الحوثي بين تناقضاته في مؤتمر الحوار وممارساته على الواقع
أعدّه: أ. ناصر الحميقاني
التقرير الذي بين أيدينا يسلط الضوء على مجمل
الرؤى التي قدمتها جماعة الحوثي إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن،
وتناقضاتها بين تلك الرؤى والمواقف السياسية للجماعة وبين ممارساتها على أرض
الواقع، لعل من أبرزها، اعتراضها على المادة الثالثة من الدستور اليمني، التي تنص
على: "الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات".
كما يتناول التقرير العنف الذي تمارسه الجماعة
ضد المواطنين في كل من محافظة صعدة والجوف وحجة، من اختطافات لأهل السنة وتشريدهم
ومضايقتهم واقتحام للمساجد، ناهيك عن رفضهم رفع الخيام من ساحة التغيير بصنعاء،
ووضع شروط تعجيزية، مقابل رفعها.
أخفقت جماعة الحوثي في الوصول إلى مشاريعها
عبر العنف المسلح، غير أنها اعتمدت على السلاح والعنف كوسيلة لحصد بعض المكاسب
السياسية، وهو ما بدا جلياً من خلال حصولها على نصيب وافر من المقاعد في مؤتمر
الحوار، في محاولةٍ لخطب ود الجماعة للموافقة على الدخول في الحوار.
و تصر الجماعة على المضي في ذات النهج الذي
اعتادت عليه، ولعل الجميع تابع ما قامت به بحق أحد أعضاء مؤتمر الحوار المنضوين في
فريق قضية صعدة محمد عيضة شبيبة ممثل اتحاد الرشاد اليمني، حيث قامت الجماعة
بمداهمة منزله في صعدة، وترويع الأطفال والنساء، ثم محاولة إجبار والده المسن، على
الإدلاء بتصريح لقناة "المسيرة" التابعة للجماعة، يقول فيه: "بأنهم
لم يعتدوا عليه وأبنائه، وأنهم لم يمنعوهم من أداء صلاة التراويح في
مسجدهم"، مهددين بإحراق منزله بمن فيه إن لم يستجب لتهديداتهم.
قدمت جماعة الحوثي رؤيتها حول قضية صعدة إلى
مؤتمر الحوار الوطني، مرجعةً جذور القضية إلى ما اعتبرته "غياب العدالة
الاجتماعية وانتهاج سياسة الإقصاء والتهميش وعدم القبول بالآخر، وطريقة النظام
السلبية في التعامل مع التنوع الفكري القائم، واستيراد فكر غريب على اليمنيين (حسب
تعبير الجماعة)، وتسخير كل مؤسسات الدولة في محاولة فرضه، في ظل مصادرة حرية الفكر
والتعبير، وفشل الأنظمة المتتابعة في اليمن الجمهوري في إدارة عملية التحول
والتغيير بحيث تم إقصاء واستهداف المكون الزيدي (حد زعمها)، والتعامل مع فئات
بعينها خارج إطار حقوق المواطنة".
وتعتبر جماعة الحوثي بأن "مصطلح صعدة ليس
محدداً جيوسياسياً لمجتمع القضية، وإنما يمتد إلى حيث يمتد الوجود السياسي
والاجتماعي لأنصار الله في صعدة وخارجها، والتسمية إنما جاءت بمناسبة أن صعدة كانت
الميدان الأول للحرب وعلى أرضها كان معظم العدوان، إلا أنه لم يقتصر عليها، حيث
شمل محافظات أخرى كصنعاء وعمران والجوف وحجة"، وفي هذا قفز على الواقع ومحاولة لتزييف الحقائق،وحين
تعبر جماعة الحوثي عن وجود قضية صعدة بوجود "أنصار الله" منذ نشأتها
والتضييق عليها وملاحقتها فإنها بذلك تلبس نفسها ثوب المظلوم، كجزء من منهجية
الجماعة في استدعاء المظلومية التاريخية المزعومة على الدوام، وإلا فإن من يقرأ
تأريخ النظام اليمني السابق يجد أنه لطالما أغدق على الجماعة بالدعم، في إطار
سياساته في اللعب على وتر التوازنات السياسية والقبلية والأيدلوجية.
