تونس.. بين التحرر و الأسلمة
يعد الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي من أكثر زعماء تونس فسادا، ومنذ تاريخ استلامه السلطة
بانقلاب أبيض على الحبيب بورقيبة يوم 7 نوفمبر 1987 إلى يوم فراره في 14 يناير 2011 , بعد هذه الحقبة
السوداء من تاريخ تونس بدأت مرحلة جديدة استنشق خلالها الشعب التونسي عبير الحرية،
و أزيلت عنه قيود الطغيان التي تسببت في صناعة كيان غريب عن أصالة هذا الشعب
وماضيه المرتبط بالإسلام.
بدأت تونس تشهد صحوة
إسلامية كبيرة تمثلت في عدة مظاهر أثارت الانتباه منذ فرار بن علي و سقوط حكم حزب
التجمع و ظهر ذلك جليا من خلال الارتفاع الملحوظ في عدد المساجد و المدارس القرآنية
و طلاب العلم إذ عرفت كل محافظات البلاد
دون استثناء فتح دور عبادة جديدة للصلاة و لتعليم أصول الشريعة و تجد إقبالا
كبيرا و قد تم فتح ما يقارب 300 مسجد جديد بمختلف المحافظات التونسية و من ضمنها مساجد وقع الإمضاء على عدم بنائها
في عهد النظام السابق الذي حاول إبطال كل المشاريع المرتبطة بالإسلام مهما كانت. و
من ذلك نذكر جامع "أولاد دلالة" من محافظة سيدي بوزيد الذي وجد النور
اليوم و تم إنشاء 20 مدرسة قرآنية أغلبها خاصة منها مدرسة الإمام مالك التي تعد أبرز
المدارس القرآنية في تونس بفضل ما ستخوله لطلبة العلم بها , و نظرا لارتفاع و
تضاعف عدد المساجد و المدارس القرآنية فقد ارتفع عدد طلاب العلم الذين بدؤوا
يتضاعفون من سنة إلى أخرى و وصل عددهم إلى ما يقارب 600 طالب علم و هو عدد كبير و مرتفع بالمقارنة إلى ما كانت عليه
البلاد و ما أصبحت عليه اليوم, و في نفس السياق تمت المصادقة على الرائد الرسمي
للجمهورية التونسية بإعطاء الإشارة لانطلاق عمل مجموعة من الجمعيات الخيرية التي
تعد ما يقارب 70 جمعية خيرية من أهمها نذكر جمعيات ناس الخير و عون, و قد تحدثنا إلى مجموعة من مسؤولي
الجمعيات الخيرية الذين أكدوا لنا كون العمل موجه نحو إعانة الناس و تقديم مساعدة
انشائية و في نفس الوقت العمل الدعوي أيضا من خلال المساهمة في إنشاء مساجد و تأثيثها.
كما عرفت البلاد
التونسية ما بعد تاريخ فرار بن علي عودة عدة خطباء و علماء إلى منابر المساجد, منهم
من كان منفيا خارج أرض الوطن و منع من العودة و التجول في تونس, و لعل من أبرزهم
الشيخ الخطيب الأدريسي أصيل محافظة سيدي علي بن عون من وسط البلاد أحد أهم أئمة البلاد اليوم إن لم نقل أهمهم على
الاطلاق نظرا للشعبية الكبيرة التي يعرفها
بفضل دوره و تأثيره الكبير لدى عامة الشباب رغم أنه شيخ طاعن في السن و
ضرير ضاق سنوات من الجمر و العذاب في العهد السابق اذ يقدم دروسا و خطبا في كل
محافظات البلاد و يتكبد السفر رغم سنه و صحته.
كما نذكر أيضا الشيخ بشير ين حسن أصيل محافظة
مساكن من الساحل التونسي الذي كان بدوره منفيا من تونس و عاد فور رحيل بن علي إذ تمكن من جمع مجموعة من
الشباب و بدأ في عمله التوعوي و التعليمي إلى أن تطور عمله حتى أنه ساهم في إنشاء
أول قناة دينية في تونس و هي قناة الإنسان التي تشهد نسبة مشاهدة كبيرة جدا قبل أن
يتم اعتقال الشيخ بشير بن حسن اليوم في فرنسا
ولم نعرف إلى الآن السبب الرئيسي في اعتقاله .
