هلكوست مسلمي بورما والتجاهل العالمي
أصل كلمة الهولكوست يونانية المصدر وهي تعني الحرق الكامل للمقرابين
المقدمة للخالق ثم استعمل المصطلح لوصف الكوارث والمآسي العظيمة التي استعملت لوصف
ما عاناه اليهود من مآسي ومذابح نسبت للنازيين وقد استطاع اليهود بمكرهم وسطوتهم
الإعلامية تغير ذلك المصطلح ليكون حصرياً على اليهود وإنه لا يصح أن ينكرها أحد
وإلا تعرض للمحاكمات وهذا بالفعل ما تعرض فيه بعض المفكرين الأحرار الذين كذبوا
تلك الدعوى وتعرضوا للعقوبة والسجن ومنهم على ما هو معروف المفكر الفرنسي (جاوردي)
حينما أنكر تلك الدعوى ولكن ما أصاب المسلمون عبر القرون وحتى الآن من مذابح ومآسي
لم يكن ليحرك ساكناً منذ سقوط الأندلس وحتى مذابح الفلسطينين ومسلمي البوسنة
والهرسك وبورما وغيرها كثير.
تغير الأحوال وموت الضمير:
ومع تغير صورة الحكم ونمط العلاقات بين السلطة والفرد في الغرب ثم
التخلي تدريجياً عن مصطلح الأرهاب باعتباره ضواً لإرهاب الدولة وأصبح يلصق
بالافعال الشنيعة التي يرتكبها فرد أو مجموعة من الأفراد ضد مؤسسات الدولة أو
الاشخاص الأبرياء ما تنقل المصطلح من (الإرهاب بالجملة) الصادر عن الدولة إلى
الإرهاب بالتجزئة الصادر من الأفراد ولكن ماذا حصل؟!
فالمتتبع للتعامل الدولي مع ظاهرة الإرهاب يلحظ جهداً غربياً مبكراً
في محاولة.
تشوية تعريف المصطلح وتحديد الأعمال الإجرامية التي يمكن نسبتها إلى
الإرهاب فهذه الجهود تمتد إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى والمؤتمرات
والاتفاقيات العديدة التي أبرمت في هذا المجال وإن كان الجهد الدولي لم يبرز إلا
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولقد صدرت مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الدولية
المتعلقة بجرائم الإرهاب وصل مجموعها حتى اليوم إلى (11) اتفاقية دولية تتناول
جوانب محددة من هذه الجرائم لعل أبرزها تجريم الاعتداء على وسائل النقل الجوي
وتجريم الاعتداء على الدبلوماسيين وتجريم احتجاز وخطف الرهائن، وتجريم القرصنة
البحرية، وتجريم التعذيب وغيرها من الاتفاقيات التي تحفظ حقوق الإنسان من أي
اعتداء وإهانة ولقد جاءت نصوص تلك الاتفاقيات مجموعة للأعمال الشنيعة ضد الإنسان
لكن ذلك محسوب لصالح المعتدى عليهم في أي بلد عدا بلدان المسلمين الذين يتعرضون
للقتل والاضطهاد ولا بواكي لهم والله المستعان.
ومما زاد الطين بلة أن أصبح مصطلح الإرهاب على النطاق الدولي يستخدم
فيه أحيان كثيرة في غير موضوعة بتجاور مسألة الفصل بين الإرهاب وعمل المقاومة
المشروع والخلط بين المسألتين حتى تفضى في النهاية إلى منبع مقاومة المحتل وسلب
الشعوب حقها الأصيل في رفض الاحتلال والتصدي له وفَرَض المعتدون سطوتهم على الشعوب
ليكونوا سادة العالم ظلماً وعدواناً[1].
ومعاناة إخواننا المسلمين في بورما بحرب عنصرية وحشية تخالف كل النظم
والقوانين الدولية من القتل والحرق بالنار لاؤلئك المستضعفين والذي نقلتها وكالات
الأنباء ومواقع الإنترنت لم يعد خافياً على أحد ومع ذلك لم نسمع أي رفض وشجب لتلك
المذابح والعمل على إيقافها سوى وقفات محدودة.
ولقد سبق أن كتبت ولله الحمد دراسة مطولة لأحوال أخواننا المسلمين في
بورما ومعاناتهم تحت عنوان (مسلمو بورما بين ماض مزهر وواقع مؤلم).
نشرتها مجلة البيان منذ سنوات وتكرمت بعض المواقع الإنترنتية بنقلها
كما حصل ذلك على سبيل المثال موقع (التاريخ) و (قصة الإسلام) جزاهم الله خيراً.
