• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
قمة بريكس.. خطوةٌ نحو عالمٍ متعدد الأقطاب وكسر هيمنة الدولار

تمثل دول بريسك روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا نحو رُبع ثروة العالم، وهي تمتد عبر ثلاث قارات، مع اقتصادات تشهد مراحل متفاوتة من النمو، لكنّها تتشارك أمراً واحداً: ازدراء النظام العالمي الغربي والسعي لإيجاد نظام بديل

انعقدت قمة بريكس الخامسة عشرة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، هذه القمة ليست كسابقاتها، إذ ناقش خلال زعماء الدول الخمس الأعضاء؛ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مجموعة من القضايا الهامة بما في ذلك التجارة والاستثمار والتكامل الاقتصادي والبنية التحتية وتغير المناخ، والأهم من ذلك هي رغبتهم في كسر هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، كشفت القمة عن ضرورة الحاجة إلى إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، لا سيما وأن دول بريكس تتمتع باقتصادات ذات نفوذ عالمي متزايد، فهل يمكنهم لعب دور مؤثر في الاقتصاد العالمي وتحدي هيمنة الولايات المتحدة والغرب؟، هل توسيع المجموعة عبر ضمّ أعضاء جدد من شأنه أن يخطو بالعالم نحو نظام أكثر تعددية؟، ما هي التحديات والعقبات التي تقف أمام طموحات دول بريكس؟

اقتصادات ناشئة وطموحة

تعدّ مجموعة بريكس من بين المجموعات المتعددة الأطراف ذات الثقل المتزايد في عالم اليوم، إنها نتاج القرن الحادي والعشرين عبر محاولة واعية لإعادة هيكلة شبكة العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة، بدأت كتجمع من 4 دول هي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين في عام 2006، أُطلِقَ عليها اسم "بريك" في البداية، وهو المصطلح الذي صاغه جيم أونيل من بنك جولدمان ساكس في عام 2001 واصفًا به 4 اقتصادات ناشئة ستسيطر على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، انعقدت قمة بريك الأولى في يكاترينبرج الروسية في يونيو 2009، وفي وقت لاحق انضمت جنوب أفريقيا إلى مجموعة بريك، وهو ما أعطى المجموعة اسمها الحالي بريكس.

 

يجمعها في النهاية أنها تريد صياغة وإبراز رؤية غير غربية للعالم، يمكن أن تتلخص في وجهة نظر معادية للغرب، لا سيما مع اشتداد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، واستمرار الصراع الروسي الأوكراني

يمكن الحكم على الوزن السياسي والاقتصادي لمجموعة بريكس من خلال عدة حقائق تمثل نقاط قوة مهمة:

1ـ تضم دول مجموعة بريكس 42% من سكان العالم، وتغطي 27% من مساحة الكوكب، وتتمتع هذه الدول بإرادة سياسية قوية للتعاون والعمل معًا لتحقيق الأهداف المشتركة للمجموعة، وكان هذا واضحًا في جهودهم للحفاظ على التكتل إلى جانب إنشاء بنك التنمية الجديد لبريكس وترتيب احتياطي الطوارئ للمجموعة.

2ـ تنتج دول بريكس 32% من الناتج المحلي الإجمالي قياسًا على تعادل القوة الشرائية، و16% من التجارة العالمية، وقد حققت دول بريكس نمواً بمعدل سنوي متوسط يزيد عن 5% في السنوات الأخيرة، وكان هذا النمو مدفوعا بعدد من العوامل؛ منها الطلب المحلي القوي، وارتفاع الاستثمار، والتوسع في الصادرات.

3ـ في عام 2022، وصلت التجارة البينية بين دول بريكس إلى 162 مليار دولار، على الرغم من تأثيرات جائحة كورونا وارتفاع التضخم والصدمات الاقتصادية الأخرى.

4ـ دول المجموعة غنية بالموارد، حيث تعد موطنًا لثروات هائلة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن، وهو ما يمكن استخدامها لتمويل عملية التنمية الاقتصادية.

5ـ تتمتع كل دولة من دول بريكس بنقاط قوة تمنحها مزيدًا من الثقل؛ فالبرازيل تتمتع بقطاع زراعي قوي وهي منتج رئيسي لفول الصويا والقهوة ولحم البقر. كما أن لديها قطاع تكنولوجيا المعلومات متنامي، أما روسيا فتمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز وهي مصدر رئيسي لهما وهي لاعب رئيسي في ساحة الأمن العالمي، فيما تتمتع الهند بعدد كبير ومتزايد من السكان، وهي سوق رئيسية للسلع والخدمات. كما أن لديها قطاعًا قويًا لتكنولوجيا المعلومات وهي مصدر رئيسي للبرمجيات، أما فتمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي دولة مصنِّعَة رئيسية لمجموعة واسعة من السلع، فيما تتمتع جنوب أفريقيا بقطاع تعدين قوي وهي منتج رئيسي للذهب والماس والبلاتين، ولديها قطاع مالي متطور ومتنامي.

