• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 ماض

ماض "ساخر" لحكام اليمن

ما إن يسقط رئيس يمني، ويصعد آخر، حتى تعود الذكريات باليمنيين إلى تاريخ بداية الرؤساء الذين تداولوا حُكم اليمن منذ عهد الإمام يحيى بن حميد الدين في الأربعينيات، حيث يبدع اليمنيون في صنع القفشات الساخرة على الرؤساء ويجعلونهم مثاراً للسخرية والتندر في مجالس القات ومواقع التواصل الاجتماعي.

وقد مثلت حادثة سقوط العاصمة صنعاء وحصار منزل الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي وتقديم استقالته، وإصدار إعلان دستوري من قبل جماعة الحوثي جعل مقاليد الحكم تحت إمرة قائد حوثي يدعى "محمد علي الحوثي"؛ مثلت هذه الحادثة حالة من السخرية والسخط في آن واحد لدى كثير من أبناء الشعب اليمني.. فبين من شاهد صورة الحاكم الجديد وعلق بالسخرية أن هذا الحاكم "مرعب للأطفال". وآخر قام بعرض سيرته الذاتية وعلق عليها بالقول "كنا نشكو من رئيس عنده شهادة سادس ابتدائي، طلع لنا رئيس ما فيش عنده شهادة ميلاد".

وعلق أحد الصحفيين اليمنيين على صورة محمد علي الحوثي قائلاً "هل تعرفون لماذا وضع الحوثيون هذا الشخص رئيساً؟ هذا من أجل الأطفال الصغار الذين لا ينامون، يتم تخويفهم بالرئيس الجديد حتى يذهبوا للنوم".

ولعل ارتفاع حدة السخرية والغضب جاءت بعد معرفة الكثير من اليمنيين أن "محمد علي الحوثي" كان قائد معارك اقتحام الوزارات وسرقة الأختام الحكومية وفرض موظفين ووزراء جدد بناء على رغبة جماعته.

وانهالت التعليقات الساخرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ساخرة من الرجل الذي لم يكن معروفاً في الإعلام، وأورد البعض صورته بجوار صورة أخرى للإمام يحيى بن حميد الدين الذي حكم اليمن في الأربعينات، طالباً من المتابعين أن يوجدوا الفروق بين الصورتين.

وأنزل شخص آخر صورة محمد الحوثي وكتب تعليقا عليها "رغم أن هذا أصبح رئيسي إلا أنني لن أتنازل عن الجنسية اليمنية".

وأضاف آخر أن الرئيس الجديد كان يبيع القات وأن بائعي القات تظاهروا مطالبين بتوظيفهم في مجلس الرئاسة أسوة ببقية زملائهم من آل الحوثي.

ولم تقتصر السخرية على الناشطين والمتابعين اليمنيين، بل انتقلت إلى صحفيين وإعلاميين عرب، حيث سخر الإعلامي الشهير في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة الدكتور فيصل القاسم ممن وصفه بالرئيس اليمني الجديد محمد علي الحوثي، ونشر صورة له على حسابه بالفيسبوك وهو "مُخزن" بشجرة القات.

وعلق الإعلامي فيصل القاسم على الصورة قائلاً "نقلة نوعية في اليمن.. بسم الله ما شاء الله، على الرئيس اليمني الجديد".

سيرة ذاتية للحاكم الجديد

سبب قرار تعيين "محمد علي الحوثي" رئيساً للجنة الثورية العليا التي أصبحت تتحكم بمقاليد السلطة في اليمن، وتصادق على أي قرارات تصدر عن المجلس الوطني أو المجلس الرئاسي المزمع تشكيله وفق "الإعلان الدستوري" الذي أصدره الحوثيون في السادس من فبراير الجاري؛ حالة من السخط الكبير في الوسط اليمني كون اسم الرجل لم يكن متداولاً من قبل في الأوساط اليمنية.

وحسب المصادر الإعلامية، فإن محمد علي الحوثي، يعد أحد أقارب زعيم الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي، وكان أحد المعتقلين في جهاز الأمن السياسي "الاستخبارات اليمنية" في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح لسنوات أثناء الحرب بين المتمردين الحوثيين والجيش اليمني التي امتدت من عام 2004م حتى عام 2010م.

