• - الموافق2024/12/18م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ممر داوود.. والصراع على سوريا

ما هو مشروع "ممر داوود" التي تتحدث عن الأدبيات السياسية الصهيونية والغربية، ومع علاقات المنظمات الكردية في سوريا بهذا المشروع، وكيف ساهمت الأحداث الأخيرة في سوريا في محاولة تنفيذه على الواقع؟ وما هو رد الفعل التركي حيال ذلك؟


مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبدء تساقط المحافظات السورية تباعا، سواءً بالقتال أو بانسحاب أتباع النظام، وبمجرد دخول قوات المعارضة العاصمة السورية دمشق، لم ينتظر الكيان الصهيوني مرور الساعة على الأولى على هذا السقوط، حتى شرع في توجيه ضربات جوية مكثفة استهدفت مقرات الجيش السوري والقواعد العسكرية والنقاط الاستراتيجية، بما في ذلك الأسطول البحري المتمركز في ميناء اللاذقية، ولكن الأخطر هو اندفاع جيش الكيان الصهيوني إلى احتلال المزيد من الأراضي السورية في الجولان، وتجاوز الجولان ليقف على مسافة ٢٠ كيلو متر من دمشق.

وأعلن الجيش الصهيوني بعدها أنه دمر ما يقرب من ٧٠ إلى ٨٠ ٪ من مقدرات الجيش السوري.

ومن ناحية أخرى، انتهز الأكراد فرصة انشغال المعارضة السورية في تحرير محافظات الوسط السوري في حلب وحماة وحمص ودمشق، فتقدموا ليحتلوا مناطق تعيش فيها قبائل عربية في الحسكة والرقة ودير الزور، بل يعبرون نهر الفرات ويسيطروا على مناطق غرب الفرات، ليحتلوا أجزاء من ريف حلب، ووصل تهديدهم إلى حلب نفسها.

وهنا بدأت الشكوك تتزايد، تحاول ربط استراتيجية الأكراد المدعومين بقوات أمريكية، باستراتيجية الصهاينة والتي تقف خلفهم نصائح الولايات المتحدة أيضا.

فهل سيلتحم التمدد الكردي الأرضي بالتمدد الصهيوني ليصنع محورا، تتمكن فيه دولة الكيان الصهيوني إلى نهر الفرات ليحيي ما يُطلق عليه في الأدبيات الصهيونية بممر داوود؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد من تحليل الوجود العسكري الكردي في شمال سوريا، ثم دراسة التصور اليهودي لحدود دولتهم وعلاقة تلك المناطق بها، وفي النهاية انعكاس ذلك التصور على تطور الصراع الدائر الآن في سوريا.

أكراد سوريا

عند حديثنا عن الأكراد لا نقصد الجماهير الكردية، فهم شعب مسلم كان يعيش في ظل الخلافة الإسلامية مثله مثل القوميات الأخرى كالعرب والأتراك والبربر والزنوج وغيرهم، وسطر الأكراد تاريخا ناصعا في الجهاد تحت راية الخلافة، وقدموا العلماء ممن أسهم في مسيرة الفكر الإسلامي، ولكن كلامنا يتعلق بالأحزاب والمنظمات التي تأثرت بالهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي، ليبزغ التعصب القومي كوسيلة لزعزعة الهوية الإسلامية لدى شعوب المنطقة.

فالعلاقات الصهيونية وبين الأكراد، لا نقصد بها العلاقات بين الصهاينة والشعب الكردي، بل بين الكيان وبين المجموعات التي تسلطت على ذلك الشعب.

 

ممر داود هو مخطط صهيوأميركي، بدأ قادة الصهاينة يتحدثون عنه علانية، ويريدون به شريط من الأرض يمتد من الجولان وصولا إلى نهر الفرات. بينما يتحدث البعض عن أنه يشمل قيام دولة درزية جنوب سورية ودولة كردية في شمالها

فالكيان الصهيوني منذ نشأته يحاول دائما تطوير علاقاته بالأقليات العرقية والمذهبية والدينية في الدول العربية، خاصة دول الطوق التي تحيط بفلسطين، ويحاول من خلال تلك العلاقات إثارة البلبلة والقلاقل وزرع الخصومة بين مكوناتها وتخريب تلك المجتمعات لتفتيتها من الداخل.