رؤية غير غربية للعالم

قد تختلف الرؤى أحيانا فيما بين دول بريكس، لكن يجمعها في النهاية أنها تريد صياغة وإبراز رؤية غير غربية للعالم، يمكن أن تتلخص في وجهة نظر معادية للغرب، لا سيما مع اشتداد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، واستمرار الصراع الروسي الأوكراني، وبروز النيجر كنقطة محورية جديدة في أفريقيا للتنافس بين الغرب وروسيا، في هذا الإطار أيضا تريد دول بريكس أن تعزز من إمكانيات أسواقها الناشئة وأن تكتسب مساحة أكبر في صنع القرار الاقتصادي الدولي، وأن تصبح المجموعة جهة فاعلة ومؤثرة على المسرح العالمي. يرى البعض أن مجموعة بريكس إذا قامت بتوسيع عضويتها فقد يزيد ذلك من خطر تباين المصالح ويثير المزيد من تحديات التنسيق، ولكن هناك جانب إيجابي مهم لا يمكن إغفاله، وهو أن التوسع سيزيد من القوة الاستهلاكية للمجموعة بشكل كبير، مع ما يترتب على ذلك من آثار مفيدة في الجانب الاقتصادي والجيوسياسي.

يُنظر إلى بريكس على أنها ثقل موازن لمجموعة السبع (G 7)، على الرغم من تعاون المجموعتين بشكل جيد في نجاح مجموعة العشرين (G 20) في السنوات اللاحقة من أجل إيجاد حل للأزمة المالية العالمية عام 2008، يُنظر إلي مجموعة بريكس أيضًا كمنافس قوي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وكان من اللافت للنظر نجاح مجموعة بريكس في تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية على موسكو بعد بدء غزوها لأوكرانيا، فقد ارتفعت التجارة بين روسيا ودول بريكس الأخرى بأكثر من 121٪ خلال نفس الفترة التي فُرِضَت فيها العقوبات، فأصبحت الصين والهند أكبر مستوردي النفط الروسي بعد الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، وسجلت التجارة بين الصين وروسيا رقمًا قياسيًا بلغ 188.5 مليار دولار العام الماضي، بزيادة كبيرة عن الأعوام السابقة، كان تضامن مجموعة بريكس خلال الأزمة بمثابة البلسم الشافي للروس، فقد أضعفت المجموعة فعالية العقوبات الغربية من خلال تعزيز مصالح دول بريكس الاقتصادية والجيوسياسية.

تحـولات هامـة

قبل كل قمة لمجموعة بريكس هناك وجهة نظر متكررة تحظى بالاهتمام، وهي قدرة هذه المجموعة على تقديم بديل للنظام العالمي المهيمن الذي يقوده الغرب، حظي الاجتماع الأخير لقادة بريكس بمستوى من الاهتمام الدولي نادرًا ما شهدناه منذ تشكيل المجموعة لأول مرة قبل 14 عامًا، ربما لأن النتائج التي توصلت لها المجموعة هذه المرة جديرة بالتركيز والاهتمام:

* عالم متعدد الأقطاب:

كان لإحباط دول بريكس لنظام العقوبات الغربية عواقب تتجاوز بكثير تأثير الأزمة على روسيا، فقد بدأت بعض الدول تنظر بشكل متزايد إلى مجموعة بريكس باعتبارها تكتلًا جذابًا للتعددية، وهو ما دفع أكثر من 40 دولة للإعلان رسميًا عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة بريكس خلال الفترة التي سبقت قمة الأخيرة، لم تفوّت الدول المؤسسة لبريكس هذه الفرصة التي ستزيد من نفوذ المجموعة عالميًا، فاتخذت أولى الخطوات لتوسيع عضويتها بدعوة السعودية والأرجنتين ومصر وإيران والإمارات وإثيوبيا، ولا شك أن توسع كتلة بريكس من شأنه أن يعجل بتنويع الطلب بعيدًا عن الدول الغربية ويقلل من تعرض أعضاء بريكس للمخاطر الجيوسياسية المستقبلية.

 

 يمثل الفساد مشكلة في العديد من دول بريكس، وهو ما يمكن أن يقوض سيادة القانون والكفاءة الاقتصادية، وفي ظل غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد في تلك الدول

تعكس التحديات الدبلوماسية التي واجهتها دول بريكس مؤخرًا المصالح الجيوسياسية التي يجب عليها موازنتها، تفضل الصين ـ صاحبة أكبر اقتصاد في المجموعة ـ التوسع لتعزيز نفوذها، في حين تحتاج روسيا المعزولة إلى حلفاء جدد بينما تخوض حربًا طويلة الأمد في أوكرانيا، وتفضل الهند والبرازيل اللتان تتمتعان بتحالفات قوية بين الدول الصناعية اتباع نهج أكثر حذرًا، فيما تسعى جنوب أفريقيا ـ صاحبة أصغر اقتصاد في المجموعة ـ إلى ضم المزيد من الأعضاء الأفارقة وكان من اللافت أنها دعت أكثر من 30 زعيمًا أفريقيًا للانضمام إلى اجتماع هذا العام.

