• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التعاون الحوثي مع

التعاون الحوثي مع "الشيطان الأكبر"

بات من المعروف لدى أغلبية الشعب اليمني، أن الصمت الأمريكي المطبق تجاه ما تمارسه حركة الحوثي المسلحة في اليمن، من ممارسات وانتهاكات، ليس إلا مجرد إشارة قبول ورضا عن الدور الذي تقوم به الحركة لخدمة المصالح الأمريكية في البلد.

وتثير الكثير من الدلالات والوقائع، علامات استفهام حول العلاقة الملتبسة بين جماعة الحوثي والولايات المتحدة الأمريكية، فالمعروف أن جماعة الحوثي تناصب أمريكا العداء، كما يبدو واضحاَ من خلال خطابها وأدبياتها وشعارها الذي يدعو بالموت لأمريكا، ومحاربة التدخلات الأمريكية في اليمن؛ لكن تنفيذ الجماعة لأعمال تدخل في ضمن المصالح الأمريكية يجعل الكثير يجزم بأن العلاقة بين الطرفين أصبحت أمراً واقعاً.

ومن المعروف أن جماعة الحوثي، تتكئ على شعار الصرخة المعادي لأمريكا و الكيان الصهيوني، ولذلك من غير المستبعد أن تكشف عن تحالفاتها مع الدولة التي تقول عنها في وسائل إعلامها بأنها "الشيطان الأكبر" والعدو الذي يجب أن يجر أذياله ويعود إلى دياره مطروداً.. وهو الأمر الذي تؤكده الكثير من الحقائق الواقعة على الأرض، فمنذ سقوط مدينة عمران التي تمثل المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء في يوليو/تموز 2014م، والولايات المتحدة الأمريكية مطمئنة لتفاصيل الأحداث الجارية في شمال اليمن، دون أن تعبر عن قلقها مما حدث ويحدث، بل استمر طاقم عملها الدبلوماسي في العاصمة حتى تاريخ سقوط العاصمة في 21 من سبتمبر/أيلول الماضي، ولم يؤثر دخول الحوثيين إلى العاصمة على عمل السفارة، بل لم يقترب الحوثيون من مبنى السفارة الكائن في حي شيراتون، حتى ذراع واحد.

وفي ليلة سقوط  صنعاء بالتحديد، كانت السفارات الغربية بما فيها السفارة الأمريكية بصنعاء بكل طواقهما المختلفة، تعمل في وضعها الطبيعي دون أي مؤشرات للقلق والفزع، في الوقت الذي كان المسلحين الحوثيين قد انتشروا في جميع أرجاء العاصمة واقتحموا الوزارات ومؤسسات الدولة ومقر البرلمان والحكومة، لكنهم بالطبع لم يقتربوا من سفارة واشنطن وسفارات الدول الغربية الأخرى.

بل إن الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، قال لقناة الجزيرة بعدها بأيام، إنهم لم يدخلوا صنعاء إلى بعد التنسيق مع بعض السفارات ومع جهات في الدولة، وبالتأكيد أن السفارة الأمريكية كانت من ضمن حسابات التنسيق إن لم تكن أكثرها أولوية.

هذا الأمر أعطى للمتابع رؤية واضحة، عن مدى التنسيق الواضح الذي جرى بين جماعة الحوثي والسفارات الغربية والأمريكية بشكل خاص، حيث حصلت تلك السفارات على ضمانات وتطمينات بعدم التدخل في شؤونها وعدم المساس بأفرادها أو التعرض لها بسوء.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية، تركز أهدافها على ما يسمى بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وقد فشلت كل الحكومات السابقة في محاربة الإرهاب فشلاً ذريعاً، ولذلك جاء الحوثيون على طبق من ذهب، فأصبحوا سيفاً من سيوف أمريكا التي تضرب به القاعدة في رداع والبيضاء والعدين والحديدة وصنعاء وبقية المدن.

