• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

"عين صالح" هل تفجر السخط الشعبي الجزائري؟!


لعل من أهم مكتسبات "الربيع العربي" وما بعدها أنها كشفت عن وعيٍ كامنٍ داخل الإنسان العربي، وهو ما بدا واضحاً في السنوات الثلاث الماضية في عدد من الدول العربية مثل تونس والجزائر والمغرب وغيرها، وفي الجزائر على وجه الخصوص؛ ترفض شريحة من المواطنين مشروع استخراج الغازي الصخري من الصحراء وسط الجزائر.

وتعكف الحكومة الجزائرية على استخراج الغاز الصخري (وهو منتجٌ غير تقليدي من الغاز الطبيعي وينتشر في الطبقات الصخرية داخل الأحواض الرسوبية) من منطقة عين صالح، وهي منطقة تقع وسط الجزائر، يعيش فيها نحو 32 ألف نسمة، وتبلغ مساحتها نحو 43 ألف كم2، ولعبت دوراً مهماً في محاربة الاستعمار الفرنسي في الفترة (1830-1962م)، وفي التجارة عبر الصحراء.

وتسعى الجزائر إلى زيادة إنتاجيتها من الغاز من حوالي 131 مليار متر مكعب في 2014م إلى 151 مليار متر مكعب مع نهاية عام 2019م، وذلك بهدف مواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط وتكوين احتياط مالي وتلبية الطلب المحلي الذي سيقفز إلى نحو 50 مليار متر مكعب في عام 2025، حسبما تذكر المصادر الرسمية الجزائرية.

وكان تقرير لوزارة الطاقة الأميركية صدر في العام الماضي حول احتياطات المحروقات غير التقليدية الماضي، قد أشار إلى أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث احتياطات الغاز الصخري بعد كل من الصين والأرجنتين. و يشير التقرير إلى أن احتياطات الجزائر من الغاز الصخري تتجاوز 19 ألف مليار متر مكعب، وتقع في أحواض مويدير وأحنات وبركين وتيميمون ورقان وتندوف جنوبي البلاد.

تطورات  الأزمة

يرفض سكان عين صالح استخراج الغازي الصخري من أماكن سكناهم، وذلك لضمان ألَّا تتحول مدينتهم إلى مستنقع للتلوث مثلما حدث في مناطق من أمريكا الجنوبية التي حولتها الشركات المتعددة الجنسيات إلى مكبات للنفايات والمياه العادمة والملوثة وفتكت بسكانها الأمراض ونفقت حيواناتها وأحرقت نباتاتها.

وتستمر المظاهرات في عين صالح منذ أكثر من شهرين، وذلك لإجبار الحكومة على وقف العمل في الآبار، ويرفض المحتجون مشروع استغلال الغاز الصخري بعد أن أثبتت أبحاث أنه "يمثل خطرا على البيئة والمياه الجوفية"، في حين تقول الحكومة إنه لا وجود لمشروع استغلال الغاز الصخري حاليا، وكل ما في الأمر عمليات استكشاف لمعرفة احتياطي البلاد من هذه الطاقة.

ومن المؤكد أن المظاهرات التي تجوب شوارع المدينة بالآلاف من الرجال والنساء والشيوخ وحتى الأطفال؛ تثبت أن حالة السخط الشعبي تتسارع وتيرتها نتيجة تنامي الوعي لدى أبناء المنطقة بالتداعيات السلبية على البيئة، وما زاد من حالة الاحتقان هو خطاب بعض أركان السلطة الذي ساهم في استفحال القلق لدى المواطنين.

ولم تقتصر التحركات الشعبية على المواطن الرافض لاستخراج الغاز؛ بل تتضمن الإسلاميين والعلمانيين ومنظمات المجتمع المدني والقبائل وغيرها، وهو ما جعل الحكومة تتحدث عن مؤامرة خارجية وارتباطات دولية مع الأطراف الرافضة لاستخراج الغاز.

بوتفليقة والاستعانة بالجيش

على ضوء الرفض الشعبي لمشروع استخراج الغاز؛ قرر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إقحام الجيش في الأزمة من خلال الاستعانة بقيادة الناحية العسكرية السادسة في ولاية تمنراست للتحاور مع المحتجين. ويبدو واضحاً أن السلطات الجزائرية مقبلة على تغيير أسلوبها في التعامل مع الرفض الشعبي العارم لاستخراج الغاز، ولعل هذا الأمر نابع من:

أولاً: ثمة مخاوف لدى القيادة السياسية من اتساع نطاق الاحتجاجات إلى باقي مناطق الوسط والجنوب الجزائري، حيث أدَّت الاحتجاجات إلى إغلاق طرق في تمنراست، كما تجمع المحتجون في أكثر من عشرة مواقع في ولايات إليزي وورڤلة وتمنراست وأدرار، أبرزها ساحتي الصمود 1 والصمود 2 .

