• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانهيار العراقي والتواطؤ الأمريكي

تم تأسيس شركة المهندس العامة للإنشاءات والمقاولات الميكانيكية والزراعية والصناعية، وتعد مليكتها لقوات الحشد الشعبي وقد تم تمكينها للاستحواذ على كافة العقود الحكومية لتعزيز سيطرة إيران على الاقتصاد العراقي


المشهد السياسي العراقي يظهر الآن بصورة مستقرة ولا يعاني من فراغ سياسي مع انخفاض الاحتجاجات، كذلك بالنسبة للمليشيات المدعومة من إيران فقد قللت من صراعاتها وهجماتها على الأهداف الأمريكية والدبلوماسية. يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سولفيان، إن الولايات المتحدة لا يزال لديها أجندة في العراق لتعزيز استقلالها عن طهران. المقياس في ذلك هو قدرة واشنطن على التصالح مع وكلاء إيران هناك، بالتوازي مع المنافسة الصينية الروسية، فواشنطن تعاني من الكثير من التنافسية في منطقة الشرق الأوسط في ظل توسع تأثير الأقطاب الأخرى مثل تركيا والصين وروسيا.

خلف الهدوء الذي تشهده العراق سيطرة غير مسبوقة لحلفاء إيران على البرلمان والقضاء والسلطة التنفيذية، وهذا الأمر مكنهم من اللعب بالنظام السياسي لصالحهم وسهل لهم عملية نهب موارد الدولة، كل هذا لم يكن لينجح لولا تسامح واشنطن معهم. لدى العراق حكومة يديرها محمد شياع السوداني وهو عضو في الإطار التنسيقي المتحالف مع إيران، لم تشكل هذه الحكومة إلا عقب انسحاب التيار الصدري عام 2022 من البرلمان. بفضل هذه الخطوة أصبح السوداني مجرد مدير تنفيذي يسير وفق تعليمات تحالف إيران في العراق الذي يقاد من قبل ثلاثة من أمراء الحرب وهم قيس الخزعلي، قائد مليشيات عصائب أهل الحق، ونوري المالكي وزعيم منظمة بدر هادي العامري.

كان هؤلاء الثلاثة جزء من المعارضة العراقية التي دعمتها واشنطن خلال الاحتلال الأمريكي للعراق من عام 2003 إلى 2011، وكذلك عقب استيلاء تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق كررت واشنطن دعمها لهذه المليشيات باعتبارها أدوات للسلطة وليس مليشيات تدعمها إيران. وفي عام 2019 أسقط أمراء الحرب المظاهرات الجماهيرية التي اندلعت في العراق احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وبرز مقتدى الصدر من خلالها كواجهة شعبية تصادم إيران لكن في حقيقة الأمر كان الصراع على مركز صناعة القرار في الدولة العراقية.

يسيطر الإطار التنسيقي على مجلس الوزراء والبرلمان حتى الانتخابات المقبلة في أكتوبر 2025، والأهم من ذلك كله سيطرتها على رئيس مجلس القضاء الأعلى وكبير القضاة، فائق زيدان، الذي يعد من أبرز حلفاء أمراء الحرب، وهذا الأمر تسبب في تدخل المحكمة العليا في سياسيات البلاد وتحصين المليشيات الشيعية، فقد غيرت المحكمة تشريعات تشكيل الحكومة وقررت بأن كتلة الصدر بحاجة لأغلبية الثلثين في البرلمان لتشكيل الحكومة بدلاً من أغلبية بسيطة.

كذلك فإن الإطار التنسيقي قطع شوطاً طويلاً في التغلغل داخل مؤسسات الدولة العراقية سواء في جهاز المخابرات العامة أو مطار بغداد أو حتى المراكز الجمركية الحدودية. فبعد سيطرته على هيئة تنظيم وسائل الإعلام تمكن الإطار من وضع لوائح صارمة تحجم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتقيد أي انتقادات للمليشيات أو لحليفتها إيران.

بالإضافة إلى سعيه للهيمنة السياسية، فقد شرع زعماء الإطار التنسيقي في الاستيلاء على أصول الدولة مثل الأراضي الحكومية، وقد تم تأسيس شركة المهندس العامة للإنشاءات والمقاولات الميكانيكية والزراعية والصناعية، وتعد مليكتها لقوات الحشد الشعبي وقد تم تمكينها للاستحواذ على كافة العقود الحكومية لتعزيز سيطرة إيران على الاقتصاد العراقي من خلال الحصول على أراضي حكومية مجانية وتمويل من مؤسسات القطاع العام.  في ديسمبر 2022 حصلت الشركة على 1,2 مليون فدان من الأراضي الحكومية على طول الحدود العراقية السعودية وتقدر هذه المساحة بنصف مساحة لبنان، بالإضافة إلى ما سبق فإن المليشيات تحاول السيطرة على عائدات الدولة فقد قدرت ميزانية الحكومة بأنها الأكبر في تاريخ العراق وقد بلغ الإنفاق المقترح 152 مليار دولار أي بزيادة 50% عن الميزانية السابقة لعام 2021 وقد تعهدت الحكومة بالحفاظ على هذا المعدل من الإنفاق حتى عام 2025.

أحد مستهدفات حكومة الإطار التنسيقي في العراق زيادة أعداد قوات الحشد الشعبي من 122 ألف مقاتل إلى 238 ألف شخص وهي زيادة سوف تقوم الدولة بتمويلها.

تقول مجلة فورين آفيرز إن الولايات المتحدة يمكنها أن تقوم بتأثير كبير لوقف هذا المد الإيراني في العراق الذي يستنزف مقدرات الشعب العراقي لصالح مليشيات مسلحة هي المسؤول الأول عن العنف في البلاد، إلا أنها تغض الطرف عن ذلك، فقد شعر كبير القضاة، فائق زيدان، بقلق كبير حينما تم تهديده من قبل واشنطن بأنه سيكون ضمن لائحة العقوبات الأمريكية، لكن كل ذلك توجته واشنطن  بالموافقة على إنشاء مشروع شركة المهندس بعد رفضها لسنوات، و التي ستكون بمثابة وحش اقتصادي سيبتلع العراق لصالح إيران، فقد سمحت لحكومة السوداني بالموافقة على إنشائها وهي تعلم جيداً من المستفيد من أعمال هذه الشركة.  

أعلى