سقوط صنعاء وتلاشي الدولة اليمنية!!
لم يكن سقوط صنعاء مفاجئاً للمراقبين
والمتابعين باهتمام للأوضاع السياسية في اليمن، فمسار الأحداث وتواليها التي سبقته
يقود إليه، وبإمكانك أن تضع بداية ونقطة المسار حيث شئت : صعدة، أو دماج، أو عمران،
وستجد أنه يأخذك جنوباً نحو العاصمة صنعاء، وأبرز علامات هذا المسار كان التمدد العسكري
المستمر للجماعة، بالتوازي مع العملية السياسية وقبول الرئيس هادي منصور لفكرة التفاوض
مع عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، تحت ظلال هذا التمدد.
ولم يكتفِ
الرئيس هادي بذلك، بل قبل أن يبعث لعبدالملك الحوثي بلجان وطنية تتفاوض معه، وشكلّت
اللجان تلو اللجان، ليتولى المهمة في نهاية المطاف المبعوث الأممي، جمال بن عمر وهو
سياسي باهت، يبحث عن أي حضور، بأي ثمن، وبعبارة أخرى، كان رئيس الدولة هو الذي ذهب
إلى صعدة «عاصمة الحوثي» بحثاً عن مخرج ،ولم يأتِ الحوثي إلى عاصمة الدولة.
أهداف الغزو
منذ بدء جماعة “أنصار الله” الحوثية الاعتصام بالعاصمة
(22 آب/ أغسطس 2014) بنصب عشرات الخيام في حديقة الثورة بالقرب من الوزارات المختلفة
للدولة، استجابةً لـ “التصعيد الثوري” الذي أعلن عنه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي،
وهم يؤكدون أن تحركاتهم “ستكون سلمية ولن نستخدم فيها السلاح، وكل المحللين العسكريين
يستبعدون اقتحامهم العاصمة صنعاء بالسلاح، فما الذي جرى؟
واقع الأمر أنه رغم هذه التصريحات، فقد كانت التحركات
العسكرية مستمرة، ويبدو أنها وفق مخطط هدفه الوصول للسيطرة على العاصمة عسكريًا، فالجماعة
بدأت بمحاولة السيطرة على مدينة “عمران” التي تعدّ المفتاح الرئيس لصنعاء ودخلتها بالفعل،
وأيضًا السيطرة على جبل الصمع في مديرية أرحب لأنه يطل على العاصمة صنعاء، وتحديدًا
على مطار صنعاء الدولي.
وكانت خارطة المواجهات التي يقودها ويخوضها الحوثيون
في شمال شرقي اليمن موجهة بالأساس للقوى التابعة لحزب الإصلاح، والمؤسسات التابعة له
وقبيلة الأحمر التي يتقلد أعضاؤها مناصب في الجيش والحكومة، فضلًا عن المؤسسات الإعلامية
لبث بياناتهم منها، وهي كالتالي: معارك مع القبائل وحزب الإصلاح في محافظة الجوف بشرق
البلاد – معارك مع حزب الإصلاح والقبائل في منطقة أرحب بمحافظة صنعاء شمال العاصمة
– معارك طاحنة مع السلفيين في منطقة دماج بمحافظة صعدة – معارك أخرى في ذات المحافظة
مع رجال القبائل، وتحديدًا في منطقة كتاف – ومعارك أخرى مع قبائل حاشد في محافظة عمران.
ولهذا، عندما اقتحم المسلحون الحوثيون صنعاء من
الجنوب كانت وجهتهم هي أهداف ومقرّات أحزاب إسلامية مناوئة لهم، وقوى ثورية يمنية،
ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هناك اتفاقات مسبقة وقعتها أطراف إقليمية ودولية معهم
-بالوكالة- مقابل تقديم تنازلات (مكاسب) لهم في اليمن على غرار ما فعله حزب الله في
لبنان عندما اعتصم وحصل على وزارات بعينها في الحكومة اللبنانية لاحقًا تمثل قوته العسكرية
.
ولم يكن مستغربًا، بالتالي، أن ينتهي الأمر بسيطرة
ميليشيات الحوثيين بالكامل على حيّ صوفان واقتحام معظم المنازل التابعة لأولاد الأحمر
وقيادات سياسية في حزب الإصلاح واحتلال مقرّ جامعة الإيمان التابعة للشيخ عبد المجيد
الزنداني، وباقي المصالح الحكومية في ظلّ تراخي الشرطة وكثير من وحدات الجيش.
والأغرب أن يأتي هذا الهجوم بعد إعلان مبعوث الأمم
المتحدة الخاص إلى اليمن “جمال بن عمر” أنّ الحكومة والحوثيين الشيعة المسلحين توصلوا
إلى اتفاق (السبت) لإنهاء أسوأ قتال شهدته العاصمة صنعاء منذ سنوات، إضافة إلى تصريح
عبد الملك الحوثي أن ممثلين عنه قد يصلون العاصمة من محافظة صعدة (الأحد) للتوقيع على
اتفاق إنهاء الأزمة، ليتفاجأ الجميع بوصول المسلحين لصنعاء، ثم التوقيع على الاتفاق
بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة تقريبًا عسكريًّا !
