القضية الجنوبية وصراع زعامات متعددة !
يوماً عن يوم تتعقد الأمور في جنوب اليمن وترتفع
وتيرة العنف من قبل حراك (فك الإرتباط)، وزعامات متعددة ومتمددة ويصير التطرف والغلو
منتجاً حراكياً بامتياز ويلد العنف ، ويكون الضحية وطناً من أجل تطلعات قوى تبحث عن
مصالحها الضيقة لا ترقب في هذا الجنوب إلاً ولا ذمة حين تمارس كل سلوكيات غير سوية
وتذهب إلى دغدغة عواطف البسطاء بأنهار من لبن وعسل إن حدث فك الإرتباط مع الشمال. هذا
الذي يسمه الحراك بالرجعي المتخلف الذي لا خير يرتجى منه ولا فائدة، وأن هذا الشمال
ليس سوى ناهب ثروة ومحتل غشوم ومتغطرس..الخ اللغة المسرفة التي لا يقبلها منطق ولا
يستسيغها عقل، ومع ذلك تجد آذاناً لدى شباب بسيط محدود الثقافة والمعرفة ولديه رغبة
في الفوضى والذهاب إلى حد العنف، وتتسع مساحة هذا الحراك الجنوبي الانفصالي المدمر،
ويغدو المنضوي فيه متشبعاً بالكراهية التي لا تطاق، وتراه في كل مواقفه متهوراً وفظيعاً
في إنفعالاته. وكل ذلك لا يؤدي إلى جنوب آمن مستقر باعتبار كل الجنوب هو خليط من الشمال
والجنوب وجنسيات متعددة، أي فرز عن أي من هذه الجنسيات سيؤدي بالضرورة إلى فرز جنسيات
أخرى ويصير التشاحن والبغضاء بعدئذٍ هي ثقافة ينتجها الحراك المستورد من (طهران) بكل ما فيه من هندسة فارسية غايتها الفرقة والتشظي
لتعم أرجاء الوطن اليمني .غير أننا لن نصل إلى كل هذا المستورد المعبر عنه في الحراك
إلا بعد أن يدمي الجنوب نفسه وبعد أن يقصي كل فريق الفريق الآخر، وما لم يعترف الجنوب
بتنوعه وتعدد الهوية فيه ويستوعب كل هذا التنوع في إطار الفهم العميق لممكنات التعايش
السلمي فإنه لن يستقر مطلقا وسيجد الجميع أنفسهم فيه أمام ثقافة عنف تلد موتاً وقهراً
واستهداف بشر، وسيجد الجميع أيضا نفسه أمام محاكمات للمنتمي المغاير، وتعلو لغة الرعب
على ما عداها، سيما وأن المنتسبين للشمال في الجنوب من الكثرة. لذلك الفرز القبيح لن
يتوقف عند وحدة 1990م إنه سيقفز إلى من يسمونهم الآن أشبه بعرب 48 وهي لهجة تبدأ بالسخرية
وتنتهي بزئير يريد افتراس الذي بعده، وعلى التوالي سيجد الجنوب نفسه في تتابع مشاكل
لا حصر لها فسيظهر هناك فرز طائفي كريه سنجد من يحدثنا عن هنود وصومال وبينيان وزيود
وشوافع وكل ما هو متعدد في الجنوب. وفي النهاية الجنوب هو الذي يدمر نفسه بفعل ثقافة
الإقصاء التي ينتجها بتضخيم هائل من حراك مسلح وحراك انفصالي ممول من الخارج (فك الإرتباط) المعبر عن طموحات الفرس في اليمن
بجعلها بلداً يتنابز بالألقاب ويتقاتل بالمناطقية ويقصي بالهوية ويعمد إلى تزوير الهوية
للآخر التي تمنحه حق تدميره وقهره وقتله، إن لزم الأمر. .ولعل مؤشرات الفوضى التي نراها
اليوم تبدو أكثر من ذي قبل. ذلك أنها لم تعد تؤمن بالنضال السلمي ولا تراهن عليه وتتجه
نحو فرز سيء لمكونات الجنوب الذي هو قابل للفوضى تعمه لكونه خليط جنسيات، ولأنه في
الأصل عبارة عن سلطانات متعددة وصغيرة، بمعنى أن في أحشاء الجنوب نبتة التشظي قوية،
والعود إلى زمن السلطنات والزعامات الهشة وإن بأشكال وأساليب أخرى سيكون مآلها العنف
هو الذي يسيطر على تراب الجنوب. وهنا نؤكد أن ممكنات التحول في الإنفصال لن تقف عند
حدٍ معين، وأن هناك من السلاطين من يطل برأسه وقوى أخرى تريد أن يكون لها الغلبة والحديث
عن فك إرتباط مع الشمال ليس سوى مقدمة صغرى لمتواليات من التشرذم والفرز المناطقي والكثير
من استحداث سياسة تفرقة وإنقسام تجد في تشكيل الجنوب اليمني ما يعبر عنها من خلال ثقافة (فك الإرتباط) بمقاصدها
(الفارسية)، والتي هي اليوم تعبئ قوى بما ليس موجوداً في الأصل، وتمهد لمستقبل تطغى
فيه أساليب القهر والعنف والدمار، ولغة هذا شمالي وهذا جنوبي وآخر هندي وثالث صومالي
وكيني، الأمر الذي يجعل الجنوب على فوهة بركان بما لديه من مكون متعدد نراه قائماً