كما شهدت المرحلة
الراهنة بوادر إصلاحات كبيرة و جذرية في وزارة الشؤون الدينية التونسية من خلال إعادة
النظر في وضعيات إطارات المساجد ( المؤذن – امام الخمس – الامام الخطيب – عمالة
النظافة...) و تحسين وضعيتاهم التي كانت
أقل ما يقال عنها مأسوية و صعبة للغاية و مقيدة في كل شيء و إعطاء الفرصة للكفاءات
بالبلاد و الأجدر عكس ما كان سائد بالميولات و المحسوبية و القرابة حيث سيتم في الفترة القادمة خاصة بالنسبة للمساجد
الجديدة إجراء اختبارات في الشأن بين المترشحين و التي لقت استحسان و قبول لدى الجميع و
اعتبروها خطوة مهمة نحو الاصلاح الديني بالبلاد .
استقلالية و تحرر
ومن بين أهم القيود
التي كانت سائدة في عهد النظام الديكتاتوري السابق لحكم بن علي هي السيطرة الكلية
و المحاصرة التامة لبيوت الله و النفوذ
الكبير الذي كانت تديره السلطة الحاكمة من خلال فرض قيود معينة و تعيين أئمة وفق
الميول للحزب الحاكم و وجوب تمرير الدروس و الخطب و المحاضرات على وزارة الشؤون
الدينية قبل إلقائها إلى جانب المضايقات الرهيبة على الملتزمين دينيا حتى في
الأحزاب السياسية أما الآن فثمة تحول عميق من خلال التحرر الكبير الذي شهدته مختلف دور
العبادة و أصبحت حرية إلقاء الخطب و الدروس في الجوامع و المساجد و غيبت الرقابة
حاليا على بيوت الله مما أتاح فرص أكبر لحرية التعبير و لم نعد نرى أي أثر للتحكم
و السيطرة. حيث بدأ التحرر يطغى على أغلبية الخطب و الدروس و في هذا الصدد تحدث
موقع "البيان" إلى أحد أبرز
الأئمة الخطباء في تونس الشيخ رضا الجوادي الإمام الخطيب بأكبر جامع في تونس "جامع اللخمي" من
محافظة صفاقس و قال في معرض تعقيبه على التغيرات التي تشهدها البلاد على هذا
الصعيد " الحمد لله بفضل الله و نعمه علينا قد أنزل بركة الثورة الشعبية في تونس و أخرجنا من فترة التصحر الديني التي عشناه لعقود
طويلة من الزمن و كانت سببا لنا في التخلف و التراجع و ها نحن اليوم نعيش على وقع
استقلالية تامة و تحرر كامل في الشأن العقائدي و صرنا نلقي الخطب و المحاضرات بكل
حرية و استقلالية بعيدا عن كل ضوضاء حزبية رغم مضايقات التيارات العلمانية و
الفوضويين لنا من كل صوب و حدب "
العلمانيين و مواجهة
الاسلام
لئن تميزت التيارات
العلمانية في عهد بن علي بالصمت و الخضوع و لم نرى لها أي أثر أو وجود في ظل
محاربة النظام السابق في حد ذاته للدين الاسلامي و كانت مع النظام من أجل محاربة الإسلاميين بصفة
عامة و سجنهم و الآن و بعد تغير الموازين و أمام تواصل زحف الصحوة الإسلامية هاهي
الحركات العلمانية تدخل في الواجهة و بقوة من أجل القضاء على الوجود الإسلامي ,
حيث تصب الآن كل وسائلها و تجند الإعلام من أجل السيطرة على الرأي العام و بث البلبلة في كل مرة و تشيع الأخبار الباطلة و
الزائفة التي تدعو إلى مواجهة التيار السلفي بشتى الطرق و اتهامهم ب"الإرهاب"
و اتهام كل الإسلاميين بصفة عامة بالوقوف وراء ما يحدث بالبلاد من أجل إعادة إحياء
النظام السابق و تمهيدا للانتخابات
المقبلة التي يردون دخولها بشعبية كاذبة و زائفة, حيث يركز العلمانيين الأن عملهم
على إرباك المسار الحالي للبلاد و مواصلة عرقلة كل الجهود الداعية إلى تجاوز ما
كان يرتكبه نظام بن علي و فلوله, و قد تحدث للــ"البيان" القيادي بحركة
وفاء عبد الرؤوف العيادي مؤكدا لنا " التيارات العلمانية هي قلة قليلة تسعى إلى
