جلب الفرنسيون أمراضًا جديدة إلى السكان الأصليين "الكاناك" بهدف الإبادة الجماعية فتم نشر أمراض مثل الجدري والحصبة عمدًا بين السكان الأصليين والتي تسببت في نقص عدد "الكاناك" من 60,000 في عام 1878 إلى 27,100 في عام 1921.
كاليدونيا الجديدة هي إحدى خمس مناطق جزرية تسيطر عليها فرنسا بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي تعد الآن محور خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ بلاده في المحيط الهادئ.
تقع كاليدونيا الجديدة في المياه الدافئة، جنوب غرب المحيط الهادئ، على بعد 930 ميلا (1500 كيلومتر) شرق أستراليا.
كاليدونيا الجديدة، مستعمرة فرنسية منذ سنة 1853 وعاصمتها نوميا، تبلغ مساحتها 19 ألف كيلو متر مربّع. عدد سكانها يبلغ اليوم 250 ألف نسمة تقريبا، من بينهم الآلاف من أحفاد الجزائريين والمغاربة الذين يشكلون جزءا من المجتمع المسلم في كاليدونيا الجديدة.
كان أول قدوم للمسلمين في الجزيرة، العرب الذين قدموا من الجزائر والمملكة المغربية حيث نقلتهم السلطات الفرنسية أيام احتلالها للمغرب العربي في 1872، ثم وصلت كاليدونيا جماعات مسلمة من إندونيسيا. ويوجد في كاليدونيا الجديدة هيئة إسلامية واحدة هي جمعية المسلمين في عام 1975.
ويعد 41 بالمائة من سكان الإقليم من الكاناك الذين يعدون الشعب الأصلي، بالإضافة إلى 24 بالمائة من أصل أوروبي، معظمهم فرنسيون، بحسب رويترز.
وتم تسمية الأرخبيل من قبل المستكشف البريطاني، جيمس كوك، في عام 1774. وإبان مرحلة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، أصبحت كاليدونيا الجديدة رسميًا إقليمًا فرنسيًا وراء البحار عام 1946.
وفي سنة 1953 مُنح جميع مواطني كاليدونيا الجديدة ـ على اختلاف أعراقهم ـ المواطنة الفرنسية.
تم استعباد سكان الكاناك الأصليين وتسخيرهم لدعم الاقتصاد الفرنسي خاصة في أعمال التعدين، وقامت فرنسا بتجميع السكان الأصليين في محميات خاصة، مما أثار رد فعل عنيفًا في عام 1878، عندما تمكن الزعيم "أتاي" للسكان الأصليين من توحيد العديد من القبائل المركزية وشن حرب عصابات أسفرت عن مقتل 200 فرنسي و1000 من الكاناك.
جلب الفرنسيون أمراضًا جديدة إلى السكان الأصليين "الكاناك" بهدف الإبادة الجماعية تماما مثلما حدث في الأمريكتين حيث تم نشر أمراض مثل الجدري والحصبة عمدًا بين السكان الأصليين والتي تسببت في وفاة العديد منهم. فانخفض عدد سكان الكاناك من حوالي 60,000 في عام 1878 إلى 27,100 في عام 1921، ولم ترتفع أعدادهم مرة أخرى حتى ثلاثينيات القرن العشرين.
الحالة السياسية في كاليدونيا:
يتولى حكم البلاد مجلس إقليمي مكوّن من 54 عضواً، وكيان تشريعي يتألف من أعضاء ثلاثة مجالس إقليمية. ويمثل الدولة الفرنسية في الإقليم مفوض سامٍ، كما يمثل كاليدونيا الجديدة في البرلمان الفرنسي اثنان من النواب واثنان من الشيوخ. وقد بلغت نسبة إقبال ناخبي كاليدونيا الجديدة على التصويت في انتخابات 2012 الرئاسية الفرنسية 61.19%.
هيمن على الساحة السياسية في كاليدونيا الجديدة لربع قرن حزب «التجمع من أجل كاليدونيا في الجمهورية» وهو حزب مناهض للاستقلال عن فرنسا كما يظهر من اسمه. وقد انتهت هذه الهيمنة بظهور حزب جديد هو حزب «المستقبل معاً» وهو أيضاً مناهض للاستقلال، ولكنه ينتهج سياسات أكثر انفتاحاً على الحوار مع حركة الكاناك، التي تمثلها «جبهة التحرير الوطنية الكاناكية والاشتراكية» وهو تكتل يضم عدة مجموعات مؤيدة للاستقلال.