ولعل ما يثبت صحة هذا القول، أن جماعة الحوثي منذ اجتياح العاصمة صنعاء، جعلت من أولى أولوياتها، محاربة تنظيم القاعدة، وما يطلقون عليهم "بالدواعش"، حيث أعلن زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، أنه سيواصل في محاربة تنظيم القاعدة، وبالفعل بدأت اللجان الشعبية الحوثية بالتحرك إلى رداع بمحافظة البيضاء، وإلى العدين بمحافظة إب، وهما من أهم معاقل تنظيم القاعدة، وحققت نتائج ظاهرة على السطح بانسحاب عناصر القاعدة من تلك المناطق بعد مواجهات عنيفة، دخلت فيها الطائرات الأمريكية بدون طيار على الخط، وشاركت في القصف على عناصر القاعدة، وأفسحت المجال للحوثيين بالدخول إلى تلك المناطق والسيطرة عليها.

نقاط اتفاق غير معلنة

مع احتلال الحوثي لصنعاء، نشر المفكر الكويتي، الدكتور عبدالله النفيسي، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ما قال إنها بنود اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الحوثي لمحاربة الإرهاب في اليمن.

الدكتور النفيسي، نشر هذه البنود بعد تسليم العاصمة صنعاء لجماعة الحوثي بأيام، حيث نص أول بند من الاتفاقية حسب الدكتور النفيسي على تمكين الحوثي من اليمن مقابل قيامهم بضرب القاعدة في جزيرة العرب.

ونص البند الثاني، على أن يقوم الطيران الأمريكي بدون طيار "الدرونز" بإسناد جوي لدعم الحوثيين، أما البند الثالث فينص على أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية أسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم وعلى الحوثيين حسم ضرب القاعدة في مدة لا تتجاوز السنتين.

وذكر النفيسي، أن الحوثيين اشترطوا سرية هذا الاتفاق، وسُجل هذا كبند رابع للاتفاقية.

حتى الأن لم يصدر عن أي من الطرفين، أي تأكيد أو نفي لهذه البنود، رغم أن الدكتور النفيسي، بالتأكيد سيكون حريصاً على أن تكون مصادرة قوية ومباشرة، لكن ذلك الأمر لا يحتاج لأي تأكيد، فما يحدث على الأرض يرجح صحة تلك البنود، بالإضافة إلى قرائن كثيرة أخرى.

ومن ضمن تلك القرائن، أن الحرب على الإرهاب في اليمن، لا يأتي عفوياً، وإنما يدخل فيه التنسيق مع الاستخبارات الأمريكية، وغرف عملياتها المتواجدة في العاصمة،والتي تولي هذا الملف أكبر اهتماماتها في المنطقة.

ولعل الصمت الأمريكي أمام كل الخروقات التي تمارسها جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، يؤكد صحة وجود تعاون أمريكي حوثي على الأرض، وإن كان بطريقة غير مباشرة  وغير معلنة، ومن غير الممكن أن تقود حركة الحوثي المعركة ضد القاعدة بدون أن يكون لديها الدليل الكافي والمعلومات الجاهزة والدعم اللوجستي والاسناد الجوي من البارجات الأمريكية الرابضة على محيط خليج عدن.

وقبل أن يدخل الحوثيون العاصمة صنعاء، كانوا يهددون بطرد السفير الأمريكي من العاصمة، وحدث أن تظاهروا أمام السفارة في تاريخ.....  واستغرب الجميع من التساهل الأمني الذي سمح لهم بالدخول إلى أعتاب السفارة، لكن الأمر تغير بعد دخولهم إلى صنعاء، حيث لم يتوجه الحوثيون إلى مبنى السفارة الأمريكية الكائن في منطقة "شيراتون" بل توجهوا إلى جامعة الإيمان، ومقر المنطقة العسكرية السادسة، واقتحموا مقرات حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) واقتحموا عدد من المساجد التابعة للسلفيين ولحزب الإصلاح، بعد أن فجروا في طريقهم عدداً من المساجد والمدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم، في عمران وهمدان وحاشد وحرف سفيان.

بعدها بأيام، تبنت جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة استهداف السفارة الأمريكية بصاروخ "لو"، ولكي تثبت جماعة الحوثي سيطرتها على الوضع الأمني، وجديتها في محاربة القاعدة، قام مسحلو الجماعة بحملة مداهمة وتفتيش للمنازل في المنطقة المحيطة بالسفارة، وأعلنت أنها قبضت على عناصر من تنظيم القاعدة بينهم عنصر شبيه بأمير القاعدة أبو بصير قاسم الريمي.

