• - الموافق2025/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
يهود إنجلترا بين الطرد والعود

تحوّل اليهود في إنجلترا من قوّة مالية مثيرة للنقمة وانتهى أمرهم بالطرد عام 1290م، إلى شريك مدعوم بجهد بروتستانتي–استعماري أعيد توظيفه سياسيًا. ومع صعود النفوذ البريطاني أصبح توطينهم في فلسطين هدفًا استعماريًا مباشرًا تُوّج بوعد بلفور وتمهيد قيام الكيان ال


ترجع بداية الوجود اليهودي في إنجلترا إلى القرن الخامس الميلادي، وهو القرن الذي اجتاحت فيه القبائل الجرمانية غرب أوروبا، وأسقطت الإمبراطورية الرومانية، وأقامت على أنقاضها دول جرمانية عديدة في كلٍّ من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا، ذات نُظُم مغايرة وتقاليد جديدة.

وكان اليهود هم حلقة الوصل بين هذه الدول الجرمانية البدائية وبين العالم الآخر، وبخاصة من الناحية الاقتصادية، ولكنّ أعدادهم كانت محدودة في إنجلترا، غير أنها ازدادت فيما بعد، وتحديدًا في القرن الحادية عشر الميلادي، نتيجة لغزوات النورماند للجزر الإنجليزية، وأيضًا بسبب تزايد هجرتهم إليها؛ نتيجة للفرص الكبيرة للربح التي أُتيحت لهم في معظم مدن إنجلترا، وبخاصة في مدينة لينكولن الواقعة في قلب المملكة المتحدة، والتي كانت تضم أكبر الجاليات اليهودية وأخطرها على الإطلاق، بعد العاصمة لندن.

واقع اليهود في إنجلترا في القرن الثالث عشر

كانت أهم وسيلة للربح، كما هي عادة اليهود في كل زمان ومكان، هي ممارسة الأعمال المالية والتجارية، وبخاصة الإقراض بالربا، وكان لهم مراكز رئيسية في لندن ولينكولن ويورك، وكان كثير من الناس، من فُرسان ونبلاء وتجار، قد استدانوا منهم مبالغ طائلة من المال؛ لتلبية احتياجاتهم، الضرورية منها والكمالية؛ حيث كان المال يتركّز في أيدي اليهود، وقتذاك، وكانوا لا يُقْرِضون أحدًا إلا بفوائد فاحشة، قد تصل أحيانًا إلى 100%، ولم تكن تقل عن 20%، وذلك على حسب حاجة المُقترض للمال، وأيضًا على حسب المنفعة التي يمكن تحقيقها من هذا المقترض، إذا كان له مركز نفوذ سياسي أو اجتماعي. ولأن الديانة المسيحية تُحرِّم التعامل بالربا تحريمًا مطلقًا، كما هو معروف؛ فقد كانت عقود تلك القروض الربوية تتم عادةً في الخفاء، وهو الأمر الذي ضاعَف من قدرة اليهود على استغلال ضحاياهم من المقترضين، ورفع نسبة الفوائد عليهم، وفرض شروطهم الجائرة عليهم.

وكان اليهود طبقًا للقانون الإنجليزي يُعتَبرون خاضعين للملك مباشرة، ويدينون له وحده بالولاء والطاعة، الأمر الذي أتاح لهم مجالًا كبيرًا للحركة، كما أتاح لهم التمايز في لغتهم ودينهم وأساليب معيشتهم، ولكنه زاد من عزلتهم عن بقية المجتمع في الوقت نفسه. ورغم ذلك، فلم يكونوا يتعرّضون لما تتعرّض له الجاليات اليهودية في البلاد الأوروبية من اضطهاد وتنكيل، إلا في حوادث قليلة ومتباعدة.

