• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دحلان وعباس .. القتل و الخيانة و الأعذار

دحلان وعباس .. القتل و الخيانة و الأعذار



المصدر: المركز الإفريقي الشرق أوسطي(*)



عندما حوصر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من قبل جنود الاحتلال في مقره في مدينة رام الله بالضفة الغربية، تزعم محمد دحلان، وهو العضو الأقوى والأكثر فعالية في عصابة "خمسة من فتح"، شؤون المنظمة، ونسق مع إسرائيل بشأن المسائل الأمنية، وصفقات التفاوض في قضايا الشئون الاقليمية والدولية.

كانت تلك الفترة ما بين مارس و أبريل 2002م. في ذاك الوقت، كان دحلان يشغل منصب وزير سابق في السلطة الفلسطيني، ومستشار الأمن القومي السابق، والرئيس السابق لجهاز لأمن الوقائي في غزة، سيئ السمعة لصلاته بوكالة المخابرات المركزية  CIAووكالات المخابرات العربية الأخرى، ومبتكر تقنيات التعذيب. وكان دحلان تقريبا أقوى فلسطيني. وتم تهميش منافسيه بشكل ملائم. سُجِنَ عرفات في مكتبه في المقاطعة، وأصعب منافس لدحلان، جبريل الرجوب، رئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، فقد مصداقيته في شكل أكثر مذلة. خلال الحملة الإسرائيلية الأكثر عنفاً من الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000-2005م، سلَّم الرجوب مقر جهاز الأمن الوقائي مع جميع أسراه السياسيين الفلسطينيين، ومعظمهم من حماس وجماعات معارضة أخرى، إلى الجيش الإسرائيلي وسار بعيداً. منذ ذلك الحين، تلاشى نجم الرجوب إلى فصل مظلم من التاريخ الفلسطيني. وكانت بعد بداية جديدة لدحلان.

تاريخ مظلم

لتأكيد القوة الجديدة التي حصلوا عليها, بدأت الميليشيات الموالية لدحلان و"عصابة الخمسة" تجعل من دحلان الزعيم الطموح لقيادة الحركة. وضعت "عصابة من خمسة" فصيل جبريل الرجوب في الضفة الغربية في الظل، ورجال دحلان بخشونة فرقوا فتيان الفتوة لرجوب.

ألَّف دحلان عصابة من خمسة؛ الوزير حسن عصفور؛ وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ومحمد رشيد، ونبيل شعث. وقد عاد إلى الظهور مؤخراً عصفور ورشيد باتهامات بالتورط في القتل والفساد. كانوا يحرّضون الجميع للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع "إسرائيل"، ودعوا إلى وضع حد للانتفاضة، وخصوصاً المسلحة، وأرادوا إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في منظمة واحدة يقودها دحلان، بدعم من وكالة المخابرات المركزية ووكالات الاستخبارات المصرية، والأردنية، و أطراف خليجية.

هذا ليس التاريخ الذي تود قيادة فتح، بما في ذلك دحلان أن تذكره. هذا التاريخ أمر خطير جدا لأنه يسلط الضوء على حقيقة انغمست، وتستمر لتشكيل الطبقة الحاكمة من السلطة الفلسطينية في رام الله، والتي لمست كل جوانب الحياة الفلسطينية. وقد همشت السلطة الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني.

على الرغم من عيوب وعوائق المجلس الوطني الفلسطيني إلا أنه كان بمثابة برلمان للفلسطينيين في كل مكان. حزن العديد من الفلسطينيين لإدراكهم أن طرفاً واحداً، فتح أو على الأصح مجموعة صغيرة داخل الحركة الثورية لديها سيطرة كاملة على عملية صنع القرار السياسي الفلسطيني، والرفاه الاقتصادي وأكثر من ذلك.

الانتفاضة الثانية التي بدأت في سبتمبر 2000م، على عكس الانتفاضة الأولى عام 1987م، أدت إلى الكثير من الضرر. يبدو أنها تفتقر إلى وحدة الهدف، وكانت أكثر عسكرة، فسمحت "إسرائيل" بإعادة ترتيب المشهد السياسي في مرحلة ما بعد الانتفاضة وبعد عرفات في مثل هذه الطريقة لامتياز حلفائها الموثوقون داخل المعسكر الفلسطيني. دحلان، ورئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس الذي انتخب في عام 2005م لمدة خمس سنوات، وبمنأى عن عمليات التطهير الإسرائيلية.

فقدت حماس عدة من قيادتها، كما الحال لدى حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي عانت مثل غيرها من الجماعات اليسارية من حملات واسعة النطاق واغتيالات. حتى نشطاء حركة فتح دفعوا ثمناً باهظاً من الدم والسجن بسبب الدور القيادي الذي لعبوه في الانتفاضة. كانت الأمور أكثر راحة لعباس ودحلان. في الواقع، على الأقل لفترة من الوقت، كانت نتائج الانتفاضة مفيدة لبعض القادة الفلسطينيين الذين هبطوا إلى أدوار ثانوية. فقد ساعدت المخططات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية اعادتهم الى الاضواء.

