هل تغير انتفاضات طلاب الجامعات في الولايات المتحدة بوصلة السياسة الأمريكية؟ خاصة أن جاءت في توقيت حرج لإدارة بايدن فالانتخابات الأمريكية باتت على مرمى حجر، والتعامل بعنف مفرط سيفقد بايدن شريحة مهمة من المجتمع، وتركها يجعل منها حركة ضغط مباشر على سياساته ت
ليست جديدة موجة الاحتجاجات التي تجتاح الجامعات الأمريكية منذ أيام، تنديدًا
بالحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والدعم العسكري والسياسي الأمريكي المستمر
لهذه الحرب.
وبنظرة إلى تاريخ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية خلال فترات ماضية،
يتضح أنه كان لها أثر عميق في إحداث تحولات مهمة في السياسة الأمريكية في عدة محطات
تاريخية، أبرزها حرب فيتنام، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وحقوق الأمريكيين
السود. وغالبًا ما أحدثت الاحتجاجات الطلابية في جامعات أمريكا، منذ ستينيات القرن
الماضي، تغييرا بارزا تجاه القضايا التي اندلعت من أجلها.
الشرارة الأولى
"شرارة" غضب انتقلت من جامعة إلى أخرى في الولايات المتحدة، حينما ألقت الشرطة
القبض على 108 متظاهرين لأجل غزة في جامعة كولومبيا.
ويبدو أن القرار الذي اتخذته رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، باستدعاء قسم شرطة
نيويورك لإبعاد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين من الحرم الجامعي، أثار موجة
تظاهرات حادة اندلعت في جامعات نيويورك، وفقًا لطلاب وأعضاء هيئة التدريس في
المدينة، ثم انتقلت إلى العديد من الجامعات الأخرى خلال الأيام الأخيرة.
وتحدث مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي، من قلب الجامعة إلى الطلاب اليهود
وطالب بوقف ما اعتبره تهديدًا لهم ومواجهة ما وصفه بانتشار "معاداة السامية" في حرم
الجامعات.
|
في
غضون أيام قليلة امتدت المظاهرات الطلابية لتشمل الأراضي الأمريكية طولًا
وعرضًا، فانتقلت عدواها إلى أكثر من 24 جامعة أمريكية، شملت مؤسسات رائدة
منها هارفارد وييل وبوسطن ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا في الشمال الشرقي |
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر أن رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق اعترفت في
اجتماع مجلس حكماء الجامعة بأن استدعاءها الشرطة للتعامل مع الطلاب الداعمين
لفلسطين أدى إلى تفاقم المشكلة، موازاة مع تواصل المواجهات بين الشرطة والطلبة في
عدد من الجامعات الأميركية على خلفية دعم غزة.
وقالت المصادر إن رئيسة جامعة كولومبيا اجتمعت بمجلس حكماء الجامعة لتبرير قرار
استدعاء الشرطة الطلاب.
مطالب الطلاب
يطالب المتظاهرون من طلاب الجامعات الأمريكية بوقف دائم لإطلاق النار بغزة، وإنهاء
المساعدات العسكرية الأمريكية لـ"إسرائيل"، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد
الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، ووقف أي إجراءات تأديبية بحق الطلاب
المؤيدين لفلسطين.
اتساع رقعة الاحتجاجات
في غضون أيام قليلة امتدت المظاهرات الطلابية لتشمل الأراضي الأمريكية طولًا
وعرضًا، فانتقلت عدواها إلى أكثر من 24 جامعة أمريكية، شملت مؤسسات رائدة منها
هارفارد وييل وبوسطن ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا في الشمال الشرقي،
مرورًا بجامعات برينستن وبراون وكلومبيا ونيويورك وجورج واشنطن على الساحل الشرقي.