في الثقافة التي تبرز في حوارات حتى بين الجنوبيين أنفسهم فثمة مواطن درجة أولى نراه
في عدن للعدنيين، وثمة مواطن آخر متخلف هو عائق مرشح بعد الشمالي في نبذه وهم من يطلق
عليهم البدو. وثالث ورابع وخامس وهلم جرا في ما سيقع عليه الجنوب من ألم لا يرد بدءاً
بكراهية للشمال، ولن يتوقف إلا على سيل من الكراهية والفرز المناطقي والاساءة لمن هم
عبروا بلادا من سنوات طوال واستوطنوا الجنوب، وهم اليوم في المرمى بعد الشمالي المتهم
بالمحتل وآكل ثروة الجنوب ومقدرات الجنوب، كما يتوهم الحراكيون من إعتقادهم أن هذا
الجنوب ثروة هائلة وأنه لولا الشماليون لكان الكل في رفاهية وعز ونغنغة.. هكذا نراهم
لا يعرفون سوى هذه الثقافة التي ترى الآخر مبتزا ومستوليا، في حين أن كل ثروة اليمن
من البترول لا تتجاوز 350 الف برميل نصفها من مأرب في الشمال والباقي من شبوة وحضرموت
فيما ثروة الغاز مهدرة على الجميع وأما الأسماك فهي في البحر تسرح وتمرح ويبقى ميناء
عدن بموقعه الحيوي، وماعدا ذلك ليس ثمة ما يمكن القول عنه ثروة مسخرة للشمال.. قد نتفق
أن ثمة قوى من الشمال نهبت أراضي وبطشت وخلفت آلام وأقصت كوادر وقاعدت من ليس في سن
التقاعد، نتفق مع هذا تماماً ولكن ليس إلى حد الاعتقاد أن لولا الجنوب يرفد الشمال
بالثروة لكان الشمال يعيش الفقر والجوع والمخافة. مثل هكذا ثقافة تسيطر وتحتل عقول
البسطاء لا تقدم غير الحقد وتزرع الشر، وهو أمر ينبغي للعقلاء في الجنوب تداركه وفهم
أبعاده وإلى أين يؤدي؟ وما هي تبعاته ومخاطره؟ فالجنوب إن بدأ بالظلم فسيناله القسط
الأوفر، والجنوب تربة صالحة لتناقضات عديدة وهي كامنة في أحشائه وإن برزت على سطحه
فليس للشمالي غير القليل مما سيؤذي الجنوب نفسه. هكذا نرى إلى تعبئة (فك الإرتباط)
الفارسي أنه خيانة للجنوب أولا وتشظٍ للجنوب، وامتحان عسير يقع فيه كل بيت هناك لا
نريد أبدا له أن يبرز أو يحدث مما تخطط له (طهران) وزعامات عفى عليها الزمن ومن لف
لفها وبعض المثقفين الذين يقبضون ثمن زرع الفرقة والإنقسام ويبررون للدمار ويستهدفون
مكونات الجنوب الحضارية والجغراسياسية مع سبق الإصرار والترصد وهو ما يغيب عن ابن الجنوب
المواطن البسيط الذي تجرى له أنواع من غسيل المخ وصولاً إلى الفوضى التي يباركها اليوم
رجال باسم الدين يعتلون المنابر ويطلقون الآيات القرآنية في غير مسارها الصحيح، وكل
ذلك ليس سوى تنفيذ مشروع خارجي أجنبي الهادف إلى خلق مناخات خصومة بين مكونات المجتمع
اليمني باسم هذا شمالي وهذا جنوبي وهذا زيدي وهذا شافعي والذي لا يقدم غير الدمار ولا
يضر غير الوطن وليس من الإسلام في شيء، وهو الحقد كله الذي سيحترق به الجنوب قبل الشمال
متى بدأ فك الإرتباط بالطريقة الفارسية المدروسة. وهنا لابد من التأكيد أنه من الممكن
(فك إرتباط) مع الشمال ولكن ليس بالكراهية والعنف والدمار فالجنوب لا يحتمل النتائج
والمترتبات التي يقذف بها عملاء طهران إليه بطريقة لن تؤدي إلا إلى مأساة حقيقية نتمنى
تداركها وفهم أبعادها والبحث عن صيغة حضارية حتى للإنفصال كي لا يقع الجنوب في فخ القادم
من الخارج بقوة زحف غير معهودة وتنامي مخطط غير مسبوق واستهداف أكبر من أي مرحلة مر
بها الجنوب وهو ما لابد من الوعي به، ومن ثم البحث عن أنجع السبل لتعايش جنوبي جنوبي
لا يقبل بأي فرقة ولا بلغة فرز مناطقي غشوم تنتج يوميا ضحية من ذات القابل للتناقض
في الجنوب المتعدد في تجمعه السكاني والمتعدد الهويات والسلطنات التي تؤدي إلى التفتح
الحضاري أو الإنغلاق المدمر الماحق للتعايش الخلاق الذي يغدو السير فيه إبداعاً حقيقياً
فيما التخلي عنه كارثة لا يستوعبها الجنوب بكل مكوناته التي نراها تعيش غليان تهم الآخر
في منطقته وجنسيته وما يترتب على هذا من استحقاقات عيش أو موت.. وتلك مأساة القادم
ما بقي تحريك فك الإرتباط تلعب بخيوطه قوى خارجية مدفوعة وتتحكم في نوازعه قوى إرتهانية
تدير مؤامرة توشك أن تكون.