وقال القيادي الحوثي محمد المقالح "انه كان يعيش معه في زنزانة واحدة" وبدأ يذكره ببعض المأكولات التي كان يقدمها المقالح له أثناء بقاءه في السجن حتى تم الإفراج عنه في عام 2009م.
ونشر ناشطون ينتمون إلى جماعة الحوثي سيرة ذاتية لرئيس اللجان الثورية "محمد علي الحوثي" توضح أنه درس دبلوم علوم عسكرية في إيران.

وعملت "اللجنة الثورية" التي يديرها "محمد علي الحوثي" منذ سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول، على إقالة مسؤولين حكوميين في وزارات ومؤسسات حكومية بتهم الفساد، وأصدرت أوامر قهرية بحق مسؤولين غادروا البلاد، وأمرت باقتحام عدد من المؤسسات والمنازل التابعة لصحفيين وسياسيين.

وأصبحت هذه اللجان تتحكم بكل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وسحبت جميع الأختام الرسمية لتلك المؤسسات، وبدأت تأخذ صبغة رسمية بتبنيها "الإعلان الدستوري"، ولا أحد يعرف عن هذه اللجان أي شيء، لا عن أعضاءها وعددهم، وكيفية عملهم، ولم يتم الإعلان إلا عن اسم رئيس تلك اللجان الذي أصبح الحاكم الفعلي للبلد.

رؤساء مضحكون

لعل من المناسب أن نعيد شريط الذكريات إلى الوراء لنستعرض بعض النكت الساخرة التي كان يتفنن بها بعض المواطنين والسياسيين اليمنيين على حكامهم، ومن الواضح أن السخرية كانت سلاحاً شعبياً لليمنيين في مواجهة التنكيد، ومواكبة للأوضاع السياسية والمعيشية والأمنية التي كان يعيشها البلد.

ومن سوء حظ اليمنيين أن أغلب الرؤساء الذين صعدوا إلى السلطة كانوا من أقل الناس تعليماً، وأكثرهم من طبقات العسكريين الأكثر بؤساً، وهو الأمر الذي زاد من حالة التندر والسخرية لدى الأجيال المتعاقبة والتي كانت حاضرة في زمن أولئك الحكام.

وحسب الكاتب محمد أنعم مؤلف كتاب "النكتة السياسية في اليمن" فإن النكتة السياسية الناقدة في عهد الإمام أحمد حميد الدين (84-1962م) كانت هي الأغزر والأكثر حضوراً في انتقاد الأوضاع التي كانت ترزح في ظلها اليمن فترة حكمه، ولعل ذلك يعود إلى ما عرف عن الإمام أحمد من ممارسة الطغيان وقتل رجال الحركة الوطنية وما اتسم عهده من تخلف في مختلف جوانب الحياة.

ومن النكت التي تناولت شخصية الإمام أحمد حميد الدين، يقول المؤلف "أن الإمام كان يرد علي منتقديه ومنتقدي حكمه بالقول: أتم البوري حقي ومن بعدي شالط علي مالط" والمقصود هنا أن الإمام أحمد الذي كان يدخن "المداعة"، كان يعتبر فترة حكمه مجرد لحظة تدخين حتى يكمل الأرجيلة ومن بعدها لا شيء يهمه.

ويروى أن الأستاذ محسن العيني الذي عُين في عهد الثورة رئيساً للوزراء ذهب إلى مخيم الكرامة للاجئين الفلسطينيين في الأردن لإلقاء محاضرة على اللاجئين بعد عودته من فرنسا في عهد الإمام أحمد حميد الدين - وخلال حديثه عن اليمن وما يعانيه استشهد بالآية الكريمة ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون))، فتقدم إليه ضابط أردني كبير وقال له: أرجو أن تتوقف عن الحديث فقد سقطت حكومة النابلسي - رئيس الوزراء الأردني آنذاك - وأعلنت الأحكام العرفية.فرد عليه العيني: ان هذه الآية الكريمة هي بلسان بلقيس عن الملكية والملوك في اليمن فقال له الضابط الأردني الأحكام العرفية لا تعرف الفرق.