وفي القرن الثالث عشر الميلادي، كان اليهود هم الطبقة الثرية في البلاد، في وقتٍ كانت البلاد تمرّ فيه بأزمة اقتصادية، نتيجة لحملة الملك ريتشارد قلب الأسد (1189- 1199م) الصليبية على فلسطين، لدرجة أن الملك هنري الثالث (1216- 1272م)، لجأ إلى الاقتراض منهم؛ لتمويل حروبه الداخلية والخارجية، فضلًا عن رجال الدولة، كما اقترضت منهم الكنيسة أيضًا لبناء الأديرة والكاتدرائيات، ومنها كاتدرائية لينكولن نفسها، كما اقترض منهم الأساقفة أنفسهم، وعلى رأسهم رئيس أساقفة مدينة كانتربري. وهكذا استطاع اليهود في إنجلترا أن يجمعوا مبالغ طائلة من فوائد قروضهم الربوية، ووصلوا إلى قمة جشعهم وغرورهم وغطرستهم.

اضطهاد الإنجليز لليهود والتنكيل بهم

في مقابل تلك التصرفات، تعمَّق شعور النصارى الإنجليز بكراهية اليهود، والنقمة عليهم، وبدأ اليهود، نتيجة لذلك، يتعرضون للاغتيال والمضايقات، كما بدأت ممتلكاتهم تتعرَّض للنهب والسلب، وبخاصة في العاصمة لندن وفي مدينة لينكولن، وصار الإنجليز يبحثون عن ذريعة للتخلُّص منهم وطردهم من البلاد، ولما اشتدّت وتيرة الهجمات والمضايقات عليهم لجأ اليهود للاختباء في بيوتهم (المُحصَّنة) وعدم مغادرتها.

وفي عام 1255م اختفى أحد الصبيان النصارى في لينكولن، فبحث عنه أهله في كل مكان ولم يجدوه، وبعد عشرة أيام وُجِدَ مقتولًا ومرميًّا في بئر قديمة، وظهر لهم من معاينة جثته أنه عُذِّبَ عذابًا شنيعًا قبل أن يُقتَل، فحامت الشبهات حول أحد حاخامات اليهود، فاعتُقِلَ وعُذِّبَ حتى أقر بذلك.

وكان قد سبق هذه الحادثة، حوادث مماثلة في مدن إنجليزية أخرى، ولكن ما ميَّز هذه الحادثة عن غيرها، أن قيامة الأهالي ضد يهود لينكولن، لم تقعد، ولم تبقَ محصورة في هذه المدينة، بل تجاوبت معها مدن أخرى، وانهار نظام التعايش الهشّ الذي ظل سائدًا بين الجانبين لمدة قرنين من الزمان تمامًا، لا سيما وأن هذه الحادثة بالذات، قد أعادت إلى ذاكرة النصارى أعمال اليهود السوداء ضد المسيح، وادعائهم بأنهم صلبوه وقتلوه. وحينئذ اعتُقِلَ مِن اليهود مَن اعتقل، وعُذِّب مَن عُذِّب، وشُنِقَ مَن شُنِقَ، بمحاكمة وبدون محاكمة، وفُرِضَت الضرائب الباهظة عليهم، سواء للملك أو للحملات الصليبية، وصاروا وجبة دسمة للاضطهاد والتنكيل.

وأما الصبي القتيل فقد اعتبرته الكنيسة قديسًا من القديسين، فصار قبره مزارًا يأتي النصارى للتبرك به من مختلف مدن إنجلترا.

وفي عام 1275م أصدر الملك إدوارد الأول (1272- 1307م) قرارًا يلغي فيه الفوائد الربوية، وأن على اليهود الذين تزيد أعمارهم عن سبع سنوات ارتداء شارة تُميِّزهم عن غيرهم، وأما الذين تزيد أعمارهم عن اثني عشر عامًا فعليهم دفع ضريبة قدرها 3 بنسات في كلّ عيد فصح، وأنه لا يمكن لليهود بيع الممتلكات أو التفاوض على الديون إلا بإذن الملك. فلجأ اليهود عندئذٍ إلى قصّ حواف العملات المعدنية وصهرها، فزاد ذلك من عمليات التنكيل بهم. 