واضطررت أن أعيد الكتابة لهذه المأساة ليرى الناس الخطر الذي داهم مسلمي بورما أو
ما يسمى اليوم بدولة (ميانمار) من القتل والحرق والسحل والإبعاد ليعيش من يبقى من
مسلمي بورما بين مطرقة البوذيين وسندان قومي من أخواننا المسلمين في بانجلاديش
الذين لا يقيمون لأخوة الإسلام وزنا بمنع دخولهم وهربهم من أجرام البوذيين.
ولا يزال التوتر على الحدود بين بورما وبنجلاديش قائماً فقد نشرت
بورما 14 كتيبة من جيشها النظامي على الحدود مدعمة بالمدفعية وقالت مجلة
(التيلجراف) البنغالية أن عدد المعتقلين المسلمين في بورما غير محدود أما الأرقام
فقد تجاوزت عشرات الآلاف وقالت صحيفة (سنجياد) أن الجنود البورميين يقتلون الشباب
المسلم بالرصاص علناً في الشوارع وتوقعت صحيفة (أتفاق) أن يصل عدد اللاجئين إلى
مئات الآلاف وقد قامت السلطات البوذية البورمية باستئصال المسلمين بوسائل همجية
بدعوى أن المسلمين يحاولون القيام بحركة تمرد عسكرية وإعلان استقلال دولة (أركان)
من جديد!!
نبذة تاريخية لمسلمي بورما:
ومعلوم تاريخياً أن أركان كانت دولة مستقلة حرة لفترة طوية من الزمن
فهي بحكم موقعها المميز كانت مركزاً للانطلاقة الإسلامية في شبه القارة الهندية
حيث تقع أركان في جنوب غرب بورما وتبلغ مساحتها (20 ألف ميل) مربع في غربها (خليج
البنغال) وتحد من الشمال (حدود بنجلاديش) على مدى 171 ميلاً وفي الشرق (جبال
أركان) ويبلغ مجموع سكانها (أربعة ملايين نسمة) ويشكل المسلمون منهم حوالي 70٪ من
السكان.
ويعرف مسلمو أركان بـ (الروهانجيا) وهو اسم قديم لاركان وترجع أصولهم
إلى اعراق متعددة منهم العرب والمور والمغول والفرس والباتان والبنغال، وهذا ما
يلاحظه المشاهد لسحنات وجوههم المختلفة ولقد تعرف أهل أركان على الإسلام في القرن
الهجري الأول مع مجيء التجار العرب المسلمين وبسبب الدعوة إلى الله أسلم عدد كبير
من السكان المحليين وفي عام 1406م لجأ (نراميلحه) ملك أركان آنذاك إلى ملك البغال
المسلم (ألياس الشاهي: السلطان ناصر الدين) بعد أن أغار الملك البورمي البوذي على
أركان واحتلها وبعد مقام 24 عاماً لملك أركان لدى ملك البنغال أسلم وتسمى بـ
(سليمان شاه) واستعاد وبحماية ملك البنغال استعاد ملكة في أركان من جديد عام 1430م
وفي تلك الفترة أقام أول دولة إسلامية في أركان وامتد حكم المسلمين لأركان حيث
تناوب حكمها 48 ملكاً من المسلمين على مدى 350 عاماً إلى أن غزاها البوذيون مرة
أخرى عام 1784م واحتلوها وبعد 42 عاماً من الاحتلال البوذي قامت بريطانيا باحتلال
بورما عام 1948م وبالرغم من محاولات أركان ومسلميها الاستقلال عن بورما إلا أن
الاحتلال البريطاني قبل أن يرحل من بورما كانت قد ضم أركان لبورما وكان سكانها
المسلمون يعيشون تحت نير الاحتلال البوذي حيث يعامل سكانها معاملة الخدم والعبيد.
