نيويورك تايمز: أوباما لا يستطيع وضع العراق وراء ظهره
بقلم:
بيتر باكر - صحيفة:
نيويورك تايمز
واشنطن-
في خطابه الرفيع المستوى أمام طلاب الكليات العسكرية الشهر الماضي, حاول الرئيس
الأمريكي أن ينتقل إلى ما وراء المغامرات الصاخبة التي تقوم بها أمريكا في كل من العراق
وأفغانستان مستخدمة في ذلك مذهبا جديدا يمتلك كل شيء ماعدا التنازل عن استخدام
القوة العسكرية إلا في الظروف أو الحالات الملحة.
لقد
وجد أوباما نفسه في تلك الظروف فقط في الأسبوعين الأخيرين, حيث يبدو على شفا حفرة
من إعطاء الأوامر للجيش الأمريكي ليتدخل مرة أخرى في العراق. وبينما يلغي أوباما
وجود القوات البرية التي تحافظ على امن الحكومة العراقية التي يحاصرها الثوار,
فإنه يدرس مجموعة من الخيارات من بينها الضربات الجوية التي تنفذها طائرات بدون
طيار وطائرات موجهة.
إن
الشيء الممكن تحقيقه والذي يعود إلى العراق حتى في شكله المحدود يؤكد فقط كم أن
الأرض البائسة والمحرومة هي من شكل رئاسة أوباما. إنها وضحت وحددت حملته الأولى
للبيت الأبيض وذلك عندما عززت معارضته للحرب حملته الانتخابية. كما وحددت سياسته
الخارجية باعتباره عازم على الانسحاب من العراق والبقاء بعيداً عن بعض الأماكن مثل
سوريا. بالإضافة إلى أنها أظهرت الإرث الذي يأمله وهو أن يغادر وفي مخيلته أن يكون
الرجل الذي تذكره كتب التاريخ على أنه الشخص الذي أنهى حروب أمريكا في دول ما وراء
البحار.
وفوق
ذلك وبقدر رغبته في جعل العراق تظهر في المرآة الخلفية فإن المسيرة المفاجئة
والسريعة نحو بغداد والتي يقوم بها الإسلاميون المتشددون والذين يطلقون على أنفسهم
اسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا قد أجبرته على إعادة النظر في نهجه
وطريقته. كما أنه وبقدر رغبته في ترك مصير العراق للعراقيين أنفسهم فإنه توصل إلى
قرار مفاده أن الولايات المتحدة مازالت تمتلك رهاناً على تجنب التراجع من دولة قد
احتلتها لأكثر من ثماني سنوات بتكلفة قد حصدت حياة ما يقارب 4500 شخص أمريكي.
ويقول
الرئيس أوباما في خطابه يوم الجمعة: "لدينا مصلحة في أن نتأكد أن مجموعة مثل
الدولة الإسلامية في العراق والشام, والتي تعتبر تنظيم خبيث ووحشي استطاع
الاستفادة من الفوضى القائمة في سوريا, ليس لها موطئ قدم على الحدود". لقد
استخدم أوباما اسماً بديلاً للجماعة في حديثه قائلاً: الدولة الإسلامية في العراق
والشام. وأضاف أيضاً "هناك وجود لخطر الاقتتال الطائفي الشرس وذلك على سبيل
المثال في حال حاولت التنظيمات الإرهابية احتلال مواقع شيعية مقدسة والذي من
الممكن أن يؤدي إلى نشوء صراع بين الشيعة والسنة من الصعب جدا القضاء عليه".
وبالرجوع
خطوة إلى الوراء, فإن أوباما يشير الى تاريخ الولايات المتحدة المليء بالعذابات في
العراق وبالتالي فإن هناك رغبة ومصلحة في عدم ترك الجهود الأمريكية هناك تذهب هباءً
منثورا. ويضيف أوباما قائلا" لدينا مصالح ضخمة هناك. وبالتأكيد فإن قواتنا
العسكرية والشعب الأمريكي ودافعي الضرائب قد صنعوا استثمارات ضخمة وتضحيات هائلة
من أجل خلق الفرصة للعراقيين ليرسموا مسارهم ومصيرهم بشكل أفضل".