ويروي كثير من الآباء الذين عاشوا فترة الإمام أحمد حميد الدين، أن الإمام كان يأمر الناس أن "يتقطرنوا" يضعون مادة القطران على وجوههم وأجسادهم للحماية من الجن كما كان يوهمهم الإمام أحمد، وقيل أن الإمام أحمد كان لديه "راديو" وكان يحكي للناس أن لديه جن يتحدثون له عبر هذه "الراديو" بما يفعل الناس وكان الناس من شدة جهلهم يصدقونه.

وروي عن المناضل العزي صالح السنيدار، أن الإمام يحيى سجن السنيدار لفترة من الزمن، وعند لحظة الإفراج عنه، اشترطوا عليه مقابل إطلاق سراحه أن يحلف أنه لم يقل نكته ضد السلطة والإمام يحيى كان يسخر فيها من أسلوب الإمام في اعتقال أقارب المطلوبين بدلاً منهم حتى يسلموا أنفسهم، وكانت النكتة المطلوب التبرؤ منها تقول "إن "عكفة" أي جنود الإمام سيحبسون حمار "علي تلها" بعد هروبه بدلاً عنه!".

وفي عهد الإمام يحيى، والد الإمام أحمد، سرت شائعة أن من جلب رأس "قرد"، سيتم إعفاءه من دفع الزكاة، وكانت القرود حينها تنزل من الجبال وتأكل المحاصيل ما يسبب خسائر فادحة لخزينة الدولة, فكان من الدهاء اختراع هذه الشائعة التي ما إن سمعها الناس حتى سارعوا الى الجبال لصيد القرود وحمل رؤوسها لكي يحظوا بالإعفاء من الزكاة فلم يتركوا قرداً واحداً في الجبال.

ومن ضمن الرؤساء اليمنيين الذين كانوا عنواناً للضحك والسخرية، المشير عبدالله السلال- أول رئيس للجمهورية اليمنية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م – حيث يروى أن السلال قبل أن يكون رئيسياً، كان في  سجن نافع الرهيب في محافظة حجة وكان ينتظر أن يُعدم في أي لحظة، وفي أحد الأيام وصله خبر أن الإمام أحمد حميد الدين أمر بهدم منزله في صنعاء، فقال السلال: جزاهم الله خيراً  فهم ما هدموه إلا ليبنوه علي الطراز الحديث.

وفي عهد السلال أطلق مواطنون شائعة بأن الرئيس السلال سيبني ميناء في مدينة ذمار وسط اليمن، مع أن المدينة لا تطل على ساحل. ويروى أن المشير عبدالله السلال عندما كان يواجه عشرات الجبهات القتالية من قبل الملكيين، تصدت لسيارته امرأة وهو في طريقه إلى منزله بصنعاء، فأمر السائق بالتوقف، وسأل عن حاجة المرأة فأجابت بصوت عال والدموع تذرف من عينيها: ابني يا سلال ابني. فقال لها، ما له ابنك؟ ردت ابني مجنون يا سلال!..

فقال لها السلال: "جني عليك" أنت عندك مجنون واحد، وأنا أواجه 5 ملايين مجنون كلهم مسلحون، وواصل السير بعد أن أمر لها بمساعدة مالية.وعندما صعد الرئيس إبراهيم الحمدي إلى كرسي الحكم في 13 يونيو 1974م، أطلق السكان شائعة أن "كرسي الحكم مسكون بالجن ومن يجلس عليه مفقود"، وكانت تلك الفترة مزدهرة بالانقلابات واغتيال الرؤساء حيث لم يستمر الحمدي في الحكم إلا ثلاث سنوات وأربعة أشهر وتم اغتياله في حادثة مثيرة للجدل.

وفي اليمن الجنوبي يُحكى أن الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي أول رئيس لجنوب اليمن بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1967م، كان خلال فترة حكمه كثيراً ما يقدم استقالته كونه لم يكن يطيق التآمر الداخلي، وكره السلطة عندما وجد رفاقه يتآمرون عليه وعلي استقلال البلاد.

وقد ذكر فضل محسن - أحد مناضلي الجبهة القومية ان الرئيس قحطان الشعبي كان كثيراً ما يقدم استقالته للقيادة العامة، حتى إنه عندما كان يدخل يده في جيبه لإخراج علبة سجائره فإننا كنا نظنه سيخرج لنا استقالته.

