العقاب البدني وصفات العقوبة الناجحة
في عصرنا الحالي تتعالى الصيحات ضد العنف ،ومنع الضرب
أو استخدامه كوسيلة تربوية وخاصة في المدارس رغم مرور زمن طويل على استخدامه إلا
أنه اكتشف أنه طريقة سلبية و نتائجها مدمرة .
وقد كثرت شكوى المعلمين في العقود الأخيرة من انخفاض
مستوى ما يلقونه من تقدير واحترام، ومن ثم تدني مستوى مكانتهم في نفوس طلابهم،
وبالتالي تنخفض هيبة المدرسة أو المحضن التعليمي، وحين نبحث (بحياديه) في صميم هذا
نجد أن للمعلم دور بارز في ذلك فأنت ترى المعلم حين يتسم ببعض الصفات هي بلا شك
باعثة جمهور المتربين على التمرد، والفوضوية، ومن ذلك ما ذكره الدكتور عبد الكريم
بكار في تعديده صفات من يتضرر من المعلمين جراء انخفاض مستوى هيبتهم ومكانتهم: (تماسك
شخصية المعلم ومدى سيطرته على انفعالاته. ومن المعروف أن كثيراً من هيبة المعلم
يمسي موضع تساؤل نتيجة كثرة ضحكه وسرعة غضبه وتدني مستوى اهتماماته )
ويعتقد بعض المعلمين أن التعامل مع الطلاب برفق وشفقه
ورحمة وإحسان، والنزول إلى مستواهم ضعف في الشخصية، ويرى البعض أن قوة الشخصية
ترتبط بالشدة المفرطة والعبوس والتعسف والجور، وذلك يجعل الفصل ثكنة عسكرية، ويزداد
الأمر سوءاً عندما يضع بعض المعلمين حواجز مصطنعة بينهم وبين الطلاب من خلال
نظرتهم التشاؤمية كما أفرط بعض المعلمين في تعاملهم مع الطلاب بترك الحبل على
الغارب ،فارين من المسئولية الملقاة على عاتقهم متحججين بذرائع هشة وأوهام خاطئة.
ولو تساءلنا
لماذا يملك هذا المعلم حب الطلاب واحترامهم داخل الفصل وخارجه ؟ ينما نجد المعلم
الآخر لا يملك إلا بغضهم وكراهيتهم
....إذا لابد من وجود خلل !!!
ولنا في رسول الله أسوة حسنة فهو المعلم والمربي الأول
والقائد، فقد كان يحسن إلى البر والفاجر، والمسلم والكافر. فقد قال تعالى مخاطبا
نبيه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [سورة
آل عمران:159] . ولا غرابة في ذلك، وهو القائل :( إن الرفق ما يكون في شيء إلا
زانه ،وما نزع من شيء شانه ). وقولهم عن حديث الضرب على الصلاة لعشر سنين - عن
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم : " مُرُوا
أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ
عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ
"قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود [ 2 / 401 ] : وهذا إسناد حسن .اهـ
( وإن كان هناك نظر عند بعض المحدثين في إسناد الحديث على طرقه المتعددة)، ولكن
نلاحظ أن البعض من خلال هذا النص النبوي اعتمدوا عليه كمنهج للعقاب البدني على أي
وجه, وكيفما شاء, ولأي سلوك خاطئ, وهذا مخالف لحقيقة النص, لأسباب منها
:
- الأمر المتعلق
به هو الصلاة, وكون الصلاة هي عمود الإسلام, والصلاة الفريضة ركن قائم على الصغير
والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد فقد
أورد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوسائل التي تكون حتى يُباح الضرب التربوي بلا
شك، والوسائل تقوم على أمور منها ( التدرج – الاستمرارية - الصبر – المتابعة
والتحفيز ) ولو عد الإنسان عدد الصلوات
طيلة الثلاث السنوات التدريبية إذا افترضنا السنة فيها (360) يوماً لتكن المعادلة :
360(يوماً في
السنة)× 3(عدد السنوات التدريبية) × 5 عدد الصلوات في اليوم والليلة = (5400)صلاة .
وبالتالي شُرع الضرب بعد هذا الكم الهائل من التعليم و
التدريب والصبر في ذلك ،على أن يكون حتى ضرباً ليس مبرحاً، ولا يعُبر عن غضب
وانتقام ، وفيه الإيلام غير المؤذي .
