• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خطاب نصر الله..  حزب الله وحماس.. أي خلاف بدا على السطح؟

نصر الله الذي اختفى دهرا ونطق ضعفا؟ ما الرسالة التي أراد إرسالها في خطابه المحشود له إعلاميًا، سواء لحماس أو لأنصاره؟ هل هناك خلاف أيديولوجي واستراتيجي بين حزب الله وحركة حماس حقا؟ وما الذي أراد أن يقوله لإسرائيل وحلفائها وعلى رأسهم أمريكا؟


صَدَم أمين عام حزب الله حسن نصر الله، يوم الجمعة 3 نوفمبر، جمهوره المؤيد له، وحاضنته الشعبية، قبل الآخرين، بمطالعته التاريخية الاسترجاعية لشريط الأحداث منذ عملية "طوفان الأقصى"، وذلك عقب غياب تام عن إصدار الموقف، وتعتيم كامل عن إمكانيات توسيع الردّ، تضامناً مع مقاتلي حماس في قطاع غزة. الصدمة السلبية هي من صنعه نفسه. فعندما يمهّد لخطابه "التاريخي" بفيديوهات ترويجية قصيرة متعاقبة، قبل أيام من الموعد المضروب، فإنما كان يوحي بأنه على وشك اتخاذ القرار الاستراتيجي الكبير، ما دفع ملايين المشاهدين في المنطقة والعالم، إلى انتظار كلمته بترقّب كبير. وفي لبنان، كان التوجّس من نوع آخر، حتى إنّ كثيرين من سكّان الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، كانوا استأجروا في الأيام التي أعقبت "طوفان الأقصى" منازل في مناطق بعيدة نسبياً عن المواقع المفترض أن تكون هدفاً في أيّ حملة إسرائيلية جوية شاملة، ودفعوا مبالغ مضاعفة ثلاث أو أربع مرّات طلباً للسلامة، بالنظر إلى ما حدث خلال حرب تموز عام 2006، وأسفرت آنذاك، عن تدمير أجزاء واسعة من الضاحية الجنوبية (المعقل الأساسي للحزب)، ومعها جسور وطرق في أنحاء متفرّقة من لبنان. التوقّعات الأخيرة كانت عالية جداً، بتعرّض لبنان إلى هجمات جوية ضارية، تتخطى كلّ ما حدث قبل 17 عاماً، لا سيما وأنّ بيروت العاصمة آنذاك، كانت مستثناة من القصف الإسرائيلي بتوجيهات من الإدارة الأميركية آنذاك، في وقت كان فيه فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، وخصماً سياسياً عنيداً للحزب، من ضمن ما عُرف آنذاك، بحركة 14 آذار، أو التحالف السني- المسيحي-الدرزي الذي تشكّل في لبنان، إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير عام 2005. في تلك الظروف، لجأت قيادات وكوادر سياسية وإعلامية وعسكرية في حزب الله إلى بيروت، احتماء فيها من الغارات الإسرائيلية، وأدار الحزب حربه انطلاقاً من المنطقة الآمنة، وهو ما اعتبره الإسرائيليون لاحقاً خطأ استراتيجياً لن يتكرّر في أيّ حرب مقبلة مع الحزب.

 

إنّ ذهنية الائتمار بأوامر الوليّ الفقيه في طهران، تجعل من كلّ أذرع إيران في المنطقة، أدوات لخدمة "الجمهورية الإسلامية" أولاً، وليس العكس، باعتبار أنّ إيران هي مركز الثقل في "محور المقاومة"، وهذا ما فهمه العسكريون الأميركيون، فعرفوا نقطة الضعف التي هي مركز الثقل.

هذه المرة، كما يقول رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو: لا يوجد أيّ استثناء، ولن يكون في لبنان أيّ ملاذ آمن للحزب، بل إنّ الدولة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله، ستكون الهدف المباشر لهجمات الطيران الإسرائيلي، وكذلك كل البنية التحتية، بهدف إرجاع لبنان إلى العصر الحجري، علماً أنّ لبنان في أزمته الاقتصادية الحالية والمتواصلة منذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، يعيش في شبه دولة، وانهيار مالي كامل.

