خلافات تونس تطفو على السطح
مع انتقال الباجي قايد السبسي إلى مقر رئاسة الجمهورية
في قصر قرطاج، مطلع العام الجاري، واستقالته من رئاسة حزب نداء تونس، بدا الحزب يشهد
تجاذبات وخلافات حول عدد من القضايا طفت إلى السطح من خلال تصريحات وتراشقات إعلامية
بين قياديين بالحزب.
وتتركز النقاط الخلافية داخل النداء،
وبحسب عدد من قياداته، حول مسالتين: الأولى تتعلق بالشخصيات الأقدر على تسيير
شؤون الحزب خلفا للسبسي، والثانية تتصل بمشاركة حركة النهضة، ذات التوجه الإسلامي،
في الحكومة المقبلة من عدمه. ومن المنتظر أن
يعقد الحزب أول مؤتمر عام له الصيف المقبل، لاختيار قيادته الجديدة وانتخاب هيئات مستقرة
للحزب. وبعد استقالة السبسي، يدار الحزب حاليا من طرف "هيئة تسييرية" عينها
السبسي.
ويضم حزب نداء تونس الذي أسسه السبسي قبل نحو ثلاثة
أعوام تيارات مختلفة أبرزها التيار الدستوري، نسبة إلى الحزب الدستوري في عهد الرئيس
الراحل الحبيب بورقيبة، والتيار اليساري فضلا عن كوادر وقيادات نقابية وقواعد ليبرالية.
ونجح السبسي في فترة توليه رئاسة الحزب في احتواء أي خلافات بين هذه التيارات المكونة
للحزب وفي توحيدها في مواجهة خصمها الرئيس، حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي، وتوج
ذلك بالفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.
وعن حزب نداء تونس في فترة ما بعد السبسي، يرى
النائب في "مجلس نواب الشعب" (البرلمان) عن الحزب، خميس قسيلة، أن
"هناك حاليا في نداء تونس تياران: فهناك من يريد بناء حزب عصري وهناك من يتعامل
مع الحزب على أساس أنه تركة"، في إشارة يراها مراقبون أنها تعني الفريق المحيط
بالباجي قايد السبسي، وعلى رأسهم ابنه الحافظ قايد السبسي الذي انضم للهيئة التسييرية
الحالية للنداء، بعد أن استقال والده من رئاسة الحزب إثر انتخابه رئيسا للبلاد، فضلا
عن محسن مرزوق، المستشار السياسي للرئيس السبسي.
وأضاف قسيلة في تصريح للاناضول أن "هناك أناس
من داخل نداء تونس لم يفهموا بعد أن هناك ثورة وقعت في البلاد وهم الآن يعيدون الممارسات
السابقة من قبيل الولاء للعائلة قبل الوطن".
من جانبه، وفي ما بدا انه رد غير مباشر على تصريحات
قسيلة، كتب أمس محسن مرزوق على صفحته على فيسبوك:
"الذين يعتقدون أنهم سيستفيدون من مهاجمتي بشكل غير أخلاقي، اعلق أنني لن أرد
عليهم"، مفضلا بذلك عدم خوض مواجهة اعلامية مع منتقديه من داخل الحزب.
ومن بين الخلافات الأخرى التي برزت إلى السطح مؤخرا
داخل حزب نداء تونس مؤخرا، مكانة الكتلة البرلمانية
للحزب (86 نائبا) ودورها المستقبلي خاصة في اختيار أعضاء الحكومة.
وفي هذا الشأن سبق أن خرجت أصوات من كتلة النداء
النيابية ترفض قرار الباجي قايد السبسي، قبيل تركه الحزب، بان النواب غير معنيين بالوزارات،
وأن هذا القرار يعود للهيئة التيسيرية للحزب، غير ان معظم نواب الكتلة يرون أنها هي
من ستصوت على الحكومة في البرلمان و بالتالي
يجب أن تكون لها كلمتها في هذه الخيارات، بحسب مصادر متطابقة ذاخل الحزب.
مشاركة حركة
النهضة - ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد نداء تونس في البرلمان الجديد - في الحكومة
المقبلة التي من المنتظر أن يقودها رئيس الوزراء المكلف من السبسي، الحبيب الصيد، مثلت
بدورها نقطة خلاف اخرى.
وكانت حركة النهضة قد حسمت النقاش داخلها بالموافقة على المشاركة في الحكومة
المقبلة في حال عرض عليها الأمر، وذلك خلال اجتماع مجلس الشورى التابع لها نهاية الأسبوع
الماضي.
أول ردة فعل رافضة لهذه المشاركة من داخل نداء
تونس، جاءت من عبد العزيز القطي، القيادي بالحزب، الذي اعتبر في تعليق نشره على صفحته
الرسمية على فيسبوك، أن قرار النهضة الأخير يدل عن "وقاحة سياسية"، ورأى أن "النهضة ما زالت تعيش في نتائج انتخابات
2011" للمجلس التأسيسي التي فازت بها.
ويعبر القطي بهذا التصريح عن تيار داخل نداء تونس
يرفض مشاركة النهضة في الحكومة انطلاقا من أسباب إيديولوجية عند البعض، أو من تخوفات
لدى البعض الآخر من خسارة الحزب لحلفائه و لقواعده الانتخابية، لا سيما أن عددا ليس
بالهين من الأصوات التي حصدها الحزب في الانتخابات العامة الأخيرة، هي بالأساس أصوات
« ضد النهضة »، بحسب متابعين للشأن السياسي التونسي.
في مقابل هذا التيار، قال محمد الطرودي، النائب
عن نداء تونس، في تصريحات حديثة لإذاعة
"صراحة أف أم" التونسية، أن "موقف عبد العزيز القطي هو موقف شخصي، لا
يمثل إلى نفسه و لا يمثل النداء"، مضيفا: "لا يمكن إقصاء طرف حاز على حوالي
ثلث مقاعد البرلمان ( في إشارة إلى حركة النهضة - 69 نائبا من إجمالي 217) والمصلحة
الوطنية تقتضي الوحدة الوطنية و التعايش بين الجميع" وتشكيل حكومة وحدة ذات قاعدة
شعبية وبرلمانية صلبة.
وتجمع التحليلات على أن الحكومة القادمة تواجه
استحقاقات جسيمة على رأسها مقاومة الإرهاب والإقدام على إصلاحات اقتصادية واجتماعية
هيكلية في ظل وضع اقتصادي متأزم وأوضاع إقليمية صعبة يصعب أن تتحملها حكومة ذات أغلبية
بسيطة، وهو ما يفسر ميل الرئيس السبسي لمشاركة النهضة في الحكومة المقبلة.