بعد حل البرلمان.. ليبيا إلى أين ؟
شكل
قرار المحكمة الدستورية الليبية مفاجأة كبيرة لكافة الأوساط داخل وخارج ليبيا، حيث
تمخض القرار عن بطلان انتخابات البرلمان الليبي التي جرت في الربع الاول من هذا
العام والتي أفرزت برلمانا ليبيا منتخبا وفقا لقانون انتخابي جديد يقوم على نظام
الانتخاب الفردي وقد تمكن أنصار التيار الليبرالى وحلفائهم من تمرير القانون في المؤتمر
الليبي العام.
نتائج
الانتخابات أفضت إلى منح الأغلبية إلى التيار الليبرالي بزعامة محمود جبريل واللواء المتمرد خليفة حفتر وحلفائهم من القبائل
المختلفة، كما وأدت إلى نزع الشرعية من المؤتمر العام في طرابلس وحلفائه من الإسلاميين
والقبليين.
الا
ان اعضاء البرلمان الجديد لم يجدوا حرجا في عدم استكمال الإجراءات القانونية
بالاستلام والتسلم من المجلس الانتقالي المؤقت– وفقا للاعلان الدستورى- ليفاجئ الليبيون
والعالم بدعوة المجلس للانعقاد في مدينة طبرق في شرق ليبيا في اصطفاف واضح الى
جانب اللواء المتمرد خليفة حفتر والذي يسيطر على المدينة.
وهنا
أضحت الحرب الان العلامة الابرز في ترجمة هذه الصراعات والاصطفافات على الأرض ،فتحرك
ثوار مصراتة (250 كيلو م.عن طرابلس) لمقاومة الانقلاب على الثورة والتوجه فوراً إلى العاصمة الليبية طرابلس لتطهيرها من
ميلشيات الزنتان - الموالية للواء حفتر- والتي
تسيطر على عشرات المواقع المهمة والحساسة في ليبيا وأبرزها مطار طرابلس الدولي ورئاسة
الأركان الليبية، فبدأت عملية فجر ليبيا حيث دارت معارك طاحنة بين الثوار وقوات
حفتر الذين تكبدوا هزيمة نكراء وتم طردهم من كافة مواقعهم الاستراتيجية في العاصمة
طرابلس في شهر 8/2014.
وقد
تزامن ذلك مع معارك شرسة بين كتيبة (انصار الشريعة ) وقوات اللواء حفتر في مدينة
بنغازى–1200 كيلو عن طرابلس– انتهت أيضا إلى طرد قوات حفتر من بنغازى–سوى بعض
الجيوب البسيطة - وانحسار سيطرتهم في طبرق وبعض مدن الشرق الليبي
الوضع
الحالي: حاليا تكاد ليبيا تكون كدولتين منقسمتين شقها الاول في غرب ليبيا طرابلس وكل
مدن الغرب الليبي في شرق ليبيا يضم بنغازي والكفرة من الشرق الليبي ويقود المرحلة
فيها المجلس الوطني الانتقالي الذي تمت دعوته للانعقاد من جديد، والشق الثاني يضم
مدن طبرق ودرنة وبعض مدن الشرق الصغيرة الغنية بالنفط والغاز والتي ينعقد فيها
البرلمان الجديد وتقع تحت السيطرة العسكرية للواء حفترو بقايا نظام القذافي وكتائب
القعقاع والصواعق من ثوار الزنتان.
ولعله
من المهم الاشارة الى انه من اخطر قرارات البرلمان الليبى (برلمان طبرق المنحل )
الدعوة للتدخل العسكري الخارجي لحسم الامور في ليبيا ومساعدة حكومة رئيس الوزراء –الموالي
لحفتر - السيد عبد الله الثنى في محاربة الإرهاب
والتي وجدت صدى لدى بعض الدول العربية وابرزها مصر والامارات اللتان لم تتورعا عن
مساندة قوات اللواء حفتر وتحدثت صحف أمريكية عن أن الطيران الإماراتي والمصري
يساند قوات اللواء حفتر في قصف مواقع "الارهابيين" في بنغازى، بل إن
الحديث يدور وبقوة عن مشاركة قوات من الجيش المصري في القتال الدائر في شرق ليبيا
ليبيا
إلى أين؟
قرار المحكمة الدستورية بإلغاء انتخابات البرلمان الليبي
يبقى عاملا مهما في التأثير على الواقع السياسي في ليبيا ولكن يبقى العامل الخارجي
والتوازنات الاقليمية والدولية تلعب دورا كبيرا في التأثير على الداخل والمعارك
الجارية بين الثورة الليبية والثورة المضادة التي يقودها اللواء حفترو لكن من
الممكن حدوث متغيرات أو تداعيات للواقع الليبي تتأثر في حالة :
- حصول حكومة الانقاذ الوطني بطرابلس على الشرعية
والاعتراف الدولي وهذا احتمال يتزايد
حضورا بعد قرار المحكمة الدستورية الذى حل برلمان طبرق
- فقدان
برلمان طبرق للنصاب القانوني بانسحاب ثلة جديدة من النواب بعد قرار حل البرلمان،
وهذا من شانه ان يوجه ضربة مؤلمة ثانية للواء حفتر وحلفائه الذين رفضوا قرار
المحكمة بحل البرلمان.
- ازدياد الدعم اللوجستى لقوات حفتر وحصول تقدم لقواته في بنغازي
وحصولها على اراضي جديدة يؤهلها لفرض واقع قد يفضي إلى دولة جديدة.
- نجاح مجلس ثوار بنغازي بحسم الامور عسكرياً
في شرق ليبيا.
- تدخل المصريين عسكرياً بشكل معلن وواضح وهو
ما قد يؤثر أكثر على المعادلة العسكرية لصالح اللواء حفتر وان كان له تداعيات سلبية
لحساسية الشعب الليبي لما يحدث في مصر وللمصريين عموماً.
- نجاح وساطة الرئيس السوداني عمر البشير الذي يبذل
جهودا كبيرة لفض الصراع وإيجاد حل سياسي
للازمة الليبية ووضع حد لنزيف الدم.
ختاما.. من المؤكد أن قرار المحكمة الدستورية بإلغاء
البرلمان الليبي المنتخب حديثا قد جاء "هدية من السماء" للإسلاميين وقوى
الثورة في طرابلس، والذين كانوا بحاجة الى "شرعية ما" خصوصا في ظل سيطرة
قوية لهم على الارض ونجاحات مختلفة في دحر قوى الثورة المضادة، إلا أن الواقع على
الارض يشير الى احتمالية استمرار حالة الصراع الدموي في الفترة المقبلة وخصوصاً في
ظل وجود بيئة قبلية خاصة وحامية ومساندة لكل من الطرفين عدا عن دعم اقليمي متواصل
لقوى الثورة المضادة التي من غير المسموح لها أن تنكسر، وفي ظل عدم وضوح رؤية عربية او دولية لحل سياسي للازمة الليبية،عدا عن
مافيا السلاح والحروب التي لها مصلحة في استمرار الحرب ومقايضة بالسلاح بالنفط الليبي
الذي يتم بيعه ومقايضته باقل من ثلث السعر الدولي له ويبقى الخاسر الوحيد الشعب الليبي
الذي يقدم فلذات كبده وخيرة شبابه وثروة البلاد الوحيدة –النفط- بل وكل مقدرات
الدولة من أجل فرض قوى عربية وإقليمية رؤيتها الدموية التصفوية.