وقد كان الأكراد هدفا لتلك الاستراتيجية الصهيونية، فأرسل الكيان الصهيوني رجال مخابراته إلى جبال الأكراد في العراق، ونجح هؤلاء العملاء في اختراق بعض الجماعات العلمانية الكردية، ومدها بالمال والسلاح والخبراء ليتعاونوا معا في سبيل تحقيق أهداف مشتركة.

أما في سوريا فقد كان الوضع مختلفا، فقد ظهر أول تجمع للأكراد السوريين عام 2003، عندما تم الإعلان عن تشكيل حزب الاتحاد الديموقراطي في شمال سوريا، والذي يعمل في المناطق التي يعيش فيها الكرد في سورية، ويصفه مركز كارنيجي الأمريكي بأنه أحد أهم أحزاب المعارضة الكردية في سوريا، وتم اعتباره من قبل كثير من المراقبين كفرع سوري من حزب العمال الكردستاني التركي.

وفي عام 2014، وفي أعقاب قيام الثورة السورية، انبثقت عن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ميليشيا خاصة بها، أُطلق عليها وحدات حماية الشعب، حيث استلمت السيطرة على المنطقة الكردية بالتنسيق مع اجهزة الحكومة السورية التي كانت تعاني من هشاشة بسبب الأحداث في الداخل السوري، وتم ذلك بشكل غير معلن. وفي مطلع عام 2015، أحرزت المجموعة انتصارا رئيسيا على تنظيم الدولة الإسلامية في حصار مدينة عين العرب، حيث بدأت المجموعة بتلقي الدعم الجوي والبري من الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف. ومنذ ذلك الحين، حاربت الجماعة في المقام الأول ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وكذلك في بعض المناسبات التي تقاتل فيها جماعات ثورية سورية أخرى.

وفي أواخر عام 2015، تم دمجها مع هيكل جديد مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية ويشار إليها باختصار قَسَدْ، هو تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات، ولكن بقي أن الطابع الكردي هو الذي يغلب عليها، وقد أعلنت قسد بأن مهمتها هي النضال من أجل إنشاء سوريا علمانية، ديمقراطية وفدرالية.

ممر داوود وقسد

ممر داود هو مخطط صهيوأميركي، بدأ قادة الصهاينة يتحدثون عنه علانية، ويريدون به شريط من الأرض يمتد من الجولان وصولا إلى نهر الفرات. بينما يتحدث البعض عن أنه يشمل قيام دولة درزية جنوب سورية ودولة كردية في شمالها، يلتقيان في منطقة التنف، وهي المنطقة الواقعة في مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، والمثير في الأمر أن التنف هي المنطقة التي اختارتها الولايات المتحدة كقاعدة وحيدة لها في الأراضي السورية.

بينما يعده آخرون كاستكمال حلم إسرائيل لمشروع دولتها الكبيرة المزعوم، من النيل إلى الفرات.

وعند سقوط الأسد ونظامه، دعا عوفرا بانجو وهو مفكر صهيوني ويُنظر إليه كأحد أبرز الخبراء في القضية الكردية، دعا حكومة الكيان الصهيوني إلى استغلال هذه الفرصة التاريخية لدعم الأكراد، قائلا: الأكراد يشكلون أقلية مؤيدة للغرب ولإسرائيل، وهم بحاجة إلى المساعدة للحفاظ على حكمهم الذاتي في شمال شرق سوريا.

لقد كان تنظيم قسد يمتلك بسبب الدعم الأمريكي والغربي كل المقومات لإعلان دولة مستقلة، فبعد إسقاط الأسد، بات يسيطر على ثلث سوريا ويهيمن على 80% من حقول النفط السورية ويملك موارد مائية.

وهنا تلاقت المصالح الكردية الصهيونية برعاية أمريكية.

ولكن التفكير لدى قيادات التنظيم أوصلهم، أنهم في حال أعلنوا عن دولة مستقلة فستحاصرهم تركيا، وستغلق العراق حدودها معهم، كم أن النظام الجديد في دمشق لن يقبل بتقسيم أراضيه وسيحاصر التنظيم.

ولذلك فإن قسد خططت، أنه لكي يتم تنفيذ حلمهم في دولة كردية الآن، ينبغي عليهم وسيحتاجون لخط دعم لوجيستي يصلهم بالبحر المتوسط لتأمين الإمدادات لدولتهم.

وهنا سيوفر لهم ممر داوود فرصة الوصول للمتوسط عبر تعاونهم مع الكيان الصهيوني.  

