يتزايد التنافس على المعادن الأرضية النادرة، ما يعكس صراعا دوليا مستمرا لا يتعلق فقط بالسيطرة على الموارد الطبيعية، بل يمتد إلى مجالات أخرى مثل الاقتصاد التكنولوجي والسياسة العسكرية.
تعتبر المعادن الأرضية النادرة من الركائز الأساسية للصناعات الحديثة والمتقدمة
التي تشمل مكونات حيوية لا غنى عنها في تطوير الأجهزة الإلكترونية، والطاقة
المتجددة، والتكنولوجيا الدفاعية والطبية، ما يجعلها بمثابة
“الطاقة
الجديدة” للعالم.
وتستخدم المعادن الأرضية النادرة في العديد من التطبيقات الصناعية، مثل صناعة
الهواتف الذكية، وأجهزة الرؤية الليلية، والمغناطيسات القوية، والألواح الشمسية،
والسيارات الكهربائية، إلى جانب دورها بتطوير الأسلحة الدفاعية مثل الصواريخ
الدقيقة والأنظمة الدفاعية.
ما هي المعادن الأرضية النادرة؟
وعلى الرغم من وفرة المعادن الأرضية النادرة في قشرة الأرض، إلا أنها نادرة من حيث
طريقة استخراجها التي تعد معقدة ومكلفة.
وتتواجد معظم هذه المعادن ضمن مركبات أكبر يجب استخراجها من خلال عمليات صناعية
متعددة لاستخلاصها، ما يجعل عملية استخراجها مكلفة جدا..
كما يواجه العالم تحديات كبيرة في تأمين هذه المعادن لتلبية احتياجات المستقبل،
خصوصا مع التوسع في الصناعات التي تعتمد عليها مثل الطاقة المتجددة.
وتشير التوقعات إلى أن الطلب على هذه المعادن سيزداد بنسبة قد تصل إلى 400% بحلول
عام 2040، إذا تم الالتزام باتفاق باريس للمناخ.
وتعتبر الصين من أكبر اللاعبين في سوق المعادن النادرة على مستوى العالم، حيث تمتلك
نحو 37% من الاحتياطيات العالمية من هذه المعادن.
ومن المعروف أن الصين تحتل مكانة مهيمنة في كافة مراحل إنتاج هذه المعادن، بداية من
استخراجها وصولا إلى تصنيعها.
وعلى الرغم من هيمنة الصين على هذا المجال، فإنها في الوقت ذاته تعتبر أكبر مستورد
لهذه المعادن، حيث تركز على ضمان استمرار تدفقها لتلبية احتياجات صناعاتها
التكنولوجية المتطورة.
صراع جيوسياسي
يتزايد التنافس على المعادن الأرضية النادرة، ما يعكس صراعا دوليا مستمرا لا يتعلق
فقط بالسيطرة على الموارد الطبيعية، بل يمتد إلى مجالات أخرى مثل الاقتصاد
التكنولوجي والسياسة العسكرية.
كما أن الحديث عن مستقبل الطاقة المستدامة يتطلب توافر هذه المعادن، التي ستكون في
قلب التحولات الكبرى في المستقبل، مثل التحول إلى طاقة منخفضة الكربون.
|
وفي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على هذه المعادن بسبب تزايد الاعتماد على
الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة، يتوقع أن يصبح التحكم في هذه الموارد
حاسما لتحديد الدول التي ستستحوذ على الريادة العالمية في العقود القادمة. |
ويتعدى اهتمام دول مثل الولايات المتحدة والصين بالمعادن النادرة الجانب الصناعي
ليشمل صراعا جيوسياسيا على الريادة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
توسع الاستراتيجيات
في خطوة لافتة، فرضت الصين قيودا جديدة على تصدير بعض المعادن النادرة مثل التنغستن
والتيلوريوم والإنديوم، التي تدخل في صناعة الطاقة الشمسية والأسلحة المتقدمة.
وجاءت هذه الإجراءات في وقت حساس بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة
على الواردات الصينية، ما يعكس التصعيد الحاصل في الصراع على الهيمنة على هذه
المعادن الاستراتيجية.
في المقابل، تتزايد الخطط المستقبلية لاستخراج المعادن من مصادر جديدة وغير
تقليدية، مثل التعدين في أعماق البحار أو حتى على سطح القمر، وهي أفكار تبدو أشبه
بالخيال العلمي، لكن بعض الدول مثل الصين والولايات المتحدة بدأت في التخطيط لها.
ويعد السباق على المعادن الأرضية النادرة جزءا من صراع أكبر، يرتبط بشكل أساسي
بالمستقبل التكنولوجي والسياسي للعالم.
وفي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على هذه المعادن بسبب تزايد الاعتماد على الاقتصاد
الرقمي والطاقة المتجددة، يتوقع أن يصبح التحكم في هذه الموارد حاسما لتحديد الدول
التي ستستحوذ على الريادة العالمية في العقود القادمة.