منذ سنة 1986، أدرجت لجنة الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار كاليدونيا الجديدة في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتيًا. وقد عُقد استفتاء بشأن الاستقلال في العام التالي، إلا أن الغالبية العظمى ممن شاركوا في الاستفتاء صوتوا ضد الاستقلال، وذلك بسبب تلاعب فرنسا فيمن لهم الحق بالمشاركة في التصويت حيث تم استبعاد الكثير من السكان الأصليين من المشاركة.
رغم هذا فثورات وانتفاضات الكاناكيين دفعت السلطات الفرنسية لمحاولة احتوائها فسعت إلى عقد اللجان وإجراء المناقشات التي أسفرت إلى اتخاذ رموز خاصة بكاليدونيا فتم اختيار نشيد وطني، وشعار وتصميم جديداً لأوراق النقد. وفي يوليو 2010، اتخذت كاليدونيا الجديدة العلم الكاناكي إلى جانب العلم الفرنسي ثلاثي الألوان ـ علماً رسمياً مزدوجاً للإقليم. وقد جعل ذلك كاليدونيا الجديدة واحدة من الأقاليم القليلة في العالم التي تعتمد علمين وطنيين بشكل رسمي. وقد كان قرار اتخاذ علمين للإقليم محل خلاف دائم بين الجانبين، وأدى إلى سقوط الائتلاف الحكومي في فبراير 2011.
سبب اندلاع الاشتباكات الأخيرة
بدأت الاشتباكات الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن، الاثنين الثالث عشر من مايو 2024، على هامش مسيرة داعية للاستقلال احتجاجا على التعديل الدستوري الذي تدرسه الجمعية الوطنية في باريس، الذي يهدف إلى توسيع القاعدة الانتخابية بانتخابات الأقاليم.
ويؤيد معسكر غير المؤيدين للاستقلال الإصلاح، فيما يرى معسكر الانفصاليين أن باريس تسعى من خلال ذلك إلى "مواصلة التقليل من شأن شعب الكاناك الأصلي"، الذي كان يمثل 41.2 بالمئة من سكان الجزيرة في تعداد العام 2019، مقابل 40.3 بالمئة قبل 10 أعوام، بحسب فرانس برس.
ووفقا للمادة 77 من الدستور الفرنسي، تقتصر القاعدة الانتخابية على الناخبين المشتركين في قوائم استفتاء تقرير المصير لعام 1998 وأحفادهم، ما يستبعد الكثير من السكان الأصليين. وبموجب ذلك يُحرم نحو 20 بالمائة من الناخبين من حق التصويت في الانتخابات الإقليمية.
وفي محاولة لاحتواء الاحتجاجات قال ماكرون إنه سيؤجل إقراره ليصبح قانونا، وسيدعو ممثلين عن سكان المنطقة إلى باريس لإجراء محادثات للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. ومع ذلك، قال إنه يجب التوصل إلى اتفاق جديد بحلول شهر يونيو، وإلا فإنه سيوقعه ليصبح قانونا.
لكن في الوقت نفسه فرضت السلطات الفرنسية حظر تجول في العاصمة نوميا، وعبّأت قوات الأمن وأغلقت مطارها الدولي بعد الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف.
وطالبت حكومة كاليدونيا بالهدوء، ونددت بتدمير الممتلكات. وقالت السلطات الفرنسية في بيان الثلاثاء إن «كل أسباب السخط والإحباط والغضب لا يمكن أن تبرر تقويض أو تدمير ما تمكنت البلاد من بنائه على مدى عقود».
وأظهر مقطع فيديو الشرطة وهي تقوم بدوريات في الشوارع وسط سيارات محترقة وتصاعد لأعمدة الدخان، بعد أن أقام محتجون حواجز على طرق رئيسية، الاثنين الماضي.
ويوجد حوالي 25 في المائة من احتياطيات النيكل في العالم في أراضي ما وراء البحار الفرنسية. يشار أن النيكل بدت أهميته المتزايدة في الآونة الأخيرة لإنتاج البطاريات والهواتف المحمولة والشاشات المسطحة. وتجعل كاليدلونيا فرنسا خامس أكبر مصدر للنيكل في العالم، وتخشى فرنسا من خسارة تلك الثروات الهائلة في حال سمحت باستقلال الجزيرة وعودتها إلى سكانها الأصليين.