الأردن.. و الحرائق الصغيرة
تجرى في هذه الأيام محاكمة علنية للمدير
السابق لجهاز المخابرات الأردني السابق محمد الذهبي محاكمة علنية يمثل فيها
أمام القضاء ويقوم رفاقه في العمل بتقديم
شهادات ضده أمام العلن.
الحالة الأردنية التي لا تخلوا من التعقيد
السياسي و المناورات بين أطراف العمل السياسي قلما تقدم مشهداً يظهر فيه كبار
المسؤولين السابقين وهم يقدمون إفادات ضد بعضهم البعض أمام القضاء.
فالمعروف والمسلم به في العالم العربي أن
النظم الحاكمة مليئة بالشخصيات الفاسدة التي لا تعرف للنزاهة طريق، وغالباً ما
يصعب كشفها أو محاكمتها لأن التواطئ يكون رأسي وأفقي أما في الحالة الأردنية فإن
الضغط الشعبي ألزم الديوان الملكي بتقديم بعض التضحيات لإرضاء الشارع و تهدئته
وكان أولى ضحاياها محمد الذهبي الذي يتهم بسرقة المال العام و الفساد الإداري، ومن
القضايا التي يحاكم عليها ترك صلاحيات كبيرة بدون متابعة بين يدي مسئولين في المؤسسة
الأمنية.
وبحسب صحيفة القدس العربي فإن أبرز الاعترافات
في هذا السياق قدمها شاهد نيابة وهو ضابط أمن رفيع عمل مديراً لمكتب الذهبي عندما كان
الأخير مديرا لجهاز المخابرات.
الشاهد عرفات أبزاخ قدم إفادة علنية يفهم منها
بأنه تلقى أمراً بصرف شيك بنكي بقيمة نصف مليون دينار كتب بإسمه شخصياً وأفاد بأنه
سلم هذا المبلغ لمديره الذهبي ولا يعرف كيف تم إنفاقه حيث يقول الإدعاء أن هذا المبلغ
لم يكن موجودا في السجلات الرسمية لا من حيث صرف المبلغ ولا إنفاقه, الأمر الذي يعتبره
الإدعاء دليلا على تهمة استثمار الوظيفة العامة.
معطيات الإدعاء تقول ضمنيا بأن الجنرال الذي حكم
كل شيء عدة سنوات إحتفظ بالمبلغ في جيبه الخاص والاعتراف سجل من أقرب موظف عمل مع الذهبي
حيث حرر الشيك أصلا من قبل وزارة الداخلية خلال المرحلة الانتخابية بهدف التحضير للانتخابات.
ومن المفاجئات التي أضافت جو من التفاعل في
المحكمة تقدم الذهبي رغم أنه سجين ومتهم ببلاغ للنيابة العامة حول ضياع مبلغ بقيمة
ربع مليون ديناراً.
ووفقا لما نقلته صحيفة عمون الإلكترونية عن محامي
الذهبي محمود كيلاني فقد أفاد وزير الداخلية الأسبق عيد الفايز بأنه سلم هذا المبلغ
لمدير مكتب الذهبي وهو أبزاخ نقدا من القاصة التابعة لمكتبه.
الهدف من البلاغ هنا بوضوح الرد على الشهادة التي
تقدم بها أبزاخ ضد معلمه السابق فيما تؤكد مصادر مطلعة على مسار التحقيق القضائي بان
النيابة لم تستطيع بعد تقديم أدلة دامغة على أن نحو 30 مليونا من الدنانير وجدت في
حسابات الذهبي حصل عليها فعلا عبر استثمار وظيفته.
ثلاث اتهامات يواجهها عمليا الجنرال القوي هي إساءة
الائتمان واستثمار الوظيفة وغسيل الأموال.
حرائق صغيرة
وفي الشأن الأردني أيضاً، ينشط معارضون
إسلاميون وغيرهم من أجل مقاطعة الانتخابات القادمة إذا لم يتم إدخال تعديلات جذرية
على قانون الانتخابات، الذي أقرَّه مجلس النواب أخيراً، وردَّه الملك عبد الله الثاني
مطالباً الحكومة والمجلس بإعادة دراسته من جديد لتلافي الاحتجاجات الشعبية والحزبية
عليه.
الحركات الشبابية والأحزاب السياسية تأخذ على قانون
الانتخابات عودته إلى نظام الصوت الواحد في العملية الانتخابية، المعمول به منذ العام
1993، وأنه أفرز حسب انتقادات المعارضة مجالس نيابية على مقاس الحكومات، بما يخدم توجهاتها
غير الجادة في الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات العامة ومحاربة الفساد.