لماذا الظهور بدل التخفّي؟

وهنا يُطرح السؤال: لماذا لم يبقَ نصر الله في العتمة، واكتفى بالغموض البنّاء، مع ترك إسرائيل في حالة ضبابية من احتمالات الدخول الواسع، واندلاع حرب إقليمية، ما دام أنّ خطابه العتيد لن يحمل أيّ جديد، فلن يغيّر قواعد الاشتباك في الجنوب، ولن ينضمّ إلى الحرب بكامل ما يمتلكه من صواريخ ومسيّرات ورجال مدرّبين على العمليات الخاصة، بل ببنية عسكرية شبه نظامية؟ لقد أعلن قادة الحزب منذ بداية "طوفان الأقصى" أنّ حزب الله وضع خطاً أحمر، إن تخطّاه نتنياهو، انكسرت القواعد، وبدأت الحرب الشاملة، وتطايرت الصواريخ في الأفق من كل جانب، تحت مبدأ "وحدة الساحات" بين الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، ولبنان، وفلسطين واليمن. وها هو في خطابه، كشف نصر الله عن الخط الأحمر نفسه ضمناً عندما قال إنّ الهدف هو انتصار حماس، بمعنى أنّ وصول حماس إلى نقطة الانكسار هو الشرط الأول للتدخّل. أما الشرط الثاني، فهو إن صعّد نتنياهو أكثر فشنّ حرباً استباقية على الحزب في لبنان، علماً أنّ الولايات المتحدة حذّرت نتنياهو من ذلك، حتى لا يتسع نطاق الحرب، فتصبح حرباً إقليمية واسعة النطاق، ولواشنطن في المنطقة، قواعد عسكرية في دول عربية، وانتشار عسكري محدود في العراق وسوريا، وسفارات ومصالح تصبح كلها عرضة للخطر. ومع انتفاء هذين الشرطين، يحافظ الحزب على قواعد الاشتباك كما هي، مع تصعيد تدريجي نوعي، بحسب ما يقتضيه الحال. وفي السياق، كشف نصر الله، أنّ الولايات المتحدة هدّدت الحزب بقصفه في لبنان إن تدخّل في معركة غزة على نطاق واسع. والأهم من ذلك، أن واشنطن هدّدته بقصف إيران نفسها، ولعلّ هذا هو بيت القصيد. إنّ ذهنية الائتمار بأوامر الوليّ الفقيه في طهران، تجعل من كلّ أذرع إيران في المنطقة، أدوات لخدمة "الجمهورية الإسلامية" أولاً، وليس العكس، باعتبار أنّ إيران هي مركز الثقل في "محور المقاومة"، وهذا ما فهمه العسكريون الأميركيون، فعرفوا نقطة الضعف التي هي مركز الثقل.

 

ويبدو أنّ حماس تجاوزت الخطّ المرسوم، فأصبحت هي صاحبة القرار الاستراتيجي في المنطقة، على خلاف القاعدة الكلاسيكية في إدارة الحروب. ويجب على حماس أن تدفع ثمن خروجها والاستقلالية قرارها، من وجهة نظر إيران

التوقيت ليس لتحرير فلسطين

عملياً، أفاد نصر الله الجهد العسكري الإسرائيلي بكشفه الموقف الحقيقي للحزب وإيران من هذه المعركة المصيرية، فهل فعلها مضطراً؟ إنّ قراءة حركات الجسد ونبرة الصوت، لأمين عام الحزب، أثناء إلقائه الخطاب، تفيد بأنه لم يكن مرتاحاً، بل كان مجبراً على التبرؤ من عملية "طوفان الأقصى"، التي كانت قراراً فلسطينياً خالصاً، بحسب تعبيره هو، والأرجح بطلب إيراني، لتجنيبه هو وحمايتها هي من أيّ هجوم أميركي. بل إنه قبيل اختتمام خطابه الذي دام أكثر من ساعة، أشار إلى مسألة بالغة الأهمية، حين قال إنّ الوقت الآن ليس لهزيمة إسرائيل بالضربة القاضية، بل الفوز عليها بالنقاط، أي ليس الوقت الآن وقت تحرير فلسطين وخوض المعركة النهائية، وذلك بخلاف ما تضمّنه خطاب القائد العسكري العام لحركة حماس محمد ضيف بُعيد الاجتياح الصاعق الذي نفّذته قوات عزّ الدين القسّام ضدّ "فرقة غزّة" الإسرائيلية على نحوٍ أذهل العالم. هو إذاً، خلاف عميق في القرار الاستراتيجي بين حزب الله وحركة حماس، كما خلاف غير معلن في التكتيكات. وبالرجوع إلى شعار المعركة: "طوفان الأقصى"، وإلى مضمون خطاب محمد ضيف، والذي دعا فيه محور المقاومة إلى الانضمام إلى المعركة، فإن مؤشرات مختلفة، تفضي إلى ترجيح أنّ حماس كانت تدرك ما تفعله، وما تُضمره من أهداف استراتيجية تتجاوز المدى التقليدي لعملية محدودة في المكان والزمان والأهداف. وإذا كان هذا صحيحاً، سواء أكان في التخطيط، أو في المآل، فإن إيران هي التي تمسك نظرياً وعملياً بالقرار الاستراتيجي في أيّ صراع إقليمي- دولي من هذا النوع، وليس حركة حماس بطبيعة الحال. إنّ الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، والتي تتلقّى المال والسلاح والتدريب من طهران، تلتزم بالقرار الإيراني، إن حرباً أو مهادنة. ويبدو أنّ حماس تجاوزت الخطّ المرسوم، فأصبحت هي صاحبة القرار الاستراتيجي في المنطقة، على خلاف القاعدة الكلاسيكية في إدارة الحروب. ويجب على حماس أن تدفع ثمن خروجها والاستقلالية قرارها، من وجهة نظر إيران

تبقى مسألة أخيرة، وليست بأقل أهمية بالنسبة لمؤيدي حزب الله، وهي أنّ الحماس كان عارماً لدخول الحزب هذه المعركة، على الرغم من كل المخاطر العسكرية والسياسية. ويعود ذلك إلى التعبئة الأيديولوجية المتواصلة منذ أكثر من أربعين عاماً، حتى رسخ الاعتقاد لدى أجيال، بأن تحرير القدس، يأتي في سياق الانتظار الشيعي لظهور المهدي. ففلسطين ليست قضية سياسية استراتيجية وحسب، بل هي أكثر من ذلك بكثير. وما حدث على يد حماس، أثار الارتباك والقلق في الوجدان العام.

  

أعلى