دحلانستان

بعد اثني عشر عاماً، عاد عباس ودحلان مرة أخرى الى مركز الاهتمام. عباس (79 عاما) هو رئيسٌ طاعنٌ بالسن لسلطة لديها القدرة على الوصول إلى الأموال ولكن لا سيادة أو نفوذ سياسي (وبصرف النظر عما تسمح به إسرائيل)؛ دحلان (52 عاماً) يعيش في المنفى في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن طورد أنصاره للخروج من غزة على يد حماس في عام 2007م، ومن ثم الخروج من الضفة الغربية من قبل حزبه في يونيو 2011م. وحدث هذا بعد اتهامه بالفساد من مسؤولية تسمم عرفات نيابة عن "إسرائيل". لكن دحلان يتآمر لعودة جديدة، بمساعدة أصدقاء أقوياء في مصر والخليج واتصالاته القديمة مع الاستخبارات في "إسرائيل" والولايات المتحدة،.

يعرف عباس أن حكمه يقترب من انتقال حساس، وليس فقط بسبب عمره. إذا كان الموعد النهائي 29 أبريل للوساطة التي وضعتها وزير الخارجية الامريكية جون كيري يمر دون أي نتائج ملموسةٍ كما من المرجح أن يكون هذا هو الحال، فإنه لن يكون من السهل على عباس الحفاظ على مختلف رموز فتح المتنافسة تحت السيطرة. ومنذ عثور دحلان وتلاعبه في الثغرات لإعادة تأكيد قوته في الوسط السياسي الرافض له مرارا وتكرارا، انتقد عباس تحسبا لمواجهة. يجيب دحلان إجابة عينية، وذلك جزئيا من خلال البث الذي وهبته له بسخاء وسائل الإعلام المصرية. فتح مرة أخرى في أزمة، وبسبب هيمنتها السياسية، وجميع المؤسسات السياسية الفلسطينية تعاني نتيجة لذلك.

كيف يمكن أن يُتهم دحلان بجرائم مروعة خلال نفوذه في غزة، لا يزال ذو صلة ؟ لقد اتهم بالتعذيب، وبالتجسس لصالح إسرائيل، وبالاغتيالات نيابة عنها. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتحقيق فانيتي فير في أبريل 2008م، وقال إنه حاول الانقلاب في غزة ضد حكومة حماس المنتخبة التي أدت إلى حرب أهلية، أسفر عن استيلاء حماس على غزة، وتعميق الانقسام الذي لا يزال يصيب الفلسطينيين. قبل إطاحة حماس به، قاد دحلان قوة أمنية قوامها عشرون ألفا في قطاع غزة الفقير، وقاد وحدة خاصة تمول وتدرب على يد وكالة المخابرات المركزية. كان ساخرا ولكن ينم عن الكثير حيث سمى البعض قطاع غزة دحلانستان.

حتى بعد نفيه من قبل كل من حماس وفتح، ظلَّ اسم دحلان مترافقا مع الصراعات الدموية في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. في أبريل 2011م، اتهمه المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بأنه على صلة بمخبأ لأسلحة إسرائيلية يزعم أنه تلقاها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي. وذكر الليبيون اسم رشيد أيضاً. وعدت فتح بفتح تحقيقٍ، وخاصة منذ كان رشيد عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، ولكن أصبح الحادث مجرد بند آخر في ملف متزايد من التحقيقات في مزاعم جرائم ارتكبها دحلان.

قاسم حماس "المشترك "

حصلت أشياء أقبح عندما اغتيل أحد قادة حماس، محمود المبحوح، في دبي في يناير كانون الثاني 2011م. في حين تشدد حماس على أن الموساد كان وراء الاغتيال (كما ثبت من لقطات الفيديو)، واثنين من المشتبه بهم اعتقلوا في دبي (أحمد حسنين وأنور شحيبر) لتورطهم المزعوم وتقديم المساعدات اللوجستية للموساد ويعملان في شركة بناء في دبي يملكها دحلان. سيرهم الذاتية تدل أيضا إلى انتمائهم الى جماعة الموت في غزة التي يقودها دحلان، والتي خصصت لقمع الفصائل الفلسطينية المعارضة له.