وكان مجلس النواب قد أدخل تعديلاً محدوداً على
المادة الثامنة، التي يدور حولها الخلاف الرئيسي إزاء قانون الانتخابات، ويقضي التعديل
بإعطاء صوت واحد للناخب على مستوى المحافظة كدائرة انتخابية للمقاعد الفردية، وصوت
آخر للناخب على مستوى الأردن كدائرة واحدة لانتخاب قائمة حزبية مغلقة من سبعة عشر نائباً،
وزيادة عدد مقاعد (الكوتا) النسائية من اثني عشر إلى خمسة عشر مقعداً. بحيث يصبح مجموع
من سينتخب على أساس الدائرة الفردية 123 من أصل 140 مقعداً.
في حين تطالب قوى الشعبية بإعطاء الناخب الحق بأكثر
من صوتين، بمعنى حق التصويت لأكثر من مرشح على المقاعد الفردية، فضلاً عن التصويت للقوائم
الحزبية على مستوى الوطن، مع رفع نسبة الأخيرة من مقاعد مجلس النواب إلى خمسين في المئة
- سبعون مقعداً بدلاً من سبعة عشر مقعداً فقط - ليتسع المجلس لمشاركة كل القوى السياسية
والحزبية، على قدم المساواة مع تمثيل القوى الاجتماعية، ولإرساء إمكانية قيام حكومات
برلمانية في المرحلة المقبلة.
ويعاب على هذا النظام الانتخابي عدم عكسه لرأي
الأغلبية، وتشتيته للنسبة الأكبر من أصوات الناخبين، وهضمه لحقوق الأقليات والفئات
الاجتماعية المهمشة. وللتلطيف من النتائج السيئة لتطبيقاته أخذ واضعوه في الأردن بتقسيم
الدوائر حسب المناطق، دون اعتبار لعدد السكان، وفرض "كوتات للأقليات والنساء،
بغية توسيع تمثيل كل النسيج الاجتماعي والمناطق النائية، لكن هذا يخلق بدوره غبناً
للناخبين وللمرشحين في آن، بعدم تقارب وزن الكتل التصويتية اللازمة لإيصال ممثلين منتخبين
إلى مجلس النواب، وجعل التركيبة السياسية للمجلس تركيبة قبلية وعشائرية وطائفية تمزق
المجتمع بنزعاتها، وتحجر على العمل الحزبي والتعددية السياسية.
بينما يشكِّل نظام التمثل النسبي أقرب القوانين
الانتخابية للمعايير الديمقراطية، وأقلها عيوباً، في الوصول إلى تمثيل الغالبية من
شرائح وفئات المجتمع، وفي تفعيل الحياة السياسية والمجتمع المحلي.
ويتفق المحللين السياسيين المحليين بأن مقاطعة
الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى الانتخابات يعني الانتقاص من شرعيه البرلمان و
وضع النظام السياسي في البلاد أمام منزلق خطير. و تسعى جماعة "الإخوان المسلمين"
إلى تشكيل حكومة ظل وبرلمان ظل، كخطوة مؤكدة على مقاطعة الانتخابات المرتقبة نهاية
العام الجاري، وسط توقعات باتساع رقعة المظاهرات وأعداد المشاركين فيها، للمطالبة بإصلاحات
سياسية واقتصادية شاملة، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين.
ويمثل فوز الإخوان المسلمين بمصر في انتخابات
الرئاسة ضربة للمنظومة العربية السابقة التي تشكلت خلال العقود الماضية، ويعتبر
النظام في الاردن أبرز أعمدتها لذلك يمكن أن يفتح هذا الفوز في مصر شهية الكثيرين
للسعي وراء طموح السلطة، كما يؤثر في إضعاف آخرين.
وبحسب وكالة أنباء موسكو فإن الأردن أمام مفترق
طرق الانتخابات البرلمانية القادمة، وهي مرحلة فاصلة في تاريخ الحياة السياسية الأردنية،
إما حقن النظام السياسي بدماء جديدة وتحصينه باستراتيجيات تعالج أخطاء الماضي، وإما
وضع الصدام بين الحكومة والبرلمان وبين حراك الشارع على نار متقدة، فإجراء الانتخابات
بناء على قانون مرفوض حزبياً وجماهيرياً سيقطع الطريق أمام تغيير مبرمج ومتفق علية
بين السلطة والمعارضة بشقيها التقليدي والناشئة حديثاً، بينما الإصغاء للغة العقل وقبول
ملاحظات المعارضة والحراك الشعبي سيخلق حالة من التوازن، بمصالحة بين الحكومة والهيئة
التشريعية والشعب، الأردن في أمس الحاجة لها.
:: موقع مجلة البيان الالكتروني