التفوق الشيعي
يبدو من الوهلة الأولى من المقارنة بين
الواقع الشيعي والسُّني - فيما أحسب - أن جانب الشيعة أكثر تفوقًا على الجانب
السُّني من نواحٍ عدة:
- فالشيعة يمتلكون دولة عصرية تقوم على
المذهب وتناصره، وتدعم أتباعه في إيران وخارج إيران، وتبشِّر بمذهبهم في الأوساط
الإسلامية الأخرى وعلى الصعيد العالمي.
في حين أن غالبية الدول السُّنية لا تقيم
وزنًا للمذهب الذي تنتمي إليه بالقدر الذي تقيمه إيران لمذهبها!
- كما أن الواقع الديني للشيعة يشهد حضورًا
إعلاميًّا واسعًا، ونشاطًا دءوبًا في الأوساط الشيعية، من خلال عدة مؤسسات وهيئات
ومراكز متنوعة الأعمال والمهام والمناشط والتخصصات.
في حين يشهد الواقع الديني للسُّنة تقلُّصًا
ملموسًا من خلال عمليات التضييق الممنهجة التي تتبعها بعض الدول في سبيل محاصرة
تأثير التدين في واقع حياة الناس بشكل صحيح، وكثيرًا ما تأخذ عمليات التضييق هذه
طابعًا قانونيًّا ونظاميًّا.
- وفي الوقت الذي أصبح فيه مراجع الشيعة
محطَّ نظرها التجمعات الشيعية ومصدر إلهام لسياسييهم؛ يقبع كثير من علماء السُّنة
في زوايا محدودة بعيدًا عن التأثير الشعبي والقيادة الجماهيرية؛ نتيجة ضيق ذات
اليد والخناق الأمني الملتف حول بعضهم والصوارف الشهوانية التي تصرف عليها الأنظمة
والنخب العَلْمانية مواردها المالية والبشرية للصد عنهم والمبررات التي يصطنعونها
لأنفسهم!
- وتفُوق القنوات الفضائية المنتسبة للتشيع
والداعية إليه عدد القنوات السُّنية التي تبث من البلدان العربية بشكل مستقل.
- وفي حين تتبنى إيران شعارات مناهضة للعدو
الصهيوني و الولايات المتحدة - وإن كان ذلك في العلن - وتُقدِّم نفسها بوصفها
دولةً مناصرةً للمستضعفين والشعوب المقاومة والقضية الفلسطينية؛ تظهر بعض الدول
السُّنية أقلَّ فاعلية وقوة؛ لمحاولات استئصال روح الجهاد والمقاومة في الأمة من
خلال اتفاقيات أمنية مع العدو وتعاوُن مشترك وتنسيق عسكري ولوجستي معلن غالبًا،
والقليل منهم من يمارس هذا الدور في الخفاء.
وأقل منهم العاجز الذي يمثل دور (الشيطان
الأخرس).
وفي الوقت الذي تظهر فيه إيران بوصفها دولةً
ديمقراطيةً تُفسح المجال أمام مواطنيها للتعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم - ولو
بشكل جزئي وفي حدودٍ شكلية - تبدو بعض الدول العربية دولاً ديكتاتورية وشمولية!
ليس هذا فحسب، بل إن نظام طهران الذي
تَشكَّل عام 1979م عقب ثورة الخميني الشعبية استطاع الوصول إلى مستوى من التقدم
المعرفي والصناعي يفوق تلك الدول السُّنية التي توقفت عجلة التقدم فيها على منجزات
جامدة: كالسد العالي في مصر، وقيام الجمهورية الموحدة في اليمن، وثورة الفاتح في
ليبيا، وإمساك حزب البعث بالسلطة في سوريا والذي غابت نخوته العربية في نجدة شعب
العراق من الاحتلال الأجنبي.. لخ.
أما إيران فقد استطاعت الولوج إلى عصر
الأقمار الصناعية وهي تتأهل لتكون من الدول النووية في المنطقة.
إن مثل هذه المشاهد - وإن كانت غير ذات عمق وشمول
- توجِد في غالبية الشيعة روحًا من التفوق والاستعلاء، وتُحدث في عوام السُّنة
حالة من الانبهار والتأثر، وهو أمر ملموس في كثير من البلدان العربية والإسلامية
السُّنية.
وإذا كان هناك فئات شيعية تهتدي إلى السُّنة
نتيجة للاهتداء والقناعة الإيمانية، فإن فئات مماثلة اليوم تتوجه نحو التشيع
تأثرًا بهذا التفوق التقني والصورة المتميزة التي ترتسم أثناء مقارنة عاجلة كهذه؛
فوجود النموذج (الناجح) أبلغ تأثيرًا في نفوس كثير ممن لا يقيمون لموازين الحق
والصواب اعتبارًا يُذكَر من القيم التي تصبح شعارات (جوفاء) لا حقيقة لها على أرض
الواقع!