ومازال
أوباما يصر على أنه يجب على القادة العراقيين أن يقدموا ضروب متنوعة من التنازلات
التي من شانها أن تجلب الاستقرار لبلادهم, كما ويؤكد على أنه لن يسمح بأن تدمر
مشاكلهم الولايات المتحدة مرة أخرى من جديد". ويضيف "لن نسمح لأنفسنا
بأن يتم جرنا للوراء نحو موقف نكون فيه محافظين على السر بينما نحن متواجدين
هناك". كما وأردف قائلاً: "ولكن قادة العراق السياسيين يفشلون في معالجة
التصدعات الكامنة التي تؤدي إلى تقسيم المجتمع".
لقد
وجه الجمهوريون النقد للسيد أوباما منذ عهد بعيد وذلك لأنه قام بسحب قوات الجيش
الأمريكي من العراق في نهاية عام 2011م بدون ترك قوة صغيرة لتبقى هناك في العراق
بعد انسحابه. لقد كانت ذلك جدول مواعيد متفق عليه في الأصل بين الرئيس الأمريكي
جورج دبليو بوش وقادة عراقيين في الوقت الذي لم يتم التوافق فيه على شروط الحصانة
التي أصرت عليها وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون. ولكن النقاد زعموا أنه كان
يتوجب على السيد أوباما أن يحاول وبشكل واقعي أكثر من أجل تعزيز الوجود الأمريكي.
وقد
ذكر النقّاد علاوةً على ذلك بأن الرئيس لم يمارس الضغط بشكل كاف على رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي من أجل تسوية الخلاف مع الأقلية السنية, ويقولون أيضاً بأن
فشل السيد أوباما في مساعدة الثوار المعتدلين في سوريا البلد المجاور للعراق قد
شجع وأعطى الجرأة للقوى الإسلامية الراديكالية المتطرفة التي فاضت لتصل إلى
العراق.
لم
يؤدِ الانفجار البركاني الأخير في العراق إلى تنشيط أولئك النقاد فقط, بل أدَّى
إلى فضح خطة الرئيس للانسحاب من أفغانستان وجعلها عرضةً لمزيدٍ من التساؤلات. لقد
صرَّح السيد أوباما الشهر الماضي بأنه سوف يقوم بإنهاء المهمة القتالية هناك بحلول
نهاية هذا العام, تاركاً خلفه 9800 جندي, سوف يغادرون جميعهم بحلول عام 2016م.
لقد
حثَّ الجمهوريون يوم الجمعة السيد أوباما على التصرف بحزم وبشكل حاسم في العراق,
متسائلين لماذا يريد أوباما أن يأخذ عدة أيام لكي يصل إلى قرار؟. ويقول عضو
الكونجرس الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية للكونجرس
الأمريكي اد رويس: "لا ينبغي علينا أن نضع أقدام الجنود على الأرض لكننا
بحاجة إلى ضرب تلك القوائم الإرهابية التي تزحف نحو بغداد الآن رغم وجود طائرات
بدون طيار". ويقول عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة
الخدمات العسكرية في الكونجرس هوارد (باك) مكيون بأن الرئيس بحاجة إلى استراتيجية
واضحة وشاملة من أجل احتواء التهديد في المنطقة. ويقول أيضا: "لا يوجد هناك
حلول إصلاحية سريعة لهذه الأزمة وأنا لن أدعم ضربة حظ واحدة والتي تبدو جيدة أمام
الكاميرات ولكن ليس لها تأثير دائم". وأضاف مكيون بأن "على الرئيس
الأمريكي أن يحكم بإقالة فريق الأمن القومي الخاص به وتغييره".
وفي
الجانب الآخر للطيف السياسي, عبر الديمقراطيون عن شعورهم بالهلع فيما يتعلق بكون
أمريكا أصبحت متورطة في الشرك العراقي لمدة سنتين ونصف فقط بعد مغادرته. وحتى
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري رودهام كلينتون والتي صوتت مع قرار غزو
العراق عام 2003م باعتبارها أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وتضع نفسها الآن في
سباق رئاسي آخر, تقول أنها عارضت استخدام القوة الأمريكية للمساعدة في المحافظة
على الحكومة العراقية بدون تعهد من السيد نوري المالكي.
وتقول
كلينتون في مقابلة أجرتها مع البي بي سي يوم الخميس" ليس الآن, لا".