وفي وقت لاحق، امتدت تلك المظاهرات لتطال 3 جامعات في كل من دالاس وسانت أنتونيو
وأوستين بولاية تكساس الجنوبية حتى بلغت جامعات ولاية نيو مكسيكو وستانفورد في
ولاية كاليفورنيا قي الغرب، ولم تنج جامعات مينيسوتا وأوهايو في الوسط من عدوى
الاحتجاجات.
ونصب المحتجون الطلبة خيامًا في حرم عدد من الجامعات ونظموا نشاطات تضامنية مع
فلسطين وقطاع غزة بعيدًا عن أي تهديد بالعنف أو تعطيل للدراسة حسبما أوردت وسائل
إعلام أمريكية.
اعتقالات بالجملة
أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن تدخلات الشرطة في عدد من الجامعات لفض الاحتجاجات
الداعمة للفلسطينيين، أسفرت حتى الآن عن اعتقال ما يزيد عن 500 شخص.
ففي كاليفورنيا، اعتقلت شرطة لوس أنجلوس 93 من مناهضي الحرب على غزة اعتصموا في
حديقة الحرم الجامعي لجامعة جنوب الولاية، وقد قررت الجامعة إغلاق أبوابها بسبب
الاحتجاجات المستمرة.
ولاحقًا، قال أمن جامعة كاليفورنيا إنه سيسمح للطلاب بالبقاء في منطقة الاعتصام حتى
إشعار آخر مع تراجع التوترات في حرم الجامعة، وكانت قوات كبيرة من شرطة لوس أنجلوس
دخلت الجامعة بطلب من إدارتها لفض اعتصام الطلاب المطالبين بوقف الحرب على غزة وقطع
التعاون بين جامعات بلادهم وإسرائيل.
وأعلنت المتحدثة باسم الشرطة نشر أعداد إضافية من القوات في جامعة تكساس بأوامر
مباشرة من حاكم الولاية "غريغ أبوت"، وكانت الشرطة اعتقلت 34 شخصًا في حرم الجامعة
بمدينة أوستن، بينما تصدت قوات مكافحة الشغب للمتظاهرين الغاضبين، واستخدمت
الهراوات لتفريقهم في بعض الحالات.
وفي تغريدة عبر منصة "إكس"، قال أبوت إن الاعتقالات ستستمر حتى يتفرق الحشد، مضيفًا
أنه لن يتم التسامح مع "معاداة السامية" وسيتم طرد الطلاب الذين ينضمون للاحتجاجات
"المليئة بالكراهية".
كما قالت شرطة جامعة إنديانا بالولاية الواقعة في الغرب الأوسط الأمريكي إنها
اعتقلت 33 شخصًا في حرم الجامعة بعد رفض المحتجين إزالة هياكل التخييم، بينما أعلنت
شرطة بوسطن في ولاية ماساتشوستس إصابة 4 ضباط أثناء قيامهم باعتقال 108 طلاب أقاموا
مخيمًا مؤيدًا لفلسطين في كلية إيمرسون.
كذلك اعتقلت الشرطة متظاهرين رفضوا أوامر فض التجمع وحظر التخييم في جامعة أوهايو،
كما اعتُقل أكاديميان في جامعة إيموري بولاية جورجيا، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
|
نفى
طلاب يهود في جامعة كولومبيا الأمريكية صحة ادعاءات رئيس مجلس النواب مايك
جونسون بأن المظاهرات الداعمة لفلسطين تعتبر تهديدًا معاديًا للسامية. أكد
طلاب يهود أمريكيون أن جونسون "لم يقل الحقائق" خلال زيارته للجامعة |
اعتصامات رغم الاعتقالات
في غضون ذلك، يواصل طلاب من جامعة هارفارد بولاية ماساتشوستس اعتصامهم المفتوح داخل
الحرم الجامعي احتجاجًا على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وطالب الطلاب المعتصمون داخل الجامعة بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذه الحرب،
ونددوا بما وصفوها بحرب الإبادة ضد أهالي غزة، وقد أغلقت إدارة الجامعة الحرم
الجامعي ورفضت دخول وسائل الإعلام إلى ساحة الاعتصام.
