هادي يتلاعب بخارطة اليمن
أفلت الرئيس اليمني عبدربه منصور من بين مخالب الحوثيين بإعجوبه، بعد فرض المسلحين الحصار على منزله استمر لمدة شهر كامل.
وتدور الشكوك حول دور الرئيس هادي في تمكين الحوثيين من الوصول إلى العاصمة صنعاء، وتفكيك الجيش اليمني وحصره في ولاءات ضيقة، لكنهم (الحوثيين) انقلبوا على هادي بعد أن رفض أن يصدر 130 قراراً جمهورياً في المناصب العليا وقيادات الجيش لصالح قيادات حوثية.
وبعد فرار هادي إلى عدن بدأت الأنظار تتجه إلى شخص هادي، المشهور بالتناقضات والمفاجآت، حتى أصبح يطلق عليه بلقب "مفكك الجيوش"، ويربطونها برسالة الماجستير لهادي التي كانت تحت عنوان "تفكيك الجيوش".
وتكمن المشكلة الأولى في طريق هادي، وجوده في مدينة عدن، المدينة التي ينشط فيها قيادات الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، ومعضلة التعاطي مع الحراك الجنوبي بفصائله المتعددة، وكيفية اقناع هادي للحراك بالعمل في ضوء دولة الوحدة القائمة.
ويرى مراقبون أن دور هادي وتأثيره جنوباً، مرتبط بوجهته السياسية المقبلة، فخروجه من صنعاء قد يعزز موقف الجنوبيين ووحدتهم، ويضعهم في مرحلة الخطوة الاخيرة، نحو طريق الانفصال، وهو الأمر الذي لا يزال غائماً نظراً لعدم تمكن هادي من ربط علاقات وطيدة مع قيادات الحراك الجنوبي، وغياب الحجج والمبررات التي يستطيع هادي تسويقها للحراك الجنوبي.. لكن في حال دفع بهم نحو تحقيق ما يريدون فإنهم سينخرطون تحت ظله، لكن بشرط أن تدفعهم التأثيرات السياسية للاتجاه نحو الانفصال، بفعل فرض الأمر الواقع عليهم.
الشمال للحوثي والجنوب للحراك
الكثير من المراقبين للمشهد اليمني يرون أن الرئيس عبدربه منصور هادي فشل في إدارة البلد، رغم كل الامكانيات التي كانت تقف لمساندته، والدعم المحلي والاقليمي والدولي الذي حصل عليه الرجل، لكن غرور السلطة دفعه إلى ضرب بعض الأطراف ببعضها حتى يستطيع التخلص من الأطراف القوية ويضعفها ويجعلها ذليلة تحت سلطة قوته.
ويقول خبراء أن هادي حاول أن يضرب حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه علي عبدالله صالح، بحزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ويضرب حزب الإصلاح بجماعة الحوثيين، وقد تحقق له ضرب الإصلاح وتفكيك المؤتمر، لكنه مكن للحوثيين في الصعود إلى السلطة وإفشال كل الحلول السياسية التي اتفق عليها في طاولة مؤتمر الحوار الوطني، زيادة على ذلك فقد كافئ الحوثيون هادي بخطف مدير مكتبه وحصاره في منزله لفترة ثلاثين يوماً.
ويرى أصحاب هذا الطرح أن هادي فشل في الوقت الذي كان يتزعم دولة بكامل جيشها وشعبها، فمن غير المستبعد أن يفشل وقد أصبح لديه نصف دولة ونصف جيش.
وفي الوقت الذي يُتهم هادي بالتساهل مع الحوثيين في الشمال تحت ذرائع عدة، يتخوف البعض من تمكينه للقوى الحراك الجنوبي في الجنوب وبالتالي تمهيد الطريق نحو الانفصال، خصوصاً مع الأنباء التي تتحدث عن انتشار "اللجان الشعبية" الموالية لهادي في شوارع عدن وسيطرتها على بعض المؤسسات الحكومية وتسليم القصر الجمهوري بعدن تحت حراسة تلك المليشيات.
أجندة المجتمع الدولي
الدكتور أحمد الزنداني أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء ورئيس مركز البحوث للدراسات السياسية، يعتقد، أن خروج هادي من براثن الحركة الحوثية لم يكن فراراً، بقدر ما كان تسهيلاً متعمداً من الحركة الحوثية.
وأوضح الزنداني لـ"البيان"، أن الحركة الحوثية أدركت تماماً أنها غير قادرة على ابتلاع اليمن فجأة، وأن أمامها دولة تريد أن تديرها، وهي بحاجة إلى دعم كبير، وهذا الدعم فوق قدرة إيران الداعم الرئيس لها، خاصة وأن إيران تمر بمرحلة مالية حرجة وأن أقصى ما كانت تحلم به في اليمن هو "حزب الله" جديد، وقد تحقق لها هذا.
وأشار إلى أن تمويل ميزانية دولة مليئة بالصراعات ليستقر الوضع للحركة الحوثية أمر متعذر لإيران، ولذا كان المخرج تسهيل خروج هادي ليصل إلى عدن، وعندها سيبدأ هادي بالبحث عن الدعم لمنع انهيار الدولة، وبمساعدة جمال بنعمر، وهذا سيبقي على الحركة الحوثية كرقم صعب في المعادلة السياسية.
