نظام الأسد: بداية النهاية
بقلم: روبرت فورد - زميل كبير لدى معهد الشرق الأوسط
لم يحظَ نظام بشار الأسد بنهاية جيدة. فقواته فقدت العاصمة القروية إدلب, وبالرغم
من الجهود المتكررة إلا أنه لم يستطع أن يضع يده على الأحياء الشمالية والشرقية
المجاورة لمدينة دمشق, هذا بالإضافة إلى الإخفاقات التي لحقت به في مدينة حلب
ودرعا. كان يتوجب عليه أن يقيل اثنين من رؤساء الأجهزة السرية الأربعة للنظام.
والوضع الاقتصادي أصبح في أسوأ أحواله.
هذه الأحداث ليست أحداثاً مفاجئة لأي أحد منا. فبالرغم من تقديرات الإعلام الغربي
المتواصلة حيال الوضع الذي يعيشه نظام الأسد ووصفه بأنه آمن إلا أن الحقيقة على أرض
الواقع تقول إن الحرب السورية تعتبر حرب استنزاف وأن من المعتاد أن نرى الأنظمة ذات
الأقلية لا تودع الحكم في حروب الاستنزاف طويلة الأمد.
ونرى كيف أن نظام الأسد لا يزال يتمتع ببعض الميزات والدعم العسكري من إيران وروسيا
وهو الأمر الذي يساعد في إطالة أمد الحرب. ومع ذلك فإن في حقيقة الأمر تبدو بعض
التطورات الأخيرة وكأنها تخط بداية النهاية.
وهناك نشهد عدم قدرة النظام على الدفاع وحتى على صد الهجوم. فبالرغم من كشف
المعارضة السورية المسلحة عن خطتها لمهاجمة العاصمة القروية إدلب لأسابيع سابقة
لأوانها, إلا أن النظام يفتقر لقوات تقوم بالسيطرة على المدينة التي ضاعت من يده في
الثامن والعشرين من شهر مارس أي بعد أسبوع من بدء المعركة. لقد شعر حينها النظام
بالتعب لتجميع قوته من أجل القيام بهجوم مضاد ولكن مكاسبه وصلت إلى الحد الأدنى.
وفي أحد أطراف سوريا وتحديداً بالقرب من الحدود الأردنية السورية فقد النظام أحد
معاقله المهمة والإقليمية وهي بصرى الشام وذلك في الخامس والعشرين من شهر مارس ثم
خسر أحد الحدود المهمة ألا وهو مركز نصيب الحدودي وذلك في الثاني من شهر أبريل, وهو
آخر مركز حدودي كان لا يزال يعمل مع الأردن. كما أن الهجمات المضادة للنظام في تلك
المناطق قد توقفت فجأة. وباختصار يمكننا القول بأن النظام يظهر وبشكل عام على أنه
في موقف دفاعي الآن وأن ما يسيطر عليه من أجزاء في غربي مدينة حلب ينعدم فيها الأمن
بسبب ضعف خطوط الإمداد هناك.
زيادة حالات الانشقاق داخل صفوف النظام. كما أن هناك أربعة رجال من الشرطة السرية
والتي تعتبر أساس لقوة النظام قد انشقوا وكان قد أعلن النظام وعلى الملأ أنه تم
إطلاق النار على رأسي اثنين منهم. كما أن طرد رئيس شعبة الأمن السياسي رستم غزالة
ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء رفيق شحاده من الخدمة كان أمراً غير مسبوق.
وهناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأنه وقع خلاف بين غزالة وشحادة فيما يتعلق باعتماد
النظام على إيران, كما أن هناك أيضاً تقارير غير مؤكدة تفيد بأنه في أعقاب هذا
الخلاف تعرض غزالة للاعتداء الجسدي وتم نقله إلى المستشفى.
لقد جاء طردهم بعد رحيل حافظ مخلوف وهو ابن خال رئيس السوري بشار الأسد الأول والذي
كان يتولى منصب رئيس جهاز الأمن العام لضواحي دمشق ذات الحساسية الأمنية والذي غادر
البلاد في الخريف الماضي متوجهاً إلى روسيا أو بيلاروسيا بحسب ما أفادت التقارير.
لقد كان مخلوف وغزاله وشحادة جميعهم ضمن الدائرة الداخلية الضيقة وأن رحيلهم خلال
ستة أشهر يشير إلى وجود خلاف داخلي كبير في النظام والذي لم يكن موجوداً خلال
الثلاث سنوات ونصف الأولى لعمر الثورة.