* كسر هيمنة الدولار:

لا يزال الدولار يشكل العملة الاحتياطية العالمية، هذا يمنح الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من القوة، لكن الاستخدام الأمريكي للعقوبات الاقتصادية والمالية بشكل عدواني لتعزيز السياسة الخارجية الأمريكية من الممكن أن يهدد هيمنة الدولار في السنوات المقبلة، تدرك دول بريكس مخاطر العقوبات المالية الأمريكية وارتباطها بالدولار، لذا فإنها ترغب بشدة في تقويض هيمنته، لذا تسعى مجموعة بريكس إلى إنشاء عملة مشتركة ذات يوم.

* منظمـات بـديلـة:

تتحدى مجموعة بريكس تحدي القواعد الراسخة التي يقودها الغرب، يمكن أن تكون هناك منظمات مالية دولية جديدة لمساندة الدول وإنقاذها، كان من اللافت مشاركة أوروغواي والإمارات ومصر وبنغلاديش بالفعل في بنك التنمية الجديد (NDC)، سعيًا وراء فرص تجارية من هذه المنظمة الدولية.

* رمـزيـة الكتلة الناشئة:

بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية، فإن قمة البريكس لها أيضًا أهمية رمزية كبيرة، فاجتماع زعماء هذه الدول الخمس، التي تمثل أكثر من 40% من سكان العالم، يبعث برسالة مفادها أن النظام العالمي يتغير، وأن دول بريكس لم تعد راضية عن لعب دور ثانوي في الاقتصاد العالمي، بل إنها مصممة على تأكيد مصالحها وتشكيل مستقبل العالم، ورغم أن مصالح دول المجموعة متباينة وتطلعات دولها المتنافرة تغلي تحت السطح، إلا أن نسج هذا التكتل رغم قلة القواسم المشتركة بين أعضائه فإن هذا الأمر كفيل ـ ولو ظاهريًا ـ بإثارة القلق في الغرب.

عقـبات وعـراقـيل

لدى مجموعة بريكس أجندة تتلخص في جعل نظام الحكم العالمي أكثر شمولًا ومساواة عبر بناء نظام متعدد الأقطاب، لكن طريقها لا يخلو من التحديات، يتمثل بعضها في:

1ـ عدم المساواة: تعاني دول بريكس من مستويات عالية من عدم المساواة، مما قد يعيق النمو الاقتصادي والتنمية، ناهيك عن مشكلات أخرى تتعلق بسيادة القانون وغياب الديمقراطية وتكبيل الحريات والحقوق الفردية.

2ـ الفساد وغياب الشفافية: يمثل الفساد مشكلة في العديد من دول بريكس، وهو ما يمكن أن يقوض سيادة القانون والكفاءة الاقتصادية، وفي ظل غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد في تلك الدول، فيمكن للفاسدين أن يكونوا في مناصب عليا وقد يستفيدون من الوضع الراهن.

3ـ صعوبة توحيد العملة: مما يعيق قدرة مجموعة بريكس على توحيد عملتها أنها لا تحظى بالتكامل المالي المتطور الذي اكتسبه الاتحاد الأوروبي ـ على سبيل المثال ـ بعد عمل شاق على مدى فترة طويلة، كما أنها تفتقر إلى البنية المؤسسية والنطاق اللازمين لتحقيق هذه الغاية على نحو مستدام، ناهيك عن صعوبة التخلص من استعمال الدولار في الاقتصاد العالمي إلا من خلال عملية طويلة الأجل قد تصل لعقود، وكبديل لذلك الهدف فإن دول بريكس تسعى لتعزيز التجارة بينها من خلال استخدام العملات الوطنية بشكل أكبر وبالتالي تقليل استخدام الدولار الأمريكي، وهناك حديث متزايد عن استخدام عملات مثل اليوان والروبل في التجارة والتمويل الدوليين.

4ـ تباين المصالح: تتكاثر الفوارق بين مصالح دول بريكس، وستزداد هذه الفوارق كلما اتسعت المجموعة وضمّت دولًا جديدة، فبينما ترفع الصين وروسيا راية المشاعر المعادية للولايات المتحدة، فإن موقف الهند متناقض معهما تماما، لا تستطيع الهند في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن تتحمل العداء الصريح لأمريكا، فبالنسبة لنيودلهي، تمثل واشنطن أكثر من مجرد مكاسب مالية، فهي تتشابك مع ارتباطات جيوسياسية معقدة معها، ناهيك عن وجود تاريخ معقد من النزاعات الإقليمية بين دولتين عضوتين بالمجموعة؛ وهما الصين والهند.

على الرغم من هذه التحديات، فإن دول بريكس لا تزال لديها القدرة على لعب دور رئيسي في الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، فنقاط قوتها تمنحها ميزة تنافسية على غيرها من البلدان النامية، وإذا تمكنت المجموعة من معالجة التحديات التي تواجهها، فمن الممكن أن تصبح كتلة اقتصادية كبرى في القرن الحادي والعشرين.


أعلى