وقالت السيدة كلينتون -التي وفي حال تسابقت على الرئاسة وحققت فوزاً فإنها سوف ترث
الوضع العراقي- بأن على البيت الأبيض أن يستمر في رفض طلب السيد المالكي لتنفيذ
ضربات جوية إلى أن يوضح ويثبت الشمولية. وقالت كلينتون فيما يتعلق بالقوة
العسكرية: "هذا ليس دوراً للولايات المتحدة الأمريكية".
إن
النشطاء الليبراليين كانوا أكثر قوة وعنفاً. قال بيكي بوند المدير السياسي لجماعة
ناشطة تسمى كريدور: "في السنوات الإثني عشر الأخيرة كانت العراق تعتبر حرب
بوش وديك تشيني". وأضاف: "ولكن في حال قرر الرئيس تكرار القرار الكارثي
الذي اتخذه جورج دبليو بوش من قبل لغزو العراق وذلك عن طريق إطلاق جولة جديدة من
الغارات, فإن العراق سوف تصبح حرب باراك أوباما".
إن
ذلك سيكون الأمر الأخير الذي سيطلبه أوباما، وبالنسبة له فإن العراق ستظل تعتبر
النموذج لجميع الأشياء التي لا يجب على السياسة الخارجية أن تنتمي إليها. لقد عارض
أوباما الغزو بصفته عضو في مجلس الشيوخ في ولاية إيلينوي, وأن العديد من قراراته
بصفته رئيس للولايات المتحدة الأمريكية قد تم تقديرها في مقابل الدروس التي تعلمها
من العراق. وبالنسبة له فإن الحرب أثبتت بأن التدخل العسكري في العراق لم يكن في
كثير من الأحيان أفضل من كونه يجعل الأمور أكثر سوءً.
عندما
وافق أوباما على إرسال أعداد إضافية من الجنود إلى أفغانستان فإنه أصرَّ على وجود
جدول مواعيد للانسحاب من هناك. وعندما قرر التدخل في ليبيا فإنه استخدم القوة
الجوية فقط وتأكد من قيام حلف الناتو بأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن. وعندما
اندلعت الحرب الأهلية السورية عارض أوباما الدعوات حتى تلك التي تنادي بالسيطرة
على الأجواء في سوريا, أو تقديم الأسلحة للثوار لفترة طويلة. وكلما طالت المدة
التي يقضيها في منصبه, كلما بدا مرتاباً أكثر ليمتلك تفكيراً ناضجاً حيال فائدة
القوة العسكرية والسياسية باعتبارها وسيلة لتغيير العالم إلى الأفضل.
وحتى
باعترافه يوم الجمعة بإمكانية استخدام القوة مرة أخرى في العراق, إلا أنه وضع
المسؤولية على كاهل كل من نوري المالكي وقادة عراقيين آخرين من أجل وضع الاختلافات
الطائفية جانباً وترسيخ الاستقرار في بلدهم. ويقول أوباما: "سوف تهتم
الولايات بدورنا ... ولكن إدراك حقيقة أن هذا الأمر في النهاية متروك للشعب
العراقي لحل مشاكله باعتباره شعب ذو سيادة".
ومازال
يسمع أولئك الذين يقضون وقتهم حول السيد أوباما صوته الذي ينمّ عن شعوره بالإحباط
العميق عندما يتحدث عن احتمالية معاودة الانخراط في الأعمال القتالية في العراق.
وتحدَّثت جوليان سميث المستشار السابق للأمن القومي ومستشارة نائب الرئيس جوزيف
بايدن قائلة: "يمكنني فقط أن أتخيل ما يدور في رأس الرئيس أوباما".
وأردفت
قائلة: "لقد كان الرئيس يصل إلى المرحلة التي يشعر فيها أنه باستطاعته أن
يحرر نفسه من هذه الأجندة وأنه لا يحدد سياسته الخارجية اعتمادا على أجندة الرئيس
السابق فحسب". وأضافت: "إن الرئيس أوباما كان حريصا على أن لا يستخدم
بوش كنقطة مرجعية وأنه وجد طريقة للهروب من ذلك وأن يكون أكثر تطلعا ولديه استراتيجية،
كما أن وضعه أصبح يتحسن بعد أن تخطى مرحلة حرجة فحسب, خاصة عندما اصطدم بذلك
الأمر".