سقوط شيخ شيعي اثني عشري في الامتحان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وبعد:
فلقد قرأت في إحدى الصحف
الكويتية اليومية[1] حواراً مع شيخ شيعي من الاثني عشرية بالكويت وهو
الشيخ راضي حبيب والذي وصف في مقدمة الحوار تعريفاً به بأنه باحث إسلامي، وناشط في
مجال التقريب بين المذاهب وقد تناول الحوار مع فضيلته مسائل أربع هي:
أولاً: سئل عن كثرة صيغ الزواج
الشائعة مثل (المسيار) و (الاصطياف) و (البوي فرند) والزواج المنقطع المعروف
بالمتعة عند الشيعة وترى هل هذه الصيغ تحفظ حقوق المرأة وكرامتها؟
ثانياً: سئل عن موقفه من الكاتبة
الإيرانية الشيعية (شهلا حائري) وانتقادها لزواج المتعة مع أنها ابنة أحد مراجع
الشيعة المعروفين.
ثالثاً: لماذا لا تنطبق شروط
الزكاة على الخمس عند الشيعة؟ وماذا عن سهم الإمام عليه السلام؟
رابعاً: لماذا ليس هناك مراجع من
الشيعة العرب إلا ما ندر وجلهم من الشيعة الفرس!
ولقد كانت إجابات فضيلته
مختصرة وغير مقنعة؛ بل مراوغة أحياناً، وسأوضح زبدة ما قاله من إجابات، ومدى
انطباقها على ما ورد في الوحيين من الكتاب والسُّنَّة؛ بل وعلى ضوء المراجع
الشيعية المعتبرة ممَّا سيكون اختباراً له أمام القراء، وسيعلم الجميع مدى موافقة
ما أدلى به من إجابات للصواب ومدى قربها أو بعدها عن الحقيقة، وسأترك لكم معرفة
مدى نجاحه أو رسوبه وسقوطه أمام الجميع والله المستعان.
1 - أجاب عن السؤال الأول
بقوله إن تعدد تلك الصيغ هي تعدد في العناوين والمضمون واحد، وهو زواج المتعة
الثابت بزعمه في القرآن والسُّنَّة بخلاف الصيغ الأخرى.
2 - أجاب عن السؤال
الثاني بأن موقف (شهلا الحائري) من المتعة ورفضها له؛ عائد من منطلق غيرة النساء؛
ولتأثرها بالثقافة الأمريكية!
3 - قال فيها إن الخُمس
موضوع آخر، وينفرد بشروطه وأقسامه عن الزكاة، وقد جعله الله تكريماً لآل البيت -
عليهم السلام - عن الزكاة والصدقة وعوضاً لهم عنها، وأمَّا سهم الإمام فالمقصود به
هو الإمام المعصوم - عليه السلام - وهو ما نصت عليه آية الخمس بعبارة (ولذي
القربى).
الإجابة الرابعة عن
المراجع الفرس وندرة العرب منهم بقوله.. أترك الجواب لحديث صحيح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس
أو قال من أبناء فارس حتى يتناوله).
وبتحليل تلك الإجابات
الغريبة العجيبة يتضح للقارئ الكريم ما يلي:
الردُّ الأول: دعوى أن الزواجات
الجديدة صيغ مختلفة والمضمون واحد هو المتعة التي دلَّ عليها بزعمه القرآن
والسُّنَّة بخلاف غيرها لا يسلم له لما يلي:
أولاً: إن تلك الصيغ لها
شروطها وتتفق مع العقد الصحيح للزواج من الإيجاب والقبول ورضا الولي والشهود مع
عدم تحديد وقت محدد لها
- موافقة بعض المجامع
الفقهية عليها بشروطها آنفة الذكر.
- تنازل الزوجة عند شرط
الزوج لبعض الشروط الخاصة وعند رضاها ليس هناك ما يمنعه شرعاً.