ومن هذا المنطلق نجد أننا مكابرين إذا اعتدنا الجور
على أبنائنا الطلاب بالعقاب البدني تحت هذا النص.
والضرب ليس هو
الأصل أبداً، ولا يلجأ إليه إلا عند استنفاد الوسائل الأخرى للتأديب، أو الحمل على
الطاعات الواجبة، كما في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ
اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } [سورة النساء:34] ومثل الحديث السالف :"مروا
أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"
أما استعمال الضرب دون الحاجة فإنه اعتداء. وروى مسلم
في صحيحه عن فاطمة بنت قيس: (أن زوجها طلقها، فأمرها رسول الله أن تعتد في بيت ابن
أم مكتوم، وقال: إذا
حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني،
فقال رسول الله: فأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال
له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، فقال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه
خيرا، واغتبطت به) فانظر إلى ما كان يكرهه النبي –صلى الله عليه وسلم - من صفات
الرجل لاسيما صفة أبي الجهم, ورسول الله لا ينطق عن الهوى، أما من يرى عدم استخدام
الضرب مطلقاً فرأيه خاطئ يخالف النصوص الشرعية إلى حد ما لاسيما في الحدود الشرعية,
وما أوصى به الشرع الحنيف لتأديب المرأة،
وتعليم الولد
الصلاة, ولكنها على الترتيب كما ورد.
-
الحدود الشرعية المقامة على أصحابها, ومنها الجلد, وكلنا يعلم أن منها ما أنزله
الوحي, ومنها ما يكون تعزيراً, وكلها ليست في حق المربي أياً كان، وإن التزم البعض
في ذلك فلا يزيد على ثلاث ،ولا يجرح، و لا يضرب في الوجه، ( قال ابن خلدون: وقد
قال محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين: ( لا ينبغي
لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئاً ).
موانع العقاب
البدني
1- لقد تجاوز المصطفى صلى الله عليه وسلم -كل إشكاليات
العقاب البدني والنفسي حتى أصبح مع فتاه الذي عاش معه عشر سنين يضرب أروع النماذج
في التعامل، وإن من أراد أن يكون كذلك ما عليه سوى أن يُقرر ابتداءً ثم يخلق جميع
الفرص للسير مع هذا المنهج الرفيع الذي لا يزيد المربي إلا قبولاً وتواضعاً.
2- وجود البدائل التي تحول دون العقاب البدني, ومن ذلك
ما يُسمى بـ(التعزيز السلبي), والذي يقضي على السلوك السلبي من خلال فعل يؤمر به
المتربي أو يُمنع منه ومن أمثلة ذلك:
أ - الحرمان
الجزئي مما يستهويه المتربي، ويُحبذ ماله علاقة بالسلوك كمن تأخر مع زملائه ليلاً
فُيمنع من مسامرتهم ليلة قادمة، أو من تأخر في إحضار عملٍ ما فإنه يؤخر من الخروج
للفسحة الدراسية ،أو غير ذلك .
ب ـ الهجر
التربوي والذي نأخذ آدابه من فعل المصطفى –صلى الله عليه وسلم - مع الثلاثة الذين
تخلفوا عن غزوة تبوك فلم تزد المدة عن
خمسين يوماً ولم يتعرضوا لأذى، وكان هجراً
مؤلماً لهم .
العقــاب
النفسي للطفل
نجد أن أثره لا يزول كما يحصل في العقاب
البدني وله أسباب عده منها ما يلي:
- التهكم والسخرية, والاستهزاء بالذات, وربما بالذوق,
و ليعلم كل منا أن تسفيه الذات وتهميشها هو القنبلة الناسفة للشخصية الإيجابية.
-
التشهير، والتوبيخ العلني، ومن آثاره عدم بث روح الرجعة عن الخطأ, والرجوع عن
السلوك السيء, بل يُضيف عزماً وقوة أشد في المضي فيما هو عليه, إذ لسان حاله يقول:
ماذا أستفيد من تعديل سلوكي, وقد عرف الجميع ذلك.
- المقارنة بينه وبين أقرانه وإخوته, هذا يجعل
الحسد والبغضاء والأنانية واستنقاص الأصدقاء والمضي في الخطأ خلقاً دائماً في نفس
الطفل أياً كان -إلا ما رحم الله- .
- الرسائل السلبية (أياً كانت), والتي توحي بعضها
إلى جلد الذات, واحتقار الإنجاز, وضعف الإرادة في التغيير, وطغيان السلبية.
