صراع السلطة في نيجيريا
بعد الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية في نيجيريا بفوز الجنرال المسلم محمد بخاري على منافسه الرئيس المنتهية ولايته، جودلاك جوناثان، بفارق يزيد عن مليوني ونصف مليون صوت، تكون نيجيريا قد دخلت نادي الدول الديمقراطية من بابها الواسع وسط إشادة دولية وحذر محلي.
وأشارت النتائج الرسمية إلي حصول محمد بخاري على أزيد من 15.4 مليون صوت مقابل حوالي 13.3 مليون لجوناثان الرئيس النيجيري السابق، أي بنسبة تزيد عن 55 بالمائة من مجموع أصوات الناخبين، مقابل 45 بالمائة، وهو فارق كبيير لم يترك أي فرصة للخصم في التشكيك في نتائج الانتخابات التي شارك فيها حوالي 50 مليون مواطن نيجيري من أصل 69 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية.
وجرت عملية التصويت بنظام إلكتروني لتفادي التزوير الذي كان يطبع المحطات الانتخابية السابقة في البلد كما هو الحال في سائر الدول الإفريقية التي ما تزال تراوح مكانها في مسار الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وشهدت إقبالا كبيرا للناخبين ما دفع اللجنة المشرفة على الانتخابات لتمديد فترة التصويت ليوم ثان بسبب مشاكل تقنية في بعض مكاتب التصويت وأعمال عنف في بعض ولايات الشمال ذات الغالبية المسلمة والجنوب ذات الغالبية المسيحية.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ نيجيريا تطرد المعارضة الحكومة والرئاسة عبر صناديق الاقتراع، فرغم أن الرئيس الفائز محمد بخاري ينحدر من شمال البلاد حيث تنشط بكثافة جماعة "بوكو حرام" التي تسيء لصورة الإسلام والمسلمين في نيجيريا، إلا أن ذلك لم يكن مانعا أمام فوز الجنرال محمد بخاري الذي توعد هذه الأخيرة بالحرب إن تمادت في منهجها المتطرف وحمل السلاح وتبني العنف، كما تعهد أيضا بتطهير البلاد من كافة الحركات المسلحة المتمردة والتي تسيطر على حقول النفط في الجنوب.
وبالعودة لخريطة نتائج الانتخابات أبانت الأرقام عن تصويت نسبة مهمة لسكان جنوب البلاد حيث الغالبية المسيحية التي ينحدر منها الرئيس السابق "جودلاك جوناتان" والذي حاول استغلال مكالمة هاتفية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس لاستمالة أصوات الناخبين المسلمين، غير أن ملك المغرب رفض التواصل معه احتراما للتنافس الانتخابي الشريف، وهو ما يعني أن العامل الديني أو العرقي لم يكن محددا أساسيا في معايير التصويت لهذا الطرف أو ذاك بقدر ما كان التصويت للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي لم ترقى لتطلعات الشعب النيجيري في عهد حكومة حزب الشعب الديمقراطي الذي حكم البلاد منذ سنة 1999 من القرن الماضي.
ذكاء سياسي
ليس دائما ما تفرزه نتائج صناديق الاقتراع يكون مفتاح تقلد الحكم في دول العالم الثالث وفي إفريقيا تحديدا، إذ أن موقف الدول الغربية خصوصا أمريكا وفرنسا يكون له دور حاسم في استمرار التجربة السياسية الوليدة أو وأد الديمقراطية في مهدها، ويبدو أن المرشح المسلم محمد بخاري قد أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار وأعطاه حقه في الحملة الانتخابية التي كانت شرسة بينه وبين منافسه الأول الرئيس المنتهية ولايته، جودلاك جوناتان، فبقدر ما كان يعبئ بخاري لشخصه في أوساط الشعب النيجيري كان يبعث في نفس الوقت برسائل للخارج لدول القوى العظمى والجوار الإفريقي، ولذلك فإن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بنتائج الانتخابات والترحيب بما أسفرت عنه لم يكن من قبيل المجاملة أو احترام نتائج الصندوق وإنما أملته مجموعة متغيرات دفعت الغرب بوصول رئيس مسلم معروف بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية والمناهضة للكيان الصهيوني والتي بسببها تم إغتيال الرئيس النيجيري المسلم أبو بكر تفاوا بليوا عام 1966، ثم محمد مرتضى عام 1976، وكلاهما كانا معارضان للسياسات الظالمة للقوى العظمى.