إرباك المسار الحالي للبلاد و ما هي إلا فلول للنظام السابق و الانتهازيين الذين
يحالون إغراق الشعب في الفساد و الفوضى العارمة
لو كشف أرشيفها لا صمتت و عرفت حق قدرها, جندت الإعلام و وسائلها الخاصة
لضرب الإسلام بدرجة أولى و إلقاء التهم الواهية و فبركة روايات لا أساس لها سوى من
الخيال و هي تيارات مدعومة خارجيا من فرنسا و المخابرات و الاتحاد الأوروبي و
الكيان الصهيوني الساعي إلى ضرب البلاد ككل و عرقلة مسارها "
محاربة الخمر و الدعارة
الخمر و الدعارة و
المخدرات و غيرها هي إحدى المظاهر السلبية التي تشهدها الأمة الإسلامية ككل و تعرف
زحفا لدى شعوبنا و هي ثقافة غربية مستوردة، وتونس من بين الدول
العربية التي لا تخلو من مثل هذه المظاهر التي تظل سائدة و خلال هذه السنوات و عكس العقود
الماضية تشهد المحافظات التونسية
عمليات تمشيط واسعة للقضاء على هذه المظاهر المعادية للإسلام , و يتم بصفة يومية إلقاء
القبض على مروجي المخدرات و الخمر إلى جانب القبض على مرتدي الرذيلة في سياسة تهدف إلى مزيد التقليص إلى حين
القضاء النهائي و لو صعب على مثل هذه المظاهر المذهبة للعقول, و كون مختلف أئمة
البلاد يقدمون دروسا في هذا الشأن من أجل الإقناع و المحاججة للابتعاد و عدم
الانسياق وراء الفساد الأخلاقي المنتشر، ونلحظ هنا و هناك ... حملات أمنية مكثفة بصفة دورية و يومية و تصلنا
أخبارا متواصلة عن إلقاء القبض على هؤلاء الشباب الذي لم يجدوا سوى طريق الفساد و
الرذيلة رغم ما فيه من مخاطر و انحطاط أخلاقي.
و رغم كل الوسائل
الردعية فإن التقصير لا يزال متواصل من قبل الفرق الأمنية في تونس للقضاء على مثل
هذه المظاهر السلبية التي تبقى موجودة و لو نسبيا حيث نلاحظ في بعض المناسبات
تواجد المخمورين حتى في الشوارع و الساحات العامة و يقلقون راحة المارة و
المواطنين .
تطهير الاعلام
لن نذهب بعيدا حيث ما
قدمته مختلف وسائل الإعلام المحلية خاصة المرئية منها ليلة رأس السنة
الميلادية هو دليل قاطع على تواصل
الانحطاط الأخلاقي و التفسخ الرهيب الذي لا تزال تعيش و تنضوي تحته الصحافة
التونسية التي لم تقدم أي مادة ترتقي إلى حجم تطلعات المجتمع التونسي المسلم بل
على العكس تواصل تقديم برامج منحطة و تعادي السنة و ما هو مألوف عند الأمة العربية
الإسلامية إذ تم ليلة السنة الميلادية عرض برامج ما أنزل الله بها من سلطان خلفت
ردود فعل غاضبة و مشمئزة مما تم عرضه, حيث لا تزال هذه الوسائل الإعلامية تعتمد على العراء و الإغراء و تقدم مواد ليست
سوى مبرمجة غربيا و لها يد في ذلك, فقنوات الوطنية الأولى و الثانية و قناة التونسية و قنوات حنبعل و نسمة هي إحدى
القنوات التي أصبح الشعب التونسي يطالب بتطهيرها من الأيادي العابثة و الفاسدة و
التي تمعشت عهد النظام التجمعي السابق و سرقت حتى أموال الشعب و قضت على أصول
الدين و جعلت من البرامج الدينية شحيحة للغاية و لا تتجاوز البرنامج في الأسبوع و
هو أمر خطير و هو ما ينطبق فعلا مع صحف أمثال الصريح و الشروق و إذاعات موزاييك و
شمس أف أم التي لم يعد همها سوى معادة الاسلام و نشر الأكاذيب على التيار السلفي و
كل من له صلة بالإسلام من بعيد أو من قريب, فتطهير أمثال هذه الوسائل الإعلامية إحدى
أهم الخطوات نحو التخلص من التبعية الغربية و تجاوز الفساد و التفسخ الأخلاقي و
الرذيلة و غيرها من المشاكل التي تواجه سلامة المجتمع التونسي المسلم.