وفي جامعة نورث إيسترن بمدينة بوسطن، بدأ الطلاب اعتصامًا مفتوحًا احتجاجًا على
استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وشهد الاعتصام حضورًا أمنيًا مكثفًا داخل الحرم
الجامعي، لكن الطلاب رفضوا فض الاعتصام وأعلنوا مواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق
مطالبهم ووقف التعاون بين الجامعة وإسرائيل.
كما يواصل طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك اعتصامهم داخل الحرم الجامعي، وذلك بعد
أسبوع من فض شرطة نيويورك بطلب من إدارة الجامعة الاعتصام، وهو ما أطلق حركة
اعتصامات طلابية عبر عدة جامعات أمريكية.
طلاب يهود في قلب الحدث
نفى طلاب يهود في جامعة كولومبيا الأمريكية صحة ادعاءات رئيس مجلس النواب مايك
جونسون بأن المظاهرات الداعمة لفلسطين تعتبر تهديدًا معاديًا للسامية. أكد طلاب
يهود أمريكيون أن جونسون "لم يقل الحقائق" خلال زيارته للجامعة.
وأوضح الطالب اليهودي سام أنه يدعم المظاهرات في حديقة الحرم الجامعي للمطالبة بقطع
إدارة الجامعة علاقاتها التجارية مع الشركات التي تدعم إسرائيل، وأعرب عن فخره
بالمشاركة في المظاهرات.
وفي رده على سؤال بشأن وجود تهديد على اليهود بالجامعة، قال سام "بالتأكيد، لا
يوجد"، مبينًا أنه تلقى دعمًا في منطقة الاحتجاج "أكثر من أي جزء آخر من الجامعة".
وأضاف "أعتقد أن الطلاب الذين يزعمون أنهم يواجهون الكثير من معاداة السامية في
الحرم الجامعي يخلطون بين معاداة إسرائيل ومعاداة السامية".
وأكد الطالب اليهودي "إيلون" هو الآخر أنه لم يواجه أي سلوك معاد للسامية في حرم
الجامعة أو موقع الاحتجاج.
عدوى الاحتجاجات تغزو أوروبا
وكالعادة في أي أحداث إقليمية أو عالمية يشهدها العالم، سرعان ما تُلهم احتجاجات
الجامعات الأمريكية الطلاب في الجامعات الغربية الأخرى، كما حدث في أواخر ستينيات
القرن الماضي، ومن هذا المنطلق فخلال اليومين الماضيين بدأ الطلاب يحتجون في عدة
جامعات بفرنسا وأستراليا وكندا ودول أخرى، ومن المتوقع أن تتسع رقعة هذه الاحتجاجات
لتصل لجامعات دول معظم قارة أوروبا التي يتفق معظم طلاب جامعاتها في رؤيتهم للقضية
الفلسطينية وموقفهم من الحرب المستمرة على قطاع غزة.
بايدن في مأزق حقيقي
في هذه الأثناء هدد رئيس مجلس النواب مايك جونسون خلال زيارة إلى جامعة كولومبيا،
بأنه سيطلب من الرئيس جو بايدن تعبئة الحرس الوطني في الجامعات التي تعاني من
"فيروس معاداة السامية" على حد تعبيره.
وتحرك تصريحات جونسون ذكريات أليمة تعود إلى العام 1970، حين قُتل طلاب عزل برصاص
عناصر من الحرس الوطني خلال احتجاجات ضد حرب فيتنام.
غير أن البيت الأبيض امتنع حتى الآن عن التطرق إلى هذا السيناريو، إذ أكدت المتحدثة
باسمه "كارين جان بيار" أن بايدن الذي يسعى للفوز بولاية جديدة في الانتخابات
الرئاسية المقبلة في نوفمبر القادم، "يؤيد حرية التعبير والنقاش وعدم التمييز" في
الجامعات الأمريكية.