وإذا كانت أبرز العوامل التي جعلت الغرب يقبل بنتائج الانتخابات بالشكل الذي أسفرت عنه تتمثل في تمدد جماعة بوكو حرام واستقواء تنظيم القاعدة في المغرب الأقصى و "أنصار الشريعة" وغيرها من الجماعات الإسلامية المتشددة التي تنشط في غرب إفريقيا، فإن الرئيس محمد بخاري الذي أطيح به في انقلاب عسكري سنة 1984، وعانى من سياسة التزوير بمباركة من الغرب للأحزاب المسيحية في انتخابات سنة 1999 بعد عودة الحكم المدني ثم 2003 و2007 و 2011، لعب على الوتر الذي يُطرب الغرب وهو "محاربة الإرهاب" ويقصد طبعا جماعة "بوكو حرام" المرفوضة في أوساط الساكنة المسلمة في البلاد، وبذلك ضرب عصفورين بحجر واحد ثقة الناخبين من الشعب النيجيري الذي يتطلع للعيش في السلام والاستقرار الأمني، وفي نفس الوقت كسب "رضى" الغرب الذي يقبل حكم "الإسلاميين المعتدلين" في العالم الإسلامي على مضض، إذ كلما وجد طغمة موالية طولا وعرضا لسياسته التسلطية أو تحقق مصالحه إلا وسعى لفرضها على إرادة الشعوب ولو بالتزوير وضرب أعراف ومبادئ الديمقراطية أو بالوسائل القذرة كـ "الفوضى" كما هو الحال في جمهورية إفريقيا الوسطى أو كما جرى في مصر مع الرئيس المعزول محمد مرسي.
تفاؤل وحذر
بقدر ما استقبلت الأمة المسلمة في نيجيريا والتي تشكل 50.4٪ من مجموع السكان الذين يتبع البقية منهم المسيحية البروتستانت والكاثوليك، فوز الجنرال محمد بخاري (72 سنة ) بكثير من التفاؤل والأمل في إيجاد الحلول لثلاث مشكلات كبرى تهدد البلاد وهي "التقسيم" و"الإرهاب" والفساد، فإنها لم تخفي خشيتها من عودة الدكتاتورية العسكرية التي تحكمت في مفاصل الدولة لأزيد من ثلاثة عقود، إما بانقلاب عسكري كما وقع معه عام 1988، أو بالاغتيال كما جرى مع أسلافه المسلمين أبوبكر تيفاوا ومحمد مرتى، وفيما يستبعد بعض المراقبين السيناريو الأخير نظرا لتغير كثير من المعطيات، عبر البعض الآخر عن تخوفهم من السيناريو الأول.
وكرد فعل استباقي على ذلك، دعا الأمين العام لجماعة تعاون المسلمين في نيجيريا، داوود عمران ملاسا، إلى عقد مؤتمر وطني نهاية شهر أبريل - نيسان الجاري، ينتظر أن يتوج بتأسيس هيئة تحت اسم "الحشد الشعبي من أجل التغيير" لدعم الرئيس الجديد الجنرال محمد بخاري، وذلك لتفادي ما اعتبره "مصر ثانية" في نيجيريا، ومرد تخوف الأمين العام لجماعة "تعاون" إحدى أكبر الحركات الإسلامية المعتدلة في البلاد، يتمثل في وجود كنائس كبرى متصهينة صوت أنصارها ضد بخاري لأنه مسلم مؤيد لتطبيق الشريعة الإسلامية وحماية اللغة والثقافة العربية والإسلامية في مناطق المسلمين، كما أن "إسرائيل" لا تريد الأخير على رأس السلطة في الدولة التي توصف بـ "العملاق الإفريقي" بسبب وجود صفقات واتفاقات خطيرة بينها وبين الرئيس السابق المسيحي "غودلوك جوناثان"، بالإضافة إلى أن موقف أمريكا ليس مبدئيا وإنما تمليه المصلحة حسب داوود عمران وفق ما جاء في رسالة عممها على صفحته الرسمية على موقع فايسبوك.
مهمة عسيرة
الدكتور هارون باه، من جامعة محمد الخامس بالرباط، باحث متخصص في الدين والدولة في غرب إفريقيا، يرى أن الرئيس الفائز محمد بخاري ورث تركة ثقيلة من الفشل ظلت بسببها نيجيريا من أكثر الدول الإفريقية بلقنة سياسية، وقد صاحبتها تلك البلقنة منذ وقت مبكر من استقلالها بحكم ترتيب السلطة بين مكونات الرقعة الجغرافية التي خطها المستعمر البريطاني الذي أراد لشعوبها أن تتعايش عليها بجميع موروثاتها المتجانسة والمتنافرة والتي تصل إلى 250 قبيلة. بالإضافة إلى ظاهرة الانقلابات التي توالت على البلاد بدءا بانقلاب 1966 الذي أدى إلى اغتيال رموز الحركة الإسلامية مع السردونا أحمد بيلو حفيد مؤسس الدولة الفودية ببلاد الهوسا، وما نتج عنه من اضطرابات أمنية وصراعات عرقية ودينية.