الحوثيون في واشنطن

قبل أيام، تفاجأ الجميع بسفر القيادي في حركة الحوثي وعضو المكتب السياسي علي العماد إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، للمشاركة في مؤتمر لبحث إشراك القطاع الخاص اليمني في تحقيق النمو الاقتصادي.

علقت إحدى وسائل الإعلام على زيارة الحوثي علي العماد إلى واشطن، بقولها "الحوثي في حضرة الشيطان الأكبر"، وهي الصفة التي يطلقها الحوثيون على أمريكا.

ورغم أن العماد، برر زيارته لواشنطن، بأنها دعوة من القطاع الخاص لمناقشة مؤتمر له علاقة بتحقيق النمو الاقتصادي في اليمن، إلا أن الغريب أن المؤتمر الذي حضره العماد كان برعاية أمريكية، وقبل ذلك كان على القيادي الحوثي أن يمر عبر السفارة الأمريكية بصنعاء ليحصل على تأشيرة دخول للسفر إلى واشنطن، وكان له ما أراد وبوقت قصير، في حين رفضت السفارة أن تعطي أمين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح تأشيرة سفر لحضور نفس المؤتمر الذي دعي له الحوثيون.

وقد برر السفير الأمريكي بصنعاء "ماثيو تولر" عن عدم حصول أمين عام الإصلاح تأشيرة سفر، بأنها ناتجه عن أسباب إدارية في واشنطن، مبدياً استعداد السفارة في صنعاء منح الآنسي تأشيرة في أي وقت.

بديل لحرب الإرهاب

من المؤكد أن الولايات الأمريكية، ما كان لها أن تصمت إزاء الاجتياح التام الذي حدث للعاصمة صنعاء من قبل الحوثيين وتفجير المنازل والمساجد ومدارس القرآن الكريم والتوغل في المدن اليمنية، إلا بعد أن وجدت أن الحوثيين هم البديل المناسب لمحاربة القاعدة في اليمن، وهو الملف الأخطر بالنسبة لحسابات واشنطن.

وقد وصف القيادي في حركة الحوثي عبدالكريم الخيواني، دعم الطيران الأمريكي لجماعة الحوثي في الحرب ضد القبائل والقاعدة في رداع، بأنه نوع من المساعدة الإلهية لأولياء الله الصالحين.

وقال الخيواني في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ان الله يُسخر لأوليائه الصالحين في جماعة أنصار الله حتى أعداءهم من الأمريكيين وطائراتهم بدون طيار في قتالهم ضد تنظيم القاعدة".

ولعل الغريب أن الأمريكان لم يدفعوا الرئيس هادي إلى مواجهة الحوثيين إبان دخول العاصمة، بل ساهم المبعوث الأممي للأمم المتحدة جمال بنعمر، في فرض الحوثيين على الرئيس هادي وعلى القوى السياسية في اليمن منذ بداية مؤتمر الحوار الوطني، باعتماد 40 مقعداً للحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، في حين تم اقصاء فئات هامة وتكتلات سياسية أخرى.

وفي الوقت الذي كان قيادات من الحوثيين يمارسون السياسة في فندق "موفمبيك" ويشاركون في جلسات مؤتمر الحوار الوطني، كان أبو علي الحاكم القائد الميداني للحوثيين، يفتح القرى والمدن واحدة بعد الأخرى، ويفجرون المنازل والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، دون أن يكون لمندوب الأمم المتحدة أو سفير واشنطن والدول الأخرى أي موقف يذكر حتى وصل الأمر إلى إفساح المجال للحوثيين للسيطرة على مقاليد الحكم بطريقة غير مباشرة.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد توصلت إلى قناعة أن قواتها العسكرية المباشرة لن تفلح في محاربة الإرهاب، وأن القوات الحكومية عاجزة عن فعل ذلك، ولذلك بدأت بالبحث عن قوة أخرى تمتلك عقيدة مذهبية مختلفة كلياً عن عقيدة تنظيم القاعدة التي تنبثق من الأصول السنية، وقد فهمت جماعة الحوثي هذا الأمر وقدمت نفسها كبديل جاهز عقائدياً وعسكرياً لمحاربة الإرهاب، وهذا ما حدث ويحدث الآن.

 

 

أعلى