ويبدو أن الأهداف الرئيسة لاجتياح صنعاء تم تحديدها
مسبقًا وبالاتفاق بين أطراف اللعبة، وأهم هذه الأهداف هي: تصفية جميع قيادات جماعة
الإخوان المسلمين العسكرية والقبلية، كما أنّ هناك غموضًا يكتنف مصير القيادات السياسية
لحزب الإصلاح (اليدومي، والإنسي، والزنداني، وصعتر وغيرهم) ما بين الاختفاء أو الخطف
أو القتل.
ورغم أن اتجاه المعركة تغير نسبيًّا في اليمن بعد
مساندة قوات من شباب القبائل للجيش في العاصمة وتوجيه ضربات موجعة لميليشيات الحوثي،
ما دفعهم للانسحاب من بعض المواقع التي سيطروا عليها وتسلم الحرس الرئاسي لها مثل جامعة
الإيمان ومقر الفرقة السادسة ومجلس الوزراء، فقد فوجئ الجميع بتصريح لوزير الداخلية
والدفاع بعدم مواجهة الحوثيين، ما جعل الحوثيين يسيطرون على باقي المنشآت الرسمية دون
قتال وسط تغريدات يمنية تقول إنه " يجري الآن تسليم اليمن للحوثي " .
ملامح الخطة المشتركة
من الملفت أن يعلق موقع (شيعة أونلاين) الرسمي
التابع للحوزة الشيعية في إيران، المقرّب من الحكومة الإيرانية، حول آخر الأحداث والتطورات
الميدانية في اليمن بوصفه ما يجري بأنه: " انتصار الثورة الشيعية بقيادة الحوثي
في اليمن”، وقوله: “إن حرب الحوثيين الحقيقية بدأت الآن، بمعارك صنعاء مع التيارات
الإسلامية المعارضة لثورة الحوثيين في اليمن " .
وكشف الموقع الإيراني إنه “لولا أنّ الجيش اليمني
وحزب الإصلاح فصلا عدّة مناطق حسّاسة في العاصمة صنعاء عن المناطق التي يسيطر عليها
الحوثيون هناك حتى لا يتمكن مناصرو الثورة الإسلامية في تلك المناطق بالالتحاق مع كافّة
الثوار وحركة أنصار الله داخل العاصمة، لسقطت العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين ولاانتصرت
الثورة الشيعية بقيادة الحوثي في اليمن" .
وسبقت صحيفة “التحرير” المصرية الموالية للسلطة
كل ذلك بتقرير لخصت فيه ما يجري (قبل دخول الحوثيين صنعاء) بعنوان يقول: (استمرار الحوثيين
بمحاصرة صنعاء لـ«إسقاط» حكومة الإخوان) بحسب تقرير نشرته 22 أغسطس الماضي) .
وكتب المغرد خالد أبو شادي يقول: “الثورة المضادة
في اليمن يدًا بيد مع الحوثيين.. بالأمس مصر، واليوم ليبيا واليمن… متى يأتي الدور
على تونس؟
ونشرالمغرد اليمني الشهير المحامي خالد الآنسي في حائطه: “هادي حتى الآن يلعب دورًا طنطاويًّا،
والحوثي دور حركة تمرد، وقريبًا سوف يعلن عن من سوف يلعب دور السيسي - أدق توصيف لوضع
اليمن " .
حتى الصحف الإيرانية لم تبعد كثيرًا عن تحليلات
وآراء الكتاب في الصحف العالمية، لدرجة أن " صحيفة كيهان " الرسمية الإيرانية
التي يملكها المرشد الإيراني علي خامنئي، أشارت في تحليل لها عن الوضع اليمني المتأزم،
أنّه بعد اليمن ونجاح الثورة الإسلامية في صنعاء سوف يكون الدور المقبل على سقوط السعودية،
وتفكك هذه الدولة المفروضة على الحجاز بحسب تعبيرها .
خلاصة المشهد
المشهد اليمنيّ يشير إلى التالي: أنّ دخول الحوثيين
العاصمة كان معدًّا سابقًا وبتنسيق مع جهات إقليمية ودولية للحصول على مكاسب مقابل
ضرب الربيع العربي في اليمن وإنهائه على غرار إنهاء الربيع العربي في مصر وسوريا ومحاولة
إنهائه في ليبيا حاليًا، وأن ما يجري ما هو سوى مشاريع إقليمية بأياد يمنيّة لإزاحة
جماعة الإخوان من المشهد، وكل طرف وجد ضالته عند الطرف الآخر وأصبح القاسم المشترك
واحدًا، بين إيران ودول الخليجومثلما يجري التخلص من الثورة اليمنية، فيبدو أن المرحلة
القادمة ستشهد إعادة رموز الرئيس السابق علي صالح، والذي لم يخفِ تحالفه مع الحوثيين.