• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الاضمحلال وراء تناقص أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة

الاضمحلال وراء تناقص أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة

 


بقلم آرون - ديفيد ميلر (فورين بوليسي)|17 أكتوبر، 2013



هل لا يزال الشرق الأوسط حقا ذا شأن بعد الآن؟

أنا أمزح فقط. بالطبع لا تزال منطقة الشرق الأوسط ذات شأن. فمجرد إلقاء نظرة على عناوين الصحف نلاحظ أنه: لا يمر يوم دون أزمة جديدة في سوريا أو العراق أو مصر أو بيان من قبل سياسي إسرائيلي أو الملا الإيراني يتنبأ بأننا نتجه إما نحو الحرب أو السلام. فقد اجتمع قادة العالم هذا الأسبوع في جنيف لمناقشة القدرات النووية الإيرانية. وفي الشهر الماضي أدلى الرئيس باراك أوباما بخطاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) كان جلّ تركيزه منصبّا على الشرق الأوسط. كما أن هناك احتياطيات البترول وقناة السويس المحورية ومضيق هرمز الضيق جدا. وهناك أيضا قصة الصراع العربي الإسرائيلي الغير منتهية، وبطبيعة الحال، أحداث 11 سبتمبر. ذلك الحدث الرهيب الذي كان حصيلة شرق أوسط مفكّك وغاضب ومولّد للمظالم - وهو ثاني أكثر الأيام دموية في تاريخ الولايات المتحدة، فقد تجاوزه يوم واحد فقط خلال معركة أنتيتام.

ولكن على الرغم من ما قد قيل، فإن الشرق الأوسط لم يعد مهما بقدر أهميته الماضية نسبيا. فالأسباب التقليدية لتدخل الولايات المتحدة آخذة في التغير. فقد كانت في وقت مضى تتمحور حول احتواء الروس بشكل تام، واعتمادنا الخطير على النفط العربي، و "إسرائيل" الضعيفة جدا. ومن ثم أصبحت حول خطر "التطرف الإسلامي والإرهاب" والرغبة في بناء أمة في أفغانستان والعراق بشكل عام.

لقد انتهى الآن الكثير من ذلك. وأصبح بعض ما تبقى أكثر تعقيدا وحدّ من الدور الذي يمكن ويجب على الولايات المتحدة أن تمارسه في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للقضايا الأخرى، فإن حقيقة أن بعض الأمور قد أصبحت أبسط قد تحدّ في الواقع أكثر مما تريد وتحتاج أميركا لإنجازه هناك.

هل يعقل أنه في السنوات المقبلة سنكون في طريقنا للتراجع أكثر من المنطقة؟ ربما. وهذه هي الأسباب:

(1) ليس هناك حرب باردة أو بعبع جديد.

لقد كان الثلاثي الشهير المكون من الروس والنفط و"إسرائيل" هو من جلب الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط في المقام الأول على خلفية تراجع الإمبراطورية البريطانية، ويحلو للبعض الاعتقاد أن الحرب الباردة لا تزال مستمرة. وفي النهاية، يحب بوتين إلصاق التهمة بأمريكا كلما سنحت له الفرصة، فقد شهد كيف قامت الولايات المتحدة بإزالة العملاء الروس الواحد تلو الآخر (صدام حسين، معمر القذافي) وحتى أنها هددت بعمل من جانب واحد ضد بشار الأسد، رجل موسكو الأخير الصامد في الشرق الأوسط.