وقد حاولت بورما بعد استقلالها استمالة المسلمين في أركان فقد ضمت
أول حكومة بورمية وزيرين مسلمين وأثنى عشر مسلما في البرلمان البوذي وظن المسلمون
أن هذا الوضع الجديد سيؤدي إلى المساواة بين السكان وإعطائهم حقوقهم إلا أن ظنهم
قد خاب بسبب تجاهل الرئيس البورمي لحقوق المسلمين المشروعة الذي أعلن في أول خطاب
له إن (بورما) للبورميين البوذيين فقط. وعلى المسلمين إذا أرادوا البقاء في بورما
عليهم أن يقبلوا تغيير حروف القرآن للغة البورمية وأن يكون الزواج متبادلاً بينهم
وبين البوذيين واتخذت الحكومات البورمية خطواتها التعسفية منها إجبار المسلمين على
أن يتسموا باسماء بوذية ونزع حجاب المسلمات وأتخاذ الاجراءات لتذويب الشخصية
المسلمة لشعب أركان المسلم ولم يجد المسلمون بداً من إعلان الجهاد للبقاء في أرضهم
وهنا اتهمت السلطات البورمية المسلمين بتقويض وحدة الأمة والسعي للانقلاب على
السلطة ومن هنا قام البوذيون بحرب استئصالية بقتل آلاف الشباب المسلم وهتك أعراض
المسلمات وتدمير القرى وهدم المساجد وإغلاق المدارس ولسبب تلك الإجراءات التعسفية
هاجر قرابة المليون مسلم إلى مختلف أنحاء العالم وبخاصة في بنجلاديش مع ضعف
إمكاناتها ويعيش جزء منهم في المملكة العربية السعودية حينما استدعاهم الملك فيصل
رحمه الله بعد ما عرف معاناتهم وما تعرضوا له من اضطهاد وقتل وفي حديث سابق مطول
للدكتور محمد يونس رئيس منظمة (تضامن الروهاينجيا) أركان سلط الأضواء على الواقع
المؤلم لمسلميها وقال أن السلطات البوذية تتخذ كافة السبل لاجبار المسلمين على اعتناق
المسملين للبوذية أو القتل وتقوم الحكومة بجهود كبيرة من أجل التعتيم على قضيتنا
وتتواطأ مع الحكومات والمنظمات البوذية في ذلك حيث تصر الحكومة البوذية على القضاء
على حقوقنا بل وتصر على أنه لا يوجد في سجلاتها شعب مسلم يسمى (الشعب الأركاني) أو
(الروهنجيا)[2].
وقد نشر مؤخراً إعلان هيئة الأمم المتحدة أن عشرة من موظفيها اعتقلوا
في غرب (بورما) ميانمار) وكانت (أطباء بلا حدود) قد علقت عملياتها في منتصف يونيو
الماضي 2011م وخفضت عدد موظفيها)[3].
شهادة حق من كاتب فرنسي:
فقد نشرت (صحيفة لوفيجارو) مقالاً لـ (فلورنس كومين) حيث قال منذ عدة
أيام تجوب مجموعة مسلحة بالسكاكين وعصي الخيزران المسنونة العديد من مناطق وبلدان
ولاية أركان حيث تقتل كل من يواجهها من المسلمين وتحرقهم وتدمر مئات المنازل ويضيف
الكاتب وعلى الرغم من إعلان السلطات البورمية حالة الطوارى بانتشار قوات الأمن في
محيط المساجد والمعابد البوذية ما زالت المواجهات الدموية مستمرة بين الأقلية
المسلمة والأكثرية البوذية وينتقد الكاتب الفرنسي حالة التعتيم الإعلامي الرسمي في
ميانمار حول حوادث القتل الكثيرة[4] ومما يؤسف له أن وسائل إعلامنا العربية المقروؤة
والمسموعة والمرئية قل أن تتطرق لهذه الأساءة والتعريف بها عدا ما تشير إليه بعض
القنوات الإسلامية مشكوره مثل (صفا) و (وصال) وبعض الصحف والمجلات المحدودة
الانتشار لتقوم كثير من مجلات وقناوات الأمة مكتفين بحوادث الفن والرياضة وإلى
الله المشتكى.
فهل يا ترى
نسمع ونرى المزيد من إيضاح واقع المسلمين في أركان والعمل الجاد لنصرتهم والعمل
على ما يوقف تلك المآسي لإخواننا المستضعفين، إلى متى تقف الدول الإسلامية إلا
ماشاء الله موقف غير المبالي ومما يذكر فيشكر موقف تركيا في حكومتها الحالية من
وقفه جيده مع وقفة منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي)، والمطلوب من الدول الإسلامية سحب
سفرائها وطرد سفراء البوذيين وبغير هذا الأسلوب الحاسم لن يتم نصرة لأخواننا
المستضعفين هناك فمتى تستيقظ الضمائر لنصرة إخوانهم وهم يستنصرونا ليل نهار فهل
نستجيب لقول الله تعالى: {وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي
الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72]
فهلّا أنقذنا إخواننا بسرعة، حتى لا يستغل وضعهم المآساوي من يصطاد في الماء العكر، وحتى لا تستغل هذه الفرصة دولة معروفة بإستغلال الفرص (مثل الدولة الصفوية في إيران)، فعسى أن ننتبه لذلك.
** ملف
خاص (( الروهنجيا... جدار الصمت))
[1] بتصرف من كتاب (هلوكست
المسلمين د. محمد الركن).
[2] بتصرف
من كتاب (وجاء الدور على الإسلام) للاستاذ رضا محمد العراقي.
[3] مجلة
المجتمع العدد (2011) 24 شعبان 1433هـ بتصرف.
[4] مجلة
المجتمع العدد (2008) الصادر في 3 شعبان 1433هـ بتصرف.