• - الموافق2025/01/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تعفن الدماغ.. طاعون العصر الجديد

لكل عصر طاعونه، التفاهة وغياب العلوم النافعة والمضامين الهادفة هي فيروس ذلك العصر والذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ولم تترك فئة إلا أحاطتها من كل جانب، خاصة الأجيال الناشئة الصاعدة وهو ما يمثل خطرا يتجاوز الفرد إلى مستقبل مجتمعاتنا.


تعد الثورة التكنولوجية من أبرز التحولات التي غيرت حياتنا في العصر الحديث، حيث أصبحت الأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع ذلك، ظهرت العديد من المخاوف حول تأثير هذا الانغماس الرقمي المفرط على عقولنا وصحتنا النفسية. ومن بين هذه الظواهر مصطلح "تعفن الدماغ"، الذي يشير إلى التأثير السلبي للإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي السطحي والمشتت.

ومع مطلع العام الجديد، اختار قاموس أوكسفورد مصطلح "تعفن الدماغ" ليكون مصطلح العام 2024 بعدما حصل هذا المصطلح على 37 ألف صوت من مجتمع الجامعة على مستوى العالم.

ووفقًا لتعريف أوكسفورد، يشير "تعفن الدماغ" إلى التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط لمحتوى الإنترنت.

كما ذكر خبراء اللغة في أوكسفورد أن هذه العبارة أصبحت أكثر تداولاً في إشارة إلى المخاوف بشأن تأثير المحتوى الرقمي "التافه"، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد سجل المصطلح زيادة في استخدامه بنسبة 230 في المئة بين عامي 2023 و2024.

اللافت هو أن أول استخدام مسجل لهذا المصطلح يعود إلى عام 1854 في كتاب "والدن" للكاتب هنري ديفيد ثورو، الذي وصف فيه تأثير الحياة البسيطة على العقل. حيث اعتبر ثورو أن هذا يرمز إلى التراجع الفكري العام، ليظهر المصطلح في العصر الحديث كتحذير من مخاطر الحياة الرقمية واستهلاك المحتوى غير المفيد، بحسب أوكسفورد.

 

وفيما يخص تأثير المحتوى "التافه"، فإن تعرض الأطفال لمحتوى غير مفيد في مرحلة نموهم قد يعوق تطوير دماغهم بشكل سليم. فعادة ما يتعين على الطفل في هذه المرحلة أن يتعرض لتجارب إيجابية،

تتمثل أعراض "تعفن الدماغ" في ضعف في الذاكرة مع زيادة النسيان وصعوبة التركيز، خاصة في الأمور التي تتطلب مجهودا عقليا، بالإضافة إلى التعب الذهني أو الشعور بالإرهاق وانخفاض النشاط البدني بسبب التسمر أمام الشاشة لفترات طويلة.

وثمة من يشبه "تعفن الدماغ" بمرض ألزهايمر، غير أن الفارق بينهما كبير لأن الأول ناجم عن سلوك يمكن تغييره، أما الثاني فيحدث نتيجة حالة عصبية تتسبب في فقدان تدريجي للقدرات المعرفية بسبب مشاكل طبية.

علمياً، يشير الأطباء إلى أن الدماغ يبدأ في تشكيل النواقل العصبية والوصلات منذ لحظة الولادة، حيث يتأثر بالنمو والتعلم والتجارب التي يمر بها الفرد. مع مرور الوقت، يزداد عدد هذه النواقل العصبية بشكل تدريجي. ولكن، إذا لم يتعرض الشخص لتجارب جديدة أو لم يواصل التعلم، تبدأ الأجزاء غير المستخدمة في الدماغ بالتقلص، ما يؤدي إلى تراجع هذه النواقل.

وأوضحت الدراسات أن الأشخاص الذين يقرؤون كثيراً يكونون أقل عرضة للإصابة بأمراض مثل الزهايمر. كما أضافت أن من يتعرض لتجارب متنوعة ويعمل في مجالات تتطلب التفكير والتحليل يكون أقل عرضة لهذه الأمراض. وأكدت أن الدماغ الذي لا يتلقى تحفيزاً مستمراً، من خلال التعلم والتجارب، يتقلص مع مرور الزمن.

وفيما يخص تأثير المحتوى "التافه"، فإن تعرض الأطفال لمحتوى غير مفيد في مرحلة نموهم قد يعوق تطوير دماغهم بشكل سليم. فعادة ما يتعين على الطفل في هذه المرحلة أن يتعرض لتجارب إيجابية، مثل التفاعل مع الأهل أو اللعب مع الأطفال الآخرين، ليتشكل دماغه بشكل طبيعي. وإذا تم تعريضه لمحتوى غير مفيد، فإن هذا يمكن أن يؤثر سلباً على نموه العقلي.

أعراض تعفن الدماغ

1. ضعف التركيز والانتباه

الإفراط في استخدام التكنولوجيا، مثل التمرير المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة، يؤدي إلى تدهور القدرة على التركيز. يصبح الدماغ غير قادر على البقاء منتبهًا لفترات طويلة، مما يؤثر على الأداء الأكاديمي أو المهني للفرد.