لذلك اتفق العقلاء على أن الدولة الكافرة
تدوم بالعدل، وأن الدولة المسلمة تزول بالظلم؛ لأن العدل يحقق رضا الرعية
والمحكومين، وهو ما يُعين على الاستقرار، في حين يعمل الظلم على زرع الضغائن وبعث
الأحقاد ومن ثمَّ الفرقة والنزاع والتناحر!
بعد هذا كله ألا يحق لنا أن نخاطب المؤثرين
بواقع الكيان السُّني بضرورة مراجعة مواقفهم؟ أليس من حقنا - أهل السنة - أن نطالب
حُكَّامنا بأن يكونوا قدوة لولاة الأمر المسلمين الذين يتمسكون بالدِّين وعنه
يصدرون، وأن يحكموا بالعدل ويطبقوا الشريعة ويوالوا أهل الإسلام ويسعوا لعزتهم
عوضًا عن إضعافهم وإذلالهم، وأن يعملوا كل ما من شأنه أن يقدم بلدانهم ويقوي
مجتمعاتهم (عقائديًّا وأخلاقيًّا وعلميًّا ومعرفيًّا وتجاريًّا وصناعيًّا
وعسكريًّا) ليتمكنوا - على الصعيد الخارجي - من فرض إرادتهم وتعزيز مكانة دولهم
بدلاً من العمل على مصالحهم الشخصية؟!
أليس من واجب كثير من الأنظمة الحاكمة أن
تراجع هذه الثقافة والهيكلية السياسية التي أوجدت لنا فراعنة ونماردة وإستاليين
ونُخَب هامانية وقارونية؟
ألم يعد من الممكن لهذه الأنظمة أن تكسب ثقة
شعوبها لا بشراء الذمم وتخدير العقول، ولكن من خلال أعمال ملموسة تؤكد أنها لا
تعمل لمصالحها الخاصة ومكاسبها الذاتية؟
ألم يأن للجماعات الإسلامية الصادقة اليوم
عوضًا عن هذا التنازع والشقاق والذهاب إلى مشروعات واتجاهات مكلفة من ناحية ومضيعة
للجهود والوقت من ناحية أخرى؛ أن تراجع دورها ومدى تأثيره الحقيقي في إعادة الأمة
إلى دينها بمعناه الشامل والصادق والصائب بعيدًا عن الخرافة والبدع والغلو، وفي
تميزها بأخلاق الإسلام السامية من صدق وعدل وحكمة وحلم وإخاء ورحمة وانضباط
وإتقان، وفي تشكيل وعيها بشكل سليم حول مجمل قضاياها بعيدًا عن الرؤى الوطنية
والقطرية والعرقية، والمذهبية والحزبية، وعلى مستوى التحديات التي تواجهها كأمة،
وفي تأهيلها للقيام بمسئوليات النهضة والإعمار والبناء الحضاري الذي يغنيها في
معيشتها عن الاحتياج إلى من سواها من الأمم، وفي إعادة اللحمة إليها على أصول
وقواعد الدِّين البينة والواضحة؛ بحيث تتمثل الأخوة جسدًا واحدًا في الهموم
والآمال والآلام والشعور؟
وأين علماء الشريعة من موقع الصدارة الذي
عليه أُخذ منهم الميثاق؛ ليكونوا فيما بعد ورثة الأنبياء الذين هم قادة الأمم؛
يسوسونهم وَفْق هدى الله وشرعه، وليبذلوا جهودهم في الإصلاح والتصحيح ومواجهة
الانحرافات؛ ابتداءً من محدثات أهل البدع وجور أهل السلطان وامتدادًا إلى فساد
المترفين ومنكرات العامة؟ لماذا يزداد دور العلماء تراجعًا كلما ازداد واقع الناس
قتامة مع حاجتهم إليهم؟ فإن كانوا أول من سيوجد الأعذار ويخلق المبررات، فغيرهم
ممن يَقِلُّ علمهم وتضعف عزائمهم وتشوب نواياهم سيكون منسحبًا من باب أَوْلى؟
وهكذا بإمكاني القول: إن ( تفوق) الشيعة ليس لما يملكون من الحق، ولكنه نتيجة لما
نحن فيه من الوهن.
وقديمًا قيل:
تأبى
الرماحُ إذا اجتمعْنَ تكسُّرًاوإذا افترقْنَ تكسَّرتْ آحادا
وقد افترقت رماح قومي و (اجتمعت) عصيُّ الشيعة؛ فتكسرت تلك واستعصت تلك على
الكسر!
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)