ولكن بوتين ليس مهتما في حرب بالوكالة على نطاق واسع مع واشنطن في منطقة يعلم أنها تعج "بالتطرف الإسلامي" و تعتبر شرك من الفوضى بالنسبة لروسيا لاغتنامها. فهو يود الحفاظ على النفوذ و الأصول لديه، والتي تنطوي بعضها على المليارات من الديون السورية الغير مسددة والعقود التي تحتوي اسم الأسد عليها، وكذلك قاعدة بحرية في طرطوس. ويعارض بوتين أيضا فكرة السلام الأمريكي. ولكن كما كشفت بنية الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأسلحة الكيميائية السورية، يمكن أن تنطوي أهداف بوتين على التعاون بقدر المنافسة. ومع كون روسيا جزءا من الدول الخمسة الأعضاء في الأمم المتحدة، فأنا أشك أيضا أن بوتين سيقوم بالتوقيع على اتفاق بشأن القضية النووية الإيرانية، بدلا من المخاطرة بعمل عسكري إسرائيلي أو أمريكي.

وبعبارة أخرى، فإن الروس و الأميركيين هم بالكاد حلفاء في الشرق الأوسط - لكنهما ليسا أعداء تماما.

لذلك، إذا لم يكن الروس مصدر التهديد الرئيسي لجرّ الولايات المتحدة إلى المنطقة بعد الآن، فمن أو ما هو المصدر؟ في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي كان لدى الكثير من الناس الأذكياء تساؤلات حول النموذج التنظيمي الجديد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الذي من شأنه أن يحل محل الحرب الباردة. وبعد عقد من الزمان جاء الجواب حرفيا ومن فراغ في يوم خريفي جميل ولكنه مميت في سبتمبر 2001.

لقد ولّدت الهجمات على البنتاغون و برجي مركز التجارة العالمي موجة من النشاط، وقد ركز الكثير منها على منطقة الشرق الأوسط. وقد حصل ذلك ليشمل اثنين من أطول الحروب وضمن أكثرها انعداما للفائدة في تاريخ الولايات المتحدة، الحرب العالمية على "الإرهاب"، ومجمع الأمن الداخلي ذو الحجم الصناعي، و النضال المستمر لإيجاد التوازن الصحيح بين أمن أميركا والحقوق والخصوصية والحريات المدنية لمواطنيها.

ولكن في عقد لاحق آخر أصبحت علامات التقشف والانسحاب من الحروب الساخنة التي حلت محل الحرب الباردة واضحة جدا. فقد أصبحنا خارج العراق، و بحلول عام 2014، سوف نتجه نحو مخارج أفغانستان أيضا. أما بالنسبة لما يسمى الحرب على "الإرهاب"، فنحن نزداد ذكاء و أكثر اقتصادا. لقد كانت الولايات المتحدة فعالة جدا في تفكيك عمليات تنظيم القاعدة المركزية و الحفاظ على الوطن في مأمن من هجوم مثير آخر. لقد كنا محظوظين بالطبع، ولكن فعّالين أيضا. فالخطر يبدو الآن أنه مستوحى من مذهب تطرفي كحلقات الذئب الوحيد مثل ما رأينا في فورت هود و في بوسطن. وعلى أي حال، فإن موت الأمريكيين في هجمات "إرهابية" يبقى أمرا غير مستبعدا: ففي العام الماضي، توفي عشرة من الأميركيين فقط في هجمات "إرهابية". وأنت أكثر عرضة للوفاة في حادث سيارة.

وفي الوقت نفسه، فإن الطائرات بدون طيار هي بالكاد إستراتيجية مثالية لمكافحة "الإرهاب" من وجهة النظر القانونية أو الأخلاقية أو السياسية، ولكن جنبا إلى جنب مع استخدام القوات الخاصة الأمريكية، فهي تعكس نهجا أقل بكثير للتعامل مع "الإرهابيين" من غزو الدول ومحاولة إعادة بنائها. وسواء كانت مثالية أم لا، فهذه الأنواع من التكتيكات تعكس نوعا من نهج تجزئة "الإرهاب" الذي من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في سعيها نحوه في المستقبل.