لذلك، بمجرد سقوط الأسد استولى التنظيم فورا على مدن الرقة ودير الزور والبوكمال، ووضع يده على آبار النفط والغاز.

ولم يبق للتنظيم سوى عشرات الكيلومترات قبل ان يصل للتنف، ثم الوصول لدرعا والسويداء، ومن ثم القنيطرة، والتي بدأ الجيش الصهيوني باحتلال تلك المحافظة.

وفي حال إذا كان هذا السيناريو قد تحقق، فإن تنظيم قسد كان سيعلن انفصاله، وفي نفس الوقت فإن جيش الصهاينة كان سيصل إلى شط الفرات للبدء في تنفيذ مخطط ممر داوود.

ولكن تركيا أدركت هذا المخطط الذي طالما حذر منه أردوغان من شهور، فتحركت القوات التركية بمساعدة بعض الفصائل السورية، فهاجمت القوات العسكرية المشتركة المدن التي احتلتها قسد غرب نهر الفرات وأخرجتهم منها تماما، ثم شرعت بعدها في الهجوم على المناطق التي احتلتها قسد شرق الفرات.

وفي ذروة هذه الأحداث، زار قائد المنطقة المركزية الأمريكية (سينتيكوم) دير الزور والتقى قادة الأكراد، في رسالة موجهة للجميع أن الأكراد حلفاء أمريكا وأن الاعتداء عليهم هو اعتداء على الولايات المتحدة نفسها.

وبالرغم من التحذيرات الأمريكية، فقد فشل المخطط الكردي الصهيوني الأمريكي، حيث تبين أن هناك عاملين ساهما في إفشاله:

العامل الأول هو إصرار الأتراك على تجاهل التحذيرات الأمريكية، معتمدين على أن الإدارة الأمريكية الحالية على وشك الرحيل، وستأتي إدارة ترامب التي لا تحبذ بقاء القوات الأمريكية في سوريا. 

أما العامل الثاني والذي أفسد المخطط الكردي الصهيوني، هو انسحاب العشائر العربية من قسد وتسليمهم مدينة دير الزور إلى قوات الإدارة العسكرية التي يقودها أحمد الشرع.

توجهت قسد بعد ذلك إلى الكيان الصهيوني، فقد ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية، أن تنظيم قسد طلب الدعم والحماية من إسرائيل، ولم تذكر الصحيفة تفاصيل أخرى حول كيفية تقديم هذا الطلب أو رد الكيان الصهيوني، بعدها أعرب وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر، عن استيائه جراء عملية الجيش الوطني السوري في منبج، مطالبا بوقف العملية ضد قسد.

بينما نقلت صحف صهيونية، تصريح أحد القادة الأكراد قوله: نحن الوحيدون الذين يمكننا منع التمدد التركي، لكننا بحاجة إلى دعم خارجي. إسرائيل يجب أن تساعدنا، لأن هذه الميليشيات الإسلامية قد تتحول لاحقا إلى تهديد مباشر لها، والهجمات التركية تهدد بإنهاء وجودنا العسكري في شمال شرق سوريا، مشيرا إلى أن ميليشيات مدعومة من تركيا تسعى إلى استغلال الفوضى في سوريا لتوسيع نفوذها.

ويبدو أن الكيان استشعر عدم استطاعته تقديم الدعم الفعلي للأكراد، في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة، فاكتفى بالتنديد اللفظي.

ونقلت صحيفة إسرائيل هيوم عن مصدر سياسي صهيوني قوله، إن الصورة معقدة. لا يمكننا التحرك في سوريا دون موافقة الولايات المتحدة، لكن يوجد احتمال أن نتمكن من شن عمليات محدودة في الجنوب دون أن تثير استياء واشنطن.

وهنا بدأت قيادات قسد تميل إلى أن الأكراد قد تُركوا وحيدين، فخرجت قيادتهم تتحدث عن أن مناطق الأكراد جزء من سوريا، ومن ثم أعلنت تلك القيادات عن ذهاب وفد منها إلى دمشق لمقابلة القيادة السورية الجديدة، وبادرت إلى رفع أعلام الثورة السورية على بعض المنشآت، فيما بدا أنه إعلان عن انتهاء مشروع ممر داوود، أو تم تأجيله إلى حين تغير الظروف الحالية.

أعلى