الخلاف الجاري بين عباس ودحلان، يؤكد شكوك العديد من المنتقدين لحركة فتح فيما يتعلق بدور قيادة الحركة في التآمر مع "إسرائيل" لتدمير المقاومة. ولكن الغريب، لا يزال عباس ودحلان يقدمان نفسيهما على أنهما المنقذ للفلسطينيين، في حين يتهما بعضهما البعض بالتواطؤ مع "إسرائيل" وأن دحلان جاسوس أميركي. موسى أبو مرزوق من كبار قادة حماس، دعا عباس ودحلان إلى "الامتناع عن تبادل الاتهامات التي تخدم المصالح الإسرائيلية فقط". وأضاف: "حماس تنأى بنفسها عن المشاحنات بين عباس ودحلان؛ على الرغم من أنها هي القاسم المشترك بين الطرفين. "

تعليق "القاسم المشترك" لأبي مرزوق يشير إلى قائمة عباس من الاتهامات ضد دحلان التي تضمنت دور هذا الأخير المزعوم في اغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة وعائلته وبعض الجيران في غارة جوية إسرائيلية في عام 2002م. ضمنياً عباس أيضاً أن دحلان كان له دور في تسمم عرفات في عام 2004م. وأشار رئيس السلطة الفلسطينية إلى "ثلاثة جواسيس" يعملون "لإسرائيل" ونفذوا عمليات اغتيال بارزة لفلسطينيين. وبصرف النظر عن دحلان، قال إنه كان يشير أيضاً إلى حسن عصفور، عضو آخر من أعضاء "عصابة الخمسة". ودعا حماس إلى إجراء تحقيق على الفور.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا تورط دحلان في هذه الجرائم، بمعرفة قادة فتح ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، لماذا يستمرون في تكليف دحلان بالمسؤوليات الحساسة؟ لم يكن توقيت تصريحات عباس تعسفياً. أصبح عباس حذراً بشكل متزايد من محاولة، تنطوي على القوى الإقليمية، لزرع دحلان مرة أخرى على الساحة السياسية الفلسطينية. ما يشعر رام الله، بالقلق هو إقامة دحلان المريحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والزيارات المتكررة للقاء مسؤولين كبار في الجيش المصري، والحصول على مبالغ كبيرة من المال.

وصول وسائل الإعلام

كانت وسائل الإعلام منبراً لاستجابة دحلان يوم 16 مارس مثيرةً للاهتمام. أطلق هجومه على محطة تلفزيون دريم2 وهي مملوكة للقطاع الخاص في مصر. وفي مقابلة استمرت أكثر من ساعة، منحت دحلان الفضاء بلا منازع للتعبير عن برنامجه السياسي. قال دحلان خلال ذلك الحوار "لم يعد الشعب الفلسطيني قادراً على تحمل كارثة مثل محمود عباس". وأضاف "منذ اليوم الذي جاء الى السلطة، ضربت المآسي الشعب الفلسطيني. قد أكون واحداً من الناس الذين يتحملون اللوم لجلب هذه الكارثة الى الشعب الفلسطيني".

لا يبدو الأمر واضحاً كيف أن دحلان هو المسؤول عن "جلب عباس إلى السلطة، ولكن من الواضح أن المواجهة بين الرجلين الذين تحالفا ضد عرفات قد وصلت إلى مستوى جديد. حاول دحلان أن يظهر أنه جليل، لكنه فشل. وتابع حديثه قائلا "وأنا لا أريد أن أطيل في هذا، الكلام المثير للسخرية حيث أهان محمود عباس نفسه". وأضاف "إنه لا يمانع إذا أهانه ناس آخرون أو ما إذا كان يشين نفسه. إنه اعتاد معاملة الناس له بازدراء ... حين كانت فتح في تونس، كانوا يطلقون عليه رئيس الوكالة اليهودية".

عندما داهمت حماس منزل دحلان في غزة في عام 2007م، اكتشفت مخبأ ضخماً لأسلحة غير مرخصة وآلاف من الرصاص. وعثرت أيضاً على رزمة من الصور له مع كبار المسؤولين العسكريين في المخابرات الإسرائيلية. أفصحت الصور عن العلاقات الودية بين دحلان والقادة الإسرائيليين المسؤولين عن أعمال عنف كبيرة ضد الفلسطينيين.

ولكن تبدو مغامرات دحلان أنها لا تقتصر على تصريحات حول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. ويشتبه أيضا بأن أنصاره في صحراء سيناء يعيثون فساداً وأنهم جزءً لا يتجزأ من أعمال العنف الجارية هناك. واتهمت زوجته بإغداق مبالغ كبيرة من المال للفلسطينيين مختارين في مخيمات اللاجئين في لبنان. تنمو قصة دحلان, ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشهد المصري ودور دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة. يؤمن أعضاء حركة فتح غير الموالين لعباس ولا لدحلان أن حركتهم تحتاج إلى استعادة هويتها الثورية، والسبب وراء ذلك غاية وجودها.

 


(*) http://amec.org.za/articles-presentations/palestineisrael/439-murder-spies-and-alibis-behind-the-rhetoric-between-mohammed-dahlan-and-mahmoud-abbas

 

أعلى