• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لماذا تخاف القارة العجوز من عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض؟

منذ أن بدأ الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب في السعي للحصول على ولاية جديدة في البيت الأبيض، تتابعت التصريحات والمواقف القلقة، والخطابات المتخوفة، من جنبات القارة العجوز.


لقد تولى "ترامب" رئاسة الولايات المتحدة في الفترة من 2016 وحتى 2020، ولاشك أنه اتخذ في تلك الفترة ما يزعج أوروبا إلى الدرجة التي لم يعد خافيًا فيها مقدار قلقهم عودة ترامب مرة أخرى لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات أخرى قادمة.

دولة شركة تأمين المتحدة الأمريكية:

الولايات المتحدة الأمريكية ليست سوى شركة تأمين.. هكذا وصفها ترامب في تصريح واضح وصريح للغاية، وقال: "كما تعلمون، نحن لا نختلف عن شركة التأمين"، (رويترز 17-7).

وهذا يعني لأوروبا -التي تعتمد في جزء كبير من حمايتها على الولايات المتحدة الأمريكية- أن عليها أن تدفع في مقابل هذه الحماية، بغض النظر عن أي توافق سياسي، فأمريكا لديها استعداد أن توفر حماية وأمن لكل من يستطيع أن يدفع مقابل هذه الحماية، ولا توجد خدمات أمنية مجانية لأية دولة حتى ولو كانت من الحلفاء الأوروبيين!

 إذا ما استطردنا وأخذنا أنموذجًا على هذا التوجه الذي يعتقده ويؤمن به ترامب، ومدى تأثيره على أوروبا، سنجد أنه وقبل توليه الرئاسة في الفترة الثانية هدد تايوان بفكرته عن "دولة شركة التامين المتحدة"، وتحدث لوكالة "بلومبرج" الأمريكية، بأنه يعتقد أن "تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع عنها فهي لا تقدّم لنا أيَّ شيءٍ، وفي المقابل استحوذت على نحو 100% من تجارة الرقائق الأمريكية".

ومعلوم أن الولايات المتحدة هي الداعم الدولي ومورد الأسلحة الأكثر أهمية لتايوان، لكن لا توجد اتفاقية دفاع رسمية بينهما على غرار ما أبرمته الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان.

وقد وأحدثت تصريحات ترامب تلك، ارتباكًا ضخمًا في أسواق "أشباه الموصلات" في العالم، التي تعد تايوان إحدى ركائزه الأساسية، حيث اغلق سهم شركة "تي إس إم سي" على انخفاضٍ بنسبة 2.4%، وهي الشركة التايوانية التي تشكّل نسبة 66% من إنتاج الرقائق الأكثر تقدمًا في العالم، وتتولى تصنيع الرقائق لكُبريات شركات التقنية العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا (رويترز 17/7).

 

 هذه النظرة التجارية لقوانين الدفاع والحماية للحلفاء في مواجهة الأعداء المحتملين هي ذاتها التي يسحبها ترامب على العلاقات التجارية، فليس ثمة حلفاء وإنما مصالح اقتصادية ومالية وفقط، ويدخل ضمن ذلك أوروبا بلا شك

ومن بين أبرز تهديدات ترامب في هذا السياق ما ذكره في مقابلة أجراها مع مجلة "تايم" الأمريكية، حيث أكد على أن دول حلف الناتو التي لن تلتزم بتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لن تحظى بمساعدة الولايات المتحدة التي تسهم في ميزانيته بنحو 70 بالمائة.

والحاصل أن أوروبا-وفي هذا الوقت الذي يموج فيه العالم بصراعات عنيفة، وتعلو فيه أسهم روسيا عسكريًا- تجد نفسها مهددة في أمنها، وبأن الحليف الكبير، أمريكا، يمكن ببساطة أن يتخلى عنها وقت أزمتها إذا لم تدفع المقابل، وقد تجد نفسها في ورطة اقتصادية جراء رفع الحماية عن دولة أخرى محورية اقتصاديًا، على نحو التهديد الذي شمل تايوان، ومن ثم فالأزمة هنا مزدوجة: أمنية واقتصادية معًا.

تقويض مفهوم حرية التجارة بفرض الضرائب:

هذه النظرة التجارية لقوانين الدفاع والحماية للحلفاء في مواجهة الأعداء المحتملين هي ذاتها التي يسحبها ترامب على العلاقات التجارية، فليس ثمة حلفاء وإنما مصالح اقتصادية ومالية وفقط، ويدخل ضمن ذلك أوروبا بلا شك، ومن ثم يُنظر لترامب أوروبيًا- على أنه أكبر مهدد للتجارة الدولية، التي هي بلا شك تهديد لأوروبا كلها.

وقد توعد ترامب أوروبا والصين بمزيد من التعريفات الجمركية على منتجاتها في حال وصوله مجددًا إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر 2024، وقال في مقابلة مع وكالة "بلومبرج"، إنه سيفرض تعريفات جديدة على الصين تتراوح بين 60% و100%، وتعريفات بنسبة 10% على الواردات من دول أخرى، في إشارة إلى الدول الأوروبية.

وبرر ترامب موقفه بقائمة طويلة من الشكاوى حول عدم شراء الدول الأوروبية ما يكفي من السلع الأمريكية، خصوصًا السيارات، وفي ذلك ضرر اقتصادي كبير لأمريكا، وقال: "عبارة الاتحاد الأوروبي تبدو جميلة للغاية.. نحن نحب اسكتلندا وألمانيا.. نحن نحب كل هذه الأماكن. ولكن بمجرد تجاوز ذلك يعاملوننا بعنف" (بلومبرج 17/7)، في إشارة إلى الأضرار التجارية التي تتحملها أمريكا في تعاملها مع أوروبا.