انحرف المسار السابق مع بداية الثورة اليمينة،
و طفت على السطح مشاريع الطائفية الوافدة من إيران، فبدأت حينها الخلافات بين
الجماعة وبين رأس النظام السابق، الذي سرعان ما استغل تلك الحروب لتصفية حسابات
معينة يهدف من خلالها إلى تذليل الصعوبات أمام مشروعه في توريث الحكم لمن بعده.
ولذلك فقد عاد اليوم للتحالف مع هذه الجماعة للسير معاً ضد خصومه السياسيين، الذي
يرى أنهم أعاقوا مشروعه في التوريث.
انكشف زيف ادعاء جماعة الحوثي حرصها على حقوق
الطوائف والفئات المجتمعية الأخرى بصورة فعلية، من خلال الشكوى التي قدمها أبناء
الطائفة اليهودية إلى مؤتمر الحوار الوطني ضد ممارسات جماعة الحوثي بحقهم، حيث
أكدت الشكوى التي قدمها زعيم الطائفة اليهودية في اليمن العيلوم/ يحيى يوسف بأن
سبب نزوحهم من صعدة هو تهديدات الحوثيين، وجاء في نص الشكوى: "جاءنا إشعار من
قبل الحوثيين ليهود آل سالم بأن نخرج مع ممتلكاتنا من
البلاد وأعطونا مهلة عشرة أيام، فاستجبنا لذلك إلا أن الحوثيين لم ينتظروا مهلتهم
المحددة وقاموا بإخراجنا اليوم الثالث من تسليم الإشعار وهذا لم يمكنا من اخذ
أموالنا، وتركنا بيوتنا وأراضينا ومعداتنا ومكتبتي التاريخية التي لا تقدر بثمن وهي
أغلى من الدنيا وما فيها، كما قاموا بنهبي سيارتين أحدها أحرقوها برصاص والأخرى
نهبت، وكان لدي في السيارة المنهوبة الكثير من الوثائق الرسمية من محافظ
صعده السابق يحيى العمري ومدير أمن صعدة السابق محمد طريق".
وفي محور رده على أسئلة أعضاء الحوار المتعلقة
بتبرير إحدى ممثلات الحوثي في فريق الحقوق، التي قالت أن سبب طردهم هو اختلاط
النساء والرجال وشرب الخمور، قال يوسف: "نحن بريئون من
هذه التهم فنحن لم نعتد على أحد ولا يوجد لدينا اختلاط ولم نشرب الخمر اطلاقا مع أنه
مسموح لنا بذلك، فأين هذا مما تدعيه الجماعة من التعايش السلمي والقبول
بالآخر".
لوحظ في الأيام الماضية قيام عناصر من جماعة
الحوثي بالاعتداء على عدد من المساجد السنية، لمجرد أنها تختلف معها في الفكر
والتوجه، كما قامت بطرد عشرات بل مئات المعلمين من المدارس والموظفين الحكوميين،
ممن لا يؤمنون بفكر الجماعة واستبدالهم بعناصر حوثية، وما شجعها على القيام بهذه
الممارسات هو الغياب التام لأجهزة الدولة، وكأن الدولة بذلك تعطي الضوء الأخضر
لمليشيات الحوثي، للتحرك كما تشاء.
بالنسبة للنقاط الأخرى، يلاحظ المطلع على
قراءتها مدى الهوس الفكري الذي تعاني منه الجماعة عندما تتحدث عن الفكر المستورد،
في إشارة على ما يبدو إلى أهل السنة والجماعة الذين تصفهم بـ"الوهابيين"،
في الوقت الذي تعتنق الجماعة فكراً لا يمت بصلة إلى المجتمع اليمني، إذ هو فكر
مستورد من مدارس النجف ومدينة قم الإيرانية، بل شواهد الواقع تؤكد بأن هذه الجماعة
تنكرت حتى للمذهب الزيدي الذي ظهرت في بيئته، ولقد شاهدناها تخوض حروباً ضد أبناء
المذهب.
أما بالنسبة للمذهب السني فهو موجود في صعدة
على مدى عقود من الزمن، وكان هناك انسجام تام بين المذهب الزيدي والمذاهب الأخرى
ولم يكن الفكر الذي تعنيه جماعة الحوثي وليد اللحظة، ولم يثر أي نعرات طائفية أو
مذهبية، وإنما ظهرت الحروب وأعمال الفوضى والصراع الطائفي منذ نشأت جماعة الحوثي،
وأعلنت تمردها على الدولة في العام 2004، قبل أن تتوالى بعد ذلك كوارثها على اليمن
واليمنيين.