- أن تلك الأساليب
الجديدة ليست هي الحل الأمثل مع توافق الزوجين لأنها لا تحقق احتياجات الطرفين
الذي يكفله الزواج الشرعي الصحيح والدائم.
- إن المتعة عند أهل
السُّنَّة محرمة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
فالقرآن يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 29 إلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج: 29 - 31] . والله - تعالى - قال في آية
أخرى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى
يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 33]. ولم يقل الله - تعالى -:
(وليستمتع).
- أما السُّنَّة فدليلها
ورد عند الإمام علي - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن متعة
النساء يوم خيبر) رواه البخاري ومسلم وعن الربيع بن تبرة عن أبيه قال: نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة عام الفتح) أخرجه مسلم وعن سلمة بن الأكوع
قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس لثلاثة أيام
ثم نهى عنها أخرجه مسلم.
أما الإجماع: فقد نقله
كثير من علماء الإسلام ومنهم الإمام النووي والمازرِّي والقرطبي والخطابي وابن
المنذر والشوكاني وغيرهم. حيث أجمعوا على حرمة المتعة.
ولم يقل بحليتها سوى
الشيعة الاثني عشرية وليس الشيعة كلهم يقولون بها؛ بل إن الإسماعيلية والزيدية
يحرمونها:
- أما دعوى أن المتعة
جائزة بأدلَّة من القرآن ومن أقوال أهل البيت فهذا خطأ فالآيات المستدل بها فهو
سوء فهم للآيات فقوله - تعالى -: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24]، فالمقصود
بالنكاح الصحيح وهو استمتاع أما ذكر الاستمتاع في آيات من مثل: {أَذْهَبْتُمْ
طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف: 20]، وقوله -
تعالى -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا
تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} [محمد: 12] ، وقوله - تعالى -: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 128]، فليس صحيحاً إذ لا يلزم من ذكر كلمة المتعة
ومشتقاتها أن تكون المقصود به ما زعموه.
أما دعوى أن آل البيت
أباحوها وإنهم استمتعوا وخاصة الاثنا عشر منهم - عليهم السلام - فلم يثبت عنهم
بدليل صحيح وما روي عنهم مكذوب عليهم؛ بل وردت روايات عنهم تنهى عن المتعة أوردتها
كتب الشيعة المعروفة مثل ما رواه صاحب الاستبحار ج 3 ص 142، وصاحب الوسائل ج
1 ص 12، خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57، ومستدرك الوسائل ج 14 ص455.
ولمعرفة المزيد عن الموضوع وبسطه يمكن الرجوع لكتب مبسطة هي:
1 - كتاب زواج المتعة عند
الشيعة الأمامية مع الفروقات المتحتمة بين الزواج الصحيح والمتعة المحرمة للشيخ
عثمان بن محمد الخميس.
2 - كتاب (الأصل في
الأشياء.. لكن المتعة حرام) للشيخ (السائح علي حسين) أحد علماء ليبيا المعاصرين.
3 - ويمكن اطلاع الإخوة
الشيعة على كتاب أحد علمائهم المتنورين وهو الشيخ د. موسى الموسوي (الشيعة
والتصحيح) وخاصة فصل (الزواج المؤقت) فقد عالج الموضوع بعلمية ودراسة تحليلية
مقنعة.
الردُّ الثاني: ما ذكرته بحق الباحثةُ
(شهلا الحائري) ورفضها للمتعة غير صحيح فبحثها عن المتعة هو دراسة علمية استقرائية
للمجتمع الإيراني أظهرت أن النساء يضطررن للمتعة للفقر وللإغراء بفعلها وما وضعوه
لها من أجور مزعومة؛ بل كشفت وبجلاء المآسي والفضائح التي يقوم بها معمموهم، وهي
رائجة في أوساطهم يمارسونها أكثر من غيرهم؛ لذا يحرصون عليها ويغرون غيرهم بها،
وكتابها (المتعة) مطبوع ومتداول وترجم إلى العربية، والكاتبة تعدُّ المتعة إهانة
للمرأة، والغريب أن الملالي يرفضون المتعة بحق بناتهم، فكيف يرضونها لبنات غيرهم؟!