ومن دون شك، فإن تهديد "التطرف الإسلامي" لم يذهب بعيدا. ولكن فكرة أن الإسلاميين و جماعاتهم من السنة أو الشيعة يستعدون لتولي منطقة الشرق الأوسط و يتطلبون بعض إستراتيجيات التدخل الكبير الجديد هو مثال آخر لتضخم التهديد. أسامة بن لادن قد مات. وجماعة الإخوان المسلمين المصرية ما هم إلا انعكاس ذاتي. وحماس محتواة في قطاع غزة الصغير. وقد ضعفت جماعة نصر الله و حزب الله بسبب متاعب الأسد. واحتمال أن فرعا صغيرا لتنظيم القاعدة ذاهب لتولي و حكم أجزاء كبيرة من سورية هو أمر خيالي في أحسن الأحوال.

في الواقع، إن المشكلة بالنسبة لكثير من الأراضي التي زارها الربيع العربي ليست أن آية الله أو الملا الجديد سيقوم بإنشاء خلافة في العصر الحديث، ولكن لأن يستمر هناك حكم ضعيف وغير فعال في المنطقة مع أولئك الرؤساء الغير قادرين على الخروج برؤى وطنية حقيقية لبلدانهم أو قيادتها بطريقة تلبي الاحتياجات السياسية والاقتصادية الأساسية لشعوبهم.

(2) لا أحد يريد من أمريكا لعب دور المصلح.

هناك أمر واضح: من المرجح أننا شهدنا آخر مشاركة من المخططات التحويلية التدخلية الكبيرة لتغيير الشرق الأوسط من الخارج باسم أمن الولايات المتحدة أو أجندة الحرية أو أي شيء آخر. أقول هذا مع العلم أن هناك القليل من الذاكرة التاريخية هنا، فالجيش يعطي الرئيس العنيد جميع أنواع الخيارات، لكن العالم هو مكان لا يمكن التنبؤ به. إن مراقبة رد فعل الجمهور والكونغرس وحتى الخبراء حول احتمالات توجيه ضربة أمريكية محدودة ضد سوريا يبين عدم وجود دعم واضح للتدخل العسكري في حرب أهلية تتعلق ببلد آخر.

إن تحالف مؤيدي التدخل الليبراليين و المحافظين الجدد الذين يتحسرون على افتقار إدارة أوباما الإرادة والرؤية والقيادة وضعف الشخصية المدقع في مواجهة 100،000 من القتلى (نصف كامل منهم من المقاتلين الذين ينتمون إلى جانب واحد أو الآخر) هو ببساطة أمر لا مثيل له لجمهور محبط قد وُعد بعودة معقولة بعد حربين حصدتا على العكس من ذلك أكثر من 6،000 قتيل أميركي، والآلاف الآخرين المصابين بجروح قاتلة، والتريليونات من الدولارات التي أٌنفقت، وفقدان الهيبة والمصداقية الأمريكية، والنتيجة متوجهة أكثر نحو الانسحاب من الفوز.

إن الاعتقاد بأن أي شخص في الولايات المتحدة مستعد لاستثمار موارد إضافية في مصارعة طواحين الهواء في منطقة الشرق الأوسط هو أمر خيالي تماما. لكن من يستطيع أن يلومهم؟ ففي الأسبوع الماضي في ليبيا، المثال الناجح لتدخل الولايات المتحدة في الربيع العربي، قامت الميليشيات بخطف رئيس الوزراء. كما و تقتل السيارات الملغومة العشرات أسبوعيا في العراق. و في أفغانستان يمكن للمرء أن ييأس فقط من حجم الفجوة بين الثمن الذي دفعناه هناك وماذا يمكن أن نتوقع من حيث الأمن والحكم الرشيد في السنوات المقبلة.

(3) ثورة الطاقة في طريقها.

