ترامب وحلف الناتو.. أي مستقبل

مع عودة دونالد ترامب للواجهة من جديد لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن العديد من الملفات الخارجية تشكل ظلالا من أثر ولايته الأولى، وهنا تبرز قضية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو حيث يعيش الأوروبيون حالة من الترقب والقلق من عودة ترامب للبيت الأبيض.


يتسبب الحديث عن احتمالية فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة في حالة من القلق المتزايد لدى السياسيين الأوربيين الذين اعتبروا الفوز الانتخابى المحتمل لترامب بأنه تهديد واضح إلى أوروبا، وذلك بسبب مساعي الجمهوريين الذين يواصلون منع وصول المساعدات العسكرية في الكونغرس إلى أوكرانيا، وخشية برلين التي تُعد أكبر مورد للأسلحة إلى أوكرانيا في أوروبا من انخفاض المساعدة العسكرية لأوكرانيا من الولايات المتحدة، وإجبارها على إنفاق المزيد على دعم كييف.

بالإضافة إلى ذلك، التخوف الشديد من أن يصبح التعاون بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) معرضًا للخطر، كما أـن من بين أبرز تهديدات ترامب في هذا السياق إشارته إلى (الناتو)، بأن الدول التي لن تلتزم بتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي البالغ (2%) من الناتج المحلي الإجمالي لن تحظى بمساعدة الولايات المتحدة، وتنفيذ قراراته السابقة بتصعيد الحرب التجارية عبر الأطلسي، بالإضافة إلى تهديداته المستمرة حول الحرب التجارية والزراعية مع كلا من ألمانيا وفرنسا.

إن التخوف الاوروبي حال وصول ترامب للحكم مرة أخرى مرده انسحابه من حلف (الناتو) حيث أكد مرارا على ذلك قائلا: "انه حلف عفا عليه الزمن، وإن الانسحاب من أوروبا من شأنه أن يوفر ملايين الدولارات سنويًا لأمريكا" أو انهياره  رغم أنه أهم تحالف عسكري في أمريكا على مدار (74) عاما، باعتبار أنه يعزز تأثير الولايات المتحدة من خلال توحيد الدول على جانبي المحيط الأطلسي للدفاع عن بعضها. كما يعني انسحاب أمريكا من الحلف تحطيم صورته في العالم، ويشكل كارثة استراتيجية ليس فقط للحلفاء بل لأمريكا نفسها، إذ تنفق على الدفاع أكثر من شركائها مجتمعين، وبوجودها فقط يصنّف الحلف بأنه الأقوى في التاريخ.

 

وينتقل الخوف أيضًا إلى أوكرانيا  التي ستشعر بالرعب في حال أوقف ترامب مدّها بالسلاح، لأن أي نقصٍ في إمداد كييف بالأسلحة الأميركية يعني تجميداً غير معلنٍ للحرب الروسية على أوكرانيا

لقد كان صعود ترامب للرئاسة عام 2016 بمثابة رجع الصدى للموجة الصاعدة لليمين المتطرف في أوروبا آنذاك، ومع ذلك فإن الشعار الذي اتخذه "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" شكل حجر الزاوية في سياسة التباعد مع القارة العجوز، والتخوف الجديد من عودته مرة أخرى، وقد تكون العلاقات الاقتصادية أكثر تعقيدًا مع ترامب إذا ما حقق فوزًا في الخامس من تشرين الثانين/ نوفمبر المقبل، لا سيما وأن العجز التجاري الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي لا يزال مرتفعا، وأن الأمر سيشتد شراسة مع قدوم ترامب، حيث كان تعهد بزيادة (10%) في الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المستوردة بما في ذلك السلع الأوروبية، وفرض رسوم أعلى على تلك القادمة من الصين بنسبة (60%)، مما يشكل تهديدا مضاعفا للاتحاد الأوروبي برؤية المصنعين الصينيين الذين يوجهون صادراتهم إلى الموانئ الأوروبية، وبجانب المخاطر التجارية والاقتصادية، يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة مزدوجة في ظل الارتباط القوي بالولايات المتحدة فيما يتعلق بإمدادات الغاز، منذ تعليق واردات الطاقة من روسيا ردا على الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى حاجة القارة لصفقات السلاح الأميركي لدعم كييف، أي أن الاتحاد الأوروبي ما زال في تبعية للولايات المتحدة بشأن الأمن والاقتصاد والدعم.

وفى السياق نفسه ، فإن لدى أوروبا مخاوف من أن تتحول الولايات المتحدة في حالة فوز ترامب إلى قلعة أمريكية حصينة يصعب التعامل معها، وفي هذه الحالة ستكون أوروبا وحيدة أكثر من أى وقت مضى، إذا عاد شعار "الولايات المتحدة" مع ترامب"، وعليها أن تستعد لسيناريو ترامب الثاني، الذي يفرض عليها أن تصبح لاعبًا قويًا على المستوى السياسي والعسكري، وأن تكون قادرة على التعامل مع القضايا الأمنية فى جوارها، وتعزز نفسها اقتصاديا للتحضير لتدابير الحماية المحتملة فى إدارة ترامب الثانية، ويتمثل رد الفعل داخل الاتحاد الأوروبي في أغلب الأحيان بوجود قلق بالغ من عودة ترامب الأمر الذي يفرض الاستعداد الفوري لاحتمال فك الارتباط من الجانب الأميركي، والجهوزية لفعل المزيد بمفردها.

وينتقل الخوف أيضًا إلى أوكرانيا  التي ستشعر بالرعب في حال أوقف ترامب مدّها بالسلاح، لأن أي نقصٍ في إمداد كييف بالأسلحة الأميركية يعني تجميداً غير معلنٍ للحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع احتمالات حصول مفاوضاتٍ تناسب روسيا، سواء لناحية إرغام كييف على التخلي عن أجزاء من أراضيها، أو لناحية إغلاق باب عضويتها في حلف شمال الأطلسي مستقبلا، أي أن الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من التزاماتاها الأطلسية سيجعل الاختبارات متسارعة إذا صعد ترامب إلى الحكم، وأول تلك الاختبارات تتعلق قطعا بالحرب الروسية في أوكرانيا.

قد يضع فوز ترامب المحتمل دول أوروبا وعلى رأسها بريطانيا التي وقع رئيس وزرائها السابق، ريشي سوناك، اتفاقية للتعاون الأمني لمدة (10) سنوات مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي في موقف محرج، كونها لا تملك الموارد اللازمة لتقديم مساعدة واسعة النطاق لأوكرانيا، في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة تحمل التزامات التحالف داخل حلف شمال الأطلسي لضمان أمن حلفائها الأوروبيين، وهو الأمر الذي يريده ترامب مما يجبر دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على التفكير بشكل أكبر في تقليل الاعتماد عليها، والتفكير عن بدائل للتعامل مع قضايا القارة وقضايا المنطقة ككل بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية.

 

أعلى