مرسوم الملك إدوارد بطرد اليهود من إنجلترا

في أواخر عقد الثمانينيات من القرن الثالث عشر الميلادي، عجَز الملك إدوارد الأول عن إقناع البرلمان بزيادة الضرائب لتمويل حروبه في فرنسا، فقرَّر على إثر ذلك، اتخاذ اليهود كبش فداء، وذلك بطردهم من إنجلترا عن بكرة أبيهم؛ إذ لم يَعُد ثمة جدوى من وجودهم، وبخاصة أنهم لم يتجاوبوا مع قراره باعتناق المسيحية. وقد أراد الملك إدوارد من عملية طرد اليهود، أن يضرب عصفورين بحجر واحد؛ الأول: مُصادَرة ما تبقَّى من أموال اليهود وممتلكاتهم في إنجلترا، ومِن ثَمَّ حلّ أزمته الاقتصادية. والثاني: إرضاء الشعب الإنجليزي المعادي لليهود، وبالتالي، زيادة شعبيته، فقد كانت الأعمال العدائية صد اليهود مستمرة حتى ذلك الوقت.

وفعلًا أصدر الملك إدوارد مرسومه التاريخي بطرد اليهود من جميع مدن إنجلترا في خريف عام 1290م. ونص المرسوم على: «أن يُشْنَق كلّ يهودي يبقى في إنجلترا بعد عيد جميع القديسين من تلك السنة، ثم تقطع جثته أربع قِطَع». وعلى إثر ذلك غادر إنجلترا جميع اليهود غير مأسوف عليهم، والمفاجأة أن عددهم لم يكن يزيد عن بضعة عشر ألف يهودي.

وقد قُوبِلَ هذا القرار بالارتياح مِن قِبَل غالبية الشعب الإنجليزي، وذلك أن كثيرًا من المقترضين الإنجليز، كانوا عاجزين عن سداد ما عليهم من قروض وفوائدها لليهود، أو غير راغبين في سدادها، فاعتقدوا أن طرد اليهود من البلاد، يعني الخلاص مما كان عليهم من ديون باهظة لهم، لكنّ الملك إدوارد خيَّب آمالهم، فأعلن أن الديون المستحقة لليهود عند رعاياه الإنجليز تعود للملك. لكنّ اليهود بدورهم أضمروا الانتقام من الإنجليز ملكًا وحكومةً وشعبًا، ولو بعد حين.

والمهم أن إنجلترا قد خلت تمامًا من اليهود بعد ذلك، والتزم بهذا القرار كل الملوك الذين جاءوا بعد الملك إدوارد، واستمر القرار ساري المفعول إلى عام 1657م. وكان طرد اليهود من إنجلترا أسبق من قرار طردهم من إسبانيا. وحينها اضطر يهود إنجلترا وغرب أوروبا إلى النزوح إلى روسيا وبلدان شرقي أوروبا، بينما لجأ يهود إسبانيا إلى المغرب وإلى الدولة العثمانية.

إنجليزي يدعو لتوطين اليهود في فلسطين    

في عام 1621م ألَّف سياسي وبرلماني إنجليزي اسمه «هنري فنش»، كتابًا بعنوان «الإحياء العظيم للعالم»، دعا فيه اليهود إلى استيطان أرض فلسطين، وإقامة إمبراطورية تطغى على كل ممالك العالم، وكانت هذه أول دعوة لتوطين اليهود في فلسطين، وجاء في إهداء الكتاب: «إلى أبناء يعقوب المُشتَّتين في أقاصي الأرض، أكتب لكم هذا حيثما تكونون، إنها بريق من جوهرة، عن عودتكم واستجدادكم في مملكة عظيمة».

وكان ذلك، ولا شك، بتأثير حركة الإصلاح البروتستانتية التي قادها مارتن لوثر (1483- 1546م) في ألمانيا، تلك الحركة التي نسفت المفاهيم الكاثوليكية المتعلقة باليهود واليهودية، واستبدلتها بمفاهيم جديدة تُعْلِي من شأن اليهود، وتدعو إلى اعتناق أساطيرهم ونبوءاتهم التوراتية، ومنها أن اليهود هم شعب الله القديم الذي تشتَّت في المنافي بعيدًا عن أرضهم المقدسة، سيعودون يومًا إليها، حسبما جاء في التوراة.

