• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

استغلت الهند الأزمة الأوكرانية وحاجة الغرب لحشد تحالفات ضد موسكو للتأكيد على دورها السياسي وسط التوترات القائمة بين الصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى.


هناك لاعب واحد استطاع الفوز في عملية إعادة التوازن العالمية التي أحد أبرز مؤثراتها الحرب الروسية الأوكرانية وهو الهند التي نجحت في اختيار نهج " الانحياز المتعدد" لتعزيز دورها كحليف لعدة أقطاب دولية وترسيخ دور رسمي لها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ودعم تأثيرها في مجموعة بريكس باعتبارها في مقدمة القوى الفاعلة في الجنوب العالمي.

خلال زيارته لواشنطن في يونيو الماضي تم استقبال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بقدر كبير من الحفاوة والتكريم مستنداً إلى احتياج واشنطن للهند لمنافسة الصين كتلة اقتصادية وشريك رئيسي في قطاع التكنولوجيا والدفاع. فرغم القمع المأساوي للأقليات الذي يمارسه حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي ضد الأقليات إلا أن واشنطن تجاهلت ذلك ووصفت العلاقة مع الهند بأنها " شراكة بين ديمقراطيات تتطلع إلى القرن الحادي والعشرين بأمل وطموح وثقة".  تعتقد واشنطن أن الهند بديل رئيسي للاقتصاد الصيني وتوفر موردًا مهمًا في تنويع تحالفاتها للضغط على بكين بالإضافة إلى الشراكة الدفاعية الضخمة بين الجانبين والتي بدأت واشنطن بتعزيزها عقب الانسحاب من أفغانستان.

 يحاول مودي من خلال زياراته الأخيرة للولايات المتحدة وفرنسا ومصر ترسيخ قوة الهند بين الأقطاب العالمية وخلق مساحة سياسية جديدة بين الدول النامية من خلال ترسيخ دور الهند في مجموعة بريكس فمودي من خلال زيارته لمصر بحاجة إلى أصدقاء داخل المجموعة لاحتواء وصول باكستان وموازنة قوة الصين ونفوذها داخل المجموعة.

في المقابل، يُصر مودي على إمساك العصا من المنتصف، من خلال الرهان على علاقته بالمنظومة الغربية التي تترجمها اتفاقية الشراكة الفرنسية الهندية عام 1998 فباريس تبحث عن أسواق للأسلحة الفرنسية والاستحواذ على حصة أوروبا من سوق الدفاع الهندي وتعزيز دور الهند كقوة مقيمة في المحيط الهادئ والسعي لتحقيق استقلال استراتيجي لفرنسا خارج التصادم الأمريكي الصيني بالإضافة إلى دعم رصيد مودي في الانتخابات العامة في 2024.

استغلت الهند الحاجة الروسية لها للإفلات من العقوبات التي فرضت بسبب الحرب الأوكرانية واتخذت خطوات متسارعة لتعزيز دورها كقوة إقليمية تسعى للمشاركة في وضع الخريطة السياسية العالمية الجديدة من خلال تحالفاتها مع القوى الغربية لكنها أيضاً بحاجة إلى إدراك الخطوة الصينية الروسية المشتركة في توسيع بريكس وتوجيه مساره إلى تشكيل كتلة سياسية لا تؤمن مطلقاً بالحياد فقد تم بناء هذه المجموعة لهدف وحيد وهو الخروج عن الهيمنة والتأثير الأمريكي وتحجيم دوره. فقد حصل مودي خلال زيارته لفرنسا على تكريم مهيب من خلال اعتباره ضيف شرف في احتفالات الفرنسيين بيوم "الباستيل" لتأكيد عمق هذه الشراكة وتعزيز أهمية الهند ضمن المحور الغربي في عملية إعادة التوازن العالمية الجارية حالياً.

فقد دعمت باريس المصالح الهندية في الأمم المتحدة بما في ذلك ملف كشمير ومكافحة " الإرهاب" ونجحت في ترسيخ مشهد وحيد يعرض الهند بصفتها شريك رئيسي جدير بالثقة، ورداً على ذلك قامت الهند بتوقيع سلسلة اتفاقيات لتعزيز التعاون بما في ذلك صفقات شرائح أسلحة وطائرات رافال و3 غواصات سكوربين.

يفسر البعض خطوات مودي بأنها في سياق إثبات نجاح استراتيجيته في السياسة الخارجية بتأكيد الهند كقوة محايدة بعيداً عن التجاذبات العالمية، وقد استغلت الهند الأزمة الأوكرانية وحاجة الغرب لحشد تحالفات ضد موسكو للتأكيد على دورها السياسي وسط التوترات القائمة بين الصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى. يقول موقع "جسر الهند" في مقال "صعود الهند كقوة ناعمة عالمية"، لقد أصبح لدينا أشكالاً متنوعة من القوة الناعمة التي تعمل عليها حكومة ناريندارا مودي لخلق اتجاهات مبتكرة للدبلوماسية الهندية مثل الأقليات الهندية في العالم واليوجا البوذية والنفوذ الاقتصادي بهدف تحقيق انتصارات دبلوماسية تعزز مصالح البلاد". هذا الخيار بحسب الموقع تتبناه وزارة الشؤون الخارجية بشكل رسمي وأطلقت من أجل إنجاحه عدة مبادرات مثل "اعرف الهند" و "الهند الوجهة" وتهدف من ورائه إلى  تسلق الهند إلى ريادة مجتمع المعرفة العالمي.

رغم الجهد الكبير التي تبدله الحكومة الهندوسية المتطرفة لإبراز الهند كقوة عالمية إلا أن مناوراتها المتواصلة بين القوى العالمية تؤكد دائماً أن الهند ستبقى ضمن دائرة الاحتياج الغربي بسبب الحاصر الديمغرافي المفروض عليها من قوى تتمتع بنفوذ عرقي وديني ذات توجهات صدامية مع مشروعها التوسعي ويقصد بذلك باكستان والصين الأعداء التقليديين للهند وكذلك محاولات الهند الاعتماد على أنواع من التسليح الروسي طمعاً في صفقات نفطية أقل كلفة من السوق العالمي وهو أمر قد يحرمها بصورة دائمة من الشراكة الدفاعية الامريكية التي تحاول تعزيزها من الخلال التحرك المشترك مع اليابان لمحاصرة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين.

 

 

أعلى