إن الاستقلال في مجال الطاقة ليست قاب قوسين أو أدنى. ولكن هناك ثورة تختمر في أمريكا الشمالية من شأنها مع مرور الوقت تقليل الاعتماد الأمريكي على النفط العربي. يتزايد إنتاج الولايات المتحدة من النفط بشكل حاد للمرة الأولى منذ نحو ربع قرن. كما أن إنتاج الغاز الطبيعي في تزايد أيضا. حتى أن بعض الأفراد يتكهنون بأنه خلال عقد من الزمن ستصبح أمريكا أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. في الواقع، تنتج المملكة العربية السعودية حاليا 10 ملايين برميل يوميا، في حين أن الولايات المتحدة تنتج ستة ملايين. إذا قمت بإضافة مليونين آخرين في سوائل الغاز الطبيعي، يمكنك - دون إجهاد حدود السذاجة – ملاحظة القدرات. ووفقا للمرشد في مجال النفط في مجلس العلاقات الخارجية مايكل ليفي، وحتى تحذيرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي تتنبأ أنه بحلول عام 2020، يمكن أن يصل إنتاج الولايات المتحدة إلى ما يقارب 10 مليون برميل في اليوم.

النقطة ليست أن الولايات المتحدة ستصبح المملكة العربية السعودية الجديدة. فكما يشير ليفي، نحن لسنا في وضع يسمح لنا بالتلاعب وممارسة السياسة مع إنتاجنا النفطي للتأثير على العرض و السعر. ولكن ذلك يهدف أن نصبح أقل اعتمادا على الطاقة من الشرق الأوسط. ففي عام 2011، قمنا باستيراد 45 في المائة من احتياجاتنا من الطاقة، انخفاضا من 60 في المائة قبل ست سنوات، كما أن حصة وارداتنا من مصادر نصف الكرة الغربي آخذة في الازدياد. فما بين النفط الجديد في البرازيل، وإنتاج الرمال النفطية في كندا، و تكنولوجيا الغاز الصخري في المنزل، و بحلول عام 2020، يمكننا خفض اعتمادنا على النفط في نصف الكرة غير الغربي بمقدار النصف. ناهيك عن أن ارتفاع إنتاج النفط الوطني و زيادة التركيز على الكفاءة في استهلاك الوقود والمحافظة عليه، و الاتجاهات الشائعة تعمل على الأقل في الاتجاه الصحيح.

وطالما أن صفقات النفط هي في سوق واحدة فنحن ما زلنا عرضة للاضطرابات، وسيستمر أمن احتياطيات النفط الهائلة في الشرق الأوسط بكونه الفائدة الأمريكية الرئيسية. ولكن استقلالنا وبالتالي حرية تصرفنا كما ترتبط بالسعوديين و المنتجين العرب الآخرين سوف تزداد فقط. ونظرا لحقيقة أن هذا الشهر يصادف الذكرى الأربعين لحظر النفط عام 1973، فهذا أمر جيد للتفكير فيه.

(4) الحلفاء العرب مُقصَون.

إن جزءا من سبب كون الولايات المتحدة تخسر المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط هو أننا على وشك النفاد من الأصدقاء - أو ربما لنكون أكثر تحديدا في هذه النقطة و على حد تعبير وصف فرانكلين ديلانو روزفلت المقتبس من رئيس نيكاراغوا، لدينا تنهداتنا الخاصة. إن أمريكا ترقب منطقة في تحول عميق. فجميع الاستبداديين القدماء الذين خضنا في قتال معهم (صدام، القذافي، الأسد الأب) وأولئك الذين اعتمدنا عليهم (ياسر عرفات، حسني مبارك، بن علي، عبد الله صالح) قد رحلوا. من الصحيح أن الملوك يبقون. ولكن أهمهم - السعوديين – لديهم مشاكل خطيرة مع سياساتنا. فهم لا يستطيعون تقبل حقيقة قيادة رئيس وزراء شيعي في بغداد، نتيجة لممارساتنا، كما أنهم يشمئزون من سياستنا على القبول بإطاحة مبارك، ويستاءون من مصلحتنا في الإصلاح في البحرين، كما أنهم لا يستطيعون تحمل رفضنا مواجهة "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية.