ثانياً: الحديث عن انتقال أزمة عين صالح من حالة الاحتجاجات السلمية إلى "أزمة أمنية" أو "أزمة أمن وطني" وفق ما ترى السلطات الحاكمة، خاصة عندما تمكَّن المحتجون من دخول مناطق أمنية وعسكرية غير مسموح الاقتراب منها على مسافة (10 كم شمال عين صالح)، يوم 28 فبراير الماضي أثناء اقترابهم من موقع مشروع شركة توتال الفرنسية لاستخراج الغاز.

ثالثاً: تدعي السلطات الحاكمة أنها حاورت المحتجين من خلال والي تمنراست، ثم أعضاء في البرلمان، بعدما رفض المحتجون مقابلة وزير الطاقة الذي تنقل إلى عين صالح، ثم تحاور معهم اللواء عبد الغني هامل كمبعوث من الرئيس والوزير الأول، وبات من غير الممكن التواصل مع المحتجين بواسطة المفاوضين المدنيين، وهو ما يعني أن السلطات الحاكمة قد استنفدت كل أساليب الحوار الدبلوماسي معهم، وهو أيضاً ما يستلزم تغيير اسلوب التحاور معهم.

رابعاً: حاجة الجزائر الماسة للعوائد المالية والعملات الصعبة المترتبة على تصدير الغاز تستدعي المضي قدماً في استخراج الغاز.

إلى أين تسير الأمور ؟

دعت الحركة الاحتجاجية في الجنوب في بيانها الصادر يوم 7 مارس إلى المشاركة بكثافة في مسيرة كبيرة، تنظم في مدينة ورڤلة يوم 14 مارس الحالي، وذلك للتعبير عن رفضها القطعي لمشروع الغاز الصخري، وجاء في البيان ”ندعو الشعب للمشاركة في مسيرة ورڤلة للرد على سياسات السلطة تجاهه، من قمع وتخوين وهروب للأمام في كل مرة تتحرك الجبهة الاجتماعية”. علماً بأن المشاركين في الاعتصام ينتظرون رد الرئيس بوتفليقة ونائب وزير الدفاع الوطني على الرسالة التي وجهها المجتمع المدني إلى نائب وزير الدفاع، وطلب من خلالها تدخله لوقف التكسير الهيدروليكي.

التقطت السلطات الحاكمة هذه الدعوات وكأنها محاولة لتوتير الأوضاع، وهو ما جعلها تتخذ جملة من الخطوات الوقائية، حيث عززت قواتها في المنطقة، ودعت وزارة الدفاع الوطني إلى "الإسراع في فك الاعتصام سلمياً والعودة إلى الحياة الطبيعية وعدم تعطيل مصالح المواطنين اليومية". لعل مثل هذه الأعمال الوقائية تشير إلى أن الـ"حل أمني" بات وارداً لحسم الأزمة.

في حين طالب قائد القطاع العملياتي للناحية العسكرية الخامسة، العقيد عبد الرحمان هني، ممثلي لجنة المحتجين ضد الغاز الصخري بعين صالح، بإخلاء الساحات والعودة إلى الحياة العادية وإيجاد طريقة أخرى للاحتجاج لا تضر بمصالح المواطنين ولا تعطل قضاء حوائجهم، دون تحديد آجال لذلك.

وكان المدير العام للأمن الوطني في الجزائر، اللواء عبد الغني هامل، قد تنقَّل في مناطق مختلفة من محافظة تمنراست بحجة "التفاوض" مع المحتجين ضد استغلال الغاز الصخري.

وحول دلالة الزيارة؛ اعتبر العقيد متقاعد من جهاز المخابرات الجزائرية محمد خلفاوي، أن تكليف هامل بالتفاوض مع المتظاهرين ضد الغاز الصخري من أجل التهدئة قد ينقلب إلى العكس، فتواجد المسؤول الأمني هناك يمثل استفزازا للمتظاهرين"، وتابع: "أعتقد أن السلطة أرادت بذلك أن تبعث برسالة أمنية مشحونة بالتخويف، بقصد دفع المتظاهرين للعودة إلى منازلهم".

وهذا ما جعل ستة أحزاب سياسية معارضة تحذر مما أسمته بـ"التعامل الأمني مع احتجاجات الجنوب"، وقالت في بيان مشترك، الثلاثاء: "نحذر من التعامل الأمني مع الاحتجاجات والطلبات المشروعة التي هي في حقيقة أمرها ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي".

أعلى