• - الموافق2025/03/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانقلاب الفاشل في سوريا... أسبابه وتداعياته

هل مثلت أحداث سوريا محاولة انقلابية متكاملة الأركان أم مجرد محاولة تمرد عشوائية، وإلى أي مدى شاركت أطراف خارجية في تلك الأحداث، وما هي تداعيات تلك المحاولة على الاستقرار في سوريا؟


في الأيام الماضية تسارعت الأحداث في محافظات الساحل السوري والتي يوجد فيها نسبة كبيرة من النصيريين والذين اشتهروا في وسائل الإعلام بالعلويين، عندما نصبت قوات يبدو أنها تابعة للنظام السابق كمائن لقوات الأمن العام السورية، مما أدى إلى مقتل المئات من تلك القوات (تحدثت بعض المصادر عن ما يقرب من خمسمائة قتيل من رجال الأمن التابعين للإدارة السورية الجديدة)، كما جرى احتلال بعض المباني الحكومية، وقطع طرق وجسور.

وفي أعقاب ذلك شنت قوات الأمن والجيش السوري حملة ضخمة في تلك المحافظات، وتم تداول مقاطع فيديو لعمليات قتل ميداني ضد تلك المجموعات المسلحة المتمردة، وقيل إن بعض عمليات الإعدام تلك، تم توجيهها إلى مدنيين عزل من الطائفة العلوية.

وأعلنت قيادة الجيش السوري عن تنفيذ عملية عسكرية بقصد تطهير منطقة الساحل السوري والتي تضم محافظتي اللاذقية وطرطوس من فلول النظام السابق على عدة مراحل، ولكن فجأة وفي اليوم الأول من المرحلة الثانية إذ تعلن الحكومة السورية عن انتهاء الحملة في محافظات الساحل، أعقبها بساعات توقيع اتفاقية بين قسد والحكومة السورية، تسفر عن دمج قسد في الجيش السوري، ودخول مناطقها إلى السيادة السورية.

وتزامن هذا مع استقبال وفد درزي من محافظة السويداء في قصر الشعب في دمشق، وقسم من الدروز كان قد سبق وأعلن التمرد على الحكومة في دمشق، ليتم الإعلان في اليوم التالي عن توقيع اتفاقية بين الحكومة ينتج عنها دمج فصائل عسكرية للدروز في الحكومة السورية.

وفي خضم تلك التطورات شنت طائرات من جيش الكيان، غارات على مخازن للجيش السوري في درعا، وسرعان ما تبين خلوها من السلاح.

ومما يزيد من غموض المشهد، هو الصمت الرسمي التركي، أو تأخر ردود فعله عن اتفاقية الحكومة السورية مع قسد، حتى بعد مرور ما يقرب من ١٢ ساعة، بالرغم من الترحيب السعودي والقطري بتلك الخطوة.

فما تفسير هذه التطورات المفاجئة المتتابعة؟

ما يعقد تفسير العلاقة بين تلك الأحداث المتوالية، هو أن أكثر أطراف اللعبة السورية سواء في الداخل أو في الخارج قد يتصادمون، ولكنهم لا يريدون جعلها لعبة صفرية، بل يريدون ترك مساحة للتفاوض لتحقيق بعض المكاسب أو لتقليل الخسائر، تاركين عامل الزمن لعله يحدث متغيرات تمكنهم من التحكم بشكل أكبر في مجريات الأمور، أو تجميع أوراق أكثر على مائدة التفاوض.

 

كشف الصحفي والسياسي اللبناني علي حمادة عن معلومات تفيد بتورط حزب الله في الاضطرابات الأخيرة التي شهدها الساحل السوري، مشيرًا إلى تحركات لعناصر وضباط من النظام السوري السابق بين لبنان وسوريا

ولذلك فإن أطراف الصراع السوري، تتعمد إخفاء كثير من المعلومات والأخبار والحقائق، وحتى الاتفاقيات الجانبية فإن البنود المخفية أكثر من البنود المعلنة.

وفي محاولة تفكيك هذا المشهد، يجب البدء بتحليل ما أطلق عليه البعض الانقلاب الذي قام به فلول النظام السابق، في محاولة لاستخدام ما رشح من معلومات وأخبار، لتجميع أجزاء الصورة المبعثرة. 

انقلاب مدبر أم تمرد عشوائي

قبل أحداث اللاذقية بأيام قليلة، توترت العلاقات التركية الإيرانية.