ولم يكن هذا كافياً فقد أمر الأسد مؤخراً باعتقال منذر الأسد في اللاذقية وهي
المدينة التي يقطن فيها الأسد. لم يكن منذر ضمن الدائرة الداخلية الضيقة للنظام
ولكنه أحد الأعضاء البارزين محلياً في عائلة الأسد والذي يندرج اسمه في لائحة
العقوبات للعديد من الدول وذلك بسبب دعمه المادي للنظام. إن أحد التقارير الغير
مؤكدة أيضاً ادعت أن منذر كان على اتصال مع رفعت الأسد عم الرئيس بشار الأسد والذي
كان معارضاً للنظام السوري ويعيش في باريس هذه الأيام. ربما تكون هذه الأخبار كاذبة
ولكن القيادة السورية العليا هي شأن عائلي تقودها عائلة الأسد وعائلة مخلوف
وبالتالي فإن بوادر الخلاف الخطير الموجود يعتبر أمر غير اعتيادي وخطيراً أيضاً. إن
بوادر الانشقاق داخل صفوف النظام تدعم القاعدة لأساسية. فبعد عشرات الآلاف من
الضحايا الذين وقعوا في هذه الحرب هناك تلميحات تشير بأن المجتمع العلوي الصغير
نسبياً يشعر الآن بالتعب من المعركة ويريد الخروج منها. ونرى كيف أن ما يقوم به
النظام من حملة تجنيد إلزامية في كل من اللاذقية ودمشق لم تلقَ دعماً شعبياً هناك,
وبدلًا من ذلك فهناك عائلات تحاول إخراج أبنائها من سوريا. وفي المقابل نشهد
استجابة قوية من العراقيين الشيعة لنداء آية الله السيستاني لهم للتحرك من أجل قتال
الدولة الإسلامية في العراق. وعلاوة على ذلك فإن حركة صرخة الوطن في أوساط المجتمع
العلوي قد بقيت على قيد الحياة بالرغم من جهود النظام المبذولة لاجتثاثها من جذورها
بعد أن تم تأسيسها في أعقاب وقوع إصابات كبيرة في صفوف النظام والتي أدت إلى خسارة
قاعدة الطبقة الجوية في صيف عام 2013. وفي الوقت نفسه حاول النظام تعبئة المجتمعات
السورية الدرزية ولكنهم وحتى الآن مازالوا أكثر ميلاً للحفاظ على رأيهم الحيادي
بالرغم من قربهم من عناصر تنظيم الدولة الاسلامية.
استعداد كبير للحديث عن السلام
لقد رفض النظام رفضاً قاطعاً مناقشة أي قضايا سياسية في مؤتمر جنيف الثاني والذي
انعقد في يناير وفبراير من عام 2014. وفي المقابل أرسل النظام السوري وفداً لموسكو
لمناقشة المسار السياسي وذلك في يناير ومارس 2015. إن النظام يشعر بالارتياح
للتفاوض مع عناصر المعارضة التي تم ترويضها في موسكو من أن يتفاوض مع الائتلاف
الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في جنيف, ولكنه على استعداد لقبول أي محادثات
سياسية جديدة الآن.
وعلاوة على ذلك فإن لهجته كانت أكثر ايجابية في نهاية الجولة الثانية من المباحثات
في موسكو حيث قال رئيس الوفد المفاوض إن ممثلي كل من الحكومة والمعارضة قد توصلوا
إلى ما أسماه "أرضية مشتركة لعدد من القضايا الهامة". وتجدر الإشارة إلى أن بعض من
ممثلي المعارضة كانوا قد أعلنوا في وقت لاحق موافقتهم على هذه "الأرضية المشتركة"
وذلك في الوقت الذي رفضت فيه الحكومة تقديم أي أبعاد لبناء الثقة. هذا لا يعني بأن
الأسد على استعداد لمغادرة الحكم ولكنه يعني أنه قدرته أصبحت أقل لمواجهة التصلب
الروسي أو أنه لم يعد لديه القدرة الكافية لتحطيم الآمال بإمكانية انتهاء كابوس
الحرب الأهلية في سوريا وهي الآمال التي ترغبها الجهات التي تقدم الدعم له. وفي
الظروف الخاصة التي يمر بها النظام السوري فإن كل ما ذكر سابقا علامات تدل على ضعف
النظام وقياداته يعرفون ذلك جيداً. وبالتالي فإننا قد نكون على موعد لرؤية علامات
بداية نهايتهم.
رابط المقال:
http://www.mei.edu/content/at/assad-regime-beginning-end