سجون الحوثي تحت المجهر
ما
إن تسيطر جماعة أنصار الله المعروفة إعلامياً باسم "الحوثي" على مدينة
يمنية، حتى تبدأ بفتح معتقلات سرية خاصة، تزج فيها كل من يخالف الجماعة في الرأي والفكر والاعتقاد، بالإضافة
إلى أن الجماعة تقوم بممارسة أعمال الدولة في القضاء وأقسام الشرطة وإنشاء دار
مظالم متخصصة لحل قضايا الناس المُعلقة حسب قول الحوثيين.
عشرات
السجون السرية التي بدأت الجماعة بتأسيسها لزج المعارضين فيها، منذ أن أحكمت
سيطرتها على مدينة صعدة شمال صنعاء أواخر عام 2010م، مروراً بسيطرتها على مدينة
عمران في يوليو الماضي، وانتهاء بإحكام سيطرتها على العاصمة ومدينة الحديدة غرب
اليمن، ومدينتي ذمار وإب وسط اليمن، خلال الثلاثة الأشهر الماضية.
مئات
المواطنين من المدنيين والسياسيين والإعلاميين، تعرضوا لحملات اعتقال من منازلهم
وأماكن أعمالهم، حيث تنفذ الجماعة حملات اعتقالات واسعة على عدد كبير من المناوئين
للفكر الحوثي.
إضافة
إلى ذلك فقد ابتكرت جماعة الحوثي، طريقة جديدة لمحاولة كسب الناس، وهي إنشاء "دار
المظالم"، وهو مكتب خاص يقولون أنهم يستقبلون قضايا الناس وشكاويهم ويعملون
على حلها بشكل فوري.
وتحدث
الكثير من المواطنين لمراسل "البيان" عن ممارسة الحوثيين لعمل أجهزة القضاء
والمحاكم، إذ يرسلون أطقم عسكرية لإحضار الأشخاص المشتكى بهم، ويرغمونهم على تطبيق
الأحكام التي يصدرونها عليه، وإن رفض يتم زجه في السجون التابعة للجماعة.
وحسب
المصادر الخاصة، فقد فتح الحوثيون خلال الثلاثة الأشهر الماضية، عدداً من السجون
الخاصة، والتي تفتقر لأبسط مقومات الآدمية، واقتادت المواطنين والجنود والناشطين
إلى تلك السجون بمبررات واهية، وهي اعتراضهم على المسيرة القرآنية.
ومن
أبرز السجون التابعة لجماعة الحوثي في مدينة عمران: ( سجن بير عايض، في بدروم تحت
الأرض، سجن الصرارة داخل المجمع الحكومي بالمحافظة، سجن ريدة في عمارة آيلة
للسقوط، سجن حوث في مبنى المحكمة، سجن المشهد في ملحق مسجد الولي، سجن صبارة بحرف
سفيان في مدرسة الشريان، سجن المجزعة بحرف سفيان في منزل أحد المواطنين الذين نزحوا
إلى صنعاء، سجن الحول في الحيرة في مدرسة الحسن).
أما
في صنعاء، فقد تحول مقر الفرقة الأولى مدرع سابقاً، إلى معسكراً للحوثيين، ومقر
لقيادة عملياتهم العسكرية، واستخدام بعض العنابر كمعتقل يزج فيه المخالفين للحوثي،
بالإضافة إلى شقق سكنية وبدرومات أرضية سرية لا يعلم بها أحد.
ملعب
رياضي تحول إلى معتقل
حسب شهادة أحد المعتقلين الذين تم
الإفراج عنهم منذ أسابيع، فقد حول الحوثيون أكبر ملعب رياضي في مدينة عمران إلى
معتقل خاص تم زج أكثر من 200 شخص فيه من العسكريين والمدنيين.
وقال المعتقل الذي رفض الكشف عن هويته،
أن ملعب عمران يعتبر بمثابة السجن المركزي، حيث يتم استقدام الكثير من المعتقلين
من صنعاء ومدن أخرى إلى ذلك السجن الكبير، الذي تحولت مرافقه إلى عنابر سجون.
وتحدث المعتقل، عن معاملة قاسية وإهانة
وتعذيب، يتعرض لها الكثير من المعتقلين الذين يتم اختطافهم من أعمالهم أو منازلهم
إلى ذلك السجن.
وكشف المعتقل، عن تعرض المعتقلين في سجون
الحوثي، إلى تحقيقات مكثفة من قبل أشخاص مسلحين، مع تعرضهم للقمع والتعذيب أثناء
التحقيقات معهم.