وتستمر تناقضات الرؤى
والمواقف الحوثية في مؤتمر الحوار باستمرار سياسات التضليل والكذب التي تمارسها
الجماعة، ففي آخر تقليعاتها أعلن ممثل الجماعة في فريق القضية الجنوبية علي
البخيتي انسحابه من الفريق، بذريعة أن القيادي الجنوبي في مؤتمر الحوار محمد علي
أحمد وجماعته المشاركين في الحوار – برأيه - خطر يهدد قضية الجنوب وأن على
الجنوبيين تحديد موقفهم من هؤلاء بشجاعة.
وبأسلوب ينم عن عقلية
انتهازية، كتب البخيتي الحوثي على صفحته في الفيس بوك، بأن هناك عدة
أسباب جعلته يقدم على
هذا القرار، معللاً ذلك بعدم التزام الأطراف المشاركة في الحوار بإحدى النقاط
العشرين التي اشترطها بعض المحسوبين على الحوثي، تدعو إلى تقديم اعتذار للجنوبين
عن حرب صيف 1994.
ولم يكتفِ البخيتي
بذلك، بل ذهب إلى المطالبة بإقالة الحكومة الحالية وتكوين حكومة تكنوقراطية، حد
قوله، الأمر الذي دفع البعض إلى الرد عليه ساخراً من هذه المبررات التي لا ترقى
إلى مستوى القبول، كما عدّه الكثير من النشطاء هروبا من مسؤولية القضية الجنوبية،
فيما فسر آخرون ما أقدم عليه البخيتي هو محاولة لعرقلة عجلة الحوار خصوصاً وأن
الأجواء تبشر بنجاح الحوار الوطني وهذا ما تخشاه جماعته التي لا تعيش إلا على
إحداث القلاقل والفوضى والعنف.
هوية الدولة في رؤية
جماعة الحوثي
وفيما يخص رؤية جماعة
الحوثي لهوية الدولة فإن الجماعة ما تزال تتحفظ عن الرؤية في حين قدمت جميع
المكونات السياسية رؤيتها حول هوية الدولة دون تأخير حيث أثارت المادة الثالثة
جدلاً واسعاُ بين أوساط المكونات السياسية، التي تنص على أن الشريعة الاسلامية هي
مصدر جميع التشريعات، إذ اتفقت أغلب المكونات والأحزاب السياسية في مؤتمر الحوار
على عدم المساس بها، غير أن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها الجميع هو اعتراض أصحاب
شعار "النصر للإسلام!!" على هذه المادة، ليتضح جلياً لكل اليمنيين مدى
الازدواجية التي تتعامل بها الجماعة، عندما تطلق على نفسها "أنصار الله"
ثم ترفض "شريعة الله"، وتدعي نصر الاسلام وترفض مادة دستورية تنص عليه
كمصدر للتشريع.
لقد جاء رفض الحوثي
للشريعة الإسلامية على لسان الناطق الرسمي للجماعة وعضو مؤتمر الحوار الوطني علي
البخيتي في حديثه عن المادة الثالثة، قائلاً: "لا داعي لهذه المادة، خصوصا
وأن الشعب يعتبر شعباً مسلماً.
وقد اعتبر باحثون
بشؤون الجماعات الدينية، أن هذا التناقض جزء من ممارسات الجماعة وسياستها التي
تعتمد على الكذب والتضليل، فهي تصم آذان الناس بالحديث عن الثقافة القرآنية، وفي
الواقع تتنكر لهوية الشعب اليمني وثقافته المستمدة من الشريعة الإسلامية وكأنها
تريد من الناس أن يحتكموا فقط إلى خرافاتها، أو نظرتها لمفهوم الإسلام والشريعة الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن رؤية الحوثي حول هوية
الدولة اختتمت بتأييدها لبناء الدولة على أساس مدني، مستدلين بذلك على فتوى مزعومة
لعلماء الزيدية عام 1992.
ومع كل ذلك لا
تزال جماعة الحوثي ترفض مغادرة ساحة الاعتصام في العاصمة صنعاء، حيث كشفت مصادر
صحافية بأن قيادات من الجماعة وضعت جملة من الشروط لرفع عناصر الحوثي من الساحة، منها
إلزام الدولة بمعالجة جميع جرحى عناصر الحوثي الذين قاتلوا الجيش خلال الستة حروب
على نفقة الدولة، ومعاملتهم مثل جرحى الثورة الشبابية السلمية الذين سقطوا خلال
الاحتجاجات الشعبية عامي 2011، و2012. كما اشترطت قيادة الحوثي توظيف ثلاثة ألف
شخص من عناصر الحركة، وتعويض معتصمي الجماعة في صنعاء مبلغ وقدره اثنين مليار ريال
يمني، مقابل مساهمتهم في الاعتصامات والمسيرات أثناء الثورة الشبابية الشعبية.