ممَّا يجعل دعاوى الشيخ راضي لا حقيقة لها البتة[2]. فيما ذكره في هذه المسألة.
الردُّ الثالث: حول دعوى الشيخ راضي عن
«الخُمس» وعدم انطباق شروطه مع الزكاة وعن سهم الإمام قال: إن «الخُمس» موضوع آخر
ينفرد بشروطه وأقسامه، وقد جعله الله عوضاً عن الزكاة والصدقة لآل البيت، وأما سهم
الإمام فالمقصود به (المعصوم) الذي نضت عليه آية الخُمس بعبارة (ولذي القربى).
والحقيقة غير ذلك تماماً فالخُمس الوارد في سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] جعله الله فرضاً من الأموال التي تتم غنيمتها من
الكفار والمحاربين، وليست (ضريبة دخل) على مكاسب المسلمين المسالمين، وعلى ذلك سار
الرسول صلى الله عليه وسلم حياته كلَّها والخلفاء الراشدون من بعده بما فيهم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الأموال التي كانوا يغنمونها من
المحاربين.
- ومن الناحية التاريخية
لا يعرف عن أحد منهم يفرض حيال مكاسب المسلمين وأموالهم شيئاً اسمه (الخُمس)؛ بل
ولا على أهل الذمة إنما هي الزكاة والصدقات والخراج والجزية وأمثالها.
ولبعض علماء الشيعة
الباحثين بعلمية وموضوعية لمسألة «الخُمس» دحض لشُبَه القوم وتكذيب لدعواهم التي
يسرقون بها أموال المساكين بهذه الدعوى الكاذبة، ومنهم - على سبيل المثال لا الحصر
- فضيلة الشيخ السيد (علاء عباس الموسوي) في كتاب قيم بعنوان (الخُمس بين الفريضة
الشرعية والضريبة المالية) حيث تبين له من واقع دراسته العلمية ظهور حقائق خطيرة
من أهمها:
1 - إن أداء (خُمس)
المكاسب للفقيه لا يستند إلى أي دليل، ولا أصل له البتة في المصادر الشيعية
المعتمدة؛ وهي الكتب الأربعة الشهيرة في المذهب (الكافي للكليني) و (فقه من لا
يحضر الفقيه) لابن بايويه القمي وتهذيب الأحكام والاستبصار لشيخ الطائفة (الطوسي)
مما لا يوجد معها دليل أو نص منقول عن الأئمة المعصومين عندهم.
2 - إن كثيراً من النصوص
الواردة عن الأئمة تسقط (الخمس) عن الشيعة، وتبيحه لهم خصوصاً في زمن الغيبة إلى
حين ظهور المهدي المنتظر عندهم.
3 - إن النصوص الورادة
تجعل أداء الخُمس للإمام ذاته وفي حال حضوره مع الاستحباب والتخيير بين أدائه أو
تركه وليس الوجوب.
4 - إن أحداً من العلماء
الشيعة القدامى الذين قام عليهم المذهب لم يذكر قط مسألة إعطاء الخمس للفقهاء؛ بل
لم يخطر ذلك لهم على بال.
5 - أن الخُمس حسب
النظرية الإمامية هو حق للإمام؛ إلا أن حكم أدائه إليه في كثير من الروايات
المعتبرة للاستحباب وليس للوجوب كما هو مفصل بالكتاب داعياً لقراءة بحثه هذا
بموضوعية وللبحث عن الحق وإلا فليسوا من المقصودين من تأليفه.
