• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تركيا وروسيا.. فرقتهما السياسة وجمعهما الاقتصاد

تركيا وروسيا.. فرقتهما السياسة وجمعهما الاقتصاد

تجذب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لتركيا أنظار المراقبين حول العالم، وخاصة مع وجود قضايا عدة فرضت نفسها على جدول أعمال مناقشاته مع نظيره التركي رجب طيب أرودغان يأتي في مقدمتها مجالات التجارة والطاقة، في ظل توقيع عدة صفقات بين الجانبين لتعزيز التعاون في هذه المجالات الحيوية.

كما حضر أردوغان وبوتين اجتماع مجلس التعاون الروسي التركي الذي اتفقت أنقرة وموسكو على تأسيسه في مايو/أيار 2010، ليلتقي فيه زعيما البلدين بصورة منتظمة سنويا، والذى تأسس بهدف زيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار حتى 2020 من نحو 33 مليار دولار في العام الماضي.

وتأتي زيارة بوتين إلى تركيا، في وقت عصيب، ويبدو أنها أحد الخطوات لمواجهة أزمات متلاحقة تواجه روسيا أثقلت كاهلها المالي.

وتبدو تجليات الأزمة واضحة في تصريحات أدلى بها وزير المالية الروسي، أنطون سلوانوف الأسبوع الماضي، قال فيها إن العقوبات التي يفرضها الأمريكيون والغرب على بلاده بسبب الأزمة في أوكرانيا ستكبدها خسائر تبلغ نحو 40 مليار دولار.

وأضاف سلوانوف "إننا نخسر نحو 40 مليار دولار سنويا بسبب العقوبات الجيوسياسية، كما نخسر من 90 إلى 100 مليار دولار أخرى بسبب تدني أسعار النفط بحوالي 30%".

فضلا عن هذا تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي في روسيا نحو 100 مليار دولار بنهاية أكتوبر / تشرين الأول الماضي لتصل إلى 428.6 مليار دولار، مقابل 524.3 مليار دولار في نفس الشهر من العام الماضي، بسبب تدخل البنك المركزي بمليارات الدولارات لدعم الروبل.

وتمنع العقوبات، التي فرضها الغرب على روسيا، من وصول موسكو إلى أسواق المال الدولية والحصول على التقنيات المتطورة.

وتدفع هذه الأزمات روسيا إلى المزيد من تنحية خلافاتها السياسية مع تركيا جنبا، والتركيز بشكل أكبر على التعاون الذي سيحقق نتائج مثمرة للبلدين في مجال رئيسي وهو الاقتصاد، وهو المجال الذي تزداد فيه العلاقات قوة بين البلدين.

وبدأت العلاقات بين البلدين منذ عام 2003 تأخذ مسارا مختلفًا عن حقبة الحرب الباردة، وسعى البلدان إلى تطوير العلاقات بينهما خاصة الاقتصادية والتجارية، مدفوعين بعدد من الأسباب على رأسها السعي للتكامل بين البلدين، حيث تحتاج تركيا إلى إمدادات نفط وغاز من روسيا، وتعمل على توطيد أقدام منتجاتها الصناعية في السوق الروسي الكبير، بينما تنظر روسيا إلى ضرورة تنويع شركائها الاقتصاديين وعدم الاقتصار على الدول الأوروبية الرئيسة، هذا فضلا عن أن روسيا تتطلع إلى تركيا على أنها قد تكون منفذ رئيسي لها على البحر الأبيض المتوسط.

وتاريخيا توجد خلافات سياسية بين تركيا وروسيا، بعضها يعود إلى تاريخ شائك من الصراع امتد لقرون، وبعضها الآخر يعود لاعتبارات جيوسياسية حديثة، بعضها مكتوم ومزمن، وبعضها مرشح للتصاعد بين آونة وأخرى.

فبشكل جوهري تختلف وجهات نظر موسكو وأنقرة بشأن الوضع في سوريا وثورات الربيع العربي وخاصة في سوريا ومصر وليبيا وغيرها من الدول، وكذلك الأمر بالنسبة لآسيا الوسطى التي كانت تشكل جزء من الامبراطورية السوفيتية السابقة والتي أضحت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تشهد تنافس قوى على النفوذ بين الطرفين.

 كما اتخذ الجانبان مواقف متعارضة إزاء الوضع في منطقة جنوب القوقاز، التي تضم أرمينيا وأذربيجان ، والتي كانت إحدى ساحات القتال الرئيسة في الصراع الطويل بين تركيا العثمانية وروسيا الإمبراطورية .

كما تتباين وجهة نظر البلدين إزاء ملف جزيرة قبرص الحيوي لتركيا، حيث تدعم روسيا حكومة قبرص اليونانية ضد قبرص التركية.

ورحبت موسكو بانضمام قبرص اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي، لما سيحصده المستثمرون الروس في البنوك القبرصية من فوائد وتسهيلات، بالرغم من الاحتجاج التركي وتعثر محاولات إعادة توحيد الجزيرة.