وذكر المعتقل أن الحوثيين، اعتقلوا عدد
من الطلاب والدكاترة في السكن الطلابي بمنطقة مذبح شمال العاصمة صنعاء، واقتادوهم
إلى مدرسة بمنطقة شملان لمدة أربعة أيام، ثم بعد ذلك نقلوهم إلى ملعب عمران.
سجون أخرى واتهامات
في العاصمة صنعاء، بدأت رحلة الحوثيين من
اليوم الأول بإنشاء سجون خاصة في شقق سكنية بمنطقة الجراف شمال العاصمة، وفي منازل
أخرى تم السطو عليها، تابعة للواء علي محسن الأحمر مستشار رئيس الجمهورية لشؤون
الدفاع والأمن، ومنازل الشيخ القبلي المعروف حميد بن عبدالله بن حسين الأحمر، حيث
تحولت تلك المنازل إلى مساكن خاصة للمسلحين الحوثيين، وتم تخصيص غرف أخرى (المطابخ،
البدروم) كسجون خاصة للمعتقلين الذين يتم اختطافهم من كل مكان بدون إبلاغ أسرهم.
حسب شهادات متطابقة لشباب وناشطين تم
الإفراج عنهم من المعتقلات الحوثية، أكدوا أن الحوثيين قاموا باستحداث عدداً من
السجون الخاصة في العاصمة صنعاء وعمران وإب وذمار، وأن تلك السجون محاطة بحراسة
أمنية مشددة من المسلحين الحوثيين.
وطبقاً لشهادات الناشطين
لـ"البيان"، فإن المسلحين الحوثيين يقومون باختطاف الأشخاص المشتبه بهم
بالنسبة للجماعة، ويقومون بزجهم في سجون خاصة لأيام، قبل أن يقوم أشخاص آخرين بالتحقيق
معهم والسؤال عن طبيعة أعمالهم، ومناطقهم، ومدى ارتباطهم بالقاعدة والسلفيين وحزب
الإصلاح، بالإضافة إلى أسئلة تدخل في الفكر والمعتقد.
وأوضحوا أن التحقيقات تجري في أمكان لا
يعرفون عنها شيء، لأنهم يُقادون إليها وأعينهم مربوطة بعصابات تمنع عنهم الرؤية.
وأشاروا، إلى أن السجون التي تم الزج بهم
فيها، تكاد تكون ممتلئة بالعديد من السجناء من كل الأعمار بما فيهم أشخاص صغار لا
يتجاوزون السن القانوني، بالإضافة إلى تعرض الكثير منهم لاعتداءات وتعذيب نفسي
وجسدي وإهانات تتعلق بالانتماء المذهبي.
وذكر السجناء الذين تحدثوا
لـ"البيان" كلاً على حدة، أن أبرز التهم الموجهة للمعتقلين كانت تتعلق
بانتمائهم المذهبي، واتهامهم بالانتماء لتنظيم القاعدة، وحزب الإصلاح الإسلامي،
وأنهم يقفون ضد المسيرة القرآنية، والتجمعات والمقايل، وتخزين السلاح، وممارسة
السياسة والفكر المخالف لهم.
وقد اتهم حزب الإصلاح اليمني في بيان صحافي،
الحوثيين بالاستمرار في مداهمه منازل أعضائه واختطافهم بالعاصمة صنعاء، وذكر الحزب
أن ستة من أعضائها اختطفهم الحوثي، بعد عمليات مداهمة ليلية على منازلهم في حي الأندلس
شمال غربي صنعاء، وهو الحي الذي شهد معارك عنيفة بين الحوثيين ومعسكر الفرقة الأولى
مدرع في سبتمبر (أيلول) الماضي. وأشار الحزب إلى أن ميليشيات الحوثي اختطفت أعضاءه
الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء الماضي، وتم اقتيادهم إلى جهة مجهولة، موضحا أن الحوثي
يسيطر على مقرات تابعة لمؤسسات خيرية، فيما يواصل مسلحو الجماعة اقتحام وتفتيش المنازل
ومضايقة سكان الحي.