6 - إن نظرية الخمس في
أصل تكوينها تجعل للإمام نصف الخُمس وهو حق الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه
وسلم ولذي القربى، أما النصف الآخر فهو لليتامى والمساكين وابن السبيل - من بني
هاشم يعطى لهم ليفرقوه فيهم لا ليأخذه الفقيه لنفسه ليكنزه؛ إلا أن الواقع المشاهد
أن الفقيه يأخذ الخمس كله له من دون مراعاة لهذه القسمة! ولذا أصبحوا أصحاب ملايين
كما تتحدث حساباتهم في البنوك الأجنبية، وهناك أمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها
ويمكن الرجوع لهذا البحث القيم في بابه وقد اختصره مؤلفه في رسالة صغيرة لسرعة
فهمه وتيسير تداوله بعنوان (الخمس جريمة العصر)[3].
الردُّ الأخير: حول ما اسشتهد به الشيخ
راضي عن تبرير جعل المرجعية في الشيعة الفرس دون العرب الذين يقل وجودهم في
المرجعيات الحالية مستدلاً بحديث رواه الصحابي الجليل (أبو هريرة) ونصه (لو كان
الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس) أو قال من أبناء فارس حتى يتناوله. مراوغة
في الحقيقة عن الإجابة، فهم لا يثقون في علماء العرب من الشيعة الذين ظهر لهم أن
بعضهم اهتدى للسنة ممَّن نبذ عقيدة التشيع الصفوي، وكشفوا زيفها من مثل (موسى
الموسوي) و (علاء الموسوي) وغيرهم، ويمكن الرجوع لدراسة قيمة عن التشيع المعتدل
صدرت بعنوان (إعلام التصحيح والاعتدال) تأليف الاستاذ خالد بن محمد البديوي حيث
ذكر عشرات من هؤلاء المهتدين من مثل (آية الله البرقعي) و (الشيخ محمد الياسري) و
(آية الله إسماعيل الخونئي) وغيرهم. ثم لماذا يرجعون لأحاديث رواها أهل السُّنَّة
وعن أبي هريرة خاصة وهم الذين لا يؤمنون بها ويكفِّرون رواتها من الصحابة الكرام
عدا قلة لا تتجاوز أصابع اليدين أما حديث (لو كان الدين في الثريا لذهب به رجال من
فارس..) فهم العلماء المؤمنون بالقرآن والمؤمنون بالسُّنَّة ولا ينكرونها بزعم أن
لديهم ما يروى عن أهل البيت المعصومين، ولا يكفِّرون الصحابة ولا أمهاتِ المؤمنينِ
أولئك هم العلماء المعروفين من نقلة السُّنَّة والمبرزين في الفقه والأصول، أما
الفرس أمثال (الخميني) والخامنئي) و (القزوني) و (الشيرازي) و (السستاني) فليسوا
ممَّن ينطبق عليهم الحديث ولا كرامة. فيا ترى هل أصاب الشيخ راضي حبيب في إجاباته
أم جانبه الصواب؟ ولعلكم توافقوني الرأي بأن الشيخ سقط في الامتحان لعدم علمه
بمصادر مذهبه الشهيرة فضلاً عن جهله بمصادر أهل السُّنَّة، وبالتالي لم يوفق في
الامتحان لذا لا ينطبق عليه مسمى (باحث إسلامي) أو حتى ناشط في مجال التقريب.
أسأل
الله له الهداية والتسديد كما هدى غيره من العلماء الذين اهتدوا وأعلنوا ذلك على
رؤوس الأشهاد إنه ولي ذلك والقادر عليه والله من وراء القصد.
::
موقع مجلة البيان الالكتروني
[1]
صحيفة
السياسة الكويتية العدد 15631/44 بتاريخ 6/6/1433هـ
[2]
بتصرف من
كتاب (زواج المتعة عند الشيعة الأمامية) للشيخ عثمان الخميس.
[3]
بتصرف من كتاب (الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية) تأليف السيد علاء
الموسوي.