باعتبارها واحدة من المواد الخام الأساسية للصناعات عالية التقنية والدفاع الوطني،
تُستخدم العناصر الأرضية النادرة (RERs)
على نطاق واسع في أكثر من 200 منتج، مثل المركبات الكهربائية، والطائرات،
والصواريخ، والرادارات، وهي ضرورية للأمن الاقتصادي والأمن الدفاعي الوطني. لذلك،
في السنوات الأخيرة، جذبت العناصر الأرضية النادرة انتباه الدول حول العالم وأصبحت
محور تنافس على المصالح الوطنية بينها.
منذ عام 2008، تم تصنيف العناصر الأرضية النادرة (REEs)
على أنها مواد حيوية لا غنى عنها لتطوير الصناعات الاستراتيجية الناشئة في "تقارير
تقييم المواد الخام الحيوية" التي أصدرتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد
الأوروبي واليابان تباعًا. وتعتبر الصين الدولة الأغنى بموارد الأرض النادرة في
العالم، حيث تحتل موقع الصدارة في الإنتاج والاحتياطيات العالمية لهذه الموارد.
ومع ذلك، ومع التأثيرات السلبية لموجة مناهضة العولمة وانتشار جائحة كوفيد-19،
أصبحت الأوضاع الجيوسياسية العالمية أكثر تعقيدًا. بالإضافة إلى ذلك، يتم اكتشاف
مصادر جديدة للعناصر الأرضية النادرة، وتعمل العديد من الشركات على زيادة إنتاجها،
مما يؤدي إلى تنويع مصادر التوريد لهذه الموارد على مستوى العالم. تسعى الولايات
المتحدة وبعض الدول الغربية إلى إعادة بناء سلاسل توريد مستقلة لعناصر الأرض
النادرة، لتقليل اعتمادها على الصين، وهو ما يشكل تهديدًا لهيمنة الصين على هذه
الموارد.
|
ومن هنا يمكن فهم سعي الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" الحثيث
للسيطرة على جزيرة جرينلاند، الغنية بالمعادن الحيوية النادرة، حيث يرى
المسؤولون والباحثون في مجال التعدين أن الجزيرة التابعة للدنمارك |
مع تطور الصناعات التقنية الحديثة، يتزايد الطلب على منتجات العناصر الأرضية
النادرة بشكل متواصل، لكن الصين تواجه مشكلة ندرة الموارد في بعض العناصر الثقيلة
من هذه المعادن.
في هذا السياق، أصبحت العناصر النادرة موردًا استراتيجيًا لا غنى عنه في لعبة
التنافس بين القوى الكبرى مثل الصين، والولايات المتحدة، واليابان، والاتحاد
الأوروبي. في عام 2014، نشب نزاع في منظمة التجارة العالمية (WTO)
حول سياسة الصين بشأن المعادن النادرة، حيث قدمت الولايات المتحدة، واليابان،
والاتحاد الأوروبي دعوى ضد الصين بسبب قيودها المفروضة على تصدير هذه المعادن. ورأت
منظمة التجارة العالمية أن الرسوم الجمركية والحصص التصديرية التي فرضتها الصين على
المعادن النادرة لا تتوافق مع القواعد المنظمة للتجارة العالمية، مما أجبر الصين
على إلغاء سياسة الحصص التصديرية التي استمرت لمدة 16 عامًا
ولتجنب الاعتماد على الصين في هذا المجال، سارعت الولايات المتحدة إلى إنشاء سلسلة
إمداد مستقلة لعناصر الأرض النادرة. على سبيل المثال، تدرس شركة
Promag
البريطانية إمكانية إعادة تدوير العناصر النادرة من النفايات الإلكترونية، وهي خطة
من شأنها حل مشكلة إمدادات الأرض النادرة في المملكة المتحدة وحماية البيئة في
الوقت نفسه. كما تتعاون الولايات المتحدة ودول أخرى مع غرينلاند وأستراليا، اللتين
تمتلكان احتياطيات ضخمة من هذه المعادن.
بدعم من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بدأ وزارة الدفاع الأمريكية
(البنتاغون) في ضخ استثمارات ضخمة لدعم شركة
MP
Materials،
وهي المنتج الأمريكي الرئيسي للمعادن النادرة، لتطوير منجم
MP
للمعادن النادرة. في عام 2017، أصبحت
MP Materials
الشركة الوحيدة في الولايات المتحدة القادرة على استخراج ومعالجة العناصر النادرة؛
إلا أنها لا تنتج هذه العناصر، بل تقوم بإرسال المواد المستخرجة إلى الصين لمزيد من
المعالجة.