وكما كتبت صحيفة "إيكونوميست"، فإن الرئيس الأمريكي السابق الذي شن حربًا تجارية ليس فقط مع الصين، ولكن أيضًا مع الاتحاد الأوروبي، لن ينسى أوروبا هذه المرة أيضًا، وسيعلن الحاجة إلى فرض رسوم بنسبة 10% على الأقل على جميع السلع من الاتحاد الأوروبي، وسيتخذ إجراءات أكثر صرامة مع مرور الوقت.

 

قال ترامب: "كرجل أعمال، تحدثت عن إنهاء الحرب في أوكرانيا. هل فكرتم أصلاً في تخفيف أو رفع العقوبات عن روسيا ضمن الصفقة التي تحدثتم عنها لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟ نعم. ما نفعله بالعقوبات هو أننا نبعد الجميع

وبلغة الأرقام فقد تجاوز العجز التجاري الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي 200 مليار دولار، لذلك فإن وصول ترامب إلى السلطة سيعيد تهديدات الرسوم المضافة إلى الواجهة، وذلك سيجلب للولايات المتحدة مليارات الدولارات من العائدات، والتي ستوفر فرصة لخفض الضرائب على المنتجين المحليين، في تطبيق لمفهوم ترامب العنصري "أمريكا أولًا".

إن ترامب سيضع جميع الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة في مرمى الضرائب الجمركية، وسيؤثر بشكل مباشر على 20 من دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 التي لديها ميزان تجاري إيجابي مع شركاء في الخارج، وهو ما يزد من الأعباء التجارية والاقتصادية على دول الاتحاد الأوروبي، المثقلة بأعباء توفير موارد الطاقة بعد وقف الإمدادات الروسية

لا توجد مشكلة اسمها روسيا:

 في مقابلة أجرتها معه "بلومبرغ بيزنيس ويك" في2/7، تحدث ترامب عن رؤيته لما يمكن أن يعني فوزه للمرة الثانية بالرئاسة للعلاقات الروسية، وقال: "لم يكن لدي أي مشاكل مع روسيا، لقد كنا أنا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وفاق جيد جدًا في علاقتنا. لم نكن مهددين بالحرب قط. لم يكن ليدخل إلى أوكرانيا أبدا. قلت: لا تتورط أبدًا في أوكرانيا".

وقال ترامب: "كرجل أعمال، تحدثت عن إنهاء الحرب في أوكرانيا. هل فكرتم أصلاً في تخفيف أو رفع العقوبات عن روسيا ضمن الصفقة التي تحدثتم عنها لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟ نعم. ما نفعله بالعقوبات هو أننا نبعد الجميع. لذلك أنا لا أحب العقوبات" (بلومبرغ بيزنيس ويك).

وتلك التصريحات جد صادمة للدول الأوروبية التي ترى في روسيا التهديد الأول لها، في حين يرى ترامب أن العدو الأول والأخطر على أمريكا هو الصين بقوتها الاقتصادية الهائلة التي تهدد عرش الاقتصاد الأمريكي، أما روسيا فيمكن التعامل معها بدبلوماسية الاحتواء، حتى في إطار الحرب الأوكرانية، يرى إمكانية الوصول إلى تفاوض وصفقة، وهو مسار متناقض تمامًا مع ما تراه أوروبا والإدارة الديموقراطية الحالية في الولايات المتحدة التي تحاول هزيمة روسيا ومحاصرتها بمزيد من العقوبات الاقتصادية.

 وحاصل القول إن الدول الأوروبية ترى أن عودة ترامب للرئاسة مجددًا في انتخابات نوفمبر المقبل ربما تمثل تضحية بأوكرانيا لإرضاء روسيا، وستجد دول الاتحاد الأوروبي نفسها وحيدة أمام العملاق الروسي مع الانخفاض الحاد في مخزونها العسكري الاستراتيجي، وهو تهديد وجودي خطير.

اثنان ترامب في البيت الأبيض:

لعل صدمة أوروبا الكبرى أن نائب ترامب الذي سيخوض معه الانتخابات المقبلة عن الحزب الجمهوري، هو نسخة تكاد تكون كربونية من ترامب وتوجهاته التي تقض مضاجع أوروبا، فالسيناتور الجمهوري "جاي دي فانس"، صرح قائلًا، بأن فوز دونالد ترامب بالانتخابات المقبلة سيوقف الهدايا المجانية المقدمة لحلفاء أمريكا.

وقال فانس خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري "إن الولايات المتحدة، في حال فوز دونالد ترامب بالانتخابات، لن تقاتل وتدافع عن حلفائها الذين لا يفون بالتزاماتهم المالية في قطاع الأمن، وسنتأكد من أن حلفاءنا يشاركوننا مسؤولياتنا الأمنية، وعدم تقديم المزيد من الهدايا المجانية لأولئك الذين خانوا سخاء دافعي الضرائب الأمريكيين" (وكالة سبوتنيك18/7).

فالإدارة التي سيأتي بها الجمهوري دونالد ترامب توافقه في أعلى هرمها، ممثلًا في نائب الرئيس، في توجهاته التي ترى أن أمريكا ليست سوى "شركة تأمين"، تقدم خدماتها لمن يدفع، وأنها بصدد الدفاع عن معتقدها العنصري "أمريكا أولًا"، وإن اقتضى ذلك التضحية بالحلفاء الأوربيين ومد يد السلام مع روسيا.

أعلى