وتابع الزنداني حديثه "هادي أجندته هي أجندة المجتمع الدولي أو أجندة الغرب الذي يريد أن ينزع اليمن من بيئتها الثقافية وعمقها العربي والإسلامي ويحولها إلى مرتع للشركات الغربية الكبرى، وهذا يتطلب عولمتها.
وأردف قائلاً "هادي هو حصان الغرب في هذه الأجندة والحركة الحوثية هي ذلك السوط الذي تُجلد به القوى السياسية اليمنية من أجل أن تسابق الزمن وتجري وراء تنفيذ هذه الأجندة الغربية، وهذا ما يحدث على الأرض، وما لم ينتبه الجميع لهذا فإن اليمن سيذهب أدراج الرياح وسيتحول إلى قاعدة تنطلق منها نفس المخططات تجاه الخليج العربي وبالذات المملكة العربية السعودية".
هادي بلا هدف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبدالله المنيفي، أن هادي إذا استمر على نفس الوتيرة التي كان يعمل بها في صنعاء، فإنه سيسلم ما تبقى من اليمن إلى سلطة إيران المتمثلة في مليشيات جماعة الحوثي، كون هادي لم يحمل أي خطة أو هدف، أو أن خطته كانت شخصية فقط.
وأوضح المنيفي لـ"البيان"، أن هادي لا يمكن أن يستمر في هذا النهج الذي أوصل البلاد إلى هذه المآزق، وأنه لا بد له من خطتين، الأولى على الصعيد السياسي والدبلوماسي بمحاصرة الانقلاب والتمرد الحوثي وتقويضه داخلياً عبر الحشود الشعبية المناهضة للمشروع الانقلابي المسلح، وحشد القوى السياسية والاجتماعية والمدنية والمحافظات التي لم تصلها المليشيات لغزل الحوثي وتضييق خياراته، وصولاً إلى انهاء سيطرة المليشيات، وإعادة العملية السياسية إلى مسارها الصحيح.
وأضاف المنيفي، "الخطة البديلة في حال فشل الخطة السياسية هي المواجهة، وهذا الخيار لم يفرضه هادي ولا القوى السياسية، وإنما فرضه الحوثي منذ اعتداءه على دماج وما بعدها، ولا يمكن في حال فشل الحل السياسي كبح جماح الحوثي إلا بمواجهة العنف المتمدد.
وأشار إلى أن هذا الأمر يستوجب مصالحة القوى السياسية، وحشد التأييد الشعبي بشكل أوسع، خصوصاً وأنه سينطلق من عدن ذات البعد النضالي التاريخي لليمنيين شمالاً وجنوباً، في مقارعة الإمامة والاستعمار.
ودعا المنيفي هادي، إلى عدم الاعتماد على قرارات المنظمة الدولية التي لم تلحق أي اضرار بمقوضي العملية السياسية منذ انقلابهم على مخرجات الحوار وما أعقبها من اتفاقات، بل عليه التركيز على العوامل الداخلية لصنع أوسع اصطفاف شعبي ضد جماعة استعدت كل القوى السياسية وكل مكونات المجتمع اليمني، والتركيز في البعد الدولي على الجوار الاقليمي الذي يعتبر أمن اليمن مرتبط بأمنه الخاص.
وتابع حديثه، إذا كانت خطط هادي وطنية ونابعة من حرصه على الوطن ووحدته والحفاظ على نسيجه الاجتماعي، بعيداً عن الحسابات الخاصة، فإنه وبلا شك سينجح في اسقاط الانقلاب.
التفريط بالشمال والجنوب
من جهته اتهم المحلل السياسي عباس الضالعي الرئيس هادي بتهيئة العوامل الجاذبة لتوجيه الحوثيين للسيطرة على عدن، والتغطية على حل حزب الإصلاح.
وأوضح الضالعي، أن هادي فرط في العاصمة والدولة وهو في عز قوته، ولا يمكنه الحفاظ على عدن أو الجنوب، فانتقاله إلى عدن هو بمثابة نقل برنامج تسليم البلد إلى إيران وه برنامج مكون من مرحلتين.
وأشار إلى أن المرحلة الأولى تم تسليم السلطة المركزية وتولى الإشراف على تدمير واضعاف القوى الداعمة لثورة التغيير وتفكيك القوة الصلبة المتمثلة بالقبيلة والجيش وجناح دعم الثورة.
وتابع حدثه "المرحلة الثانية هي الانتقال إلى الجنوب، لتسليمه وتفكيك القوى الحية والإشراف على حل أهم الأحزاب الوطنية وفي مقدمتها حزب الإصلاح".
الضالعي أوضح أنه لا توجد أي خطوات عملية بتغيير ساسة هادي إلى الآن بعد انتقاله إلى عدن عبر تلك المسرحية الهزيلة المكشوفة المتمثلة بفرض الاقامة الجبرية عليه، وتهريبه عبر مسلسل مكسيكي طويل وساذج بلا فائدة.