ضوابط وشروط
العقاب البدني
1- يجب أن يكون العقاب البدني متناسبا مع الذنب في
كميته ونوعه.
2-
يجب أن يوقع العقاب بُعيد اقتراف الذنب، أما تأجيله لفترة طويلة أو قصيرة فيفقده
المعنى والفائدة.
3-
لا يجوز أن يوقع العقاب إلا بعد أن ينبه الطفل إلى خطئه ويعطى فرصة كي يقلع خلالها
عن خطئه، فإذا أصر على الخطأ عاقبناه.
4-
علينا أن نقلل من العقاب ما استطعنا، وأن نستعمل العقوبة بالتدريج بدءاً من الأضعف
فالأشد، إذ لعل الطفل أن يرتدع منذ البداية
ويتمشى هذا المبدأ مع الحكمة القديمة المأثورة :"لا أستعمل سوطي مادام ينفع صوتي، ولا أستعمل صوتي مادام ينفع
معي صمتي ".
وهكذا فلعل الصمت والتأنيب الصامت الوقور ينفع مع طفل
حساس أكثر ما ينفعه الضرب والإيلام .
5- وعلينا حين نعاقب أن نلتزم الهدوء والأناة والبعد
عن الانفعال وذلك لئلا تأخذ العقوبة طابع التشفي والانتقام .فمن أكبر الأخطاء شدة
انفعال الآباء في أثناء العقاب حتى إن بعض الآباء يضرب بشدة ويطلب من ولده عدم
البكاء (وهذا مطلب مستحيل للألم الناتج عن الضرب).
6-
ومع ذلك يجب أن يكون ألم العقوبة أكبر من اللذة التي يشتقها الطفل من الذنب .يجب
أن نبتعد ما أمكن عن لغة التهديد والوعيد
لأن التهديد إما أن يؤدي إلى هلع وخوف كبير، وإما أن يعرف الطفل أننا نهدد
ولا نصنع شيئا من تهديداتنا فلا يبالي بها.
7-
لا يجوز أن تمتد العقوبة فتتحول إلى إهانة للطفل وإهدار لكرامته.
8-
لا يحسن أن نوقع العقوبة على الطفل أمام
أخوته أو أصدقائه أو منافسيه.
9-
علينا أن نعيد النظر في كل عقوباتنا على الطفل التي اعتدنا عليها لتقويمها وطرح
السيئ منها وغير المعقول.
صفات العقوبة
الناجحة
لكي تكون نتيجة العقاب ايجابية لابد من توفر
بعض الشروط في العقاب وهي:
1- أن يكون العقاب مناسبا للعمل
،فمن وسخ ينظف ،ولا يكون من الخفة بحيث لا يجدي ولا من الشدة بحيث يجرح الكبرياء.
2-
أن يكون عادلا، فإن عوقب طفل لأنه ضرب زميله فلابد أن يعاقب كل طفل يقوم بالعمل
ذاته.
3- أن يكون فوريا ليتضح سبب
العقاب.
4-
أن يخفف العقاب في حال اعترف الطفل بخطئه.
5-
التدرج في العقوبة، بحيث يبدأ بتوبيخ الطفل المعاقب سرا في بداية الأمر.
6-
عدم تهديد الطفل بما يسيئ إلى المبادئ، مثل تهديد الطفل بإبرة الطبيب ،أو بالشرطة
وغيرها.
7-
عدم تكرار الوعيد والتوبيخ الذي لا جدوى منه.
8-
عدم استخدام كلمة سيئ أو بليد ،أو غبي ،أو مناداته بـ كذاب، لص وغيرها.
9-
عدم مناقشة مشاكل الأطفال أمام الآخرين.
10-
تجنب شكوى الطفل إلى أقاربه أو مدرسته إلا في الحالات التي تستدعي المساعدة من
الغير.
11-
أن يشعر الطفل المعاقب أن العقوبة لمصلحته وليس للتشفي أو الغضب.
12-
عدم إعطاء الوعود بالثواب بأشياء لا تستطيع الوفاء بها.
13-
الاهتمام بالثواب أكثر من العقاب.
المراجع :
http://www.saaid.net/Doat/thabit/56.htm
- المعلم الناجح للدكتور عبد الله
العامري .
هذا واسأل الله
التوفيق والسداد
والله ولي
التوفيق
:: موقع مجلة البيان الالكتروني