وفيما يتعلق بالأزمة السورية، تطالب تركيا بتنحي بشار الأسد من الحكم، بينما يدعمه الروس للبقاء في السلطة كجزء من سبل حل الأزمة، وفي الأزمة الأوكرانية انتقدت أنقرة ضم شبه جزيرة القرم القريبة جغرافيا وثقافيا من تركيا إلى روسيا.

وتدرك تركيا وروسيا حجم الخلافات بينهما وتقدران ضرورة معالجتها، من خلال البحث عن توافق، بدون أن يؤثر ذلك على تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، والتي تأخذ مناحي متعددة وتشهد تسارعا ضخما وخاصة خلال السنوات الأخيرة.

وتأتى على رأس مجالات التعاون الطاقة النووية، والتي تملك روسيا فيها رصيد ضخم من الخبرة والتكنولوجيا باعتبارها إحدى القوتين العظميين سابقا، وفى هذا المجال تقوم الشركة الحكومية الروسية "روساتوم" ببناء أول مفاعل نووي تركي بمدينة أكويو المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يبدأ العمل به في العقد القادم.

أما في قطاع السياحة، فإن تركيا تجذب نحو 4.3 مليون سائح روسي سنويا يشكلون جانبا مهما من إيرادات البلاد السياحية، فضلا عن هذا فإن تركيا تستورد نحو 65 % من احتياجاتها من الغاز من روسيا.

ولكي تحافظ تركيا على مصالحها الاقتصادية مع روسيا، لم تشارك أنقر في الحظر الاقتصادي المفروض موسكو، بسبب الأزمة الأوكرانية.وتشير تقارير صحفية إلى أن البلدان يدرسان إلغاء الدولار كعملة التبادل التجاري بينهما، واستبداله بالروبل الروسي أو الليرة التركية.

وتحاول روسيا بكل قوة جذب تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوربي، لضمها إلى منظمة "شنغهاي للتعاون"، والتي تضم الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وأوزباكستان وطاجيكستان.

وتشير بيانات وزارة الاقتصاد التركية، إلى أن روسيا الاتحادية تحتل مرتبة متقدمة بين الدول المستقبلة للصادرات الروسية في عام 2012، بقيمة تصل إلى 6.6 مليار دولار، مقابل 5.9 مليار دولار في عام 2011 بزيادة 11.8%، ومقارنة بـ 1.1 مليار دولار في عام 2000 بزيادة  500%.

وبلغت قيمة الواردات التركية من روسيا 26.6 مليار دولار في عام 2012، مقابل 23.9 مليار دولار في عام 2011 بزيادة 11.2%، ومن 3.8 مليار دولار  في عام 2002.

وتصدر الغاز الطبيعى الواردات التركية من روسيا في عام 2012،  بقيمة 12.2 مليار دولار، تلاه النفط الخام ومنتجات الوقود بقيمة 5.06 مليار دولار، والحديد والصلب بقيمة 1.7 مليار دولار.

وعن الميزان التجاري بين البلدين فإنه يميل لصالح روسيا، بسبب زيادة واردات تركيا من الوقود الأحفوري (النفط والغاز) بشكل خاص لتصل إلى 19.9 مليار دولار في عام 2012، بزيادة قدرها 11.1 % مقارنة بعام 2011.

وتعد روسيا واحدة من أكثر الأسواق ديناميكية بالنسبة لشركات المقاولات التركية، والتي نفذت  حتى الآن أكثر من 1434مشروعا في روسيا بقيمة 41.1 مليار دولار.

وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التركية في روسيا 9 مليارات دولار في عام 2012، وتوزعت بين قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والأغذية والمشروبات والبناء والتشييد، في حين بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الروسية في تركيا 2.7 مليار دولار في نهاية عام 2012.

وكان مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف قال إن أكثر من 4.1 مليون سائح روسي زاروا تركيا العام الماضي، موضحا أن البلدين يعتزمان إعلان عام 2016 عاما للسياحة التي بين تركيا وروسيا، الأمر الذي سيدفع مواطني البلدين إلى المزيد من الزيارات المتبادلة.

وفي مقابله يوم الجمعة الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن تركيا كانت ولا تزال شريكا تجاريا مهما لروسيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2013 نحو 32.7 مليار دولار، مشيرا إلى أن نحو 100 شركة بناء تركية تعمل في روسيا، وشارك عدد منها في تشييد البنية التحتية اللازمة لاستضافة روسيا لدورة الألعاب الأولمبية في سوتشي والتي جرت في فبراير / شباط الماضي.

وأضاف الرئيس الروسي أنه من المنتظر أن تشارك هذه الشركات أيضا في بناء المرافق اللازمة، للأحداث الرياضية الدولية الكبرى التي ستعقد في روسيا في السنوات المقبلة.وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقدير بلاده لاستقلالية تركيا التي لم ترضخ للضغوط ولم تؤيد العقوبات ضد روسيا.

وقال بوتين: "نقدر كثيرا استقلالية قرارات تركيا، بما في ذلك ما يتعلق بقضايا التعاون الاقتصادي مع روسيا".وأضاف أن الشركاء الأتراك لم يضحوا بمصالحهم إرضاء للأطماع السياسية للغير، مشيرا إلى أن هذا المنظور مدروس وبعيد النظر.

أعلى