2. فقدان الإبداع والتفكير النقدي

عندما يعتمد الفرد على المحتوى الرقمي الجاهز، يتضاءل الإبداع. يعتاد الدماغ على استقبال المعلومات دون تحليلها أو التفكير فيها، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على حل المشكلات أو ابتكار أفكار جديدة.

3. ضعف الذاكرة قصيرة وطويلة المدى

التعرض المستمر للمشتتات يقلل من قدرة الدماغ على تخزين المعلومات ومعالجتها. يجد الأفراد صعوبة في تذكر التفاصيل اليومية أو استرجاع المعلومات المهمة عند الحاجة.

4. الشعور بالإجهاد العقلي

الاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي يرهق الدماغ، مما يؤدي إلى شعور دائم بالإرهاق. يصبح الفرد أقل إنتاجية وأكثر عرضة للتوتر والقلق.

5. العزلة الاجتماعية

يميل الأفراد الذين يعانون من تعفن الدماغ إلى استبدال التفاعل البشري الحقيقي بالتواصل الرقمي. يؤدي ذلك إلى ضعف المهارات الاجتماعية، وصعوبة بناء العلاقات، والشعور بالوحدة.

6. تغير في السلوكيات اليومية

يشمل ذلك الإدمان على الأجهزة الرقمية، حيث يفضل الأفراد قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات بدلًا من ممارسة أنشطة مفيدة، مثل القراءة أو الرياضة أو التفاعل مع الآخرين.

7. انخفاض الاهتمام بالمعرفة العميقة

يفقد الفرد الرغبة في استكشاف الموضوعات المعقدة أو القراءة المطولة. يفضل المحتوى القصير والسريع، مما يقلل من عمق الفهم ويؤثر على تطوير المعرفة.

الآثار السلبية لتعفن الدماغ

1. التدهور العقلي

تعفن الدماغ يؤدي إلى تراجع القدرات العقلية، بما في ذلك التفكير التحليلي والإبداع. يصبح الدماغ أقل قدرة على معالجة المعلومات المعقدة أو التكيف مع التحديات الجديدة.

2. التأثير على الصحة النفسية

الإفراط في استخدام التكنولوجيا يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب. تؤدي المشتتات الرقمية إلى الشعور بعدم الرضا عن الذات، حيث يقارن الفرد نفسه بالآخرين بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي.

3. ضعف الأداء الأكاديمي والمهني

مع تدهور التركيز والذاكرة، يصبح من الصعب على الفرد تحقيق أهدافه الأكاديمية أو المهنية. يؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة الإحباط.

4. التأثير على العلاقات الاجتماعية

تقل جودة العلاقات الاجتماعية بسبب قضاء وقت طويل أمام الشاشات بدلًا من التفاعل الحقيقي. قد يشعر الأفراد بالعزلة أو انعدام الروابط العاطفية مع العائلة والأصدقاء.

5. التأثير الجسدي

تعفن الدماغ لا يقتصر فقط على التأثير العقلي؛ بل يمكن أن يؤدي إلى آثار جسدية، مثل الإجهاد البصري، الصداع، واضطرابات النوم بسبب الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية.

6. فقدان المهارات الحياتية

يؤدي التعود على التكنولوجيا إلى ضعف المهارات الأساسية، مثل التخطيط وإدارة الوقت. يصبح الفرد أقل قدرة على التكيف مع الحياة الواقعية بدون الاعتماد على التكنولوجيا.

كيفية تجنب تعفن الدماغ

1. تنظيم وقت استخدام التكنولوجيا

من المهم تحديد أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الرقمية والابتعاد عنها خلال أوقات الراحة أو التفاعل الاجتماعي.

2. ممارسة الأنشطة التحفيزية للعقل

تشمل هذه الأنشطة القراءة، تعلم مهارات جديدة، حل الألغاز، أو المشاركة في المناقشات الفكرية.

3. تعزيز التواصل الحقيقي

يجب على الأفراد تخصيص وقت للتفاعل مع العائلة والأصدقاء بعيدًا عن الشاشات، مما يعزز الروابط الاجتماعية.

4. اختيار المحتوى المفيد

بدلًا من استهلاك المحتوى السطحي، يمكن للفرد اختيار مقاطع الفيديو التعليمية أو الكتب التي تساعد في تطوير المعرفة والمهارات.

5. ممارسة الرياضة

تساعد الرياضة في تحسين الصحة العقلية والجسدية، كما أنها تقلل من التوتر الناتج عن الإفراط في استخدام التكنولوجيا.

6. تعزيز الوعي الذاتي

يجب على الأفراد مراقبة تأثير التكنولوجيا على حياتهم واتخاذ خطوات لإعادة التوازن إذا لاحظوا أي علامات سلبية.

تعفن الدماغ هو نتيجة طبيعية للإفراط في استخدام التكنولوجيا واستهلاك المحتوى الرقمي السطحي. على الرغم من أنه ليس مرضًا حقيقيًا، إلا أن تأثيراته السلبية على التركيز، والإبداع، والصحة النفسية يمكن أن تكون خطيرة. لتجنب هذه الظاهرة، يجب على الأفراد تبني عادات رقمية صحية والتركيز على الأنشطة التي تعزز التفكير والإبداع والتواصل الاجتماعي الحقيقي. الحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا والحياة الواقعية هو المفتاح لضمان عقل نشط وحياة متوازنة.

أعلى