بَيْد أن دعوة «فنش» هذه، أثارت عليه نقمة الملك جيمس الأول (1603- 1625م)، الذي أمر بجمع نُسَخ الكتاب وحرقها، وفي الوقت نفسه قام مستشاره «وليام لود» الذي سيصبح رئيس أساقفة مدينة كانتربري سنة 1633م بمهاجمة الكتاب وموضوعه مهاجمة شديدة وحادة.

وسبب تأليف «فنش» لهذا الكتاب الذي تضمن دعوة اليهود لاستيطان فلسطين، رغم خلو إنجلترا منهم تمامًا، في ذلك الوقت، يرجع، إلى انتصارات العثمانيين وبلوغ سلطنتهم أوج قوتها واتساعها في القرن السادس عشر، وسيطرتها على جزر البحر المتوسط، ودقها لأبواب فيينا عاصمة النمسا، ووقوف إنجلترا مرتعبة أمام هذه القوة العثمانية؛ الأمر الذي جعل «فنش» يبحث عن وسيلة لإزالة الخطر العثماني والإسلامي عن بلاده.

وكانت هذه الوسيلة، كما اعتقد، هي مد يد العون لليهود لتحقيق نبوءاتهم التوراتية بالعودة إلى فلسطين، لأجل محاربة العثمانيين وهزيمتهم، ومِن ثَم، إزالة خطرهم، وذلك بمؤازرة بريطانيا وأوروبا لهم. ورغم أن «فنش» تنصَّل من هذه الدعوة، ورغم رفض الملك المطلق لها، ورفضها أيضًا مِن قِبَل الكثير من الكتاب الإنجليز؛ إلا أنها وجدت لها آذانًا صاغية لدى كُتّاب آخرين، فيما بعد، سواء في إنجلترا أو خارجها.

ثورة كروميل وعلاقتها باليهود

لم يَمُرّ وقت طويل على ظهور كتاب «فنش»، ودعوته لمساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين، حتى نشبت الثورة الإنجليزية ضد الملكية سنة 1649م، بقيادة أوليفر كروميل (1599- 1658م)، وبتمويل من أثرياء اليهود، وبخاصة يهود هولندا، التي كانت آنذاك، قد احتلت إندونيسيا، وصارت تسيطر على أعالي البحار الجنوبية والشرقية، وكان اليهود يُشكِّلون حجر الزاوية في اقتصادها، وقد انتهت الثورة الإنجليزية والحرب الأهلية بمحاكمة الملك تشارلز الأول (1625- 1649م)، وإعدامه سنة 1650م، وجرت عملية الإعدام طبقًا للخطة التي اقترحها اليهود، فقد أوصوا كروميل بعدم اغتيال الملك شارل لعدم تحويله إلى بطل، ولما سينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة عليه، وأن عليه بدلًا من ذلك، إعطاءه الفرصة للهروب، حتى تكون عملية القبض عليه ثانيةً سببًا وجيهًا للمحاكمة والإعدام، وقد كان.

وتلذَّذ اليهود بمحاكمته وإعدامه، وعدُّوا ذلك ثأرًا من الملك إدوارد الأول، الذي أصدر القرار بطردهم من البلاد ثلاثة قرون ونصف. وكانت الثورة الإنجليزية هي الحلقة الأولى في سلسلة الثورات الدموية التي تلتها، لتحقيق المخطط اليهودي في السيطرة على العالم؛ حيث تُوِّجت بإعلان جمهورية إنجلترا، التي جعلت من العهد القديم (التوراة) دستورًا لها، باعتباره وحيًا سماويًّا جديرًا بأن يحل محل العهد الجديد (الإنجيل)، وأن يتم الالتزام بتشريعاته والاعتماد على نصوصه في الحياة السياسية والاجتماعية، وذلك بعد أن كان مُهمَلًا مِن قِبَل الكاثوليكية.

