تحديات لجنة صياغة الدستور اليمني
أصدر
الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي السبت 5 مارس الماضي قراراً بتشكيل لجنة صياغة
الدستور الجديد للبلاد بموجب اتفاق انتقال السلطة، بعد انجاز الحوار مؤتمر الحوار
الوطني والذي خرج بمخرجات عديدة أهمها تحويل اليمن إلى دولة اتحادية من ستة
أقاليم.
سبعة
عشر عضواً، هو قوام لجنة صياغة الدستور الجديد، والذي وضع لها القرار الرئاسي آلية
عمل لمدة عام من أجل انجاز مسودة الدستور الجديد الخاص بالدولة الاتحادية الجديدة
ومن ثم عرضه على الشعب للاستفتاء بعد أن يتم اقراره من قبل الهيئة الوطنية المكلفة
بمتابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وستقوم
اللجنة بإحالة بقية القرارات الصادرة عن مؤتمر
الحوار الوطني والتي تضم في الدستور إلى
مشاريع قوانين يتم صياغتها من قبل الحكومة وتقديمها للبرلمان لإقرارها، وتلزم أن
تكون قراراتها بالإجماع، وإذا لم يتم ذلك يتم التصويت بأغلبية ثلاثة أرباع
الأعضاء، وإذا لم تتمكن من ذلك فإن عليها إحالة الأمر إلى هيئة الرقابة التي تمتلك
سلطة حسم أي خلاف. ولا تمتلك اللجنة السلطة المطلقة في وضع النصوص الدستورية لأن
الهيئة الوطنية لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار ستكون صاحبة الفضل في تثبيت أو تعديل
أي نص وحسم أي خلاف بين أعضاء اللجنة.
ويرى
الكثيرين أن قرار تشكيل اللجنة جاء مخالفاً لكل التوقعات، حيث خلت التشكيلة من
الوجوه القانونية والسياسية المعروفة كما أن اللجنة بلا سلطات، وفي الأخير فإن
قادة الأحزاب سينضوون في إطار الهيئة الوطنية لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني،
ومن ضمنها كتابة الدستور الجديد.
وتباينت
آراء الأوساط القانونية ازاء اختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور، حيث استغرب العديد
من القانونيين من وجود بعض الأسماء غير المتخصصة، وأنها راعت المحاصصة السياسية،
وقدمت الطابع الحزبي، على الطابع التخصصي. وهو الأمر الذي أكده أحمد زبين عطيه،
وهو أحد أعضاء اللجنة حيث قال "أن القرار راعى مختلف الجوانب السياسية
والفنية، لا سيما وأن اليمن محكومة بالتوافق السياسي ولا يمكن اغفال هذا البعد في
اختيار أعضاء اللجنة مهما كانت طبيعتها".
انتقادات واسعة
وقد
أثار تشكيل لجنة صياغة الدستور الكثير من الجدل بشأن معايير الاختيار التي اعتمدت
المحاصصة السياسية، واتهمها بعض الخبراء القانونيين بالانحياز لبعض الأطراف على
حساب البعض الآخر.
وانتقد
الكثير من أساتذة القانون طريقة اختيار اللجنة، ووصفوا أغلب أعضاءها بعدم الكفاءة،
وأكثر من ذلك فقد أصبح طابع التقاسم الحزبي هو العامل الأساسي في اللجنة.
وهاجم
الخبير السياسي الدكتور محمد الظاهري القرار الرئاسي الذي شمل اختيار لجنة صياغة
الدستور، باعتبارها أهم وثيقة دستورية لدولة اليمن المنشودة.
وقال
الظاهري في تصريح لـ"البيان": إن القرار غلب عليه المحاصصة، رغم أن صاحب
القرار يشغلنا بالحكم الرشيد والمعايير الواجب توافرها في أعضاء لجنة صياغة
الدستور".
وقال
أن القرار فيه خذلان لما جاء في مخرجات الحوار الوطني، معتبراً ان القرار غير رشيد.
وأكد
أنهم أغفلوا معيار الخبرة التي لا تقل عن عشر سنوات في المجالات التخصصية ذات
العلاقة بصياغة الدستور، ولم يكن القرار مطابقاً لما أسموه "بالمعايير الواجب
توفرها في أعضاء لجنة صياغة الدستور".
من
جهته أعتبر الخبير القانوني المحامي هاشم عضلات أن قرار تشكيل لجنة صياغة الدستور
كان غير موفقاً، باعتبار عدم وجود أي خبير في الصياغة والتشريع في اللجنة سوى
اسماعيل الوزير.
وأضاف
لــ"البيان": أجزم أن أحدهم لم يسبق له أن صاغ أي تشريع، فالصياغة حرفة،
وفن، وعلم له أصوله ومنهجه وأساليبه وقواعده ومهاراته.
وأشار
إلى أنه تم اهمال فطاحلة القانون، وكبار القضاء والأكاديميين والمحامين وعلماء
وخبراء الصياغة والتشريع، وتم اختيار أشخاص ليس لهم علاقة بصياغة الدساتير.
ويقول
المحلل السياسي عبدالله بن عامر أن الحديث عن قرار تشكيل لجنة صياغة الدستور لا
يمكن فصله عن مجمل الخطوات السابقة الذي اتخذها الرئيس الانتقالي والتي تؤكد أننا
أمام مجموعة من القرارات والخطوات التي تخفي ورائها رسائل معينة كأن تكون هذه
الخطوات شكلية فقط.
وأوضح
لـ"البيان": أنه تم اختيار أعضاء اللجنة بشكل مستعجل، وليسوا جميعهم من
ذوي الخبرة إضافة إلى أن عددهم لا يكفي لصياغة دستور يعتبر هو الناظم الحقيقي للحياة بين السلطة
والمجتمع لسنوات قادمة.
وأكد
أن هذا القرار يعد خطوة شكلية وأن محددات الدستور تم الاتفاق عليها أو تم فرضها من
قبل قوى داخلية مسنودة من الخارج.
كما
انتقد المحامي فيصل المجيدي رئيس مركز "اسناد لتعزيز استقلال القضاء وسيادة
القانون" قرار تشكيل اللجنة معتبراً أنها اعتمدت على المعيار السياسي في
قوامها على حساب المعيار الفني والمهني.
وقال
المجيدي ان اللجنة سياسية ويتضح هذا من خلال أعضائها الذين يمثلون مختلف ألوان
الطيف السياسي، معتبراً أن اعتماد المحاصصة السياسية التي كانت سائدة في مؤتمر
الحوار انعكست في لجنة صياغة الدستور.
وأضاف
المجيدي "كان يفترض أن تضم اللجنة مختصين قانونيين وأساتذة جامعيين دون أن
يمنع من تطعيمها بأعضاء من أحزاب سياسية".
وبشكل
عام فإن اللجنة ستواجه العديد من التحديات الكبيرة أمام صياغة الدستور اليمني
الجديد، خصوصاً وأن الدستور الجديد يحتاج إلى تقنيات عالية من الخبرات لتجاوز
الاشكاليات الفنية التي قد تواجه صياغة دستور للدولة الاتحادية الجديدة.