أما الرئيس السابق علي عبدالله صالح فقد كان له نصيب الأسد من النكات الساخرة، نظراً لطبيعة نفسيته المتمردة على القوانين والدبلوماسية وطول فترة حكمه التي استمرت قرابة 33 عاماً.

ويسرد الكثير من الكتاب والصحفيين عدد كبير من النكت والأحاديث الساخرة عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، منها أن صالح كان في اجتماع مهم مع كبار المسؤولين، وفجأة اتصلت به زوجته فقالت: سمعت صوت يخوف في القصر وخفت أن يكون سارقاً، فرد عليها قائلاً: لا تخافي السرق كلهم موجودين عندي!!.

ويقول مدونون أن الرئيس المصري مبارك اتصل بالرئيس صالح بداية خروج الثورة عليه في عام 2011م، وسأله عن أي حلول أو مخرج لأزمته.. فأشار عليه صالح "بأن يهدد بإحراق نفسه ويطالب بتغيير الشعب".

وقيل أن صالح سأل رئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور مجور: كيف حال الشعب بعد ما ارتفعت الأسعار؟

فرد عليه: يا سيدي الشعب بيأكل زٍفت.

فقال له: طيب "غلي" الزفت.

ويقال أن صالح عندما اشتدت عليه حركة الثوار في عام 2011م، استدعى رئيس وكالة سبأ الحكومية طارق الشامي وقال له: ما هي أخر الأخبار؟ فرد عليه طارق: هؤلاء جننوا بنا "بالفيس بوك" وقناة "سهيل".

فقال له صالح: أرسل أربعة أطقم يدوهم إلى هنا، وأنا أوريهم شغلهم!.ومن المضحكات أيضاً، أن صالح حصل على تمثال قديم هدية، فأرسل التمثال لرئيس المخابرات ليتحقق من قيمته. فرد عليه رئيس المخابرات: تأكدنا يا سيدي أنه أثري. فقال له صالح كيف عرفت؟ فقال: أعترف بنفسه يا سيدي!.

أما الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي، فقد تندر عليه الناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي، واستنكروا عدم اعتراضه على تمدد الحوثيين في المحافظات حتى وصلوا إلى حصاره في منزله.

وكتب أحدهم "أن الرئيس هادي كان جالساً مع أفراد أسرته أمام التلفزيون وطلب من ابنه الضغط على قناة المسيرة التابعة للحوثيين. سأله أحدهم لماذا؟، قال نتابع لو في قرارات جديدة". في إشارة إلى سيطرة الحوثيين على سلطته بشكل كامل.

وعلق آخر ساخراً "نحن اليمنيين شعب ميت لكن عايش عناد، والدليل على ذلك أن من يحكمنا انقلب على نفسه والآن عايش تحت الاقامة الجبرية".

بينما كتب أحد شباب الثورة "إننا قمنا بثورة شبابية شعبية سلمية من أنجح ثورات الربيع العربي لكن نسينا نسوي لها حفظ".

ويرى مؤلف كتاب النكتة السياسية في اليمن، إن النكتة والسخرية عكست نضوجاً فكرياً وسياسياً تميز بها قائلوها، بالإضافة إلى امتلاكهم لقدرات مكنتهم من توظيف النكتة توظيفاً رائعاً كوسيلة من وسائل مواجهة ومقاومة سياسة الأئمة.

ويرى أنعم، أن النكتة السياسية في اليمن تتميز بأنها ترتبط بالزمان والمكان وبهوية قائلها. ولهذا تعرف اسم صانعها ومن هو وزمان ومكان ومناسبة قوله للنكتة، التي هي ليست مجرد تندر عام، ولا من صنع مخابراتي إنما هي نتاج لمواقف عبر عنها أصحابها بسخرية وشجاعة في وجه الحكام داخل بلاط الحاكم.

كما ان النكتة السياسية اليمنية لم تكن مجرد فكاهات وطرائف تقال لإضحاك الحاكم وحاشيته أو لتلطيف مجلسه، بل إنها كانت أشبه بانفجارات مدوية تعكس موقف قائليها وانتقادهم بأسلوب ساخر وعلني لنظام الحكم وأخطائه - كما كانت النكتة معبرة عن نبض وهم المواطن.

أعلى