14] حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: رواه البخاري في الدعوات، باب ما يقول إذا نام، رقم(6313)، ورواه مسلم في الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، رقم (2710).

[15] حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: رواه البخاري في الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل، رقم (6317)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل، رقم (769).

أعلى