لقد قمنا للتو بتعليق شحنة من المساعدات العسكرية لمصر، وأخرى من أصدقائنا العرب الآخرين، وتمكنّا من تحويل كل جزء من الطيف السياسي المصري من الجيش إلى الإسلاميين إلى الليبراليين إلى مجتمع الأعمال. ولا يزال الأردنيون يرغبون بصداقتنا إلى حد كبير لأن نقاط ضعف الملك عبد الله تتطلب ذلك. والأمر بالمثل بالنسبة لمحمود عباس الذي لا يوجد لديه فرصة للحصول على دولة فلسطينية بدون طريق عملية السلام من خلال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري.

الحقيقة هي أنه للمرة الأولى منذ نصف قرن تفتقر واشنطن إلى شريك عربي هام و حقيقي للتعاون معه في المسائل المتعلقة بالسلم أو الحرب. إن جزءا من سبب ذلك هو بالتأكيد لأن مصداقية الشارع لدينا مضعفة بشكل كبير. ولكن معظم مآزقنا مستمدة من العجز الإقليمي- ضعف القادة العرب و الدول نفسها، والتغيرات المضطربة المنتشرة في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.

قد تذهب حتى إلى أبعد من ذلك لتشير إلى أن القوى الثلاث الأكثر أهمية في المنطقة اليوم هي غير العرب: إيران، تركيا، و "إسرائيل". جميعها دول مستقرة خطيرة وذات اقتصاد وجيوش قوية. إنه أمر سيئ للغاية أنه لا يمكن إقامة شراكة بين هذا الثالوث. فقد يصبح الشرق الأوسط مكانا خطيرا وفعالا.

 

(5) "إسرائيل" أقوى و أكثر استقلالا من أي وقت مضى.

كما أصبحت الأمور أكثر سوءا بالنسبة لأميركا في العالم العربي، فإن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية نمت بشكل أقوى. وقد تحسن وضع "إسرائيل" نفسها أيضا بشكل كبير. في الواقع، لقد خلقت ثلاثة عوامل وضعا جعل من "إسرائيل" أقوى و أكثر أمنا مما كانت عليه في أي وقت مضى - قدرة "إسرائيل" الهائلة و الدعم الثابت من الولايات المتحدة و العجز العربي المذهل.

وتبقى مزاعم إيران النووية تشكل تحديا خطيرا، كما أن المشكلة الفلسطينية التي لم تحل بعد تشكل مخاوف على المدى الطويل أيضا. ولكن فكرة أن الدولة اليهودية هي ضحية قليلة الحظ، وأن الشرق الأوسط هو صيد سهل، هو أمر وهمي لبعض الوقت الآن. في الواقع، إن تلك الفكرة تقلل من أهمية الإسرائيليين وتخلق شعورا بأن ليس لديهم حرية العمل بالمقارنة مع أصدقائهم و أعداءهم – الذين يمتلكون هذه الحرية بالفعل. (إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه قد عارض هذه الصورة في بعض الأحيان: إن استخدامه صور الإبادة الكاملة عند وصف التحدي النووي الإيراني يبدو أنه يلاءم قوة الملا العظمى. وقد رأيت صورة تشرشل الموجودة في مكتب نتنياهو، وأعلم أنه معجب به. ولكن تشرشل، حتى في أحلك الأيام من بدء الغارة لم يقترح أبدا حصول هتلر على القوة لتدمير بريطانيا.)

إن "إسرائيل" هي أمة ديناميكية ومرنة و ذات سيادة و تحتاج الولايات المتحدة لإدراك ذلك، حتى حين يأخذ الإسرائيليين مصالحنا بعين الاعتبار، فإن مسائلهم مهمة أكثر- وخاصة عندما يتعلق الأمر بأمنهم و أسلحة الدمار الشامل. إن المكان الذي تقف فيه في الحياة هو جزئيا نتيجة للمكان الذي تمكث فيه، وكقوة صغيرة مع هامش ضئيل للخطأ، فإن "إسرائيل" سوف تتخذ قراراتها الخاصة حول التهديدات التي تواجهها وستعمل من جانب واحد إذا لزم الأمر للتعامل معها.