نموذج مصغر
في يوم الأحد الموافق 16 نوفمبر الجاري،
تقدم طقمان يحملان عدداً من المسلحين الحوثيين، وقاموا باقتحام مسجد
"السنة" التابع للسلفيين في منطقة السبل بمدينة إب وسط اليمن، وقاموا باعتقال
إمام المسجد الذي يدعى الشيخ "شائف الخطيب" وهو شخص معاق حركياً، يقوم
بإمامة المسجد وتقديم محاضرات ودروس بشكل مستمر، وتوجه المسلحين نحو منزل الخطيب
وقامت بتفتيشه والعبث بكل محتوياته، واعتقلت ابنه واثنين آخرين من المسجد.
حسب شهادة أحد أقرباء الشيخ شائف الخطيب،
فقد تم اعتقال الخطيب ونجله واثنين من المصلين في المسجد، واقتادوهم إلى سجن خاص
في وسط مدينة إب ولم يفرج عنهم إلا بعد ثلاثة أيام، بعد مطالبات قبلية واحتجاج
واسع، الأمر الذي فرض على الجماعة الإفراج عنهم.
وأوضح لـ"البيان": أن المسلحين
الحوثيين، رفضوا الإفراج عن الشيخ شائف الخطيب ونجله واثنين آخرين، إلا بعد
إلزامهم بالتوقيع على وثيقة مكونة من عدد من البنود والشروط الطويلة لم يُعرف منها
شيء سوى بند "عدم اعتراضهم للمسيرة القرآنية".
الصحافة تحت قفص الاتهام
لم تقتصر الانتهاكات التي تمارسها جماعة
الحوثي على السياسيين والمخالفين للحوثي في الفكر، فقد تطور الأمر إلى استهداف
رجال الصحافة والإعلام خشية من نشرهم للانتهاكات التي يمارسها المسلحين التابعين
للجماعة ضد المواطنين.
عشرات الصحفيين والإعلاميين تم اقتحام
منازلهم ومقراتهم واقتياد البعض منهم إلى سجون خاصة، ونهب كل محتوياتهم من
الجوالات وأجهزة الكمبيوتر ومبالغ مالية وممتلكات أخرى.
يكشف الصحفي يوسف حازب، في شهادته عن
سجون الحوثي عن ممارسات قاسية ومؤلمة بحق الأسرى والمختطفين والمعارضين لفكر
الحوثي في تلك السجون الخاصة.
حازب كان أحد الصحفيين الذين تم اختطافهم
أثناء ممارسة عمله في مدينة عمران مع زميل آخر يدعى يوسف القحمي، حيث تم نهب ما كان
بحوزتهما من جوالات وكاميرا فيديو ثمينة تم مصادرتها بشكل نهائي.
وأوضح حازب أن مسلحين حوثيين، اعتقلوهم
واقتادوهم إلى ملعب عمران الرياضي الذي تحول إلى سجن كبير لكل من يخالف الحوثي،
حيث توزعت مرافق الملعب إلى عنابر خاصة بالمعتقلين الذين يتكاثرون يوماً وراء آخر.
حسب شهادة حازب، فإنه تم اقتيادهم إلى
غرفة يصل حجمها إلى 4 متر في مترين ونصف، وتم اقحام أكثر من 15 معتقلاً فيها تحت قضايا
مختلفة، بعضهم أطفال ما دون سن العاشرة.
وقال حازب، أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب والشتم والإهانة، والحرب
النفسية، ويعانون من عدم إطعامهم بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى التحقيقات المستمرة
معهم من قبل المسؤولين في المعتقل.
وأكد حازب، أن المسلحين يجبرون المعتقلين على الإداء بتصريحات
إعلامية مكتوبة على الأوراق لقناة المسيرة، يلزموهم فيها بشكر جماعة أنصار الله
على حسن استضافتهم والتعامل معهم بشكل
لائق، ويعلنون تعهدهم بعدم التعرض للمسيرة القرآنية حسب ما يقولون.
أما
بالنسبة للحوثيين، فإنهم لا ينفون السجون الخاصة، لكنهم يقولون أنها حالة طارئة قد
تنتهي في حال عودة أجهزة الدولة إلى ممارسة أعمالهم بشكل كامل.
وقال
القيادي علي البخيتي، أن افتتاح تلك السجون يعد اجتهاداً من بعض قادة الجماعة،
مطالباً المواطنين برفضها، لكن قيادات عسكرية في جماعة الحوثي أكدت وجود تلك
السجون، كون الأجهزة الأمنية مقصرة في القيام بواجبها لحماية المواطنين، مؤكدة أن
السجون التي فتحتها في عدة محافظات ستقوم على أسس العدل والإنصاف للمظلوم، وليس
مجرد الاعتقال بدون أي تهمة.