ويعتقد الباحث السينغالي، هارون باه، في حديثه مع مجلة البيان، "أن كل هذه العوامل تجعل من العسير على الرئيس الجديد تحقيق الاستقرار المنشود؛ إذ أن الجبهات تزداد ولا تتقلص، وإن كان الرئيس المدني هذه المرة مشهودا له بالاستقامة والنزاهة على صعيد زمرة الجنرالات والأوساط السياسية، إلا أن مطالب الشعب في الإصلاح التي عبر عنها برفع "المكنسات" بغرض تطهير البلاد من الفساد الذي ينتشر فيها على نطاق واسع، والقيام بإصلاح بنيوي بدءا بالنخب والمؤسسات يجعل من فُرص الرئيس الجديد محدودة"، حسب تقدير المتحدث.
واعتبر الباحث المتخصص في غرب إفريقيا أن الرئيس محمد بخاري" يأتي في وقت تعاكسه الرياح لكثرة التحديات المطروحة"، ويرى أن كل ما يستطيع فعله هو "محاولة جادة لتأسيس واقع مغاير يقطع مع منظومة الفساد، واستثمار طاقات البلد لإزالة الألغام المهددة لكل استقرار بكافة أصنافها"، مؤكدا على أن "أي استقرار في نيجيريا مستقبلا لن يتم إلا بموازاة مع تلبية حاجات المواطنين على تعدد أشكالها؛ وأن تحقيق الاستقرار رهين بالإصلاح، كما أن معادلة التنمية لن تتحقق بمعزل عن السلم".
الأمن الروحي والقومي
على صعيد آخر ينتظر الرئيس المنتخب حديثا في الدولة الفيدرالية التي تحتل موقعا جيوسياسيا متميزا في غرب القارة تحديات سياسية ومذهبية، فنيجيريا التي كانت عضوا في تحالف الدول الإسلامية المعارضة للإحتلال الصهيوني وتقف بجانب الدول العربية في جميع حروبها مع الكيان الصهيوني حتى أواخر الستينات بعد تولي المسيحيين السلطة في البلاد، ففي الفترة الماضية في عهد الرئيس المنتهية ولايته جوناتان، عرفت العلاقات النيجيرية تطبيعا سياسيا وأمنيا واقتصاديا مع الكيان الصهيوني حسب الأمين العام لجماعة تعاون، داود عمران ملاسا، وأن "إسرائيل" ارتكبت جرائم خطيرة ضد الأمن القومي أبرزها تهريب السلاح لداخل البلد وتمويل وتدريب المجموعات المسيحية الإرهابية الانفصالية في شرق جنوب نيجيريا، بالإضافة إلى تمويل المشاريع التنصيرية في غرب الجنوب ذات أغلبية السكان المسلمين لتحجيم الإسلام في المنطقة لصالح المسيحيين المتصهينين.
وإلى جانب تحدي محاربة اللوبي الصهيوني في البلاد، يرى الباحث هارون باه أن التمدد الشيعي في نيجيريا ظاهر للعيان منذ تصدير الثورة الإيرانية خارج أراضيها، أدى إلى استقطاب لبعض رموز الحركة الإسلامية في نيجيريا من أمثال إبراهيم الزكزاكي وغيره، مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تبذل مجهودات متواصلة لكسب الرهان المذهبي وتعمل على تنويع وسائلها الدعوية للتشيع، غير أن الباحث المتخصص في غرب إفريقيا يتوقع انحسارا للمد الشيعي في نيجيريا مع التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط سيما مع "عاصفة الحزم" ومشاركة كل من المغرب والسودان والمساندة المطلقة لرئيس السنغال بعد زيارته للسعودية، وهي كلها معطيات أبانت على أن الثقل الديني الإفريقي لا ينسجم و طموح خامنئي بطهران، بالموازاة مع ذلك شدد المتحدث على أن مواجهة هذه المشاكل يتطلب "رؤية متكاملة وعمل متواصل" من القيادة الجديدة للبلاد، علاوة على "فتح حوار شامل تتعدد مداخله الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية لمواجهة الخلل".