وأكدت المصادر اعتراض معظم أعضاء اللجنة العسكرية على شروط الحوثيين، مؤكدين أن
قضية جرحى الحوثيين والمتضررين من الحروب الستة سيتم معالجتها في إطار المعالجة
الوطنية لقضية صعدة عبر الحوار الوطني.
وكانت لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن
والاستقرار، أقرت اتخاذ الإجراءات المناسبة والكفيلة برفع ما تبقى من تواجد لبعض
المخيمات والمعتصمين في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، ولم تفصح المصادر الرسمية عن
ماهية تلك الإجراءات، في الوقت نفسه، كشفت مصادر مطلعة أن اللجنة العسكرية قامت
بالتفاوض مع قيادات في جماعة الحوثي المسلحة لرفع أنصارها من بقية المخيمات
المتواجدة في صنعاء.
وقالت المصادر إن جلستي تفاوض إحداها عقدت في
منزل المفتش العام للقوات المسلحة اللواء الركن/ محمد علي القاسمي، الأحد الماضي،
وأخرى في منزل القيادي في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد، مشيرة إلى أن اللواء
القاسمي والقيادي في الحراك يلعبان دور الوسيط بين اللجنة العسكرية وقيادات جماعة
الحوثية المسلحة.
وفي هذا يبرز للعيان غياب الشعور الوطني الذي
تعاني منه جماعة الحوثي حيث تعتقد أن الثورة قامت من أجل مغانم وتقاسم مصالح. وليس
من أجل إسقاط منظومة فساد، وإعادة بناء وطن يجد فيه المواطن اليمني سبل السعادة
والرخاء.
وفي سياق آخر، كانت صحيفة نيويورك تايمز
الامريكية كشفت عن وجود تحركات تجريها جماعة الحوثي المدعومة من إيران تتمثل في
تجنيد الشباب العاطلين عن العمل من أجل البدء بحركة انفصالية في شمال اليمن ويأتي
ذلك بعد تأييدهم لفكرة حق الجنوبيين في تقرير المصير وفك الارتباط.
وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها،
الأسبوع الفائت، أن جماعة الحوثي بمحافظة صعدة استغلت نضوب الحوض المائي في
المحافظة الشمالية والذي أسفر عنه جفاف الكثير من المزارع وهذا ما أوجد بيئة
مناسبة لجماعة الحوثيين الداعمين للفكر الايراني لتجنيد عمال المزارع والشباب
العاطلين عن العمل للبدء بحركة انفصالية.
وكان المتحدث باسم جماعة
الحوثي محمد عبد السلام قال في وقت سابق من هذا العام أن الجماعة تدعم حق الشعب
الجنوبي في الاستقلال وهو ما اعتبره مراقبون يندرج في إطار المساعي الإيرانية في
تقسيم اليمن إلى دويلات من خلال دعمها للمتمردين في الشمال ومسلحي الحراك الجنوبي
التابع لعلي سالم البيض في الجنوب.
وفيما يخص التجهيزات العسكرية لجماعة الحوثي
فقد أماطت مصادر قبلية في محافظة صعدةعن
خدع الحوثيين المرتبطة بإيران في إدخال خبراء إيرانيين ومن "حزب الله"
متنكرين؛ للاستعانة بهم في تدريب عناصرها في جبال ووديان البلدة، تزامنًا مع إعلان
الحوثيين التصعيد في صعدة.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة "عكاظ"
السعودية تصريحات عضو مؤتمر الحوار عن صعدة محمد عيضة شبيبة أن "جماعة الحوثي
تمرر خبراء من "حزب الله" وإيران بلباس فرق طبية وإنسانية من جمعيات في
إيران و"حزب الله" بحيث يصلون إلى صنعاء ثم ينتقلون إلى صعدة؛ ليبدأ عملهم
في الجوانب العسكرية لتدريب مليشيات الحوثي على السلاح الذي تم تمريره عبر البحر
وصنع المتفجرات والقنابل".