ففي تصريح مفاجئ في قناة الجزيرة، وقبل أسبوع تقريبًا من المحاولة الانقلابية لفلول النظام السوري، هدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إيران، وطالبها بالتخلي عن سياسات الهيمنة والاستحواذ الإقليمية، مُشيرًا إلى أنها قد دفعت ثمنًا باهظًا للحفاظ على نفوذها الإقليمي، وأن أجندة سياستها الخارجية المرتبطة بوكلائها تنطوي على مخاطر كبيرة.

وأضاف فيدان بالحرف: "إذا كنتم لا تريدون أن يُلقى حجر على نافذتكم، فلا ترموا حجارة على نوافذ الآخرين، إذا كنتم تدعمون مجموعة في بلد آخر لإثارة الفوضى، فمن الممكن أن يقوم بلد آخر بدعم مجموعة داخل بلدكم للهدف ذاته".

في اليوم التالي، ردت إيران على لسان المتحدث باسم الخارجية، إسماعيل بقائي، فوصف تصريحات فيدان بـ"الوقحة"، كما استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير التركي، وأكدت على أن المصالح المشتركة للبلدين وحساسية الوضع الإقليمي تتطلب تجنب التصريحات المغلوطة، والتحليلات غير الواقعية التي من شأنها أن تؤدي إلى الخلافات، والتوترات في العلاقات الثنائية، الأمر الذي ردت عليه تركيا باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني، وإبلاغه رفض انتقادات طهران العلنية لأجندة أنقرة الخارجية، مُشددةً على أن أمور السياسة الخارجية لا ينبغي استخدامها كأداة من أدوات السياسة الداخلية.

هذه التوترات والتصعيد، أعقبها المحاولة الانقلابية الفاشلة، فتهديدات وزير الخارجية التركي تشي بأن المخابرات التركية كانت على علم بضلوع إيران وجهات أخرى في تلك المحاولة.

وبالفعل كشفت صحيفة حرييت التركية، في تقرير أعده الصحفي المقرب من الحكومة التركية عبد القادر سيلفي، تفاصيل اجتماع سري جرى في محافظة الرقة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية قسد، جاء قبل أيام قليلة من اندلاع الأحداث، مشيرة إلى تورط أطراف دولية بينها إيران في هجمات فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل السوري.

وبحسب الصحيفة، فقد شارك في الاجتماع ممثل عن القيادة المركزية الأمريكية سنتكوم، وممثل عن حزب العمال الكردستاني بي كي كي، وممثل عن إيران، بالإضافة إلى ضابط من جيش النظام السوري المخلوع، وممثل عن محافظة السويداء.    
ولفتت الصحيفة إلى أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية تعمل على إعادة تنظيم جنود سابقين كانوا يشغلون مناصب بارزة في جيش النظام المخلوع، في محاولة لخلق حالة من الفوضى داخل البلاد.

ولفت التقرير إلى أن الاجتماع في الرقة ضم جهات ذات مصالح متضاربة، لكن بدا أن هناك تنسيقا فيما بينها لزعزعة الاستقرار في سوريا وإضعاف الدولة الجديدة.

وفي تقرير آخر تم تداوله في بعض المواقع الإخبارية، تحدث عن تفصيلات أخرى، وأثبتت الوقائع حدوثه: حيث كانت الخطة تقضي بدخول ميليشيات عراقية باتجاه تدمر ثم حمص وذلك في ساعة الصفر المتفق عليها، ودخول ميلشيات حزب الله في نفس ساعة الصفر المتفق عليها من القصير ليلتقيان في حمص، وبنفس الوقت تنزل فلول ماهر وبشار من الجبال ومن الاراضي اللبنانية شمالا لتستولي على مدن الساحل، وتقتل دوريات الأمن القليلة المنتشرة هناك وتقطع طرق الداخل السوري بالكمائن وهذا فعلا ما حدث.

ووفق هذا السيناريو، يتزامن هجوم الساحل بهجوم لقسد باتجاه مدينة حلب من الشرق لتستولي على المدينة.

وبنفس الوقت تنطلق فلول النظام المختبئة في مناطق الكتلة الطائفية في ضواحي دمشق لتلتقي مع الميلشيات التي أعلنت ساعة الصفر بإنزال علم الدولة من فوق مبنى المحافظة في السويداء لتلتقيان في دمشق تحت غطاء من الطيران الصهيوني.