وقد عبَّرت حكومة هذه الثورة عن استعدادها لنقل اليهود إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، لتكون ميراثًا لهم إلى الأبد، ومن هنا فقد سعى كروميل للتقرُّب من اليهود، ورحَّب بتوطينهم في إنجلترا عام 1657م، ووجَّه لهم رسالة اعتذارية عاطفية يقول فيها: «إن على الشعبين الجرماني (الألماني والهولندي) والأنجلوسكسوني أن يعملا بكل قوة على إعادة أبناء شعب الله المختار إلى أرض الميعاد».

وترجم كروميل ذلك عمليًّا باستقدام صرّافين ومُقرضين يهود، من هولندا إلى إنجلترا لتأسيس صناعة مصرفية ومؤسسات إقراض، من شأنها إنعاش الاقتصاد الإنجليزي وملء خزينة الدولة، وأيضًا للاستفادة من الجاليات اليهودية في عمليات التجسُّس لصالحه، وكذا لأجل التمهيد لنقل اليهود بحرًا إلى فلسطين.

عودة اليهود إلى إنجلترا والهجرة إلى فلسطين

منذ مطلع القرن الثامن عشر، بدأ اليهود يعودون إلى إنجلترا، ولكنّهم لم يعودوا إليها ليعيشوا فيها غرباء مستضعفين، وفي أحياء معزولة ومحتقَرة (جيتو)، كما كان شأنهم قبل الطرد، وإنما عادوا إليها صيارفة ورجال أعمال وخبراء ماليين وأكاديميين، متمتعين بكل الحريات: الإقامة والمهنة والتملك والعبادة، ويقيمون في أرقى الأحياء، ويحتلون مكانة رفيعة في المجتمع، وتربطهم علاقات وثيقة بكبار المفكرين والسياسيين الإنجليز، بل ويسعى العديد من هؤلاء لكسب ودّهم؛ لكونهم أصبحوا أصحاب الثروة والمال ورجال المصارف التي أصبحت حجر الزاوية في الاقتصاد الإنجليزي، بل الاقتصاد الرأسمالي برُمّته في بلدان أوروبا الغربية وأمريكا، كما صار اليهود هم أصحاب الشركات العملاقة سواء في بريطانيا أو في مستعمراتها، وراء البحار.

والأهم من ذلك، أن العديد من أولئك المفكرين والسياسيين الإنجليز البروتستانت، صاروا يعتنقون الأساطير اليهودية، ويسعون لتحقيق النبوءات التوراتية، أكثر من سَعْي اليهود أنفسهم، لا سيما فيما يتعلق بفكرة عودة اليهود إلى فلسطين، باعتبار فلسطين وفقًا للمفاهيم البروتستانتية الجديدة أرضًا يهودية مقدسة (أرض الميعاد)، وليست أرضًا مسيحية مُقدَّسة، كما في المفاهيم الكاثوليكية. وهذا لا يعني أن تلك الدعوة كانت مجردة من الأهداف الاستعمارية، بل إنّ هذه الأهداف كانت هي الأساس.

وقد راجت فكرة دعوة اليهود للهجرة إلى فلسطين رواجًا عظيمًا في بريطانيا بعد وصول محمد علي إلى سُدّة الحكم في مصر وسيطرته على فلسطين، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ونادى بها العديد من رجال الدولة وكبار الاستعماريين الإنجليز.

والسبب في ذلك، هو أن الإنجليز وجدوا أن الأقلية اليهودية القاطنة في فلسطين، حينذاك، بحسب إحصائيات القنصل الإنجليزي في القدس، لم يكن عددها يتجاوز ثمانية آلاف يهودي، وبالتالي، لا يمكن أن يكون هذا مُسوِّغًا لإنجلترا للتدخل في شؤون فلسطين بذريعة حماية الأقلية اليهودية، وأن الحل بالتالي، هو تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين. وقد استمرت جهود الإنجليز هذه تتواصل إلى أن تُوِّجَت بإصدار وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، ثم بتأسيس الدولة العبرية اللقيطة في فلسطين وتشريد أهلها منها عام 1948م.

أعلى