ومن هنا يمكن فهم سعي الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" الحثيث للسيطرة على
جزيرة جرينلاند، الغنية بالمعادن الحيوية النادرة، حيث يرى المسؤولون والباحثون في
مجال التعدين أن الجزيرة التابعة للدنمارك
تتمتع بإمكانات هائلة في هذا القطاع.
وكذلك حرصه الشديد على توقيع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا.
1. كيف بدأت أهمية المعادن النادرة؟
قبل عام 2010، لم تكن المعادن النادرة محل اهتمام عالمي كبير، حيث كانت تُستخدم في
تطبيقات متخصصة. لكن مع تسارع التطور التكنولوجي، زاد الطلب عليها بشكل هائل. ومع
سيطرة الصين على الإنتاج، أصبحت المعادن النادرة ورقة مساومة جيوسياسية، خاصة بعد
أن هددت بكين عام 2010 بوقف صادراتها إلى اليابان خلال نزاع حول جزر سينكاكو.
2. الصين والاحتكار العالمي للمعادن النادرة
تمتلك الصين احتياطات ضخمة بما يقدر أكثر من 35% من الاحتياطي العالمي المؤكد
للمعادن النادرة. كما قامت الحكومة الصينية بدعم قطاع المعادن النادرة عبر منح
حوافز مالية وضوابط صارمة على التصدير، ما جعل بقية العالم يعتمد عليها.
وما يؤكد ذلك أنه حتى لو تم استخراج المعادن من دول أخرى، لا تزال الصين تحتكر
عمليات التكرير بنسبة 85-90%، وهي عملية معقدة ومكلفة.
كيف تستخدم الصين المعادن النادرة كورقة ضغط؟
في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، لمّحت بكين إلى فرض قيود على صادرات
المعادن النادرة.
فرضت الحكومة الصينية عام 2021 قيوداً جديدة على صادرات المعادن النادرة للحفاظ على
أمنها القومي وتقليل التصدير إلى الشركات الأجنبية.
في 2023، قيدت الصين تصدير عناصر الغاليوم والجرمانيوم، وهما عنصران مهمان في صناعة
أشباه الموصلات.
مع إدراك الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أن الاعتماد على الصين خطر استراتيجي،
بدأت الدول الكبرى تتخذ خطوات لفك ارتباطها بسلاسل التوريد الصينية، فقامت الولايات
المتحدة بتطوير مناجم محلية، مثل مشروع "ماونتن باس" في كاليفورنيا. وأصبحت
أستراليا ثاني أكبر منتج عالمي للمعادن النادرة. سعت أوروبا للاستثمار في دول
أفريقية غنية بالموارد مثل مدغشقر وناميبيا. كما قامت بعض الشركات بالعمل على تطوير
طرق لاستعادة المعادن النادرة من الإلكترونيات القديمة والمغناطيس المستخدم في
السيارات الكهربائية. والقيام بالبحث عن بدائل جديدة مثل المغناطيسات الخالية من
النيوديميوم لتقليل الاعتماد على الصين.
تلك الساحة المستعرة ومع ارتفاع التوترات بين القوى الكبرى، يطرح السؤال نفسه هل
ثمة احتمال لنشوء صراعات اقتصادية، وربما عسكرية، حول تأمين الوصول إلى المعادن
النادرة؟
السيناريوهات المحتملة
نشوب حرب تجارية جديدة: وهذا يقوم على فرضية فرض الصين قيوداً صارمة على صادرات
المعادن النادرة، والذي قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات في الأسواق العالمية وزيادة أسعار
المنتجات التكنولوجية.
نشوء تحالفات اقتصادية جديدة: قد تلجأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى عقد
اتفاقيات مع دول أخرى مثل البرازيل والهند لتعويض النقص.
سباق تسلح تقني: الدول التي تستطيع تأمين المعادن النادرة ستتمكن من تطوير تقنيات
عسكرية متقدمة مثل الصواريخ الذكية والطائرات المقاتلة المتطورة.
الخلاصة: المستقبل في قبضة من يمتلك المعادن النادرة المعادن النادرة ليست مجرد
موارد طبيعية، بل هي مفاتيح للسيطرة على التكنولوجيا المستقبلية، والاقتصاد
العالمي، والتنافس الجيوسياسي. ما نشهده اليوم ليس مجرد تنافس اقتصادي، بل هو سباق
استراتيجي لتأمين النفوذ العالمي، حيث تحاول الدول الكبرى إعادة رسم خارطة سلاسل
التوريد لضمان أمنها القومي وتقليل اعتمادها على الصين.
السؤال الكبير الآن: هل سنشهد مستقبلاً "حروب معادن نادرة"؟
الجواب يعتمد على قدرة الدول في إيجاد حلول بديلة، وإلا فقد تتحول هذه المعادن إلى
سلاح اقتصادي خطير في الصراعات المستقبلية.