وقد كشف الصحفي والسياسي اللبناني علي حمادة عن معلومات تفيد بتورط حزب الله في الاضطرابات الأخيرة التي شهدها الساحل السوري، مشيرًا إلى تحركات لعناصر وضباط من النظام السوري السابق بين لبنان وسوريا، ودورهم في تنسيق العمليات التي اندلعت مؤخرًا في مناطق الساحل وحمص.

ولكن رئيس المخابرات السورية أنس خطاب تحدث بصراحة عن مؤامرة، وقال في بيان نشره على منصة "إكس": أن التحقيقات الأولية كشفت تورط قيادات عسكرية وأمنية تابعة للنظام السابق في التخطيط والتدبير لأعمال العنف التي تشهدها مدن الساحل السوري، مؤكداً أن تلك العناصر تتلقى توجيهات من شخصيات بارزة في نظام الأسد الهاربة خارج البلاد والمطلوبة للعدالة.

ولكن خطاب لم يشر صراحة إلى تدخل دول أو أطراف خارجية.

ولكن هل كانت هذه الخطة التي ذكرها التقرير التركي والتقرير الآخر وتصريحات أنس خطاب، قادرة على إسقاط حكومة الشرع في تصور تلك الجهات المتآمرة والتي ذُكرت في تلك التقارير؟

من تتبع ما جرى من تفاصيل الهجمات على القوات الحكومية السورية، أن ما وقع يمكن وصفه بأنه أقل من انقلاب وأكبر من تمرد، لكن الأمر الدقيق الواضح أن فلول النظام باتت منظمة، نظراً لتزامن الكمائن والضربات وأماكن تنفيذها في خطوط إمداد الأمن والجيش، وتجييش صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي تحض على النفير العام في الساحل، وإعلان القيادي في الفرقة الرابعة غياث دلا تشكيل مجلس عسكري.

فشل الخطط لإسقاط حكومة الشرع

هناك عدة عوامل أدت إلى الفشل الذي لحق بهذه الخطة:

أولها: المعلومة المسبقة والتي حصلت عليه المخابرات التركية ومررتها للأجهزة السورية، بالرغم من الخطأ التقني الذي وقعت فيه تلك الأجهزة، حيث تبين ضعف انتشار قوات الأمن والجيش في مدن جبلة وبانياس واللاذقية وطرطوس، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى في أفراد الأمن الحكومي.

وفي هذا الإطار يأتي التدخل الجوي التركي والذي منع قوات قسد من التقدم لمساندة التمرد، ويبدو أن الخطة كانت تعتمد على دعم تلك القوات بشكل كبير.

ثاني عوامل فشل التمرد، هو ما فعله أبناء مدن الساحل الذين ينتمون إلى أهل السنة، الذين كان لهم دور حاسم في إحباط هجوم الفلول المنظم لأكثر من 24 ساعة، حيث نفروا من منازلهم لمساندة القوات الحكومية في المراكز والحواجز لحين وصول المؤازرات، وهذا ما منع الفلول من الانتشار أكثر والسيطرة على نقاط أكثر.

ثالث تلك العوامل، هي الإجراءات التي اتخذتها حكومة الشرع في أعقاب هذا التمرد، حيث عمدت بجوار استنفارها العسكري إلى مد يد الوفاق إلى الطوائف التي يمكن استغلالهم من القوى الخارجية، فعقدت اتفاقا مع قسد والمجموعات العسكرية الدرزية، بإدماجها كمجموعات داخل الجيش السوري، نظير إعلان ولاء هذه الطوائف للدولة السورية برئاسة الشرع، بالرغم من أن هذا المطلب وهو احتفاظ تلك الفصائل الطائفية بهيكلتها المستقلة داخل الجيش، قد سبق ورفضه الشرع لأنه يعني الاعتراف لهذه الطوائف بنوع من الحكم الذاتي، إلا أنه أدرك أن الوقت لم يحن بعد، وأن الأهم والأولى هو منع الاقتتال الداخلي بين الطوائف مع وجود دعم خارجي قوي لها، وسحب ورقة الطائفية من هذه القوى.

ومن هذه الإجراءات التي اتخذها الشرع هو الإعلان عن إنشاء لجنة تحقيق قضائية ضمت قضاة من العلويين، للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من جانب القوات الحكومية، لقطع الطريق على التدخلات الخارجية والتي تريد أن تتخذ من ورقة الانتهاكات المزعومة تلك كورقة للضغط على حكومة الشرع، لتنفيذ أجندة هذه القوى.

أعلى