القمة العربية..تجسيد للمشهد السياسي العربي
لقد فعلتها المملكة العربية السعودية وأقدمت على ضرب معاقل الميليشيات الشيعية (الحوثيين) في اليمن دون سابق إنذار، بعد إدراكها بأن الحوثيين باتوا يشكلون خطراً على أمنها القومي والأمن القومي العربي، خاصة إذا ما أدركنا موقع اليمن على الخارطة السياسية والاقتصادية العربية. وذلك رغم أن الضربة العسكرية قد جاءت شكلياً بطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي كان قد طلب من الخليج بأن يتدخل من أجل ضمان عدم اشتعال حرب أهلية في اليمن.
لم يكن متوقعاً أن تقوم السعودية بالضربات العسكرية قبل الحصول على الضوء الأخضر من مؤتمر القمة العربية السادسة والعشرين التي تمَّت يومَي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر مارس الجاري في شرم الشيخ. وكان من المتوقع أن تتصدر القضية الفلسطينية مناقشات المجتمعين لو لم تحدث أزمة اليمن، إذ استحوذت اليمن وعاصفة الحزم على أغلب الوقت المخصص للقمة.
لم تنظر السعودية انعقاد مؤتمر القمة حتى تقوم بالضربات العسكرية، ويبدو واضحاً أنها انطلقت من عدة اعتبارات، إذ أرادت أولاً وضع المؤتمِرين تحت الأمر الواقع وثانياً أنها أدركت مسبقاً أنَّ بعض الدول العربية لا ترغب في ضرب الحوثيين، وبالتالي من غير المستبعد أن تقوم بإبلاغ إيران عن التحركات العسكرية، مع الأخذ في الاعتبار أن الجامعة العربية لم تعد تحتل الأهمية والمكانة التي كانت تتمتع بها قبل عشرات السنوات.
وفي تفاصيل جدول أعمال القمة، يمكن القول إن المجتمعين قد ناقشوا أحد عشر بنداً وفق ما تم الإعلان عنه، هذا بجانب ما يستجد. البند الأول يتعلق بتقرير رئاسة القمة حول نشاط هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات وما يستجد من أعمال. أما البند الثاني فيتناول القضية الفلسطينية وملف الصراع العربي-الصهيوني. أما البند الثالث فيتضمن تطوير جامعة الدول العربية وتعديل ميثاقها والنظام الأساسي المعدل لمجلس السلم والأمن العربي. أما البند الرابع فيتناول التطورات في سوريا وليبيا واليمن، ويعتلق البند الخامس بدعم الصومال، فيما يتعلق البند السادس باحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. ويتضمن البند السابع صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، والبند الثامن يناقش مشروعات القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، والتاسع لمشروع إعلان شرم الشيخ. ويتضمن العاشر تحديد مكان عقد الدورة العادية السابعة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ويتضمن البند الحادي عشر توجيه الشكر إلى مصر لاستضافتها مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة.
وتنبع أهمية القمة من كونها حددت الوزن الحقيقي أو شبه الحقيقي للقوى الإقليمية والأدوار التي تلعبها الدول العربية، وأكَّدت السعودية على قوتها في الحشد والتعبئة والاصطفاف، وأكَّد الملك سلمان بن عبدالعزيز على أهمية وفاعلية التغير الحاصلة في السياسة الخارجية لبلاده، هذا فضلاً عن قياس مدى مقدرة النظام العربي على حشد قواه ومكوناته لمواجهة التغيرات التي تشهدها المنطقة منذ حراك الربيع العربي وخاصة تنامي ظاهرة الإرهاب وما يرافقها من تنامي وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث تمكَّنت إيران من السيطرة على أربع عواصم عربية.
شهدت القمة جملة التطورات، حيث غابت سوريا عن القمة، وبقي مقعدها خالياً، هذا فضلاً عن غياب سبعة زعماء ولم تُعرف بعد أسباب غيابهم، اما الإمارات على وجه الخصوص فقد قدَّمت تمثيلاً ضعيفاً في القمة، وهو ما يشير إلى تراجع دورها الريادي الإقليمي في مقابل تنامي الدور السعودي.
أما ملك الأردن فقد التزم الصمت، وهي المرة الأولى التي يرفض فيها الحديث، ربما لأنه لم يرد توتير العلاقات الثنائية مع إيران، وهي العلاقات التي تشهد تحسنا منذ وقتٍ قصيرٍ جداً، علماً بأن رئيس وزراء بلاده عبد الله النسور رئيس قد تحدث في الجلسة السادسة.
وفي تطور فريد من نوعه، قام رئيس الحكومة المغربي الإخواني، عبد الإله بنكيران بتمثيل الملك محمد السادس، في أشغال القمة العربية بشرم الشيخ، ولعل هذه رسالة لبن كيران بضرورة التعاطي الإيجابي مع مصر.
وفي موضوع العلاقات القطرية المصرية، فقد التقى الأمير تميم بن حمد آل ثاني الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها، إلى جانب بحث المستجدات الإقليمية والدولية.
ومن المؤكد أن القمة السادسة والعشرين -وحسبما يؤكد خبراء- قد حققت اهدافها قبل أن تبدأ، ومن هنا تعتبر القمة العربية الأولى التي نجحت، حيث خرج البيان الختامي بجملة من التوصيات:
- تشكيل قوة عربية مشتركة: على أن “تتدخل هذه القوة عسكريًا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية“.
- تأييد الإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف الذي تقوده السعودية ضمن عملية عاصفة الحزم، ومطالبة الحوثيين بالانسحاب الفوري من العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية وتسليم سلاحهم للسلطات الشرعية.
- الاستجابة العاجلة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعقد مؤتمر في السعودية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي.
- تقديم الدعم السياسي والمادي الكامل للحكومة الشرعية (حكومة طبرق) بما في ذلك دعم الجيش الوطني (جيش حفتر).
- مطالبة مجلس الأمن بسرعة رفع الحظر عن واردات السلاح إلى الحكومة الليبية باعتبارها الجهة الشرعية وتحمل مسؤولياتها في منع تدفق السلاح إلى الجماعات الإرهابية.
- ضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤولياته الكاملة إزاء التعامل مع مجريات الأزمة السورية، وطالبت الأمين العام للجامعة العربية بمواصلة اتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إقرار خطة تحرك مشتركة تضمن إنجاز الحل السياسي للأزمة السورية، وفقًا لمؤتمر جنيف 1“.
- دعم موازنة دولة فلسطين لمدة عام، يبدأ من الأول من أبريل المقبل، ودعم قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الداعية لإعادة النظر بالعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع الاحتلال الصهيوني بما يجبرها على احترام الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية.
- التأكيد المطلق على سيادة دولة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث، داعين الحكومة الإيرانية إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإيجاد حل سلمي لقضية الجزر.