لم تكن "إسرائيل" أبدا عميل أميركا. على العكس من ذلك، بل ساعدنا في تمكين وتقوية استقلال عملها. إذا قامت "إسرائيل" بأي عمل عسكري ضد إيران لأن الدبلوماسية لا يمكنها معالجة مخاوفها بشأن القضية النووية، فإن ذلك سيكون مؤشرا آخر على أنه بقدر ما نود قولبة ما يدور في الشرق الأوسط، إلا أننا لا نستطيع ذلك حقا. فنحن لا نعيش هناك، كما أننا غير قادرين أو لا نرغب في أن نملي على أولئك الذين يعيشون هناك بالفعل.

(6) الاتفاقات الدبلوماسية تلوح في الأفق.

إن الخطاب الذي أدلى به أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي لا يبدو وكأنه الرجل الذي يستعد للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط. في النهاية، لقد قال أنه ملتزم باتخاذ قرارات حول كل من القضية النووية الإيرانية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وهي من ضمن أولويات السياسة الخارجية الرئيسية لفترة ولايته الثانية. وعند الأخذ في الاعتبار نفوره من المخاطرة وتناقص مصداقية أميركا والصعوبة الهائلة لهذه القضية، فإنه غير واضح بأي حال من الأحوال أن الإدارة لديها العزيمة والمهارة لتحقيق النجاح.

وحتى لو كان جادا، فالأمر ليس مجرد أن يوصي أوباما بالحلول. إن هاتين المشكلتين هما الأكثر تعقيدا في المنطقة. ناهيك عن حقيقة أن الإسرائيليين والفلسطينيين و الإيرانيين سيكون لديهم القليل ليقولوه عن هذه المسائل. وعلاوة على ذلك، على عكس قضية الأسلحة الكيميائية السورية، فإنه من المستبعد جدا وجود فلاديمير بوتين الذي سيقوم بجعل أي من هذه القضايا أسهل بالنسبة للولايات المتحدة. (وعلى الرغم أنه من المسلم به أن نقوم بحجب الحكم، فلو قلت لي أنه في نهاية أغسطس ستتعاون الولايات المتحدة و روسيا في سوريا وأن مفتشي الأمم المتحدة سيكونون مشغولين في القضاء على مخزون الأسلحة الكيميائية للأسد، لم أكن لأصدق أي كلمة.)

ومع ذلك، يجب على أوباما التغلب على هذه العقبات والتسليم في هاتين المسألتين - و عندما أقول تسليم، أعني اتفاقات محدودة، ليس تلك التي تنهي النزاع - وعندئذ لن يحصل فقط على جائزة نوبل للسلام، لكنه سيكون قد حرر الولايات المتحدة من اثنين من الأعباء الفظيعة وجعل الشرق الأوسط مكانا أكثر ودا بكثير و أكثر أمنا، وتحقّق من صحة الفرضية الأساسية لهذه القضية. بالتأكيد، كنا سنشارك في رصد و المساعدة على تنفيذ اتفاقات جديدة، ولاسيما على حل الدولتين. ولكن، من أجل التوازن و على مر الزمن، قد تقوم الاتفاقات بتحريرنا من التردد و الوقوع في أي شرك أعمق وسط الفوضى التي من المحتمل أن نواجهها في الشرق الأوسط إذا لم تتواجد الحلول لكل من القضيتين.

لم يكن الشرق الأوسط ودودا مع أمريكا. ولا نحن معه. وكلما أسرعنا في التقليل من نظرتنا لهذه الأراضي غير السعيدة، كان ذلك أفضل. ولا شيء قد يجعلني أكثر سعادة.

أعلى